كانت مياه الاستحمام المعطّرة ببتلات الورد دافئة و عطرة ، تُرخي عضلات الجسم كلّه برفق.
غرفة الدوقة التي نُقلت إليها أمتعتها كانت واسعة إلى درجة لا تُقارن بغرفة المستودع في القصر الإمبراطوري ، بل تضاعف مساحة و فخامة غرفة الكونتيسة والدة دافني مرّتين على الأقل.
‘قلعة الدوق مختلفة حقًّا’
استلقت إفريلين في حوض الاستحمام و هي تتأمّل السقف المزخرف بزخارف بارزة فخمة و تفكّر.
كانت تظنّ أنّ قلعة دوق بلايز لن تكون مريحة كثيرًا ، لأنّ أراضي الدوق تُعرف بأنّها من أشدّ أراضي الإمبراطوريّة قحلاً و فقرًا في الإنتاج.
لكنّ العامّة وحدهم هم من يعانون ، أمّا النبلاء فيملأون بطونهم باستغلال العامّة ، فطبيعيّ أن يعيشوا بهذا الترف الخالي من النقص.
‘لا يمكن لوحش مثل نايت أن يملك ذرّة من الأخلاق’
نهضت إفريلين بجسدها المبلّل ، فسقطت قطرات الماء منها في الحوض.
سمعت صوت خادمة من الخارج.
“هل انتهيتِ من الاستحمام ، سيدتي؟”
في الأصل ، من المتوقّع أن تساعد الخادمات في الاستحمام ، لكنّ إفريلين صدّتهنّ بأمر بارد.
إن رأين الوشم الواضح على لوحي كتفيها حيث جُمع السمّ ، فقد تنتشر إشاعات لا داعي لها ، فالاستحمام وحدها أفضل.
“ليس بعد ، انتظري”
لفّت نفسها بالمنشفة بعناية ، ثم ارتدت الروب الذي أعدّته الخادمات.
ثم وقفت أمام المرآة تتأمّل انعكاسها.
شعرها الذهبي الذي يغطّي نصف ظهرها مبلّل ، و وجهها الذي صار أنقى ممّا سبق ، و عيناها البنفسجيّتان البارزتان ، و أنفها المستقيم ، و شفتاها الحمراوان ، كلّها كانت على شكل محبّب.
و إلى جانب ذلك ، انحناءات أنثى واضحة لا تتناسب مع جسدها النحيل.
كان جمال إفريلين ساحرًا إلى درجة تجعل أيّ رجل من حجر يشتعل رغبة.
حتى نظرة سيدريك المقزّزة التي يوجهها لأخته غير الشقيقة تؤكّد هذه الحقيقة.
“ها …”
لكنّ ذلك لم يكن أمرًا مرحّبًا به بالنسبة لها.
صوت إدوين الذي همس في أذنها سابقًا يوحي بأنّه لا ينوي أن يترك هذه الليلة تمرّ هباءً.
‘اصبري’
تنفّست إفريلين بعمق ، أومأت برأسها للمرآة ، ثم نادت الخادمة.
دخلت الخادمات فورًا ، جفّفن شعرها بعناية بالمناشف ، ثم رذذن عليها عدّة مرّات ماءً معطّرًا برائحة الورد ، ثم قدنها إلى غرفة نوم الدوق.
طوال سيرها في الرواق الفخم ، شعرت حقًّا و كأنّها حيوان يُساق إلى المذبح.
كلّما التقت بعينيه الزرقاوين ، تتداخل معهما عينا نايت القاسيتان اللتان كانتا تصوّبان المسدّس نحوها.
‘لا ، يجب أن أصبر. ليس لديّ خيار’
عندما كرّرت ذلك في نفسها مرّة أخيرة أمام باب غرفة النوم الضخم ، انفتح الباب.
دخلت الغرفة الواسعة ذات الإضاءة الخافتة ، فرأت إدوين يحتسي النبيذ قرب النافذة ، ثم أدار ببطء نظره نحوها.
هبّت الريح من الخارج فحرّكت شعره الأسود ، و عيناه الزرقاوان المضيئتان تحت ضوء القمر كانتا تلمعان ببريق حادّ.
كتفاه العريضتان تحت قميصه الأبيض بدتا أوسع من المعتاد ، و جسده القوي الصلب يفوح منه رجولة طاغية.
في اللحظة التي وضع فيها الكأس على إطار النافذة ، لمعت عينا إفريلين بلمعان غريب.
تخيّلت نفسها تركض نحوه فجأة ، تنتزع الكأس و تجرح عنقه به.
لكنّ ذلك الشكل لم يكن إفريلين الآن ، بل دافني.
بهذا الجسد الضعيف ، مستحيل أن تهزم رجلاً مثله ، فاستحضرت بكلّ قوّتها أنّ لديها خطّة أخرى.
“……!”
استفاقت فوجدت إدوين قد اقترب منها تمامًا.
بيده التي أمسكت ذات يوم بالمسدّس الذي أطلق على والدها ، قبض على خدّها.
غاصت نظرته الثاقبة في عينيها البنفسجيّتين.
“… كنتُ أظنّ أنّكِ ستفرّين”
خرج من شفتيه المتحرّكتين صوت منخفض يحمل سخرية باردة.
ارتجفت عينا إفريلين البنفسجيّتان.
‘كنتَ تظنّ أنّي سأفرّ؟’
“هكذا لن أضطرّ إلى كبح نفسي”
لم تفهم نيّته.
فجأة ، انحدرت شفتاه بزاوية و غطّتا شفتيها.
اخترقت أنفاسه فمها فشبك شفتيهما.
“……!”
ارتعبت إفريلين من قبلتها الأولى ، فحاولت التملّص بغريزة ، لكنّها لم تستطع الإفلات من ذراع إدوين القويّة التي ضمّت خصرها.
‘نايت!’
شعرت بقشعريرة مخيفة و نفور لا يُوصف ، و هي تلهث ، فواصل إدوين ملاحقتها.
كمن يغرق في الماء ، صعُب عليها التنفّس.
أسوأ من شرب السمّ ، شعرت أنّ قلبها يحترق.
“ها … ها …”
دفعت صدره الصلب بكلّ قوّتها ، فانفصلت شفتاهما ، ثم صفعته على خدّه بيدها و هي تلهث.
“ها … ها …”
كان عقلها مخدّرًا بعد تلك القبلة الشرسة ، و جسدها يرتجف كأوراق الحور.
نظر إدوين إلى إفريلين التي تحدّق به بعينين تعصف بهما الخوف و الغضب ، فلوى شفتيه ببرود.
لم يكتفِ بأن لم يعبس بعد تلقّي الصفعة ، بل ظلّ يتأمّلها بثبات ، فارتجفت عيناها مجدّدًا.
وهمٌ لا معنى له ، لكنّها شعرت أنّه يرى أعماقها و يسخر منها.
كأنّه يسخر من مدى هشاشة عزمها على تحمّل أيّ شيء من أجل الانتقام.
كأنّ ضحكات الصيادين تدوّي في أذنيها من كلّ الجهات.
“ها …”
غمرها شعور عميق بالبؤس. لا تستطيع إنكار ضعفها.
عقلها الذي لم يمسه رجل من قبل كان يتخبّط في الإهانة.
يترجّى ألا تُداس تحت هذا الوحش القاسي.
تريد أن تنسى كلّ شيء و تهرب من هذه الغرفة ، من هذه القلعة.
لكنّها لا تستطيع.
من أجل نفسها. من أجل كلّ من ماتوا.
و من أجل إفريلين الحقيقيّة التي بذلت حياتها.
“سيّدتي”
خرج من شفتيه صوت منخفض ممزوج بتنهيدة خفيفة.
ارتعشت أطراف أصابع إفريلين مجدّدًا.
كان هناك خدش خفيف على خدّه الذي ضربته بكلّ قوّتها.
“ادخلي و نامي اليوم”
ارتجفت عيناها عندما سمعت كلامه أخيرًا.
كان صوته هادئًا و مستويًا ، يبدو كأنّه يهدّئ ، و كأنّه يأمر ، و كأنّه يسخر أيضًا.
استدار إدوين و ابتعد عنها نحو النافذة ، فبقيت واقفة مكانها تتفرّج عليه.
“……”
ثم رفع الكأس التي كان قد وضعها سابقًا و شرب منه.
انحنى عنقه مع تدفّق الخمر إلى فمه ، فتحرّكت تفّاحة آدم صعودًا و هبوطًا.
مرّت الريح الباردة من الخارج فحرّكت شعره.
“آه …”
استدارت إفريلين ، دفعت الباب بيد مرتجفة ، ثم خرجت من الغرفة كأنّها تفرّ و مشيت بسرعة بوجه شاحب.
استدار إدوين عندما سمع صوت الباب يُغلق و خطواتها تبتعد ، فرفع عينيه إلى الباب الذي فتحته و خرجت منه.
كان عبير أنفاسها الحلوة كعصير الفاكهة لا يزال يعبّق طرف أنفه برفق.
لوى شفتيه بسخرية خفيفة ، تحرّكتا للحظة كأنّهما ستقولان شيئًا قصيرًا ، ثم أغلقتا.
**
“ها ، ها”
في غرفة الدوقة ، على السرير ، جلست إفريلين منحنية الكتفين بشدّة ، تلهث غارقة في احتقار ذاتي عميق.
لم تتحمّل مجرّد قبلة ، فرفضتها و صفعته على وجهه.
هي التي عزمت على كسب الوقت سنوات بصفتها زوجته ،
هي التي قرّرت أن تتحمّله.
‘هل كانت إرادتي ضعيفة إلى هذا الحدّ؟’
كانت قائدة الأفعى السوداء ، و بطلة حروب الإمبراطوريّة ، و السيّدة الوحيدة بين سادة السيف.
لكنّها الآن لا تختلف عن جندي مهزوم فرّ بجبن.
هل أثّر عليها الوقت الذي عاشته كفريسة على شخصيّتها؟ أم أنّ طبيعتها الأصليّة ضعيفة؟
تساقطت الدموع من تحت رموشها الكثيفة قطرة ، قطرة.
‘هل كنتِ حقيرة إلى هذا الحدّ ، يا دافني؟’
لو تظاهرت بالاعتذار بأنّها قبلة رجل أولى لها ، فربّما يتجاوز الأمر.
فهي هديّة الإمبراطور ، و أميرة من الدم الملكي.
لكنّ رفض واجبات الزوجة من سيّدة نبيلة سيضعف مركزها لا محالة.
قد تُطلَّق ، أو يأتي بأبناء غير شرعيّين من الخارج ولا تستطيع الاعتراض.
نايت ليس من النوع المتسامح مع النساء ، ولا ذا قلب ليّن.
‘انتبهي ، في المرّة القادمة يجب أن تتغلّبي عليه حتمًا. مع نايت هذا …’
شعرت أنّ عقلها سينفجر من بقايا تلك القبلة الحارّة الجارفة التي كانت تلفّ جسدها كلّه.
بينما كانت ترتجف أطراف أصابعها و هي تتذكّر تلك اللحظة المريعة ، سمعت فجأة صوتًا ما من خارج النافذة.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"