– مرحبًا بكم في قصر روز. 

الفصل التايع

انسكب النبيذ الأحمر كالدم على اللحم. تسلل النبيذ إلى مفرش المائدة الأبيض، ملطخًا إياه بالرطوبة.

“آلان.”

نادى روجيروز مجددًا على آلان أوتيس. ارتسمت على شفتي آلان ابتسامة ساخرة واضحة.

“أشياء كهذه.”

كان الشاب لا يزال ممسكًا بكأس النبيذ. في اللحظة التي التقت فيها عيناه بعيني روجيروز، رمى آلان الكأس دون تردد.

طار كأس النبيذ إلى زاوية غرفة الطعام، وتحطم إلى قطع مع صوت حاد.

“ضعها في فمك. لا أستطيع أكل طعام الكلاب هذا.”

شهقت راشيل من التصريح القاسي، لكن روجيروز استمر في تناول الطعام بهدوء، ومسح فمه بمنديل بطريقة كريمة.

“آلان، اعتقدت أنني طلبت منك أن تتصرف بلطف أمام الآنسة هوارد.”

“لذا؟”.

وضع آلان أوتيس يديه في جيوب بنطاله، وكانت عيناه تتحدى روجيروز بشكل حاد.

“أحضروا آلافًا. انظروا إن كنتُ سأرقص على أنغام روجيروز والتر العظيم.”

ركل آلان أوتيس كرسيه جانبًا، وغادر غرفة الطعام. لم تصدق راشيل أن تلميذ روجيروز والتر الراقي، ووريث عائلة أوتيس المرموقة، كان بهذه القسوة.

“هل أنتِ بخير يا آنسة هوارد؟”.

بينما كانت راشيل لا تزال تتتبع صورة آلان، خطر ببالها سؤالٌ دقيق. استدارت، فرأت روجيروز ينظر إليها بنظرةٍ ممتدة.

“أنا آسف. عليّ الاعتذار نيابةً عنه. إدارة آلان جزءٌ من دوري.”

“لا… لا بأس. لم أُصب بأذى. لا داعي للاعتذار يا سيد والتر.”

“لا، من حقي أن أتحمل المسؤولية. أرجوكِ سامحيني. السيد الشاب آلان كان حساسًا بعض الشيء مؤخرًا.”

“أهاهاها!”.

ضحكة حادة قاطعت اعتذارات روجيروز. كانت السيدة أوتيس، التي كانت تلعب بسلطتها بهدوء وسط الفوضى. أمام كل هذا الاهتمام، اختفت ابتسامة السيدة أوتيس الساخرة وتحولت إلى وجه شمعي بلا تعبير، وحركت شوكتها ببساطة.

طقطقة. طقطقة. طقطقة. طعنت حبة طماطم كرزية مرارًا وتكرارًا. كآلة معطلة، بلا نهاية. طقطقة. طقطقة. طقطقة.

بعد محاولات فاشلة عديدة، ارتفعت يد السيدة أوتيس. وأخيرًا، نزلت الشوكة عموديًا نحو حبة طماطم الكرز.

قعقعة!

اخترقت الشوكة الطماطم بنجاح، لكنها حطمت الطبق أيضًا. مفرش المائدة، الملطخ بالأحمر من النبيذ الذي سكبه آلان أوتيس بسخاء، أصبح الآن في حالة فوضى تامة بسبب بقايا السلطة. لم يعد بإمكاننا مواصلة الوجبة.

ومع ذلك، لم يبدِ أحدٌ اهتمامًا. وقف الخدم بهدوءٍ في صفٍّ واحدٍ بابتساماتهم المُثلى، وقربت السيدة أوتيس حبة طماطم كرزية، ربما لمستها ذباب، إلى شفتيها.

انزلقت الطماطم المغرية بسلاسة بين شفتيها الحمراوين. راقبت راشيل المشهد في ذهول.

تحركت وجنتا السيدة أوتيس الشاحبتان ببطء، ثم ابتلعت لعابها برفق. وسرعان ما ارتسمت على وجهها ابتسامة لطيفة غريبة.

“هل ننهي عشاء الليلة هنا؟.”

ألقت راشيل نظرةً بين الطبق الأبيض المحطم ووجه السيدة أوتيس الجميل. ثارت أفكارٌ كثيرة، لكن لم يكن هناك سوى شيءٍ واحدٍ استطاعت النطق به.

“كان عشاءً رائعًا. شكرًا على الدعوة.”

***

“السيدة أوتيس تعاني من انهيارات عصبية.”

شرح روجيروز الأمر ببساطة. نظرت إليه راشيل.

“انهيارات عصبية؟”.

“زواج السيد والسيدة أوتيس ليس سعيدًا. السيد أوتيس نادرًا ما يبقى في برتراند.”

“آه…”

“ونظرًا لتوتر العلاقة بين الوالدين، لم يتمكن الأطفال أيضًا من النمو بسلام.”

عند وصوله إلى نهاية الدرج، مدّ روجيروز يده في إشارة مرافقة. شعرتُ وكأنني في قاعة رقص وأنا أمسك بيده.

“عائلة أوتيس الحالية “غير تقليدية” من نواحٍ عديدة. لا بد أن الأمر يبدو غريبًا بالنسبة لكِ يا آنسة هوارد.”

“لا بد أنك عملت في برتراند لفترة طويلة يا سيد والتر. تبدو كعائلتك تقريبًا.”

“بما أنني ربّيتُ الشاب آلان أوتيس، أشعر وكأنني جزء من عائلتهم. بالطبع، لا أستطيع الإقرار بذلك أمام عائلة أوتيس. لقد كنتُ معهم منذ أن كان الشاب آلان في الثانية عشرة من عمره، أي منذ ست سنوات تقريبًا.”

ثم هل لم تتمكن من مغادرة القصر لمدة ست سنوات؟.

وجدتُ رسالةً في غرفتي. هل أنتَ على درايةٍ بتلك القواعد الغريبة المذكورة فيها؟ هل ما كُتب فيها صحيح؟.

هناك شيء غريب في هذا القصر. أم أنه مجرد خيال؟.

ابتلعت راشيل الأسئلة المتصاعدة. حدس قوي دفعها إلى عدم التعبير عن فضولها بتهور.

وصلوا سريعًا إلى باب غرفة راشيل. أطلق روجيروز يدها برفق كسيل جارف.

“ستبدأ حياتكِ في برتراند غدًا. هل انتهيتَ من ترتيب غرفتكِ؟”.

“أمتعتي لم تكن كثيرة.”

“إذن يمكنكِ الراحة الآن. يمكنكِ استكشاف غرفتكِ أكثر، إنها مساحة رائعة.”

طرق روجيروز الباب بخفة. تسلل ضوء القمر برشاقة إلى ملامحه الرقيقة.

“هل تحبين برتراند، آنسة هوارد؟”.

ابتسم الرجل، الجميل كزهرةٍ مُطعّمةٍ بالسم، ابتسامةً جذابة. ولأنها أصبحت موظفةً في القصر، لم يكن لديها سوى ردٍّ واحد.

“نعم، أنا سعيدة لوجودي هنا.”

“يسعدني سماع ذلك. برتراند مكان جميل. إذا كان المرء حكيمًا، فهو ليس مكانًا سيئًا للعمل.”

تراجع الرجل خطوة إلى الوراء، وبدأ جسده الطويل يذوب ببطء في الظلام.

“أتمنى أن تتأقلمي جيدًا هنا يا آنسة هوارد. لا شك لديّ أنكِ ستنجحين.”

“أنت لطيف جدًا، سيد والتر.”

“ليس تمامًا. أحاول فقط أن أبدو لطيفًا. أريد أن أكون صديقكِ.”

للحظة، عجزت راشيل عن الكلام، ولم تستطع سوى أن تبتسم ابتسامةً محرجة. ضحك روجيروز بصوتٍ عالٍ.

“في لقائنا القادم، سأكون سعيدًا جدًا لو ناديتني “روجيروز” بدلًا من “السيد والتر”. هل ستفعليت ذلك من أجلي؟”.

“هل يجب أن أمنحك الإذن لاستخدام اسمي أيضًا؟”

“لا، ليس الآن. فقط عندما ترغبين بذلك حقًا، آنسة هوارد.”

انحنى روجيروز برشاقة، مثل ممثل في عرضه المسرحي، أنيقًا وكريمًا.

“ثم أتمنى لكِ أمسية هادئة.”

***

بعد إغلاق الباب ودخول غرفتها، انزلقت راشيل إلى الأرض.

‘هذا القصر غريب حقا.’

لم تستطع تفسير الأمر بدقة، لكنها كانت متأكدة. كان هناك شيء ما في هذا القصر لا يمكن عزوه فقط إلى الخلاف داخل عائلة أوتيس. ضمت راشيل ركبتيها إلى صدرها ورفعت رأسها لمواجهة الظلام الكثيف الذي يلوح في الأفق فوقها.

شعرت بقشعريرة، فنهضت، وأشعلت المدفأة، وحملت مصباحًا زيتيًا مضاءً من مكتبها. حسّن الضوء مزاجها قليلًا.

حدقت في المدفأة للحظة قبل أن تقترب من المكتب. وضعت المصباح على الأرض، واستلقت على ظهرها، غير مكترثة بتجعد أفضل فساتينها.

بعد بعض التخبط، شعرت أخيرًا بورقة تحت أصابعها. كانت الرسالة الغريبة التي أسقطتها قبل العشاء.

جلست راشيل أمام المدفأة وهي تحمل الرسالة بعد أن قامت بتعديل فستانها.

[لقد كتبت هذه الرسالة لمساعدتك في عيش حياة آمنة ومسالمة في القصر في العام المقبل.]

لو كانت هذه الرسالة صحيحة بالفعل… . 

مسحت عيناها الخضراوان الرسالة ببطء. توقفت نظرتها عند جملة معينة.

[لا تهتم بالابن الاكبر في عائلة أوتيس.]

‘أكبر أبن لعائلة أوتيس…’.

الشاب الذي، سواء أكل أو خرج غاضبًا، بدا وكأنه لا يهم أحدًا سوى المعلم، روجيروز والتر. ألقت راشيل نظرة على النيران، ثم دفنت وجهها في الرسالة. وسرعان ما حُفرت كل تفاصيل الرسالة في ذهنها.

لا بد أن يكون هناك سبب لوجود مثل هذه الرسالة في هذا القصر الغريب.

ليس الأمر كما لو أنه يُطلب مني صفع خدود الأطفال كل صباح. لا ضرر من توخي الحذر.

لا تُفكّري كثيرًا. كالعادة، فقط تقبّلي، وتكيّفي، وتصرّفي وفقًا للقواعد.

هذا ما أنتِ الأفضل فيه، راشيل.

وبعد قراءتها الثانية بعناية، ألقت الرسالة في الموقد، حيث احترقت بسرعة وتحولت إلى رماد دون أن تترك أثراً. وقفت راشيل، وأغلقت باب غرفة نومها، وسحبت الستائر بجانب النافذة بعناية.

كل شئ سيكون على ما يرام.

طمأنت نفسها.

لقد بدأت الليلة الطويلة للتو.

~~~

لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!

حسابي انستا: roxana_roxcell

حسابي واتباد: black_dwarf_37_