01
في زمنٍ ساد فيه القتال كأمرٍ مُسلّم به، وانتشرت فيه الرغبات واللامبالاة، كان العالم غارقًا في الفوضى.
لم يكن ما امتلكه المرء كافيًا لإشبـــاعه، كما أنّ الأسرار التي يحملها كلٌّ في صدره بقيت دون خلاص.
ورغم ذلك، كانوا يقاتلون ليبقوا على قيد الحياة.
وفي طريقهم حتى هذه اللحظة، تناثرت الدماء عليهم وتركوا خلفهم جراحًا متفرقة.
ورغم قسوة المشهد، كانت أزهار الكرز فوق رؤوسهم تتفتح في كامل بهائها، تتساقط برقةٍ وجمال.
«لم أتخيل قط أنني سأقف في وجهك بالسيف…»
«كنتُ أعلم ذلك منذ صغري…»
لم ينسَ مرارة السجن الذي أُودع فيه.
ومع ذلك، لم ينسَ أيضًا ذكريات الطفولة البريئة حين لعبا سويًا.
«اقتُلـــــني…»
قالها الأحمق أمامه، وهو يضع سيفه جانبًا ويجلس القرفصاء.
انفجرت المشاعر داخله، ما بين الغضب والانفعال.
«لا تعبث! قاتلني بجدارة! لا حاجة بي إلى شفقة.»
كلاهما يعرف جيدًا قوة الآخر، حتى لكأنها أصبحت عبئًا.
ولقاؤه به مجددًا لم يكن إلا إشارة إلى نهايته.
ومع ذلك، إن كان لا بد من القتال، فليكن بكل ما أوتي من قوة.
«مفهوم…»
عقد حاجبيه وأغمض عينيه، ثم نهض قابضًا على سيفه.
ورغم علمهما أن قلبيهما يتشابهان، إلا أن دمهما لا يمكن تغييره.
«فلنلتقِ في زمنٍ يسوده السلام.»
قالها وهو يبتسم في لحظةٍ لا تُحتمل.
أيها الجبان…عضّ على شفتيه، وقاوم ألمًا يعتصر صدره.
«لا تقل شيئًا! ها أنا قادم..»
قالها بصعوبة، وكأنّها خرجت من بين أنفاسٍ مخنوقة.
كادت الأفكار تشتته، لكنه طردها، وقبض على سيفه بحزم.
خصمه تغيّر أيضًا، عيناه الآن حادتان خاليتان من المشاعر.
وجهٌ ألف رؤيته، لكنه لم يستطع يومًا أن يهزمه.
إن هُزِم أمامه بكامل قوته، فذلك شرفٌ له.
تحركا في ذات اللحظة، بخطى متقنة ومألوفة.
وفي اللحظة التي ظن فيها أن النزال قد حُسم، هبّت رياح الربيع بعنف، وأزهار الكرز ترقص بعشوائية.
«آه…»
رأى بتلاتٍ تحجب رؤية خصمه.
ثم سُمع صوت سقوط خلفه، واغتالت البياض ذهنه، لم يعد يشعر بشيء، لا صوت، لا أثر للضربة.
«لماذا…»
نعم…لأنه كان يعلم أنه سيُهزم، كان مستعدًا لذلك.
لكن، لماذا أنت من سقط؟
دون وعي، ركع على ركبتيه بجانبه، وغرس سيفه في الأرض بكل ما أوتي من قوة، غير قادر على كبح شهقاته الحزينة.
«عِش…»
قالها مبتسمًا، وقطرة دم على شفتيه، ثم توقّف عن الحركة.
«تذكّر هذا… في المرة القادمة سأنتصر. لذا، عد إليّ مجددًا!»
صرخ في وجهه، رغم علمه أنه لم يعد يسمعه، بنظرةٍ حادةٍ كأنها تشقّ هذا الزمن بأسره.
استمرت دموعه بالتساقط، تختلط بأزهار الكرز التي تتساقط على خديه.
أشعة الشمس الدافئة تسللت بين أشجار الكرز، والبتلات المتساقطة بعفوية تحمل نسمات الربيع معها.
«لقد عاد هذا الفصل مجددًا…»
من صالة الألعاب الرياضية تعالت أصوات المبارزة بالعصي، وضحكاتٍ مفعمة بالحيوية.
لطالما أحب مشاهدة الكيندو منذ صغره، رغم أنّه لم يشعر يومًا بالرغبة في ممارسته.
من الطريق المظلّل المؤدي للمبنى، ألقى نظرة نحو الداخل.
هناك، شخصٌ يبرز من بين الجميع، يلوّح بعصاه الخشبية مع صرخةٍ عاليةٍ مشحونةٍ بالعزم.
ضربةٌ قوية أودت بالخصم أرضًا، متدحرجًا.
«رائع…»
إنه الأقوى من بين كل من رآهم من قبل. حتى من على بعد أمتار، يصل إليه زخم العزيمة.
همس بدهشــــة، حينها…
رفع خصمه رأسه، ونظر إليه.
في اللحظة ذاتها، هبّت ريح عاتية، وجعلت بتلات الكرز تتطاير بجنون.
وعندما أنزل ذراعه التي رفعها ليحمي بها عينيه، كان ذلك الشخص واقفًا أمامه.
«هل التقينا من قبل؟»
«هاه؟»
نظرة قوية وهادئة، وحديثه خفيف وبسيط.
ورغم أنه لا يعرفه، أحسّ أنه يعرفه.
انبهر بكلماته، بل وبفكرته التي خطرت بباله.
ربما كان الآخر يشعر بالمثل، إذ بدا عليه بعض الحيرة.
«أظنها المرة الأولى… لكنك قوي. الأقوى ممن رأيتهم.»
«آه، شكرًا. أحب الكيندو منذ طفولتي. هل ترغب في مشاهدة التمارين؟»
قالها بصــــراحة
«أنا مجرد متفرج، لذا لن أنضم، لكن بكل سرور.»
«ما هذا القرار الغريب؟»
ضحك ودعاه بإشارة من يده. خلع حذاءه وتبعه.
وفجأة، أحسّ أن هذا المشهد قد تكرر من قبل…
رغم أنه من المفترض ألا يكون.
«ألم نكرر هذا الحديث من قبل؟…»
التفت الآخر وسأله باستغراب.
عقدا حاجبيهما، والشعور العجيب بذكرياتٍ لا ينبغي أن تكون يتسلل إلى كليهما.
«لا بأس. إن شئت، انضم للنادي.»
«قلت لك، أنا أكتفي بالمشاهدة.»
ضحكا بارتياح، وكأنهما أصدقاء منذ زمن، وواصلا السير سويًا.
عَلِم لاحقًا أن هذا الطريق تحت الأشجار، كان يومًا ما ساحة معركة.
وفي ذلك اليوم، ظلت أزهار الكرز تتطاير، كأنها تهمس بشيءٍ لم يُقال بعد.
(النهاية)
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 01 - 1. « النهـــاية » 2025-04-25
التعليقات لهذا الفصل "01"