غضبت لاعتقادها أنّ كازان يتجاهلها عمدًا، لكن عندما سمعت كلامه، أدركت أنّ التحدّث معها كالمعتاد في هذه الظّروف قد يكون أغرب.
ألم تتردّد لأيّام قبل لقائهما الأوّل في العشاء، غير متأكّدة كيف تتعامل معه؟ لم تصل إلى نتيجة واضحة، فالتقت به وهي تحمل مشاعر معقّدة.
عندما لم تجب مباشرة، انتظر كازان بهدوء، ثمّ تحدّث مجدّدًا: “ظننتُ أنّكِ ستكرهين حديثي إليكِ، أو ربّما تقاطعينني. لذا ركّزتُ على مايكل عمدًا، لكن إذا كان ذلك قد أزعجكِ، فأنا آسف.”
“…”
صمتت يساريس.
كان صحيحًا أنّها فكّرت بشكل غامض في إبعاده بطريقة خفيّة لا يلاحظها مايكل، لكن بحزم يكفي ليفهمه كازان.
لكن عندما لم يحاول التحدّث إليها أصلاً، شعرت بالحيرة.
شعرت بالضّيق من وجود زوجها وابنها في نفس المكان، تاركين إيّاها وحيدة بينما يقضيان وقتًا معًا.
‘هكذا يمكنني التّخفيف من شعور الذّنب تجاه باريتيون كيلودين.’
لم تتصرّف يساريس بنيّة واضحة، لكن عند التفكير في النتائج، لم تكن كلمات كازان بعيدة عن الصّحّة، فشعرت بالخجل.
حتّى لو كانت فكرة عابرة من بين أفكارها العديدة، سماعها من شخص آخر جعلها تبدو طفوليّة. أليس هذا يعني أنّها تفرض أذى غير عادل على كازان فقط لتشعر براحة؟
عضّت يساريس شفتيها، فراقبها كازان بهدوء، ثمّ نهض.
مال بجسده للأمام، متّكئًا على المكتب بيد، وبإبهامه في اليد الأخرى دفع شفتها السّفلى بلطف.
“أنا آسف. لم أقصد إهانتكِ. أردتُ فقط التأكّد ممّا تريدينه. أريد أن أحقّق رغبتكِ.”
“…”
“إذا كنتِ لا تمانعين، سأتحدّث معكِ بشكل طبيعيّ من الآن فصاعدًا. حتّى لو بدا أنّكِ تبعدينني، إذا لم تكوني تكرهينني حقًا، سأقترب منكِ مستعدًّا للرّفض، آملاً أن تقبلينني يومًا ما.”
كان يعني أنّه ابتعد خوفًا من كرهها له إذا تصرّف بحميميّة، لكنّه مستعدّ لتحمّل الرّفض إذا أرادت ذلك.
“… بعد هذا الحديث، هل تظنّ أنّي سأجبركَ على التحدّث إليّ؟”
كان طلبًا أنانيًّا جدًا أن تطلب منه الاقتراب رغم علمها أنّها ستبعده، مما سيؤذيه. لكن عدم التحدّث أبدًا أثناء وجودهما مع مايكل لم يكن خيارًا، فشعرت بالحيرة.
“أو ربّما تقبلين أنتِ الحديث معي.”
“هل تقول إنّي يجب أن أعاملكَ كالمعتاد رغم علمي بأنّكَ قتلتَ باريتيون؟”
“على الأقلّ، ألا يمكننا التّظاهر بالوئام أمام ابننا؟”
“تفسيركِ قاسٍ جدًا. أنا فقط أحاول أن أكون أبًا جيّدًا.”
“هل تحبّ الطّفل حقًا؟”
تفاجأت يساريس بكلامها المتسرّع، وفتحت فمها لتتراجع، لكنّ رغبتها في معرفة الحقيقة منعتها. لم تستطع التراجع عن كلمات قيلت بالفعل.
نظرت إليه بهدوء، فاستقبلتها عيناه الحمراوان بنظرة هادئة.
توقّف الرّجل بوجه خالٍ من التّعبير، ثمّ عدّل جلسته وأجاب ببطء: “إذا سألتِني، لا أحبّ الأطفال كثيرًا، كما لاحظتِ.”
الأطفال صغار جدًا، هشّون، صاخبون، ويموتون بسهولة.
آخر طفل كان قريبًا منه كان أخاه الذي توفّي قبل 25 عامًا بعمر سنة، فنسِيَ كيف يعتني بالأطفال ولم يهتمّ بذلك.
“لكن، ساري، لا يعني ذلك أنّي لا أحبّ مايكل. إنّه ابننا، ثمرة علاقتنا.”
صراحةً، استغلّ كازان مايكل.
حتّى الآن، كان نصف استغلال.
العلاقات بين النّاس تتطلّب جهدًا دائمًا. حاول كازان كسب ودّ يساريس وإبقاءها بجانبه من خلال تعزيز علاقته بمايكل.
مهما كان الهدف، بذل جهدًا كافيًا وحقّق نتائج.
لكن في هذه العمليّة، لم يكن يتوقّع أن يتعلّق بمودّة مايكل الصّافية.
مايكل، الذي يشبه يساريس كثيرًا بمظهره وتصرّفاته المرحة، جذب كازان بابتسامته البريئة.
“في هذا العالم، أنتِ الوحيدة التي أحبّها، ولن يتغيّر ذلك. لكن لا تعتقدي أنّ تصرّفاتي مع مايكل كاذبة. أعتقد … أنّني أحببته نوعًا ما”
مضحك، مزعج، ولطيف.
تراكمت تقييماته الصّغيرة، حتّى أصبح مايكل جزءًا من صورة العائلة التي يرسمها كازان في المستقبل، معترفًا به كابنه وعضو في العائلة.
كان هذا كافيًا ليردّ على استجواب يساريس بثقة.
“…كيف أصدّق كلامكَ؟ ماذا لو كنتَ تكذب عليّ مجدّدًا؟ ألستَ تستخدم مايكل كذريعة لتجاوز أخطائكَ واستعادة الحياة الطّبيعيّة؟”
كان استجوابًا مشروعًا، لكن يساريس شعرت وكأنّها تتصرّف بعناد. غضبها من خداع زوجها جعلها تفقد موضوعيّتها، وهي تعلم ذلك.
“ماذا يجب أن أفعل لتصدّقينني؟”
“لا أعرف. أريد أن أصدّقكَ، لكنّني لا أستطيع. أنا متأكّدة أنّكَ تخفي عنّي أشياء أخرى.”
لم يكن الأمر يتعلّق فقط بقتل باريتيون.
إذا تزوّجها في تلك الحالة، فلا بدّ أنّ هناك مشاكل أخرى لم يكشف عنها، ممّا أثار شكوكها.
تمنّت لو يخبرها بالحقيقة كلّها، لكنّها في الوقت ذاته لا تريد معرفة المزيد. كانت ترغب في استجوابه عن كلّ مشكلة، لكنّها لم تفعل.
أدركت غريزيًّا أنّ تجاوز هذا الحدّ سيجعل الأمور لا رجعة فيها. كانت تخشى أن تتحطّم الأيّام الهادئة والسّلميّة في أوزيفيا.
لكن هل تستحقّ العائلة التي بنتها مع رجل لا تثق به الحفاظ عليها؟ ألا يمكنها العودة إلى كوخ لينا مع مايكل والعيش بسعادة كما في السابق؟
أظلمت ملامح يساريس وهي تفكّر في هذه الأسئلة التي شغلتها لأيّام.
لو كانت بمفردها، لربّما خاطرت. كانت ستقبل أيّ مستقبل بناءً على خياراتها، وستواجه الحقيقة بشجاعة.
لكن مع وجود مايكل، لم تستطع التّصرّف بحرّيّة.
الخيار الأفضل لابنها هو وراثة عرش أوزيفيا بدلاً من العيش كعامّيّ، فلا يمكنها أن تتحرّك بناءً على مشاعرها فقط.
والأهمّ، أنّ مايكل يتآلف جيّدًا مع والده كازان…
<إذن، أليس من الأفضل أن أعيش دون معرفة؟>
كما قال كازان. لم توافق يساريس على خداعه، لكنّها اضطرّت للاستسلام.
إذا تحمّلتُ وحدي، سيكون الأمر على ما يرام.
أتظاهر بأنّني لا أرى، لا أسمع، ولا أعرف.
لكنّ الخيانة والغضب تجاه كازان استمرّا في إثارة مشاعرها. في الوقت ذاته، اختلطت مشاعر الإعجاب والشّفقة تجاه الزّوج الذي يعبّر عن حبّه لها باستمرار.
شعرت يساريس أنّها تائهة حقًا.
حتّى الآن، لم تعرف كيف تتعامل مع كازان، فجاءت إليه بعد أن تفاقمت الأمور بسبب ردود أفعالها السّلبيّة.
نظرت إلى الأرض، يدها ترتجف وهي تعتصر قبضتها، ثمّ لاحظت حذاءً رجاليّ في مجال رؤيتها.
اقترب كازان، منحنيًا ليجعل عينيها الزرقاوين في مستوى عينيه.
“ساري.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 82"