ركض مايكل بسرعة و رفع ذراعيه فجأة ، فحمله كازان بسلاسة و طبيعيّة.
كان المشهد يبدو لأيّ ناظر وكأنّه صورة أب وابنه المتآلفين.
“مشغول؟”
“مشغول نوعًا ما، لكنّي أجد وقتًا بين الحين والآخر لتناول الطّعام مع العائلة.”
“كعكتي!”
“إذن، كنتَ تشتاق إلى الكعكة وليس إليّ؟”
“شوو أيضًا!”
“لا ينكر الأمر حتّى. شوو ممنوع منذ السابق، لذا سألعب معك بشيء آخر.”
“أووو…”
بسبب اندفاع مايكل للأمام، فاتت يساريس فرصة التّحيّة، فظلّت تراقب الاثنين بتوتّر.
عندما فكّرتُ في الأمر، أدركت أنّ كثيرًا من وقت مايكل في حياته كان برفقة كازان.
منذ أن بدأ يميّز النّاس ويتواصل، كانت حياته في القصر الإمبراطوريّ أطول من المدّة التي قضاها في كوخ لينا ، فكان طبيعيًّا أن يعتاد على وجود والده.
كان اهتمام كازان البالغ بمايكل سببًا إضافيًّا.
في البداية، بدت رعايته للطّفل غريبًا للغاية، لكنّه الآن يحمله بذراع واحدة بثبات ملحوظ.
كان التزامه بلعب مايكل على مستوى نظره، دون الاكتراث بمكانته كإمبراطور، يعكس صورة الأب المثاليّ.
“ماذا فعلتَ مع أمّك أثناء غيابي؟”
“بيو هناك!”
“آه، صحيح. هل الطّائر ينمو جيّدًا؟”
“بيو بيو جدًا!”
“هكذا إذن. يسرّني أنّه بخير.”
“بخير؟”
“يعني أنّه يعيش جيّدًا. أظنّك جائع، فلنتحدّث أثناء الأكل أوّلاً.”
“نعم!”
راقبت يساريس كازان وهو يقود الحديث بمهارة ويجلس مع مايكل، بنظرة غريبة. حتّى قبل شهرين، لم يكن بإمكانهما التّواصل جيّدًا، لكنّه يبدو أنّه أتقن لغة الطّفل بطريقة ما.
رغم نموّ مايكل الملحوظ، بدا أنّ إشارته الخفيّة إلى قراءته كتب التربية مؤخرًا كانت صادقة.
لم تستطع إنكار أنّ كازان كان أبًا جيّدًا، حتّى لو كان ذلك يجعلها تشعر بالذّنب لفكرة إبعاد مايكل عنه.
“سيّدتي، اجلسي أنتِ أيضًا.”
“…نعم؟ نعم.”
غارقة في أفكارها، تفاجأت يساريس بنداء كازان وتأخّرت في الرّدّ. اعتاد أن يناديها بلقب محبّب، فظنّت للحظة أنّه يخاطب شخصًا آخر.
لكنّه لا يمكن أن ينادي بـ”سيّدتي” سواها، فهي الإمبراطورة الوحيدة.
“…”
فجأة ، شعرت يساريس بالضّيق من هذه الفكرة. كيف يمكن أن يكون شعورها بزوجها ، و بكونها زوجته ، بهذه الغرابة؟
في المجتمع الأرستقراطيّ، كانت العلاقات الزّوجيّة صعبة التفكّك بسبب تشابك المصالح. كانت الخلافات تُحلّ غالبًا بالتّسامح المتبادل.
فكّرت يساريس أنّه إذا كان كازان يناديها “سيّدتي” ليؤكّد هذه العلاقة، فستردّ عليه بحدّة. لكنّه عاد سريعًا للاهتمام بمايكل، مقطّعًا اللحم له ومنخرطًا في حديث معه، دون أن يوجه لها كلمة أخرى.
“مايكل، سأعطيك بودينغ عندما نغادر. إنّه المفضّل لديك، أليس كذلك؟”
“رائع! بودينغ!”
“ستصل لعبة جديدة قريبًا. سمعتُ أنّها رائجة بين الأطفال، أتمنّى أن تعجبك.”
“أبّا رائع!”
“…”
استمعت يساريس إلى حديثهما وهي تشعر بشعور غريب.
كان شعور الإقصاء غير المبرّر يتصارع مع شكوكها حول ما إذا كان ترك الأمور على حالها هو الصّواب.
كازان هو عدوّ صديقها المقرّب.
لم تستطع يساريس أن تراقب مايكل، الذي لا علاقة له بهذا الصّراع، وهو يتآلف معه بارتياح، ولا أن تمنعه من ذلك.
لم تكن تتوقّع هذا الموقف. ظنّت أنّ كازان سيكون متوتّرًا، يراقب ردّ فعلها، أو يحاول تقديم تفسير ولو بسيط خلال العشاء. لكنّه تجاهلها تمامًا، مركّزًا على مايكل فقط.
“أمّا!”
“نعم، مايكل. هل تستمتع بالطّعام؟”
“هذا!”
“ستعطيه لأمّك؟”
“لذيذ!”
انقطعت أفكار يساريس عندما مدّ مايكل شوكة بها قطعة لحم. نسيت تعقيداتها و ابتسمت بحرارة ، ممسكة بشعرها بيد وممدّة رأسها لتأكل اللقمة من ابنها.
حسنًا، ليست هذه الفرصة الوحيدة، سيكون الأمر على ما يرام. إذا استمرّ هكذا في المرّة القادمة، سأقول شيئًا.
لكنّ يساريس أدركت سريعًا أنّها كانت متفائلة جدًا. لم يتحسّن سلوك كازان في اللقاء التّالي، بل أصبح أسوأ.
اكتفى بإيماءة بسيطة و”لقد أتيتِ” عند وصولها، و”إلى اللقاء” عند المغادرة.
شعرت يساريس بالذّهول، تنظر إلى مايكل وهو يسحب يدها كما في المرّة السّابقة.
“أمّا، هل أنتِ تتألمين؟”
“…لا، مايكل. لنعد إلى الغرفة.”
تجاهلت إحساس الدّيجافو منذ أربعة أيّام، وحاولت تهدئة نفسها بوجه متصلب. لتجنّب إثارة الجلبة، قرّرت أن تتجاهله بنفس القدر الذي يتجاهلها به.
لكنّ هذا القرار لم يدم طويلاً. في اللقاء الثّالث، لاحظ مايكل أخيرًا الغرابة، و مال رأسه سائلًا: “هل أنتما غاضبان؟”
“لا. كلانا يركّز عليك، هذا كلّ شيء.”
قَبِل مايكل الإجابة دون تفكير عميق، لكن يساريس لم تكن كذلك. لم تتحمّل أكثر، فقرّرت مواجهة كازان بمفردها أثناء قيلولة مايكل.
* * *
“ما الذي تحاول فعله معي الآن؟”
“سيّدتي.”
“اشرح لي. حتّى لو أردتُ وضع حدود، أنا من يجب أن يفعل ذلك. أليس تصرّفك هذا مجرّد تجاهل لي؟”
واجهت يساريس كازان بحدّة أمام مكتبه في غرفة عمله.
رفضت الجلوس الذي عرضه، وفضّلت الوقوف لاستجوابه، فسُمع صوت تنهيدة خفيفة.
“أوّلاً، مرحبًا بكِ في مكتبي. منذ مدّة لم تأتِ لزيارتي بنفسكِ.”
“ليس وقت هذا الحديث الآن …!”
“اهدئي، ساري. إذا كنتِ تقصدين عدم حديثي معكِ، لم أقصد إزعاجكِ. بل على العكس.”
أغلقت يساريس فمها، تنظر إليه بنظرة حادّة تطالب بالتّفسير.
“…ما زلتِ تشعرين بالضّيق منّي، أليس كذلك؟ مهما كانت الظّروف، أنا بالنّسبة إليكِ عدوّ صديقكِ.”
“وماذا بعد؟”
“حاولتُ الالتزام بمسافة كما طلبتِ، حتّى تستقرّ مشاعركِ.”
من قال إنّ المسافة تُحفظ بهذه الطّريقة؟
كادت يساريس أن تردّ بحدّة، لكنّ كازان سبقها.
صوته الجادّ كان يراقبها بعناية.
“بل أريد أن أسألكِ. هل كنتِ تأملين أن أعاملكِ في الخاصّ كما في السابق؟ أن أناديكِ بلقب محبّب، أن أنظر إليكِ، أن أتحدّث بحنان؟”
“هذا …”
“إذا كنتِ لا تمانعين، فأنا أرغب بذلك.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 81"