“جلالتكِ تبدين رائعة بالألوان الزّرقاء. قد يكون الأمر مختلفًا مع الشّعر البلاتيني … هل ستحضرين الحفل بشعركِ الفضّي الحالي؟”
“لقد حصلتُ على جرعة تُلغي الصّبغة، لكنّني لم أقرّر استخدامها بعد.”
“إذن، سأجهّز فستانين. الألوان المناسبة تختلف حسب لون الشّعر.”
نظرت يساريس إلى كازان ، الذي كان يراقب من الجانب.
كإمبراطورة، من الواضح أنّ الفساتين ستكون باهظة، وكانت قلقة من إهدار خزينة الدّولة بشراء العديد منها.
كانت تنوي فقط سؤاله عن الميزانيّة المخصّصة لها، لكن قبل أن تتكلّم، قال كازان شيئًا مبالغًا فيه: “اشترِ ثلاثين فستانًا لكلّ لون بتصاميم مختلفة.”
“لا، سأزيل الصّبغة الآن. كنتُ سأفعل ذلك قريبًا، لذا ثلاثة أو أربعة فساتين للشّعر البلاتيني كافية.”
“عشرين على الأقلّ. لن أقبل بأقلّ.”
تصادمت أعين كازان و يساريس في الهواء.
لمنع إسراف زوجها، ردّت يساريس: “لديّ فساتين أكثر من اللّازم بالفعل. خزانتي مليئة بما كنتُ أرتديه سابقًا ، فهل هناك حاجة لشراء المزيد؟”
“لا يمكنكِ ارتداء تلك. شعركِ أصبح أقصر، لذا يجب تصميم فساتين جديدة تتناسب معه.”
“لن أحضر الحفلات كثيرًا على أيّ حال.”
“يساريس ، أنتِ إمبراطورة. ميزانيّة الحفاظ على هيبتكِ أكثر من كافية، لذا أتمنّى أن تستغلّي هذه الفرصة.”
في النّهاية، انتصر كازان، مالك الأموال. لكنّهما توصّلا إلى تسوية بشراء عشرة فساتين فقط.
“لم يبقَ سوى أسبوعين، هل هذا ممكن؟”
“لا مشكلة، جلالتكِ. ثقي بمتجرنا.”
أومأت يساريس ، مقتنعة أنّ مهارة المصمّم هي ما جعله يُدعى إلى القصر. تصاميمه السريعة التي عرضها عليها عند رؤيتها أكّدت موهبته.
إزالة الصّبغة، اختيار التصاميم والأقمشة، تجربة الإكسسوارات … مرّ الوقت سريعًا أثناء تحضيرات الحفل.
لم تكن تجهّز نفسها فقط، بل مايكل أيضًا، فكانت أيّامًا مزدحمة.
عندما اقترب موعد الحفل بيومين، كانت يساريس تجلس على مقعد في الحديقة تراقب مايكل وهو يطارد فراشة، عندما ظهر كازان فجأة.
“كاين، ما الأمر؟”
“لديّ شيء لأعطيكِ إيّاه.”
مدّ كازان يده، لكن على عكس قوله، كانت يده فارغة.
هل يريد أن نذهب إلى مكان آخر؟
أمسكت يساريس يده دون تفكير، متوقّعة أن يساعدها على النهوض، لكنّه، على عكس توقّعاتها، انحنى وقبّل أصابعها.
“….!”
لم يكن ظهر يدها، المعتاد للتّعبير عن الاحترام، بل مفاصل أصابعها – السبّابة، الوسطى، والخنصر – التي مرّ عليها بشفتيه ببطء، مما جعلها تشعر بدغدغة.
أرادت يساريس سحب يدها، لكنّها تجمّدت تحت نظرته الحمراء التي تراقب ردّ فعلها بعناية، خوفًا من أن يفسر حركتها كرفض.
لم يكن الأمر يتعلّق فقط بخوفها من إيذائه، بل كان كلامه قبل أيّام يدور في ذهنها:
«بما أنّكِ عدتِ بعد غياب طويل، يشكّك الكثيرون في علاقتنا. أريد إظهار أنّنا لا نزال متماسكين أمامهم»
منذ موافقتها المجبرة، زاد كازان التّلامس تدريجيًا، كأنّه يوسّع حدود التعبير عن المشاعر، لكن بحذر حتّى لا يثقل عليها.
و كانت هذه النتيجة …
“آه؟!”
سحبت يساريس يدها بسرعة، مغطّية إيّاها بالأخرى، بعد أن شعرت بلمسة شفتيه بين أصابعها.
“يبدو أنّ الأمور تتحسّن.”
“قلتَ إنّكَ جئتَ لتعطيني شيئًا، هل كان هذا مقصودًا؟”
“لا. أردتُ يدكِ اليسرى، لكنّكِ أعطيتني اليمنى، فاستمتعتُ بها قليلاً.”
فقدت يساريس أيّ ردّ على وقاحته.
نظرت حولها خوفًا من أن يراها أحد، لتجد أنّ معظم الخادمات غادرن لملاحقة مايكل البعيد.
“إذا كنتِ تهتمّين بنظرات الخدم هكذا، فماذا ستفعلين في قاعة مليئة بالنّبلاء؟”
“أليس من الطّبيعي عدم القيام بشيء؟”
“ما المشكلة في قضاء وقت حميم مع زوجتي المحبوبة؟”
“مثل هذه الأشياء يجب أن تكون في مكان خاصّ …”
“هل تعنين أنّه مسموح في مكان خاصّ؟”
أغلقت يساريس فمها. هل كان خطأها أن قالت إنّ الكلام مسموح؟ كانت كلماته الصريحة تسكتها أحيانًا.
لاحظ كازان تعبيرها، فبدلاً من الضّغط أكثر، مدّ يده مجدّدًا، موضحًا بلطف: “هل تسمحين لي باستعارة يدكِ اليسرى؟”
“كان يمكن أن يكون أفضل لو قلتَ ذلك من البداية.”
تمتمت يساريس بحرج ووضعت يدها اليسرى فوق يده.
بينما كانت تتساءل عن ضرورة التّمييز بين اليدين، أدركت سبب طلبه.
أخرج من صدره خاتم ألماس رائع. أمسك يدها و وضع الخاتم في خنصرها ببطء ، بحركة شبه مقدّسة.
“هذا خاتم زواجنا. أعتذر لأنّني أعدته إليكِ متأخرًا.”
“خاتم زواج …”
“نعم. استغرق الأمر وقتًا لأنّني كلّفت برج السّحر بإضافة سحر حماية. أردتُ ألّا تتأذّي مجدّدًا.”
حدّقت يساريس بدهشة في الخاتم الذي يناسب إصبعها تمامًا. كان تصميمه المتقن يعكس الضّوء بشكل رائع، يليق بخاتم زواج الإمبراطور والإمبراطورة.
حرّكت إصبعها قليلاً، فشعرت بوزنه و ملمسه المألوفين ، كما لو كانت ترتديه منذ زمن طويل، دون أيّ شعور بالغرابة.
لكن لمَ أشعر برغبة في خلعه؟
‘ربّما لأنّه لا يزال غريبًا. لا أزال لا أشعر أنّني متزوّجة.’
عبثت يساريس بالخاتم بصمت، ثمّ نظرت إلى يد كازان اليسرى. كان هناك خاتم مطابق ، لم يكن موجودًا أمس.
“يبدو أنّكَ كلّفت بتعديل خاتمكَ أيضًا.”
“صحيح. إنّهما زوجان، أليس كذلك؟ لن يكون لهما معنى إذا غيّرتُ واحدًا فقط، فطلبتُ نفس السّحر.”
“و ماذا عن الإمبراطورة الثانية؟”
توقّف الجميع.
يساريس ، التي تحدّثت دون تفكير ، و كازان ، الذي بدا كأنّه تلقّى ضربة ، تجمّدا ، فتسرّب جوّ محرج.
“من؟”
“أعني … تساءلتُ إن كانت تملك خاتمًا مشابهًا. حتّى لو كانت إمبراطورة بالاسم فقط، فمن المفترض أنّها مرّت بكلّ الإجراءات الرّسميّة …”
لم تكن يساريس تعمدت طرح الموضوع، فتلعثمت.
لم تفهم لمَ ذكرت الإمبراطورة الثانية فجأة، وشعرت بالحيرة.
عندما تلقّت قائمة النّبلاء، علمت بوجودها من عائلة ماركيز روزيتن. شرح كازان أنّ زواجهما كان سياسيًا ولا شيء أكثر.
لم أرَها أبدًا، ولم أكن أهتمّ بها …
“تجاهل ذلك. أنا آسفة ، كان سؤالًا مفاجئًا.”
“هل أتخلّص منها؟”
“ماذا؟”
نظر كازان إليها بهدوء، وقبّل الخاتم الذي وضعه في يدها، ثمّ همس بوجه هادئ: “الثانية. إذا كانت تزعجكِ، يمكنني عزلها والتّخلّص منها.”
“ماذا؟!”
ارتفع صوت يساريس.
تلقّى كازان ردّها كإجابة، فغيّر كلامه دون تغيير في تعبيره: “يبدو أنّ هذه المزحة فشلت. سأحسّنها في المرة القادمة.”
“ما هذا النوع من المزاح القاسي … لقد أفزعتني، عزيزي”
“أردتُ فقط إخباركِ أنّني سأفعل أيّ شيء تريدينه.”
تنفّست يساريس الصّعداء و قالت: “قل ذلك بصراحة. هذا يبدو أجمل.”
“سأتذكّر ذلك. إنّكِ تحبّين اعترافاتي.”
“أنتَ تسخر منّي الآن، أليس كذلك؟”
“مستحيل. أنا دائمًا جادّ معكِ.”
تلاشى التّوتّر، وعاد الجوّ ودودًا.
ألقى كازان نظرة خاطفة نحو قصر الإمبراطورة الثانية.
‘سأحتاج إلى تنظيفه قريبًا. لقد استنفدت قيمتها.’
بينما كان يفكّر ببرود، جاء صوت طفولي: “بابا؟”
“مايكل.”
استدار كازان واستقبل ابنه. كانت ملابس الطّفل مليئة بالطّين من جريانه في الحديقة، لكنّه حمله دون اكتراث.
“لا يزال خفيفًا جدًا. يجب أن نطعمه أكثر.”
أتقن كازان دور “الأب الحنون” الذي تعلّمه من مراقبة الآخرين من أجل يساريس.
استمرّ ذلك في يوم الحفل، مخلّفًا موجات كبيرة.
التعليقات لهذا الفصل " 58"