مضى شهر منذ دخول يساريس القصر. تحسّن جرحها تقريبًا ، و كبر مايكل قليلاً ، و قلّت ساعات عمل كازان.
ظلّت يساريس مع مايكل يتشاركان الغرفة نفسها. كان وجود الخدم أقلّ من الجدران ، فكانا يعيشان كما لو كانا وحدهما في القرية. التّغيير الوحيد هو أنّ يساريس لم تعد تقوم بالأعمال المنزليّة.
كان كازان الزّائر الوحيد. كان يلتقي بهما كلّ يومين ، لكنّه مؤخرًا بدأ يتناول الغداء معهما يوميًّا ، و أحيانًا العشاء بتأنٍّ.
في اليوم الذي أعلن فيه الطبيب لابيرو أنّ يساريس يمكنها ارتداء الكورسيه ، اقترح كازان بهدوء: “يساريس ، هل ننظّم حفل استقبال لكِ قريبًا؟ يجب أن نعرّف مايكل رسميًّا على النّبلاء ، أليس كذلك؟”
“حسنًا. لقد أخرناه بما فيه الكفاية. لكن ، هل يمكنكَ توفير بعض الأشياء التي أريدها؟”
“قولي أيّ شيء. لا يوجد ما لا يمكنكِ الحصول عليه في الإمبراطوريّة.”
طلبت يساريس قائمة بأسماء النّبلاء و معلومات عن عائلاتهم. أرادت معرفة ما يكفي لإجراء محادثات في الوسط الاجتماعيّ.
على الرّغم من أنّ كازان منع عنها المعلومات سابقًا، وافق هذه المرّة، لأنّه لم يتوقّع أن تتحدّث بعمق مع الآخرين.
“هل كان لي أصدقاء شخصيّون من بين هؤلاء؟”
“لا. باستثناء بعض النّبلاء الذين استفزّوكِ بدافع الغيرة، نادرًا ما كنتِ تتحدّثين مع أحد.”
“هل كنتُ بهذا السّوء في التّواصل؟”
“ليس الأمر يتعلّق بالتّواصل. لقد أحببتكِ كثيرًا ، فغار الجميع. كان يجب أن أتصرّف بشكل أفضل آنذاك. هل تقبلين اعتذاري الآن؟”
“بما أنّني لا أتذكّر شيئًا، لا بأس …”
قلبت يساريس قائمة الأسماء بحيرة.
شعرت بالغرابة منذ أن لم يزرها أحد، لكنّها لم تتوقّع أن تكون منبوذة. ظنّت أنّ الأمر مجرّد حماية مفرطة من كازان.
“من هم النّبلاء الذين استفزّوني؟”
“ليسوا في القائمة. لقد ماتوا.”
“ماذا؟”
“لا داعي لترك المتمرّدين أحياء، أليس كذلك؟”
‘هل كانوا حقًا متمرّدين؟’
أزاحت يساريس القلق العابر وهي تركّز على شيء آخر. كان الحفل الأوّل لتقديم مايكل ، فكان عليها أن تجعل كلّ شيء مثاليًّا.
“ألم يكن هناك أيّ نبيل ودود معي؟ إنّه حفل من أجلي و لمايكل، لا يمكنني أن أظلّ صامتة.”
نظر كازان إليها مطوّلاً ثمّ خفض عينيه، متظاهرًا بالحزن.
“ألستُ أنا كافيًا؟ يمكنني البقاء بجانبكِ طوال الحفل.”
“هذا…”
ارتبكت يساريس. لم تعتد على هذا الجانب من كازان.
اشتبهت أنّه قد يكون يمثّل، لكنّه يتصرّف هكذا لأنّه يحبّها، أليس كذلك؟
لو كنتُ أحبّه، لكان الأمر أسهل، لكنّني لا أفعل.
شعرت يساريس بالذّنب لعدم قدرتها على ردّ مشاعره، فتراجعت مرّة أخرى.
“حسنًا، لن أغادر مكاننا المخصّص.”
“لكنّ الرّقصة الأولى يجب أن تكون لنا. طالما ذكرتِ ذلك، هل نتمرّن؟ لنرى كم تتذكّرين.”
“أعرف كلّ رقصات الصّالون. قد لا أتذكّر كوني إمبراطورة، لكنّ سنواتي كأميرة لم تذهب سدى.”
على الرّغم من رفضها الطّبيعيّ، لم يستسلم كازان. وضع يده اليسرى خلف ظهره ومدّ يده اليمنى إليها، منحنيًا بأدب.
“أعني أنّني أريد أن أرقص معكِ، يساريس. أريد أن تكون الرّقصة الأولى التي تتذكّرينها ملكًا لنا وحدنا.”
“…”
تردّدت يساريس ثمّ أمسكت يده.
لم تكن قاسية بما يكفي لرفض طلب نادر من زوجها الذي يبقي مسافة عادةً لعدم إزعاجها.
ما الضّرر في الرّقص معًا؟
ابتسمت ببطء بينما تجنّبت وجه كازان المبتسم وتحرّكت.
تغيّرت طريقة إمساك يديهما إلى تشابك الأصابع في منتصف الرّقصة، لكنّها لم تعلّق.
وصلا إلى قاعة قصر الإمبراطورة و شغّلا جهازًا سحريًّا يعزف الموسيقى و بدأا الرّقص على إيقاع منتظم.
كون القاعة فارغة سمح لهما باستخدام المساحة بحرّيّة.
على الرّغم من أنّها الرّقصة الأولى منذ زمن، تبعت يساريس الإيقاع بسهولة، وظهرت ابتسامة على وجهها.
“يبدو أنّنا رقصنا كثيرًا معًا. تناغمنا مثاليّ.”
“صحيح. رقصنا كثيرًا وحدنا، أكثر من الرّقص في الحفلات.”
“يا لها من رومانسيّة. هل كنتَ دائمًا من يطلب الرّقص؟”
“آنذاك، أنتِ من كنتِ تسحبينني. لا أزال أتذكّر اليوم الذي أخذتِني فيه إلى ضفّة البحيرة تحت ضوء القمر وقلتِ إنّه جميل.”
“تمزح، أليس كذلك؟”
“أنا جادّ.”
انتشرت أصوات المحادثة الهادئة مع الموسيقى، مع ضحكات خفيفة تتداخل مع ذكريات الماضي الضّبابيّة.
<انظر جيّدًا ، كاين. هنا يجب أن تخطو للخلف. واحد ، اثنان ، ثلاثة ، هكذا>
<واحد ، اثنان ، ثلاثة ، هكذا …>
<صحيح! ثمّ الدّوران. تدور هكذا و تمسك يدي مجدّدًا ، ثمّ تكرّر. فهمتَ؟>
<فهمتُ. لنرقص هذا الجزء بشكل صحيح>
في سنوات مراهقتها ، علّمت يساريس كازان الرّقص بضحكة سعيدة ، استعدادًا لمشاركته كشريك في حفل الأكاديميّة.
<كاين ، انظر هناك. القمر رائع جدًّا>
<هل هذا جميل؟>
<إنّه واضح و مشرق. يبدو ناعمًا و مستديرًا بشكل خاصّ اليوم>
<أنتِ أكثر وضوحًا و إشراقًا ونعومة. لذا كلمة ‘جميل’ يجب أن تُستخدم لكِ>
<همم … على أيّ حال، تعالَ معي لرؤية البحيرة. أليس من الرّومانسيّ الرّقص على ضفّة البحيرة تحت ضوء القمر؟>
في بداية علاقتهما، رقصا تحت القمر البدر مع البحيرة كخلفيّة. بالنّسبة لكازان ، كان وجه يساريس المحمّر أكثر ما يتذكّره من تلك الليلة.
“كاين؟ بماذا تفكّر؟”
“همم.”
عاد كازان إلى الواقع بصوت يساريس ، مدركًا أنّ الموسيقى توقّفت. توقّف الرّقص أيضًا ، و كان يحتضنها دون أن يتحرّك.
لاحظ تململها من القرب ، فأرخى يديه ، و ابتعد الدّفء الذي كان في حضنه. شعر بفراغ في ذراعيه ، يديه ، صدره ، و عقله.
“أعتذر. تذكّرتُ الماضي للحظة”
لكن هذا أفضل من لا شيء. على الرّغم من فقدان ذاكرتها ، يساريس لا تنظر إليه ببرود أو تعبس عندما يمسكها.
أمسك كازان قبضته وحاول دفن الماضي.
كان وجود يساريس حيّة و تتنفّس بجانبه كافيًا ، فلم يرد المخاطرة بكلّ شيء بطمع مفرط.
ببطء ، خطوة بخطوة ، و بثبات.
عندها ، ربّما …
“عزيزي ، هل أنتَ بخير؟”
“….!”
شعر كازان بلمسة دافئة على خدّه.
رفع عينيه المندهشة و رأى يساريس تنظر إليه بقلق.
“أنا آسفة. لم أكن مراعية لكَ. استمتعتُ بالرّقص معكَ ، و سألتُ عن شيء قد يؤذيكَ. لن أسأل عن ماضينا مجدّدًا”
“يساريس …”
“قد لا يكون هذا تعويضًا، لكن هل نصنع ذكريات أجمل في المستقبل؟ لا زلتُ أشعر بغرابة معكَ، لكنّني قلتُ إنّني سأحاول. سأعاملكَ كشخص أحبّه كما في السابق.”
غُرِسَت ابتسامة يساريس الصّغيرة في عيني كازان.
شعر باختناق في حلقه ولم يستطع الكلام، فاحتضنته بحذر.
تك-! ربتت يدها البيضاء إيقاعًا رقيقًا على ظهره.
توقّف كازان للحظة ثمّ استسلم لعطفها و عانقها.
تغيّر الكثير و نُسي ، لكنّ دفء الإنسان ظلّ كما هو.
أدرك كازان ذلك فجأة.
* * *
“إذا غادرتُ الحفل، ابحثي عن الدّوق تيمسيان بليك”
“ماذا؟”
“سألتِ عن النّبلاء الودودين معكِ، أليس كذلك؟”
في طريق العودة من قاعة الرّقص، قبل أن يفترقا، عاد كازان إلى الموضوع السابق.
أومأت يساريس متأخّرة لحظة ، فواصل: “زوجا الدّوق بليك هما الأكثر أمانًا للحديث معهما. إذا أردتِ، يمكنني دعوتهما مسبقًا للتّعارف.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"