“ألم أقل لكِ؟ هناك العديد من العناصر المتمرّدة المنتشرة التي تحمل ضغينة ضدّي. يساريس ، أنتِ و مايكل نقطتا ضعفي الوحيدتان. من الواضح من سيستهدفون أوّلاً ، لذا لا يمكنني ألّا أكون حذرًا.”

“وما علاقة ذلك بحظر الحديث معي تمامًا؟”

“لقد أصدرتُ مرسومًا عامًا لحمايتكِ. منعتُ أيّ شخص من الاقتراب منكِ أو فتح فمه بحرّيّة. يمكن منع التّماس الجسدي بسهولة ، لكن إسكات الألسنة أصعب. من خلال كلامهم ، يمكنني معرفة من يرفع راية التّمرّد ، و عندها سيكون من السهل التعامل معهم”

“هل تستخدمني كطعم؟”

“لا. الغرض الأوّل هو تصفية أيّ تهديد يتّجه نحوكِ بدقّة أكبر. بالإضافة إلى ذلك ، منع أيّ معلومات خاطئة قد تسبّب ارتباكًا في ذاكرتكِ ، و أيضًا القضاء على المتمرّدين. هذه أسباب شاملة لهذه الإجراءات.”

عبست يساريس قليلاً. كانت تفهم الأمر ، لكنّه بدا مبالغًا فيه ، فأمالت رأسها. 

واصل كازان الشّرح: “الهجوم الذي أصبتِ فيه بالسّهم كان من تدبيرهم.”

“هذا سبب ذهابي إلى قرية لينا.”

“بالضّبط. لقد ألقينا القبض على جميع المشتبه بهم آنذاك، لكنّني أظنّ أنّ هناك بقايا. وأنتِ أصبتِ مرّة أخرى.”

أومأت يساريس بتفهّم.

لهذا هو مفرط في الحماية. بعد إصابتي عدّة مرّات ، من الطّبيعي أن يصبح مهووسًا.

عندما بدأت تقتنع، خفض كازان رأسه، وهو أمر غير معتاد من إمبراطور متعجرف.

“أنا آسف. لو لم أجعلكِ إمبراطورة في وقت كانت فيه أوزيفيا مضطربة، لكنتِ عشتِ بحرّيّة دون هذه المشاكل … لكن على الرّغم من علمي بذلك، لم أستطع التّخلّي عنكِ. كنتُ أريد رؤيتكِ يوميًّا. أنتِ تعلمين أنّني لا أستطيع العيش بدونكِ.”

شعرت يساريس بالإحراج والغرابة من تصرّفه. 

كان من الغريب أن يعترف إمبراطور أوزيفيا بحبّه لها علنًا أمام الخدم.

لكنّها لم تستطع تجاهله، فوضعت يدها على يده متردّدة، مبتسمة بلطف لتطمئنه و همست: “لا تقلق، كاين. قلتُ إنّني أحببتكَ أيضًا. لا داعي للاعتذار، ارفع رأسكَ.”

“يساريس …”

“إنّه مزعج وغير مريح قليلاً، لكن إذا كنتَ تقول ذلك، سأتفهّم. لكن عندما تستقرّ أوزيفيا، سأتمكّن من التّحدّث بحرّيّة مع النّاس، أليس كذلك؟”

“أعدكِ بذلك. شكرًا لتفهّمكِ.”

نهض كازان فجأة وعانقها. 

ضحكت يساريس باستسلام وربّتت عليه، بينما شعر الخدم الذين واجهوا عينيه الحمراوين الباردتين بالرّعب.

كان ذلك إعلان حرب. تهديد متعجرف.

إذا أخطأ أحد بالحديث مع الإمبراطورة، سيُتّهم بالخيانة و يُقتل. لذا عليهم الحذر.

كان الحديث مقصودًا ليسمعه الجميع. 

هذه هي يساريس تينيلاث الحقيقيّة ، فقدت ذاكرتها ، و أنا أحبّها ، لكن لا يُسمح لأحد بذكر ذلك علنًا. أغلقوا أعينكم و آذانكم و كونوا صمًّا أمامها.

انتقلت رسالة الإمبراطور بنجاح عبر أيدي النّبلاء.

* * *

“هذا لا يعقل! لا يمكن أن يفعل جلالة الإمبراطور هذا بي!”

توقّفت يد رونيليا عن التّوقيع على الأوراق عندما ضربت الطّاولة بقوّة. نظر رئيس الوزراء إليها بنظرة جافّة و هي تُحدث فوضى في مكتبه.

“لماذا تخبرينني بذلك ، يا سموّكِ؟”

“افعل شيئًا، يا دوق باريليو!”

“لم أكن أعلم أنّني مدين لكِ بشيء.”

“أنتَ من رتّب اللقاء!”

“لقد قدّمتُ مرشّحة مناسبة لجلالة الإمبراطور فقط. أنتِ من وقّعتِ العقد باختياركِ.”

صرّت رونيليا على أسنانها أمام موقف جيفكين الثّابت. كانت تعلم أنّه على حقّ ، لكنّ قلبها الثّائر لم يسمح لها بالسّكوت.

“أنتَ الوحيد الذي يمكنني الاعتماد عليه. البقيّة جبناء وبلا كفاءة، لا يمكنهم أن يكونوا أوراقًا مفيدة.”

“لا أرى أيّ فائدة لي من مساعدتكِ.”

“ماذا لو حملتُ بذرة الإمبراطور؟ إذا ورث طفلي سحر الدّم واستولى على العرش؟”

“يا لها من فكرة.”

ألقى جيفكين القلم ونظر إلى رونيليا بميل، كأنّه ينتظر ليرى إلى أين ستصل.

“هذا مستحيل. لو كان الإمبراطور سيحتضنكِ ، لفعل ذلك منذ زمن.”

“لماذا تعتقد أنّه مستحيل؟ هناك سحر وأدوية وكلّ شيء.”

“إذا حاولتِ خداع الإمبراطور، لن تبقي على حياتكِ.”

“أنا أعيش كالميّتة بالفعل. هذه ليست حياة القصر التي حلمتُ بها!”

“الجميع يعيش هكذا. الواقع دائمًا يختلف عن الأحلام.”

ضربت رونيليا الطّاولة مرّة أخرى كردّ على رده السّاخر، فارتعش حاجب جيفكين. 

بينما كان يفكّر في وصف الإمبراطور لها بأنّها “وضيعة”، اقتربت بوجه مليء بالحقد و قالت: “ليلة واحدة كافية. إذا حملتُ بذرته و هربتُ ، كما فعلت الإمبراطورة. إذا صبرتُ وانتظرتُ ، سيأتي يوم أرى فيه النّور. قد يصبح طفلي إمبراطورًا!”

‘إنّها ليست بكامل عقلها.’

سخر جيفكين داخليًّا. 

كان كلامها مليئًا بالثّغرات، لكنّه بدلاً من الإشارة إليها، قال بلا مبالاة: “لمَ لا تسألين الإمبراطورة مباشرة عن سرّها؟”

“هل تمزح؟ لقد منع الإمبراطور الدّخول إلى قصر الإمبراطورة تمامًا، كيف أذهب إليها؟”

“سيخفّف القيود قريبًا. سيفعل ذلك لمنع الإمبراطورة من الهروب بسبب الإحباط.”

حتّى لا يتكرّر الماضي.

تنبّأ جيفكين بتصرّفات كازان بدقّة. بعد تنظيف فوضاه، أصبح قادرًا على قراءة عقله تقريبًا.

لكن رونيليا استمرّت في التّذمّر، تعضّ شفتيها كأنّها في عجلة من أمرها.

“على أيّ حال، لا يمكنني قول شيء حتّى لو ذهبتُ إليها. الإمبراطور يحمي الإمبراطورة علنًا.”

“هذا مؤسف. لا بدّ أن تكوني منهارة.”

“دوق باريليو!”

“سموّكِ”  

لم يعد جيفكين يتحمّل وقاحتها، فتكلّم ببرود: “هل تدركين أنّكِ تعطّلين أعمال رئيس الوزراء الآن؟”

“…”

أمسكت رونيليا قبضتها بقوّة. كانت تعلم ما تفعله، وتعمدت زيارة الدّوق باريليو لأنّه لا يتحرّك بسهولة.

لم ترغب في هذا، لكن ماذا تفعل إذا لم يكن هناك من يساعدها سواه؟ الدّوق بليك سيخبر الإمبراطور بكلّ شيء، و الباقون مجرّد نفايات بلا فائدة.

“ساعدني … مرّة واحدة فقط. سأدفع أيّ ثمن تريده.”

خرج صوت متوسّل من رونيليا بعد أن كسرت كبرياءها. 

بدأت الدموع تظهر في عينيّ السيدة الجميلة.

“على أيّ حال، لن تتضرّر، أليس كذلك؟ كنتَ داعم الإمبراطور، والآن أنتَ رئيس الوزراء والقوّة الحقيقيّة.”

كان ذلك صحيحًا. 

جيفكين باريليو هو من دعم كازان ، الذي لم يكن له أيّ سند ، ورفعه إلى العرش. لولاه، لكان كازان قد مات على يد الإمبراطور السّابق.

خاصّة بعد أن بدأ كازان يفقد عقله، ازدادت قوّة جيفكين.

حتّى الآن، مع عودة الإمبراطور إلى العمل، كان جيفكين يتولّى معظم القرارات.

خرجت كلمات متأمّلة من فمه لأوّل مرّة: “ستدفعين أيّ شيء …”

أضاءت عينا رونيليا بالأمل. 

عندما نظرت إليه بترقّب، سخر جيفكين: “هل تستطيعين تحمّل هذا؟”

“بالطّبع. يمكنني حتّى توقيع عقد.”

لم يتردّد جيفكين و سحب ورقة جديدة من درج المكتب.

بدأت ريشة القلم الملطّخة بالحبر بكتابة مقدّمة العقد بخطّ أنيق.

“حسنًا، دعينا نتحدّث.”

* * *

طق-! 

أُغلِق باب المكتب بعد خروج رونيليا. 

أخيرًا وحيدًا، وضع جيفكين العقد الجديد في الدّرج وهو يتمتم: “يا لها من حماقة.”

لقد راهنت بكلّ شيء من أجل حمل بذرة تينيلاث.

الأشخاص المهووسون بهدف واحد يمكن أن يكونوا أوراقًا مفيدة بطرق عديدة. لم يعرف كيف سيستخدمها الآن، لكنّها ستكون مفيدة بطريقة ما.

“على الأقل …”

يمكنها أن تكون شريكة في لعبة خطيرة.

ضُيِّقَت عينا جيفكين الرّماديّتان. 

بما أنّ الأميرة يساريس من سلالة تشيرنيان فقدت ذاكرتها مرّتين ولا تزال متمسّكة بالإمبراطور ، فقد حان الوقت لاستخدام أساليب قاسية.