توقّفَ كازان عن الكلام. لم تكنْ عينا يساريس المعبّرتانِ عن لا مبالاةٍ تخترقانِ الظّلامَ بوضوحٍ غاضبتينِ أو خائفتينِ كما بالأمس، بل كانتا خاليتينِ من أيِّ توقّع.
كانتْ نظرةً لا تطلبُ شيئًا منه على الإطلاق، بل تتمنّى لو يختفي فورًا.
شدَّ كازان على أسنانه ثمّ أرخاها. ربما لأنّه كانَ يعلمُ أنّ الأمورَ ستكونُ هكذا، لم يتراجعْ بسهولة.
“سأصحّحُ قولي: سأعطيكِ كلَّ ما أستطيعُ تقديمَه. إذا طلبتِ بيرَين، سأمنحُكِ حقَّ التّدخّل. إذا طلبتِ أوزيفيا، سأعطيكِ سلطةً تعادلُ سلطةَ الإمبراطور. إذا أردتِ العالمَ بأسرِه، سأقومُ بغزوِ العالمِ بكلِّ سرور.”
“…هل أنتَ جادّ؟”
“نعم. إذا عدتِ إليَّ فقط.”
نظرَ كازان بعيونٍ متوترةٍ إلى يساريس التي عبستْ.
ظنَّ للحظةٍ أنّ قلبَها قد تأثّرَ لأنّه وضعَ بيرَين، التي كانتْ رهينةً له، على المحكّ، لكنّها هزّتْ رأسَها وكشفتْ عن فكرةٍ أخرى.
“لستَ بكاملِ قواكَ العقليّة.”
“صحيح. أنا مجنون. لكنْ ألا يعني ذلكَ أنّني يائسٌ من أجلكِ؟”
“الآنَ تقولُ هذا.”
“كما قلتُ بالأمس، منذُ البدايةِ كنتُ …”
“قلتُ إنّه هوس. هوسٌ خاطئ.”
قاطعتْ يساريس كازان قبلَ أنْ ينطقَ بكلمةِ الحبّ.
العواطفُ دائمًا نسبيّة، وتختلفُ حسبَ الشّخص. مهما كانَ ما يحمله كازان في قلبِه، بالنّسبةِ إليها، كانَ هوسًا.
كانَ يعلمُ أنّها لن تتبعَه بسهولة، لكنّه لم يتوقّعْ أنْ تكونَ ردّةُ فعلِها حادّةً إلى هذا الحدّ.
يساريس، كما يتذكّرُها كإمبراطورة، كانتْ تضعفُ بشدّةٍ عندما يذكرُ بيرين.
ألم تكنْ تخضعُ في النّهايةِ مهما كرهتْه؟ لم تقاطعْه بهذا الشّكلِ مراتٍ ومرات، ولم تتصرّفْ كما لو أنّها لا تملكُ ما تخسرُه.
لماذا، ما الذي تغيّر؟ عندما فكّر، تذكّرَ شيئًا.
“يبدو أنّكِ لم تعودي تهتمّينَ ببيرين. منذُ أنْ هربتِ إلى هنا، بالفعل.”
“…”
لم تجبْ يساريس، لكنّ كازان كانَ متأكّدًا.
لو كانتْ لا تزالُ تحبُّ مملكةَ بيرين، لما هربتْ منه بسهولةٍ ولما أظهرتْ هذا الموقفَ الآن.
كانَ يعلمُ أيّ جنونٍ قد يرتكبُه.
“بدلًا من ذلك، من استحوذَ على حبّكِ هوَ مايكل، أليسَ كذلك؟”
أدركَ كازان هذه الحقيقة، ففهمَ تصرّفاتِها بالأمس.
الطّريقةُ التي رمتْ بنفسِها لتحميَ الطّفلَ بيأسٍ كانتْ تشبهُها، نعم، الطّريقةَ التي كانتْ تركعُ بها من أجلِ بيرين سابقًا.
لو أدركَ ذلكَ حينها، هل كانَ شيءٌ ما سيتغيّر؟
“لقد أقسمتَ باسمِ الإمبراطورِ ألّا تمسَّ شعرةً من مايكل.”
لم تنكرْ يساريس، بل ردّتْ بحدّة.
“حتّى لو لم يكنْ ذلكَ وعدَ الأمس، وفقًا لكلامِ جلالتِك، إنّه الابنُ الذي وُلدَ بينكَ وبينَ المرأةِ التي تحبّها. لا تعتقدُ أنّكَ ستؤذي مثلَ هذا الطّفل، أليسَ كذلك؟”
كانتْ هذه فكرتُها بعدَ الضّجةِ بالأمسِ عندما بقيتْ وحدها.
إذا كانتْ كلماتُ كازان صحيحة، فإنّ “تلكَ المرأة” التي قالَ إنّه سيقتلُها بدلًا من رؤيةِ وريثٍ لن تكونَ هي.
كانَ هناك سوءُ فهم، لكنّ ذلكَ لم يعدْ مهمًّا الآن.
“خطوةً واحدةً أخرى، إذا اقتربتَ … قلتُ إنّني سأطعن”
تقطّرَ الدّمُ من نصلِ الخنجر.
لم تكنْ تمسكُ المقبضَ بالعكس، لذا كانتْ القوةُ أقل، لكنّ النّصلَ الحادَّ كانَ كافيًا ليمزّقَ الجلدَ الرّقيقَ ويخترقَه.
كانَ مشهدًا كافيًا ليُفقدَ كازان صوابَه.
“ساري…”
“قلتُ لا تُناديني هكذا … كم مرةً قلتُ ذلك.”
إنّه مؤلم. ساخن.
نعم، هكذا كانَ إحساسُ المعدنِ وهوَ يخترقُ الجلد.
شدّتْ يساريس على عينيها اللتينِ بدأتا تدمعانِ بسببِ الألمِ الفسيولوجيّ، وحدّقتْ في كازان بنظرةٍ تحدٍّ، ثمّ سحبتْ الخنجرَ من بطنِها بجرأة.
كخ-!
“لا!!”
“المرةُ القادمة، آه … ستكونُ رقبتي، جلالتك.”
“حسنًا … لن أقترب، لذا أوقفي الدّم … أوقفي الدّم. من فضلكِ، أيتها الإمبراطورة. ضعي الخنجر جانبًا واعالجي نفسَكِ أوّلًا.”
“كيفَ لي أنْ أثقَ بجلالتِك …”
“أقسم! سأقسمُ بدمِ تينِيلاث. إذا وعدتُ ألّا آخذَكِ إلى أوزيفيا بالقوة، أيكفي ذلك؟”
لم ينتظرْ كازان ردَّ يساريس. لم يكنْ بإمكانِه قبولُ موتِ يساريس الذي رآه في كوابيسَه مرارًا في الواقع.
سحبَ سيفًا من خصرِه و جرحَ ذراعَه اليسرى دونَ تردّد.
مع صوتٍ حادّ، تجمّعتْ الدّماءُ التي تدفّقتْ في الهواء.
تفعّلَ سحرُ تينيلاث الفريد، قسمُ الدّم.
“و أماني و مايكل أيضًا … كفلهما”
“أنا، كازان تينيلاث، أقسمُ بحياتي أنْ أحميَ يساريس تينيلاث و مايكل تينيلاث بأقصى ما أستطيع، وألّا آخذَهما إلى أوزيفيا بالقوة.”
في لحظة، اندفعَ دمُ كازان المضيءُ نحوه وامتصّه جسدُه.
بعدَ أنْ أكملَ القسمَ بشكلٍ موجز، نظرَ إلى يساريس بعجلةٍ لم يتمكّنْ من إخفائِها.
“هل هذا كافٍ الآن؟ ضعي الخنجر جانبًا. أين يمكنُ علاجُكِ؟”
“…هاه.”
ضحكتْ يساريس ضحكةً ساخرةً رغمَ الألمِ الشّديد.
كانَ منظرُ كازان، الذي لا يستطيعُ الاقترابَ دونَ إذنِها ويرتجفُ شاحبًا، مضحكًا للغاية.
لماذا لم تفعلْ هذا الأمرَ البسيطَ طوالَ هذا الوقت؟ لماذا لم تدركْ؟
لو علمتُ أنّ نقطةَ ضعفِكَ الأكبرَ هيَ أنا ، لكنتُ استغللتُ ذلكَ منذُ زمن.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 42"