لأوّل مرّة تشعر بهذا، أومأت برأسها بجنون وهربت، ولم تعد إلى قصر الإمبراطور بمفردها. كان من الصّعب بما فيه الكفاية البقاء إلى جانبه في المناسبات الرّسميّة.
“لم يكن من المفترض أن يحدث هذا …”
مهما استحضرت رونيليا الماضي، لم يتغيّر الواقع. كلّ ما تستطيع فعله هو الغرق في خيالات عن مجد لن يأتي.
* * *
في قصر الإمبراطور البارد ، كانت غرفة النّوم الخاصّة بكازان ، في أعماق المبنى الفاخر ، مظلمة دون ضوء.
على الرّغم من تنظيف الخادمات اليوميّ، لم يكن هناك أيّ دفء، لأنّ الإمبراطور نادرًا ما زار الغرفة.
توقّفت زياراته تدريجيًا، ومنذ أشهر انقطعت تمامًا.
وكما هو متوقّع، قضى كازان تلك الليلة في غرفة نوم يساريس، لا غرفته. استلقى على سريرها ، يحدّق في السّقف بوجه خالٍ من التّعبير.
لم يكن هناك شيء مميّز في السّقف. كان يهدف فقط إلى رؤية ما كانت يساريس تراه بنفس الزّاوية.
بعد أن استلقى ساكنًا لفترة ، خرجت من فمه كلمات بلا فاعل أو مفعول: “ربّما كان يجب أن أزيّنه لها.”
كانت تحبّ سماء الليل، لذا لو طليت الخلفيّة بالأسود و وضع جواهر صغيرة كالقمر والنّجوم، لأحبّت ذلك.
ربّما يكون إنشاء درب التّبانة على الجانب جيّدًا أيضًا.
أو تصوير مشهد سقوط نيزك.
“ثمّ لو تمنّيتِ أمنية هناك، كنت سأتظاهر بالجهل وأحقّقها كلّها. ما رأيكِ؟”
أدار كازان رأسه لينظر إلى يساره. على ذراعه الممدودة ، في المكان الذي يفترض أن يكون فارغًا ، كانت يساريس مستلقية تضحك بهدوء.
كما لو كانا عاشقين يحبّان بعضهما.
‘ستحقّق كلّ شيء؟’
“نعم ، كلّ شيء”
‘لا يجب أن تُعطي وعودًا بسهولة كهذه.’
“كيف لا أحقّق ما تريدينه؟”
‘إذًا …’
رفعت يساريس ، التي كانت مستلقية على ذراع كازان ، جسدها.
مسحت جبينه بلطف و هي لا زالت تبتسم ، ثمّ بدأت تنزل يدها ببطء.
إلى عينيه. إلى خدّيه. إلى ذقنه.
حتّى وصلت إلى عنقه، حيث برزت أظافرها.
‘مت.’
“ساري”
‘مت ، مت!’
نظر كازان إلى أسفل ثمّ إلى أعلى ، كأنّه يتأكّد من تصرّف يساريس الغاضب. لم يبدُ كمن يُخنق ، بل تأمّلها بهدوء.
بدت يساريس أصغر بضع سنوات من عمرها الحقيقيّ.
ثمّ بدأ وجهها يتغيّر تدريجيًا إلى وجه أكبر سنًا.
من الأيّام التي كانت فيها سعيدة معه، إلى اللحظة الأخيرة التي كرهته فيها.
و هو يراقبها و كأنّها تسافر عبر الزّمن ، أجاب كازان بهدوء: “لم يحن الوقت بعد”
‘مت. مت، مت!’
“ألم نتّفق على تأجيل ذلك؟”
‘قلت إنّك ستحقّق أمنيتي!’
“….”
أغلق كازان فمه. أغمض عينيه المؤلمتين وأخذ نفسًا عميقًا.
تدفّقت أفكار عديدة ثمّ هدأت.
خرج نفس كان يحبسه ببطء وطول.
عندما فتح عينيه مجدّدًا، كانت يساريس قد اختفت دون أثر، كما لو لم تكن موجودة أبدًا.
كانت مجرّد هلوسة منذ البداية، فهذا متوقّع.
“ابقي قليلاً.”
لو فعلتِ، ربّما حقّقتُ ما تريدينه.
تحسّس كازان عنقه السليم بحالة ذهول.
جسده هنا، لكنّ عقله في مكان آخر.
“في المرّة القادمة …”
ربّما أتبع تصرّفاتكِ.
خنقتِني بجدّيّة، فإذا بقيتُ سليمًا، ألن تشعري بالظّلم؟
حدّقت عيناه الحمراوان الضّبابيّتان في الفراغ. بدا وكأنّه يفكّر في خنق نفسه الآن، إذ تحرّكت يده قليلاً.
لكن سرعان ما أنزل كازان يده على السّرير مع تنهيدة.
ليس لأنّه يخاف الموت. بل على العكس، خطّط كازان لنهايته بدقّة. ولا لأنّه أدرك متأخرًا أنّ يساريس كانت هلوسة ، فقد عرف منذ البداية أنّها ليست حقيقيّة.
على عكس آراء الآخرين، لم يكن مجنونًا لدرجة عدم التّمييز بين الواقع و الهلوسة. فقط كان مغرمًا بفكرة تحقيق رغبة يساريس ، حتّى لو لم تكن حقيقيّة.
“…لكن لا زال هناك ما يجب فعله ، فانتظري”
أغمض كازان عينيه وتمتم كما لو كان يخاطب يساريس.
كان عليه إنهاء أمر لا بدّ منه، لذا لم يستطع الموت بعد.
الانتقام.
كان يحلم بانتقام يساريس. توقّف مؤقّتًا في المرحلة التّالية ، لكنّه أعدم كلّ من يمكن قتله.
الحيوانات في الجبل المنكوب ، غريفينات القارّة بأكملها ، مملكة هيرتي التي تسبّبت في الأمر … سالت دماء كثيرة.
أصبح سيء السّمعة يوميًا بسبب قتله العشوائي لكلّ ما يرتبط باختفاء يساريس ولو قليلاً.
لكن كازان لم يتوقّف. لا زالت الدّماء غير كافية. كان عليه إيجاد العقل المدبّر وراء الهجوم ، الذي قُطعت جميع خيوطه ، لتمزيقه إربًا.
وإن لم يجده، خطّط لتدمير العالم تدريجيًا.
إذا انقرضت البشريّة، ألن يموت العقل المدبّر أيضًا؟
“لكنّكِ لن تحبّي ذلك، لذا أبذل قصارى جهدي للبحث. فافهميني حتّى لو استغرق الأمر وقتًا.”
فرك كازان خاتم يساريس ، المعلّق بحبل حول عنقه ، كما لو كان يهدّئه. بعد انتهاء كلّ شيء ، سيتمكّن أخيرًا من تحقيق ما تريده.
موت كازان تينيلاث.
النّهاية التي تتوق إليها يساريس ، و كذلك كازان نفسه.
* * *
“هوس؟”
“نعم. الأخبار الأخيرة تقول إنّه يقتل كلّ من يعيق البحث عنكِ.”
“…لا زال يبحث عنّي؟”
“يبدو كذلك. ويقال سرًا إنّه يتحدّث إلى هلوساتكِ، فهو على الأرجح قد جنّ. قد تكون شائعة، لكنّها غالبًا صحيحة.”
“….”
“بالمناسبة، هذا لذيذ. مهاراتكِ في الطّهي تحسّنت كثيرًا.”
بينما كانت لينا تأكل الوجبة الخفيفة بلا مبالاة، سكتت يساريس. أثارت الأخبار الغريبة خليطًا من التّساؤلات والارتباك.
كان من المفترض أنّه يعتقد أنّني متّ، لذا ذبح الغريفينات.
فلماذا لا زال يبحث عنّي؟
هل جنّ كما قالت لينا؟ و إن كان كذلك ، لماذا جُنّ بسبب موتي؟ لا شيء مفهوم من البداية إلى النّهاية.
لم يكن يهتمّ بي أصلاً.
“كم كبر مايكل؟”
“آه”
انتبهت يساريس ، التي كانت غارقة في أفكارها ، للسّؤال المفاجئ. كبحت نظرتها التي كادت تنجرف إلى الغرفة المجاورة ، و نظرت إلى لينا.
“كبر؟ لا زال رضيعًا”
“يا إلهي ، ألستِ حذرة زيادة عن اللّزوم؟ هل سألتهمه أو ما شابه؟”
ضحكت لينا بدهشة ، لكن يساريس لم تتخلَّ عن موقفها الدّفاعيّ. على الرّغم من أنّ لينا كانت منقذتها، كانت هناك أسباب وفيرة للحذر منها.
<ألستِ ممتنّة؟ أساعدكِ بطرق مختلفة ، فأخذ القليل من الدّم بين الحين و الآخر لا بأس به ، أليس كذلك؟>
<لا. خذي دمي بدلاً منه>
<دمكِ سيكون جيّدًا أيضًا ، لكنّني انتهيت من دراسة سلالتكِ. أنا مهتمّة بطفلكِ مع تينيلاث>
بعد نقاش طويل ، توصّلا إلى اتّفاق.
ستدفع يساريس الثّمن حتّى يكبر الطّفل بما فيه الكفاية ، ثمّ يؤخذ منه الدّم أحيانًا.
استقرّت يساريس مع لينا في قرية جبليّة هادئة ، تحت اسم مستعار “ليز”.
بعد أشهر، وُلد طفل ذو شعر بلاتيني وعينين حمراوين.
أطلقت يساريس عليه اسم مايكل.
“هذا محزن. سألتُ فقط لأنّني فضوليّة. سأتركه حتّى يصبح قادرًا على الجري، ألم أقل ذلك؟ لم يمرّ نصف عام على ولادته، أليس كذلك؟”
“صحيح. بدأ يزحف مؤخرًا.”
“ألم يبدأ بإحداث الفوضى؟”
“ليس فوضى بالضّرورة، لكنّه يتجوّل في البيت بالفعل. لا أستطيع رفع عيني عنه إلّا عندما ينام، فهذا متعب، لكن رؤيته يكبر بشكل جيّد تجعلني فخورة …”
نظرت لينا بهدوء إلى يساريس التي أصبحت أكثر حديثًا.
انتقل الحديث إلى فخرها بطفلها، وبدت يساريس سعيدة بهدوء.
“… و أحيانًا ، نطاق همهمته يتّسع. أمس ، نادني ‘ما’ بصوت واضح جدًا …”
“ليس عنيفًا؟ لا يوقظكِ في الليل؟”
“ماذا؟ مايكل؟”
لوّحت لينا بيدها عند ردّ فعل يساريس المفاجئ.
“إن لم يكن كذلك ، فهذا جيّد”
“… لماذا سألتِ هذا؟”
“لا فائدة من معرفتكِ. على أيّ حال، نقلتُ الأخبار، لذا سأغادر الآن.”
“انتظري، لينا.”
نهضت يساريس و أمسكت بذراع لينا ، التي كانت على وشك المغادرة ، و توسّلت: “لا تتهرّبي كلّ مرّة ، أخبريني. الأمر يتعلّق بطفلي”
“كما قلتُ من قبل، هذه معلومات خطيرة، من الأفضل ألّا تعرفي. العلماء الذين درّسوا العصور القديمة أُبيدوا بسببها”
“ألم تقولي إنّ هذا المكان آمن؟ إنّه مجالكِ.”
“هذا شيء مختلف.”
“أحتاج إلى معرفة المزيد عن تينيلاث لأعتني بمايكل بشكل صحيح. نموّه الجيّد في مصلحتكِ أيضًا.”
نظرت لينا إلى يساريس بثبات.
أمام عينيها المليئتين بالإصرار ، خدشت مؤخّرة رأسها بضجر.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات