أو بالأحرى، كان يمكن القول إنّه راضٍ عن علاقته بيساريس.
كان موقفه على النّقيض تمامًا من القلق أو الشّعور بالذّنب الذي تشعر به يساريس.
وكان ذلك متوقّعًا، فمعايير كازان للسّعادة كانت منخفضة بشكل مفرط مقارنة بالأشخاص العاديّين.
على الرّغم من وجهه الخالي من التّعبير، كان مجرّد قضاء جزء من اليوم مع يساريس يجعله يشعر وكأنّه يطير في السّماء من الفرح.
في الحقيقة، لم يجرؤ حتّى على أن يحلم بأن يحظى بحبّ يساريس. لم يكن يعتقد أنّها لن تفي بوعدها، بل كان يتوقّع أنّه، حتّى لو تحقّق ذلك، فلن يكون إلّا في نهاية حياته، و بصعوبة بالغة.
لذا، كانت رغبات كازان الحاليّة أبسط بكثير.
لم يكن يطمح لاستعادة مشاعر من يساريس، ولا حتّى لفعل شيء مميّز معها.
كانت أمنياته أقلّ بكثير: أن يراها مرّة واحدة في اليوم، ألّا تكرهه، ألّا ترفض لمسته، ألّا تنظر إليه بعينين مليئتين بالازدراء، وأن تبتسم له ولو بابتسامة بسيطة.
كانت هذه الأمور هي القوّة الدّافعة لكازان.
لهذا السّبب، منذ أن استيقظ من سباته الطّويل، ظلّ يحوم حول يساريس دون أن يحاول أيّ تواصل أعمق.
لم تكن هناك حاجة لفعل شيء إضافيّ.
كان يكفيه أن يتناول وجبة واحدة يوميًا معها بانتظام، وأن يراها أحيانًا في غرفة العمل، وأن يرى ابتسامتها العَرَضيّة التي تجعله يشعر بالشّبع حتّى التّخمة.
بمعنى آخر، بالنّسبة للآخرين، لم يكن هناك أيّ جوّ رومانسيّ بين الإمبراطور وزوجته، بل لم يكن هناك حتّى تقارب جسديّ منذ أشهر.
“بسبب ذلك، ظهرت مؤخرًا تحرّكات مشبوهة. يعتقد البعض أنّ العلاقة بين جلالتكما، الإمبراطور والإمبراطورة، قد برَدَت، ممّا أدّى إلى ظهور من يطمحون لمنصب الإمبراطورة”
“يبدو أنّ هناك من لا يعرفون حدودهم ويتوسّلون الموت.”
عند سماع كلام الإمبراطور القاسي، تنحنح الدّوق بليك بصوتٍ خافت.
“ألا تعتقد أنّ الأمر ليس بهذه البساطة؟ يبدو أنّ عددًا أكبر ممّا نتوقّع يشعرون بوجود مشكلة بينكما.”
“يبدو أنّني منحت النّبلاء الكثير من الحريّة مؤخرًا. ينشغلون بأمور تافهة.”
كان هناك نبرة حادّة ممزوجة بقتل خفيّ في صوته.
حتّى لو كان قد أخفى مخالبيه الآن بتأثير من الإمبراطورة، فإنّ ماضيه كطاغية دمويّ لم يختفِ.
وكان الدّوق بليك هو من يعرف ذلك أكثر من غيره.
فقد كان سيف الإمبراطور الذي قطع أرواحًا لا تُعدّ، ولم يكن يريد أن يُعكّر السّلام الذي تحقّق في الإمبراطوريّة بصعوبة.
لذلك، جاء تيمسيان بليك إلى كازان قبل أن تتفاقم الأمور، وفتح فمه بنبرة جادّة: “بما أنّ هذا يحدث بسبب بُعد جلالتك عنها، ألا تعتقد أنّه قد يكون من الأفضل استغلال هذه الفرصة للتقارب مجدّدًا…؟”
“دوق.”
طق-!
وضع كازان قلم الرّيشة على المكتب بصوتٍ مسموع، ونظر إلى تيمسيان بلا تعبير.
“ألم أخبرك؟ أنا وهي نأخذ وقتنا اللازم لبعضنا، لذا لا تتدخّل.”
هذه هي المشكلة بالضّبط!
كاد تيمسيان أن يصرخ، لكنّه ابتلع كلماته بصعوبة. كان من الطّبيعيّ أن يُساء فهم موقف الإمبراطور بسبب هذا السّلوك.
أليس أخذ كلّ طرفٍ وقتًا بعيدًا عن الآخر عبارة تُستخدم عادةً عند الخلافات؟ بل إنّها تُستخدم غالبًا في أسوأ الحالات، عند التّفكير في الطّلاق.
عندما يسأل النّبلاء الإمبراطور عن علاقته بالإمبراطورة ويردّ بهذه الطّريقة، فلا عجب أن تنتشر شائعات الخلاف.
“ما الوقت الذي تحتاجه بالضّبط؟ كنت أعتقد أنّكما تصالحتما.”
عندما لم يعد تيمسيان يطيق الصّبر، أجاب كازان بصوتٍ هادئ: “الوقت الذي تحتاجه يساريس تينيلاث لتعتبر كازان تينيلاث زوجها بصدق.”
“ماذا…؟”
“والوقت الذي أحتاجه أنا لأتقبّل ذلك دون شكّ.”
ما هذا الكلام؟
لم يفهم تيمسيان كلام كازان على الإطلاق، لكنّه أدرك شيئًا واحدًا بوضوح: هذا لن ينجح. الإمبراطور لا ينوي اتّخاذ أيّ خطوة أولى.
إذا كان الإمبراطور بهذه الحالة، فكان من الأفضل استهداف الطّرف الآخر.
* * *
“ماذا؟”
“هل كان سؤالًا غير لائق؟”
عندما أومأت الدّوقة بليك برأسها قليلًا باعتذار، لوّحت يساريس بيدها.
“لا، أعتقد أنّه سؤال مشروع تمامًا. لقد فوجئت فقط لأنّه جاء فجأة.”
ردّت بهدوء، ثمّ استرجعت السّؤال الذي طرحته الدّوقة فرنيسير بليك التي زارتها بعد وقت طويل.
متى ستتقاربان مجدّدًا؟
كان هذا السّؤال مباشرًا إلى درجة الإحراج ليخرج من فم دوقة.
شعرت يساريس وكأنّ رأسها يطنّ، كما لو أنّ فرنيسير استخدمت العلاج بالصّدمة عن قصد.
وكأنّها أدركت تعقيد تعبير يساريس، ابتسمت فرنيسير بمرارة وأضافت تفسيرًا: “في الواقع، هناك شائعات مؤخرًا تقول إنّ العلاقة بين جلالتيكما ليست على ما يرام. أليس من الأفضل إنهاء مثل هذه الشّائعات السّخيفة من خلال تصرّف مباشر من الشّخصيّتين الرّئيسيّتين؟”
“… هكذا إذن.”
أدركت يساريس الوضع على الفور.
بما أنّها وكازان يحافظان على مسافة معيّنة، يبدو أنّ الكثيرين بدأوا يشعرون بأنّ علاقة الإمبراطور وزوجته متوتّرة. لذا جاءت فرنيسير كممثّلة لاختبار المياه.
لم يكن الأمر غير مفهوم.
حتّى لو كان لديهما وريث بالفعل، فإنّ عالم السّياسة يتأرجح بناءً على تحرّكات أعلى سلطة في الإمبراطوريّة.
“لكن، دوقة، ألا تعتقدين أنّه حتّى لو كنا زوجين، ليس من الضّروريّ أن نكون معًا باستمرار؟ خصوصًا بالنّسبة لزوجين مثلنا، متزوّجين منذ سنوات ولدينا أطفال. نرى بعضنا يوميًا، فلماذا يعتقد الجميع أنّ هذا غريب؟”
لديهما طفلان، وليس طفلًا واحدًا.
علاوة على ذلك، استيقظت قدرات تينيلاث في كاسيليا، ممّا يعني أنّه لا داعي للقلق بشأن الخلافة.
إذا كانت علاقة الإمبراطور وزوجته متوتّرة حقًا، فقد تنشأ مشاكل مختلفة، لكن هل هناك حاجة لذلك في مثل هذه الحالة؟ فقط لأنّ الزّوجين القديمين أصبحا أقلّ تقاربًا؟
عند سؤال يساريس المنطقيّ، أظهرت فرنيسير ابتسامة محرجة.
“حسنًا، الأمر هو … بما أنّ علاقتكما لم تكن عاديّة، يبدو أنّ النّبلاء يجدون صعوبة في تقبّل الوضع المستقرّ الحاليّ بسهولة”
على سبيل المثال، بما أنّ كازان كان يحميها بشكل مفرط في الماضي، فإنّ الوضع الحاليّ الذي يشبه الزّوجين العاديّين يبدو غريبًا.
حتّى لو تجاوزنا هوس كازان المجنون الذي دفعه للبحث عنها في القارّة بأكملها و هي تتظاهر بالموت، فإنّ الشّائعات التي نُشرت لإخفاء تصرّفاته بعد عودتها الأخيرة ودخوله في سبات عميق كانت فاضحة إلى حدّ ما.
“صحيح … من وجهة نظر العامّة، ربّما تبدو تصرّفاتنا غريبة”
كان يبدو وكأنّهما كانا يتشاجران باستمرار ثمّ انفصلا فجأة، لذا لم يكن من المستغرب أن تنتشر شائعات غريبة. بل كان من المفاجئ أنّ هذه الشّائعات بدأت بالظهور بعد أشهر فقط.
“ليس من الضّروريّ أن يوضّح جلالتيكما العلاقة، لكنّ المشكلة هي أنّ هناك تحرّكات متزايدة لترشيح إمبراطورة جديدة. لا داعي لترك الأمور التي يمكن منعها تتفاقم، لذا جئتُ. أفترض أنّ كلاكما لا يرغب في أن يأخذ الإمبراطور إمبراطورة أخرى.”
“حتّى لو أوصى النّبلاء بإمبراطورة جديدة، أعتقد أنّه لن يقبل.”
عندما ردّت يساريس بعدم ارتياح، وهي تعرف مدى حبّ كازان لها، أومأت فرنيسير برأسها بسهولة.
“كلام جلالتكِ صحيح. وهذا ما يجعل الأمر أكثر إشكاليّة. التركيبة النّبيلة التي أُعيد بناؤها بصعوبة قد تتعرّض للخطر بسبب أمور تافهة.”
“لن يقطع رؤوسهم فقط لأنّهم أثاروا استياءه …”
… أم أنّه سيفعل؟
تلعثمت يساريس في كلامها، غير متأكّدة من الأمر.
عندما يتعلّق الأمر بها، كان من السّهل أن تتذكّر صورة الرّجل الذي يفقد عقله ويتصرّف بجنون.
خصوصًا أنّها، عندما تولّت مهام الإمبراطور نيابة عن كازان لفترة، رأت بنفسها كم عدد النّبلاء الذين قُتلوا واستُبدلوا.
حتّى لو كان ذلك بسبب آثار قدراته، فإنّ تصرّفاته كطاغية مجنون كانت واضحة.
“إذا لم يكن ذلك وقحًا، هل يمكنني أن أسأل لماذا تدفعين جلالة الإمبراطور بعيدًا؟ يبدو أنّ العلاقة بينكما ليست سيّئة كما كانت من قبل.”
لفّت يساريس الشّاي المرّ قليلًا على لسانها، ثمّ وضعت الكوب على الصّحن بلا صوت.
عندما هدأت التّموجات في السّائل، التي كانت تعكس اضطراب مشاعرها، خرج صوتها الهادئ: “لم أدفعه بعيدًا. فقط، بما أنّه لا يقترب منّي أكثر، فأنا أيضًا لا أحاول الاقتراب منه”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات