لو كان بإمكان المرء أن يتحكّم بمشاعره كما يريد، لكان ذلك رائعًا.
تسارّت المشاعر المعقّدة في قلب يساريس وهي تتذكّر الفكرة التي تكرّرت في ذهنها على مدى السنوات القليلة الماضية.
كانت الأسباب تتغيّر في كلّ مرّة، لكنّها، حتّى بعد أن بلغت هذا العمر، شعرت بالأسى لعدم قدرتها على التحكّم بمشاعرها.
لم يكن هذا أمرًا يُثير استياءها بحقّ.
فالإنسان، بطبيعته غير الكاملة، يحمل إمكانيّات لا نهائيّة.
ومع ذلك، كانت يساريس تشعر بالأسف لواقعها الذي يجبرها دائمًا على حمل مشاعر معقّدة تجاه شخص واحد.
لقد أحبّت كاين، وكرهت كازان، وفي النّهاية، كانت مشاعرها تجاهه -وهو الشّخصيّة ذاتها- قد مرّت بمراحل من الخيانة و الحبّ الكاره إلى أن تلوّنت بالشّفقة بعد الكثير من التقلّبات.
منذ اللحظة التي عرفت فيها حقيقته، لم تستطع أن تكرهه بالكامل، وكذلك الآن، بعد أن انتهى كلّ شيء، لم يكن من الطّبيعيّ أن تستطيع استعادة حبّ نقيّ.
كلّ ما يمكنها فعله هو بذل الجهد كما وعدت.
“تبدين متعبة بشكل خاصّ اليوم. هل نمتِ قليلًا؟”
“قليلًا. كاسيليا في سنّ تكثر فيه النّزوات، أليس كذلك؟”
“كان بإمكانكِ تسليم الأطفال إلى المربّية ليلًا.”
نظرت يساريس بتأمّل إلى كازان الذي يراقبها بقلق.
كان وجهه المعتاد بلا تعبير، لكنّ حبّه لها كان واضحًا بشكل عجيب.
كان هذا شيئًا لم تستطع تقليده. الحبّ الذي يُسكب بالكامل للآخر.
“أردتُ أن أكون مع الأطفال. بعد بضع سنوات، سيتعيّن عليهم النّوم بمفردهم، لذا أريد أن أستمتع بكلّ لحظة كأمّ قبل ذلك. خصوصًا كاسيليا، فآثار قدراتها قد تنفجر في أيّ لحظة. يجب أن أعتني بها.”
لم يكن هذا يعني أنّ يساريس لا تستطيع أن تحبّ الآخرين.
كانت متأكّدة أنّ حبّها لأطفالها، عندما تتعامل معهم، سيكون أكثر وضوحًا من تلك الشّظايا العاطفيّة التي تراها الآن في عيون كازان.
المشكلة هي أنّها لا تستطيع أن تتعامل مع كازان بنفس هذا العمق من المشاعر.
كانت يساريس تعرف ذلك، وكازان يعرفه أيضًا.
كان الفرق في تصرّفاتها واضحًا للعيان، فلا يمكن أن يُغفل.
وهذا بالضّبط ما أثار شعورها بالذّنب.
“حسنًا. لكن لا تجهدي نفسكِ. صحّتكِ أهمّ.”
“… نعم.”
كم كان سيكون أسهل لو أنّ كازان أظهر ولو قليلًا من التّصنّع أو الإحراج، لكنّ نظراته المفعمة بالحبّ النّقيّ، التي تتتبّع سلامتها فقط، كانت تخترق قلبها.
هذه المرأة التي تسبّبت في موته، كيف يمكن أن تكون محبوبة إلى هذا الحدّ؟
هل يمكنها أن تتأثّر بهذه المشاعر؟ هل سيأتي يوم تستطيع فيه أن تنظر إليه بحبّ نقيّ كما يفعل هو؟
نظرت يساريس بعيدًا عن كازان إلى الأوراق أمامها، وهي تجيب على تساؤلاتها الصّعبة بصمت.
ربّما لم يمرّ وقت كافٍ بعد. لم يمرّ سوى ثلاثة أسابيع منذ استيقاظ كازان، لذا من المبكر جدًا أن تفي بوعدها معه.
لكنّ سبب شعورها بالعجلة هو أنّها قضت هذه الأسابيع الثّلاثة ملتصقة به طوال الوقت، تشعر بوضوح بالفجوة بين مشاعرهما في كلّ لحظة تتنفّس فيها.
كان ذلك بسبب كثرة الأمور التي يجب أن يعالجاها معًا.
لتعويض غياب الإمبراطور عن الظهور لأسابيع، أُقيم حفلٌ كبير، وكانت يساريس، التي تولّت المهام بدلًا من كازان، تشرح له ما قامت به، ممّا جعلهما يقضيان اليوم بأكمله معًا.
والآن، كانا يناقشان تغيير قوانين مملكة بيرين، ممّا زاد من الوقت الذي يقضيانه معًا.
كان النّقاش في غرفة العمل بدلًا من الاجتماعات الرّسميّة مراعاة لراحة يساريس. كان هذا الموقف يهدف إلى تلبية رغباتها كأميرة بيرين سابقًا قدر الإمكان.
“هل حقًا لا بأس بأن نستمرّ هكذا؟”
“هل هناك جزء لا يعجبكِ؟”
“على العكس. يبدو أنّك تقبل آرائي كما هي بشكل مبالغ فيه.”
لم يتمّ تغيير كميّة الجزية المطلوبة لأوزيفيا ، لكن تمّ وضع قيود صارمة على الضّرائب داخل المملكة.
كما تضمّنت الخطّة إرسال مفتّشين لضمان عدم إلحاق الضّرر بالشّعب بدلًا من تقييد العائلة المالكة في تشيرنيان.
“حتّى لو كانت دولة تابعة، التدخّل بهذا العمق قد يثير استياءً كبيرًا…”
“وماذا لو شعروا بالاستياء؟ في النّهاية، لن يستطيعوا التمرّد وسيضطرّون للقبول، فلا تقلقي.”
كان كازان محقًا.
كانت الفجوة بين قوّة الإمبراطوريّة وبيرين شاسعة جدًا، لدرجة أنّ يساريس كانت تتعرّض للإهانة في أوزيفيا لكونها من بيرين. لم يكن بإمكانهم حتّى إثارة تمرّد بسيط، فكيف يمكنهم الآن أن يعترضوا؟
“العمل معك يجعلني أشعر وكأنّني أصبحتُ طاغية. لم أكن أتخيّل أن أكتب معاهدة قسريّة كهذه بيدي.”
“إذا كنتِ تملكين القوّة ولا تستخدمينها، ألن تكوني حمقاء؟ النتيجة لا تؤذي الأبرياء، لذا اطمئنّي. إذا أردتِ، يمكننا تغيير المزيد.”
“….”
أغلقت يساريس فمها بإحكام وهي تتلاعب بقلم الرّيشة.
نعم، هذا الموقف من كازان هو ما جعل قلبها مضطربًا. كان شعورها بأنّ كلّ ما حقّقه بجهد كبير كان من أجلها واضحًا جدًا.
في بداية زواجهما، عندما كانت عيناها مغلقتان وأذناها مسدودتان، لم تلاحظ ذلك. لكن الآن، كلّ شيء واضح.
حتّى عندما كان كازان يلومها بسبب سوء فهم، لم يعامل بيرين بقسوة.
بل على العكس، كان يعاملها معاملة جيّدة نسبيًا لدولة تابعة، ممّا جعل مكائده لاستفزازها تبدو أكثر وضوحًا.
والآن، ماذا عن الحاضر؟ عندما استيقظ كازان من نومه العميق وبدأا العمل معًا لأوّل مرّة، قال كلامًا كشف عن الكثير.
‘في النّهاية ، إنّها منصبٌ ناضلتُ من أجله لأكون إلى جانبكِ. لذا ، لا بأس أن أستخدمه لصالحكِ إلى حدّ ما. استخدميني كما تشائين ، يساريس. سأحقّق لكِ كلّ ما تريدينه قدر الإمكان’
‘أليس هذا كلامًا غير مسؤول من إمبراطور؟ ماذا لو أسأتُ استخدام سلطتك؟’
‘لكنّكِ لن تفعلي، أليس كذلك؟ بل على العكس، ستسعين لتوجيه الأمور بطريقة أكثر عدلًا منّي. أنتِ تلك النّوعيّة من النّساء.’
كانت تلك لحظة أُسكتت فيها. مرّ وقت طويل قبل أن تستطيع يساريس الرّدّ على كلامه.
‘… لكن تدخّل الإمبراطورة في الشّؤون السّياسيّة أكثر من اللازم ليس صحيحًا. وسيُثير ذلك الانتقادات حتمًا.’
‘إذا كنتِ قلقة من آراء النّبلاء…’
‘الأهمّ من ذلك، كازان، أنتَ فعلتَ كلّ شيء بشكل جيّد، فلا داعي لتدخّلي.’
‘… جيّد؟ أنا؟’
تذكّرت يساريس التّعبير الذي ظهر على وجه كازان حينها.
لمحة من الرّجل المشوّه الذي غرق في كراهية ذاته لفترة طويلة، حتّى إنّه لم يتردّد في التّضحية بحياته.
الانتقام لم يعد مُرضيًا الآن. بل تحوّل إلى شعور بالذّنب لديها، رغم أنّها كانت ضحيّة أيضًا.
‘أعرف ما فعلته خلال السّنتين الماضيتين من المعاناة. لذا أستطيع القول إنّك فعلتَ ذلك جيّدًا. أنتَ … أنا فخورة بك’
“يساريس.”
“نعم؟”
خرجت يساريس من ذكرياتها ونظرت إلى كازان بناءً على ندائه. ربّما بسبب وجودهما في نفس غرفة العمل، شعرت أنّ صورته في تلك اللحظة تتداخل بشكل غريب مع الواقع.
تعبير لا يمكن فهمه، لكنّ عينيه تعكسان مشاعره تجاهها بوضوح.
كان كالشتاء القارس والنّار اللانهائيّة تتعايشان معًا.
كما أثبت عالمه الدّاخليّ، كان رجلًا يتنفّس في عالم محطّم، متمسّكًا بها كخيط حياته الوحيد.
عند مواجهة هذا الوجه، شعرت وكأنّهما الوحيدان في العالم مرّة أخرى.
تنفّست يساريس بعمق، وهي تحاول تجنّب نظرات كازان دون وعي. لكنّ ظلًّا ثقيلًا اقترب منها أوّلًا.
يد رجل مغطّاة بالجلد الخشن لمست خدّها بحذر. أصابعه، التي كادت تلامس شعيراتها الدّقيقة، انتزعت خيطًا رفيعًا بحركة خفيّة.
تبعه صوت رجوليّ عميق وهادئ: “إنها شعرة علقت. يبدو أنّ جمالكِ أثار حسدها.”
“….”
لو كانت نبرته ساخرة أو متملّقة، لكان من الأسهل تقبّلها.
لو كانا مع آخرين. لو كانت يده قد لمستها منذ البداية.
لو كان الأمر كذلك، لاستطاعت تجاوزه بسهولة.
فتحت يساريس فمها لتتحدّث لكنّها أغلقته دون أن تقول شيئًا. لسبب ما، وجدت صعوبة في مواجهة عينيه الحمراوين، فحوّلت نظرها جانبًا.
هذا الضّيق، بالتأكيد، ينبع من شعورها بالذّنب لعدم قدرتها على ردّ حبّه الجيّاش بنفس القدر. كانت تخشى أنّها لا تملك الثّقة لتقليد هذا التدفّق العاطفيّ الخانق.
“… لنكمل العمل. لا يزال أمامنا الكثير.”
“حسنًا.”
أجاب كازان بسهولة لكنّه لم يُبعد عينيه عن يساريس.
لم يستطع ذلك.
كان وجهها المحمّر قليلًا ممتعًا للنّظر.
بدلًا من التّعليق على ذلك، اختار كازان أن يحتفظ بهذه الصّورة في ذهنه، ولم يُنزل عينيه إلى الأوراق إلّا عندما نادته مرّة أخرى.
كما هو متوقّع، كانت زوجته اليوم أيضًا جديرة بالحبّ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 152"