كان سكونه يثير القلق، لدرجة أنّ يساريس كادت تتساءل إن كان يتنفّس أم لا، لكنّها بدلًا من الحاحها على إجابة، غيّرت الموضوع مرّة أخرى.
كانت مصمّمة على إخراج كلّ ما في قلبها في هذه الفرصة.
“أنا أتحرّك وفقًا لوصيّتك. لحسن الحظّ، لم تمت بالكامل، بل دخلت في سبات، فأتيح لنا وقت إضافي. الحقيقة أنني ظننتك ميتًا لأنّ قلبك توقّف، لكنّ لينا أخبرتني عن السبات، وكان ذلك نعمة. لم نضطر لدفنك حيًّا.”
رغم الخبر المروّع، استمرّ كازان في الاستماع بهدوء، فتحوّل حديث يساريس إلى ما يشبه المناجاة، لكنّها لم تكترث وواصلت قول ما تريد.
“بينما كنت أفكّر في كيفيّة إيقاظك، جاءتني دوقة بليك. قيل إنّ لديها القدرة على التدخّل في أحلام الناس، فحاولت ذلك معك. لكن الأمور تعقّدت، وانتهى بي الأمر أنا داخل وعيك بدلًا منها. لكن، ربّما كان ذلك أفضل، لأنّني أصبحت أفهمك أكثر.”
“استخدمتِ قوّة موكيون؟”
“كما هو متوقّع من إمبراطور، أنت تعرف ذلك. قالت إنّ زوجها، الدوق بليك، لا يعرف حتى”
بعد أن أخرجت سؤالًا واحدًا منه، عاد كازان إلى صمته.
لم يكن ذلك وضعًا مثاليًّا للحوار، لكن يساريس، التي تفهّمت ارتباكه، تجاوزت الأمر برحابة صدر.
بل إنّ ذلك جعلها تشعر براحة أكبر لتفريغ ما في قلبها دون مقاطعة.
“وكازان، دعني أصحّح سوء تفاهمك. على عكس ما رأيته في كوابيسك، أنا في الواقع لا أريد موتك. لهذا أبذل كلّ جهدي لإنقاذك. مهما كنت أشعر بالضيق منك، بما أنني أعرف أنّك كاين، لا يمكنني أن أتمنى موتك. أنت تعلم كم أحببتك”
“يبدو أنّكِ لا تزالين تلومينني.”
من بين كلّ الجمل، اختار كازان أسوأها ليعلّق عليها، فدفعته يساريس بلطف على ظهره.
“لا تأخذ كلامي عن اللوم على محمل الجدّ. كيف يمكن لشخص أن يحمل مشاعر إيجابيّة فقط تجاه شخص آخر طوال الوقت؟ خاصّة بالنسبة لنا، مع ماضينا المؤلم.”
“…”
“وإن أردنا التدقيق، فإنّ مشاعري الأخرى أقوى من اللوم. مثل الشعور بالذنب، أو الشفقة، أو …”
توقّفت يساريس لحظة، ثم أسندت وجهها إلى كتف كازان.
كانت تتجنّب مواجهته وجهًا لوجه لأنّها لم تكن تريد أن تكشف تعابيرها.
لم تكن تعرف حتى أي تعبير يظهر على وجهها.
“الشعور بأنّك ثمين، مثل هذه الأمور.”
لم تكن قادرة على تسمية هذا الشعور بالحبّ.
هل هو العطف؟ المودّة؟ الشعور بالفراغ بسبب غيابه؟ أو الرغبة في ألّا يعاني أكثر؟
كان أيًّا من هذه المشاعر أقلّ عمقًا من أن يُسمّى حبًّا، لكنّه أعمق من مجرّد إعجاب
كان معقّدًا كعلاقتهما.
“لذلك قلتُ إنني سأعيش إلى جانبك.”
أدركت يساريس أنّ كازان سيظلّ محفورًا في وعيها مدى الحياة، سواء أحبّت ذلك أم لا.
كان هذا هو ثمن شعورها بحبّ وكراهية وأسى وذنب تجاه شخص واحد.
إذا كان لا مفرّ من ذلك، فالأفضل أن تختار البقاء إلى جانبه بإرادتها.
هكذا قرّرت يساريس مصيرها المستقبلي.
“لذا، يا كازان، انظر إليّ مباشرة. حتّى أنا، التي لا تزال لا تعرف كيف تتعامل معك، لن أتهرّب بعد الآن، بل سأواجهك وجهًا لوجه. أريدك أن تدركني و تقبَلَني كإنسان حقيقي، وليس كشخصيّة من كوابيسك.”
ساد الصمت.
بعد صوت يساريس، غرقت الغرفة في هدوء تام. حتّى الطيور التي كانت تغرّد في البداية اختفت، تاركة فضاءً مملوءًا بالصمت الكامل.
اقتحم كازان هذا الصمت ببطء.
“يساريس، ربّما لا تعلمين، لكن قبول طلبكِ بمغادرة هذا المكان معًا يتطلّب منّي شجاعة وقرارًا هائلين.”
كان يشعر بالحريّة هنا.
لا صداع يعتريه بين الحين والآخر، ولا لعنات تهمس بصوت يساريس.
حتّى قلبه، الذي كان يخفق بألم، كان هادئًا.
بدلًا من الأشخاص المزعجين أو المهام المرهقة، كان هناك عالم سلميّ يحتضن يساريس النائمة في أحضانه.
جنّة. ملاذه الوحيد.
كان هذا المكان يستحقّ أن يراه كازان كذلك.
“لقد كنتِ محقّة. كنت أتمنّى لو كنتِ وهمًا. هكذا لن أضطر لتحمّل مخاطر الألم.”
ترك هذه الجنّة جانبًا، كان التردّد طبيعيًّا إذا كانت نهاية الرحلة هي الواقع الذي كان له كالجحيم.
كان كازان يفضّل الموت الكامل الآن على أن يُترك من يساريس مرّة أخرى.
مهما قالت كلمات طيّبة، فإنّ الصدمة العميقة في قلبه جعلته يشكّ فيها.
إن كان هجرها الأوّل له سوء تفاهم، فإنّ تظاهرها بالموت وهروبها كانا مقصودين.
لم يكن هناك عزاء في كون ذلك ناتجًا عن سوء تفاهم آخر.
في النهاية، علمت يساريس أنّه كاين ومع ذلك هجرته مرّة أخرى.
لم يكن كازان واثقًا من أنّه لن يجنّ إذا أظهرت يساريس أدنى إشارة للابتعاد.
كان يخشى أن يتسبّب بمأساة أخرى بيده وينتهي به الأمر نائمًا إلى الأبد مع يساريس.
“و مع ذلك ، سأتبع كلامكِ. كان هذا محتّمًا منذ اللحظة التي قبلتُ فيها أنّك حقيقيّة. مهما كانت الجروح التي سأتحمّلها ، سأظلّ أمدّ يدي إليكِ ما دمتُ أتنفّس.”
لم تكن يساريس بحاجة لتطلب منه أن ينظر إليها مباشرة.
بدأ كازان يشكّ منذ أن ذكرت اللوحة، وأدرك الحقيقة كاملة عندما سمع عن تورّط دوقة بليك.
إذن، ما تبقّى لم يكن هويّة يساريس، بل صدق كلامها.
“على أيّ حال، من الجيّد أنّ كاسيليا تعافت بسلام. هل يمكنني طلب المقابل الآن؟”
“قل لي. كما وعدت، سأمنحك أيّ شيء.”
تنفّس كازان بعمق عند تأكيد ساري الهادئ. كان ينوي طلب شيء آخر في الأصل، لكن مع تغيّر الوضع، تغيّر طلبه أيضًا.
“أنا …”
على الرغم من تصميمه الجادّ، توقّف صوت كازان عند الكلمة الأولى. تردّد لحظة، ثمّ بدأ من جديد.
“أنا، أنتِ …”
أنتِ.
أغلق كازان عينيه عند هذه الكلمة.
حاول تهدئة أنفاسه المختنقة بتنفّس بطيء وطويل.
لكن ذلك لم يهدّئ رعشة يديه. لم يستطع كازان السيطرة على مشاعره المتدفّقة، فاستمرّ بصوت متقطّع.
“هل ستسمحين لي … أن أستمرّ في حبّك؟”
كانت مشاعر مليئة بالجروح.
كان يتساءل إن كان يجوز تسميتها حبًّا حتّى.
ربّما، كما عبّرت يساريس يومًا، كانت هوسًا.
مقارنة بمشاعر الآخرين، كانت مشاعره مفرطة في العمق والشدّة، غير طبيعيّة لتُعرّف بكلمة حبّ بسيطة.
سواء قبلتها يساريس أم لا، كانت هذه المشاعر مستمرّة وستظلّ كذلك.
لذا، طلب الإذن لم يكن عن حبّها بحدّ ذاته، بل عن سؤال: هل ستكونين بخير إذا واصلتُ حبّكِ؟ هل ستبقين بجانبي دون أن تدفعينني بعيدًا أو تتركينني؟
حتّى لو لم تحبّينني، هل يمكنك قبول حبّي دون رفضه؟
لم تأتِ إجابة يساريس سريعًا على هذا الطلب الذي تخلّى عن الكثير.
كان من الصعب تحديد إن كان الوقت يمرّ ببطء في إحساس كازان وحده، أم أنّه مرّ وقت طويل فعلًا.
أخيرًا ، تحرّكت يساريس.
بدلًا من الكلام، رفعت وجهها من كتفه.
بدت وكأنّها ستواجهه، فحاول كازان قراءة تعبيرها لكنّه فشل.
لم يكن ذلك لسبب معقّد.
كان وجه يساريس قريبًا جدًّا بحيث لم يستطع تمييز تعبيرها.
أدرك كازان أنّ شيئًا ناعمًا لامس شفتيه بعد ذلك.
“…”
“…”
لم ينطق أحدهما بكلمة.
كان ذلك طبيعيًّا لأنّ شفاههما متلاصقتان، لكنّ الدفء انتشر بهدوء بدلًا من الأصوات.
لم تكن القبلة عميقة أو طويلة.
فقط ألصقت ساري شفتيها بضع لحظات ثم ابتعدت.
ومع ذلك، ظلّ كازان، الذي تلقّى قبلة من المرأة التي يحبّها لأوّل مرّة منذ أحد عشر عامًا، في حالة ذهول.
بينما كان يحاول استيعاب الوضع، وضعت يساريس جبهتها على جبهته.
“قلتَ إنّني ثمينة.”
حتّى لو كانت علاقتنا قد تشوّهت بشكل لا يمكن إصلاحه.
وضعت يساريس يدها بحذر على خدّ كازان.
بنظرتها الحزينة الممزوجة بابتسامة خفيفة، همست بحنان إلى حبيبها القديم: “هيا نعود ، كازان. من أجل بدايتنا الجديدة”
فجأة، سُمع صوت تكسّر.
صوت شقوق تتشكّل، السماء تنهار، والأرض تنشقّ.
رغم اقتراب نهاية العالم، ظلّت أعينهما مثبتة على بعضهما.
عينان حمراوان و زرقاوان متشابكتان لوقت طويل.
حتّى ابتلع الضوء المتوهّج العالم الذي تحطّم إلى أشلاء ، وفقًا لإرادة أصحابه القويّة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 150"