من الأساس، كان من الخارق للعادة أن لا يموت تينيلاث فور انتزاع قلبه، بل استعاد جسده ثمّ دخل في السبات المطلق.
حتّى لينا لم تتخيّل أنّ مثل هذه الظاهرة ممكنة قبل رؤية كازان مباشرة، لذا لم يكن غريبًا أن تحدث معجزة أكبر من هذه.
“كيف؟”
“لا أعرف.”
“…”
لكنّ عدم معرفتها بالطريقة الدقيقة جعل لينا تتجاهل نظرات يساريس الحادّة برفع كتفيها.
“قلتُ لكِ، السبات المطلق يقطع كلّ الحواس الخارجيّة. عمليًا، هو ليس ميتًا تمامًا، لكنّه في حالة شبيهة بالموت، لذا من الغريب أن يتفاعل مع أيّ شيء. ما الذي يُمكننا فعله في مثل هذه الحالة؟ أحد أكثر الطرق شيوعًا لموت هؤلاء هي التعرّض لهجوم أثناء السبات.”
“…لماذا يدخل أفراد عشيرة الليل هؤلاء في السبات المطلق؟”
ما السبب الذي يدفعهم إلى فعل شيء خطير كهذا؟ لم تستطع يساريس فهم سلوكهم الذي يُعرّضهم للمخاطر ويضيّع أوقاتًا طويلة دون داعٍ.
وافقت لينا على أنّ الأمر غير فعّال، لكنّها على الأقل كانت تعرف السبب تقريبًا.
“سمعتُ أنّه آليّة حماية لتجنّب الجنون. على الرغم من طول أعمارهم، عقولهم غير مستقرّة. أو ربّما لأنّهم عاشوا بما فيه الكفاية ولا يهتمّون إن ماتوا.”
مصّاصو الدماء هم سلالة تعيش على الدم، بما في ذلك دماء أبناء جنسهم.
مثلما يُصاب إنسان يأكل لحوم البشر بالاضطراب، كذلك عشيرة الليل.
إذا لم يجربوا دماء أبناء جنسهم، فقد لا يُصابون، لكنّ الذين أدمنوا على دماء أقرانهم، التي تمنحهم نشوة وقوّة هائلة، ينتهي بهم الأمر بالجنون سريعًا.
أجسادهم تصبح أقوى، لكنّ عقولهم تُصاب بالاضطراب.
السبات المطلق كان فترة هضم لهذا الاضطراب، فترة استعادة لتصحيح التنافر بين الجسد والعقل.
“البعض يستخدمونه فقط للنوم لفترة طويلة، لكن، حسنًا، ألا يعني التفكير بهذه الطريقة أنّهم قد فقدوا صوابهم بالفعل؟”
كانت عقولهم، التي لا تتناسب مع أجسادهم المتفوّقة وأعمارهم الطويلة، تتطلّب النوم الطويل.
كان هذا السلوك يبدو وكأنّه هروب من الواقع.
استمعت يساريس إلى الشرح وهي تضيّق جبهتها قليلاً، غارقةً في التفكير.
كأنّها تستمع إلى أسطورة، حاولت استخلاص المعلومات الضروريّة من الحديث الذي لم يكن واضحًا تمامًا وسألت: “هل يُمكنهم التحكّم بموعد استيقاظهم؟”
“لا أعرف بالضبط. إمّا أن يحدّدوا وقتًا مسبقًا ثمّ يناموا، أو يستيقظوا تلقائيًا بعد اكتمال التعافي العقليّ. ربّما أحد هذين الخيارين؟”
المعرفة التي تلقّتها لينا، آخر التنانين، من سحر قبيلتها عن السلالات الأخرى كانت محدودة بالخصائص الظاهريّة.
لم يكن من الطبيعيّ أن تعرف تفاصيل استخدام قدرات لا يعرفها إلّا أصحابها.
في تلك اللحظة، أدركت لينا أنّها تقول أكثر ممّا كانت تنوي، فوبّخت لسانها.
“لم أكن أنوي قول كلّ هذا. لقد جرت المحادثة بسلاسة فائقة دون أن أنتبه … تسك”
كان ذلك بسبب الأبحاث التي بدأت تُظهر نتائج ملحوظة بعد هجومها على معقل السحر الأسود.
كانت في حالة مزاجيّة جيّدة مؤخرًا، مما جعلها أكثر تسامحًا من المعتاد.
بالإضافة إلى ذلك، كان اكتشافها غير المتوقّع لكازان قد أثارها.
أن يُحقّق تينيلاث، وهو مجرّد بشريّ، قدرات سلالة مصّاصي الدماء بشكل كامل كان أمرًا مذهلاً، جعلها ترغب في التحدّث عنه مع أيّ شخص.
‘سأذهب إلى إيهيس حالما أغادر. لكن قبل ذلك، سأجمع بعض دماء الإمبراطور.’
لمع الطمع في عيني لينا وهي تنظر إلى كازان.
كان شعورًا واضحًا لدرجة أنّ يساريس، التي لا تستطيع منع لينا إذا أرادت شيئًا، سارعت إلى الحديث: “إذا كان الجسد منقطعًا تمامًا عن العالم الخارجيّ ويستعيد عقله، فهل يعني ذلك أنّه يقضي الوقت في عالم اللاوعي؟”
“سؤال جيّد. المشكلة أنّني لا أعرف الإجابة بالضبط.”
شعرت يساريس ببعض الإحباط من هذا الردّ الصادق لكن المزعج، لكنّها، وهي لا تعرف شيئًا، كان عليها أن تواصل السؤال مهما كان الجواب.
“… قلتِ من قبل إنّ هناك طريقة محتملة. لماذا فكّرتِ بهذه الطريقة؟”
كان ذلك رغبةً يائسة لإنقاذ الرجل، سؤالٌ ينبع من محاولة التخلّص من الشعور بالذنب.
أشارت لينا إلى يساريس برأسها.
“وجودكِ، الذي تسبّب في ظاهرة مستحيلة، قد يكون هو المتغيّر. لكن بما أنّكِ كنتِ بجانبه لفترة دون أيّ تغيير، ربّما ليس هذا هو الحال؟”
“…”
عندما أظلمت ملامح يساريس أمام هذا الردّ غير المفيد، تابع صوت لينا: “حسنًا، حاولي جاهدة. كنتُ سآخذ دماء الإمبراطور على الفور، لكنّني سأمنحكِ فرصة. لكن، بعد ثلاث سنوات بالضبط من اليوم الذي غادرتِ فيه أوزيفيا، سأعود وآخذ دماءه قسرًا، لذا كوني مستعدّة.”
“هل يجب أن يكون هو بالذات؟ يُمكنني إعطاؤكِ كميّات أكبر من دماء تينيلاث آخرين.”
بينما كانت تتحدّث وهي تشعر بالهزيمة، ظهرت ابتسامة خفيفة على وجه يساريس الحزين.
“نعم. أنا لستُ خيريّة، وهذا كان الثمن المتّفق عليه من البداية.”
* * *
بعد أن ظهرت لينا فجأة كالإعصار ثمّ اختفت بهدوء، بقيت يساريس وحدها تنظر إلى كازان.
شعرت براحة معقّدة لأنّه لم يمت تمامًا.
كان تخيّل عودته إلى الحياة والاستعداد لذلك صعبًا ، لأنّ وجهه بدا هادئًا كما لو كان في نوم أبديّ، مما جعل الأمر لا يزال بعيدًا عن الواقع.
كان يبدو وكأنّه سيظلّ ممدّدًا هكذا إلى الأبد.
ربّما كان ذلك أفضل بالنسبة له، من يدري؟
بما أنّه لا توجد طريقة لإيقاظه، فهو عمليًا ميت.
كانت كلمات لينا عن السبات المطلق ذات مغزى عميق:
‘إمّا أن يحدّدوا وقتًا مسبقًا ثمّ يناموا، أو يستيقظوا تلقائيًا بعد اكتمال التعافي العقليّ.’
إذا كان الأمر الأوّل، فلا أمل.
كازان، الذي لم يكن يعرف عن هذه القدرة، ربّما ضحّى بقلبه و هو مستعدّ للموت، فإذا حدّد وقتًا في لاوعيه، فسيكون ذلك مدى الحياة.
وحتّى لو كان الخيار الثاني، فالوضع ليس أفضل.
الضرر الذي تعرّض له كازان كان جسديًا، وبما أنّه تعافى من الجرح، فمن الصعب توقّع المزيد.
“أو ربّما بسببي …”
خرج صوتها مملوءًا بالسخرية من نفسها.
من يدري، ربّما كان الجرح العقليّ الذي تسبّبت به هو ما دفعه إلى هذه الحالة.
في كلا الحالتين، لم يكن هناك وعد باستيقاظ كازان.
كان شعورًا يمزج بين بصيص أمل ويأس في آن واحد.
“كازان.”
نادت يساريس اسمه بهدوء.
كازان ، كازان تينيلاث.
كرّرت الاسم المألوف عدّة مرات على لسانها.
في المرّة الأولى كان هناك حبّ وكراهية، في الثانية تعلّق، وفي الثالثة شعور بالذنب.
كانت مشاعر معقّدة للغاية لتشعر بها تجاه شخص واحد، تظهر بجديد في كلّ مرّة.
كان نطق الاسم أقرب إلى التأمّل فيه بدلاً من مناداته.
وانتهى ذلك بتنهيدة مليئة بالوحدة.
“ماذا يُمكنني أن أفعل لأجلك؟”
لم يكن لديها أيّ تلميح.
في هذا الوضع المحيّر، لم تتمكّن من التفكير بشيء.
بينما كانت تحدّق في كازان بذهول، أيقظها صوت شخص آخر: “صاحبة الجلالة الإمبراطورة، هل أنتِ هنا؟”
“ما الأمر؟”
ردّت يساريس بصوت مرتفع نيابةً عن الإمبراطور، فجاء الردّ بأدب: “الأمير والأميرة موجودان في قصر الإمبراطورة مع الدوق بليك. ماذا تريدين مني أن أنقل إليهم؟”
توقّفت يساريس.
نظرت إلى الساعة، مدركةً أنّ وقت الغداء قد اقترب دون أن تشعر.
“أخبرهم أنّني قادمة الآن.”
“حسنًا، صاحبة الجلالة.”
تنهّدت يساريس مع اختفاء صوت الشخص.
نسيان موعد مع الأطفال، أليس هذا فشلًا كأم؟
نهضت يساريس من السرير الذي كانت تجلس عليه قليلاً قبل أن تتأخّر أكثر، ونظرت إلى كازان للمرّة الأخيرة و همست: “سأعود في الليل. ارتح”
حتّى لو كانت حواسه منقطعة ولا يسمعها، فهذا أفضل من عدم القيام بشيء.
ربّما كان مجرّد فعل لتخفيف وخز الضمير.
وهكذا بدأت جهود يساريس لإيقاظ كازان.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 142"