الإنسان كائن يستمر في الحياة من خلال بقائه في ذاكرة الآخرين. لذا ، يُقال غالبًا إن من ترك أثرًا كبيرًا في قلب شخص ما يظل حيًا في صدره حتى بعد موته.
لكن، ماذا عن العكس؟ إذا نسيت المرأة الوحيدة التي كانت تنبض بالحياة في عالم رجل ما؟
اختبر كاين الموت في اللحظة التي اتضح فيها أن يساريس خرقت قسمها. تحطم كل ما كان يشكله وتناثر إلى أشلاء.
لم يعد كاين جينوت موجودًا.
و كذلك “ساري”. بما أن كاين اختفى ، فقد ماتت يساريس تشيرنيان التي كان يتذكرها وحده أيضًا.
ليس المقصود أن أميرة مملكة بيرين ماتت.
بل الفتاة التي عرفها كاين جينوت وحده، المرأة التي أحبها وأحبته، تحطمت وتبخرت.
منذ تلك اللحظة، لم تكن يساريس حبيبة كازان.
يساريس تينيلاث.
شخص ما ارتدى جسد يساريس تشيرنيان الميتة.
هكذا رآها كازان بعينيه.
“سألتِ لماذا لم أتحدث عن كاين. لماذا لم أتحدث معكِ بصراحة.”
تفحصت عيناه الحمراوان الغارقة في الظلام وجه يساريس ببطء.
ستة عشر عامًا ، ثمانية عشر ، عشرون … اثنان و عشرون.
كل لحظاتها التي أحبها تراكمت فوق بعضها.
تذكر أيضًا تلك الأوقات التي شعر فيها بالوحدة والألم الشديد وهو يعتقد أنه الوحيد الذي يتذكرها بعد أن تخلت عنه.
“ماذا كنتِ تتوقعين مني أن أسأل شخصًا نسيني تمامًا؟ حتى لو أحسنتِ الظن، سيكون الأمر كما لو أن جثة تتحدث عن حزنها لجثة أخرى.”
لم يكن هناك شيء يمكنه قوله لشخص لا يعرفه ولا يعرفها.
لم يكن كازان من النوع الذي يكشف عيوبه بسهولة للغرباء.
“ولست من هواة جلد الذات. لا أريد أن أعيش مرة أخرى تجربة رؤية كائن يحمل مظهر يساريس ينكر كاين.”
لو نطق بكلمة واحدة عن كاين، لكان عليه أن يشهد مرة أخرى إنكارها لوجوده.
لم يكن كازان مستعدًا لتحمل ذلك، فقد كان بائسًا بما فيه الكفاية. لم يكن لديه أي رغبة في رش الملح على جرح يصل إلى حد الموت أو حرقه بحديد محمّى.
وهكذا، احتضن كازان موت نفسه وحبيبته وحيدًا وناح عليهما.
<يا للأسف ، يا أميرة>
كان هذا هو السبب في أن بدأ ينادي يساريس بـ”الأميرة” منذ حفل الخطوبة.
<لماذا يجب أن أستمع لطلباتكِ ، يا إمبراطورة؟>
وكذلك استمر في مناداتها بـ”الإمبراطورة” بعد الزواج.
لم يجرؤ كازان على معاملة يساريس تينيلاث كما كان يعامل يساريس تشيرنيان.
كل ما تركته يساريس تشيرنيان له، كل ما امتلكه، كان جسدها فقط.
<لقد قلتُ لكِ. أنتِ ملكي، فلا تعاملي جسدكِ باستهتار>
كان لكازان الحق المشروع في جسد يساريس، أو هكذا اعتقد.
الطريق الملطخ بالدماء الذي سلكه كطاغية أوزيفيا كان فقط من أجل أن يكون مع يساريس. بل إنه حصل على موافقتها على الزواج.
وهكذا، استولى كازان على جسد يساريس تينيلاث الحية، إرث يساريس تشيرنيان الميتة. دفن نفسه بكل سرور في آثار حبيبته، متلهفًا ومتعطشًا لها مرة بعد أخرى.
“قد تكرهينني، لكن أتمنى أن تفهمي شيئًا واحدًا. بقدر ما عانيتِ، أو ربما أكثر، عانيتُ أنا أيضًا.”
لم يكن كازان دائمًا في كامل وعيه عندما ميّز بين يساريس الماضي والحاضر. أثناء مراقبتها، التحدث إليها، واحتضانها، كان يتيه باستمرار بين جداري الماضي والحاضر.
بينما كان يعتبرها شخصًا مختلفًا تمامًا، كان يبحث عن تشيرنيان في يساريس.
يكرهها ويتشبث بها، يتجاهل سقوطها ويحميها بيأس.
كلماته كانت تتعارض مع أفعاله، وعقله كان يناقض غرائزه.
كان القول إنه مجنون صحيحًا. في الحقيقة، كان كازان مجنونًا منذ اللحظة التي أنكرته فيها يساريس. كأن شبح الماضي استولى على جسد الحاضر.
البيئة التي نشأ فيها، الظروف التي جعلته يتركها، الآثار الجانبية لتينيلاث التي تراكمت على مر السنين، والمأساة الناتجة عن سوء فهم لا يمكن التراجع عنه.
في عالم لا بد أن يتحطم ويتعرج، كان الشيء الوحيد الذي أمسك به هو حبه لامرأة واحدة.
حتى في هذه اللحظة التي أعلنت فيها يساريس نهاية علاقتهما، ظلّ كازان يحبها.
“….”
“….”
ساد صمت قصير في المكتب.
بينما كانا ينظران في عيون بعضهما دون حراك، كان كازان أول من تحدث مرة أخرى: “إذا فكرتِ في الأمر، ألم يكن بإمكانكِ أنتِ أيضًا أن تتحدثي؟”
“… عن ماذا؟”
رد كازان ببطء على صوت يساريس الحذر المبحوح: “حقيقة الخطوبة. أو الماضي الذي قضيته مع كاين.”
لو كشفت عن علاقتها المزيفة مع باريتيون.
لو ذكرت كاين ولو مرة واحدة.
“لكان سوء الفهم قد زال.”
كان سيعتذر قبل أن تنهار علاقتهما تمامًا ويعتني بيساريس بحنان. كما خمّن سوء الفهم عندما نادت بكاين في غيبوبة أثناء مرضها.
لم يكن صوته توبيخًا، لكن يساريس عضت شفتيها.
كانت تعلم أنها ليست بريئة تمامًا في تأخر حل سوء الفهم.
“…لم يكن بإمكاني ذلك. كنتَ تعلم أن الأمر يتعلق بشرفي و شرف باريتيون. والأهم، كيف كنت سأجرؤ على الحديث وأنا أعلم أنك مهووس بي بشكل غير طبيعي؟ من يدري ماذا كنت ستفعل بقبر كاين؟”
“أعلم. لذلك لم ألومكِ. لكنكِ أنتِ من لامني”
عندما فقدت يساريس الكلام ونظرت إليه بحيرة، أنزل كازان عينيه.
وهو ينظر إلى الأرضية الملطخة بدماء الدوق باريليو، تمتم بنبرة هادئة بشكل غريب: “كنتُ دائمًا أحاول فهم ظروفكِ. حاولتُ باستمرار. حتى عندما كنتِ تخرجين إلى لقاءات ترتيب زواج مع آخرين بينما كنتِ معي، أو عندما كنتِ تمسكين بي بشكل غامض دون مناقشة المستقبل. وحتى كراهيتكِ لي بسبب سوء فهمي ومعاملتي السيئة لكِ، حاولتُ فهمها.”
“….”
“حتى لو لم يكن خطأي وحدي، إذا كان إلقاء اللوم عليّ يريح قلبكِ، سأتحمل أي اتهام بكل سرور. كنتُ كذلك دائمًا، وسأظل كذلك. من أجلكِ.”
كيف يمكن وصف هذا؟
شعرت يساريس بغرابة غامضة.
تصرفاته وهو ينظر بصمت إلى السجادة التي تتلون بالأحمر بدت وكأنه يراقب الدم يتدفق من قلبه بعيون طرف ثالث.
“لكن، يساريس.”
أخيرًا، رفع عينيه من الأرض وواجهها. ظهرت ظلال في عينيه الخربة التي بدت سوداء تمامًا.
“هل حاولتِ فهمي ولو مرة واحدة؟”
كان صوتًا كئيبًا و ثقيلًا. خرجت نبرة منخفضة لدرجة جعلت يد يساريس ترتجف للحظة.
“كنتُ في موقف لا يمكنني إلا أن أسيء فهمكِ. كل أفعالي كان لها مبرر. كل ما فعلته كان فقط لأنني أحببتكِ بلا حدود.”
كانت كلمات متناقضة موضوعيًا، لكنها صادقة ذاتيًا.
“لماذا … لم تحاولي فهم ظروفي ولو قليلاً؟”
لماذا تحاولين دفعي بعيدًا؟ لماذا تريدين مغادرتي؟
لماذا … لا تحبينني؟
امتلأت عيناه الحمراوان بيساريس.
هي فقط من كانت فيهما.
بدا وكأنه سينهار في أي لحظة، أو يهاجم بسيفه، أو يغضب، أو يبكي.
لكن كازان لم يفعل شيئًا من هذا.
فقط حدّق بها بلا تعبير، كأنه ينحت صورتها في ذهنه.
“….”
“….”
عاد الصمت مرة أخرى.
أمام الرجل الخطير الهش، لم تستطع يساريس نطق كلمة.
عقليًا ، كانت تتفق إلى حد ما مع كلمات كازان. كانت علاقتهما الملتوية متأثرة بشكل كبير بدوق باريليو. بمعنى ما ، كان كازان ضحية أيضًا ، فلم يكن بإمكانها توبيخه وحده.
لكن من داسها مباشرة كان هو.
فكيف لا تكرهه؟ شعور الرفض المنقوش في جسدها لا يزال يصرخ بصوت واضح.
كازان مقيت. لا تريد رؤيته.
تمنت لو تألم أكثر، هكذا لعنت يساريس تينيلاث بداخلها، حتى أن صوت يساريس تشيرنيان المهدئ لم يُسمع.
“….”
في النهاية، أمام صمتها، أومأ كازان كأنه فهم شيئًا.
لم يكن واضحًا ما الذي قبله.
ثم فتح فمه فجأة: “أحبكِ.”
كان إعترافًا مفاجئًا و طبيعيًا في آن واحد.
بوجه شاحب تحيط به هالات سوداء، وبعينين خاليتين من الحياة، أعرب كازان عن مشاعره ليساريس.
“ما زلتُ أحبكِ، ساري.”
هل كان يأمل في معجزة كما فعل عندما اعترف لها أول مرة؟ أم كان يعني أنه لا بأس حتى لو لم تفهمه؟
أم أنه تنبؤ بأنه سيظل يحبها حتى لو تخلت عنه؟
أيًا كان، كان هناك رد واحد فقط يمكن أن تقوله يساريس: “أنا لا أحبك”
كانت هذه هي النهاية.
غادرت يساريس المكتب ، ولم يحاول كازان إيقافها.
و هكذا ، انفصلا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 123"