رغم الخوف الذي يُثيره، كانت هناك سيداتٌ يقتربن من الدوق ويصفن مظهره القويّ والضخم بأنّه مثيرٌ للإعجاب.
“لا، لا بأس. ما الأمر…؟”
“هل يحتاج الزوج إلى سببٍ خاصّ لرؤية زوجته؟”
بما أنّ كلامه صحيح، لم تُعلّق ساي بشيء. مع أنه رجلٌ يُثير رهبةً في النفس، إلا أنّها لم تشعر بعدم الارتياح منذ البداية.
“هل تحسّن جرحكِ بعض الشيء؟”
“باستثناء بعض الصّداع أحيانًا، أنا بخير. الطبيب المسؤول يغيّر الضمادات بانتظامٍ ويُجري الفحص أيضًا.”
مدّ بنجامين يده الكبيرة والصلبة نحو وجه ساي بحذر. ثمّ بدأ يُلامسه برفق، حتى أنّه لمس طرف الجرح الملفوف بالضماد بطرف إصبعه بدقّةٍ لا تُصدّق من يدٍ قاسيةٍ خشنة.
كان الجرح عند طرف الجبهة، ولحسن الحظ لم يكن في موضعٍ يتطلّب حلق الشعر. طوله كان بطول عقلة إصبعٍ تقريبًا. ولأنّها كانت فاقدةً للوعي أثناء الخياطة، لم تشعر بالألم حينها.
‘ربّما لم يكن حنونًا، لكنّه شخصٌ يُظهر لي الاحترام. ومع ذلك، عاملتهُ بسوء… هل من الممكن أنّ هناك أمرًا لا أتذكّره؟ ربّما أساء إليّ في الماضي مثلاً…؟’
“قيل إنّه قد يُخلّف أثرًا. أَلَم تكوني تتألّمين من جروحٍ صغيرة أيضًا؟”
‘لا أظنّ أنّني شخصٌ بهذه الحساسيّة المفرطة.’
تمتمت ساي في داخلها. بالمقارنة مع ما حدث في منزل ألانترا، فهذه إصابةٌ لا تُذكر.
“إنّه موضعٌ يمكن تغطيته بالشّعر، لذا لا بأس.”
فتح بنجامين عينَيه قليلاً وكأنّه تفاجأ، ثم استعاد هدوءه.
قرّرت ساي أن تختبره قليلًا.
“على ما يبدو، كنتُ في ذاكرتك أُبالغ في ردّ فعلي حتّى على الجروح الصغيرة، أكنتُ أصرخ بهستيريا أيضًا؟”
عند ذلك، صمت بنجامين للحظة. كان وجهه كعادته، باردًا.
“إن كان الصّراخ يُخفّف من الألم، فأراه طريقةً منطقيّة.”
أضاف بنجامين وهو ينظر إلى جسدها النحيف.
“بما أنّكِ صغيرةٌ وضعيفة، فمن الطبيعيّ أنَّ الألم نفسه كان مضاعفًا بالنسبة ليكِ.”
كلماتٌ لو قالها رجلٌ آخر لبدت محرجة، لكن حين قالها بنجامين، شعرت ساي أنّها مجرّد ملاحظةٍ عاديّة.
“يبدو أنّك تُفكّر بي كثيرًا.”
“لأنّكِ زوجتي.”
إنّه شخصٌ يملك حسًّا عاليًا بالمسؤوليّة.
مهما كانت صفاتي، فقد تزوّجني، ويتعامل معي من منطلق مسؤوليّته.
‘إذًا، ليس لأنّني مميّزة.’
“إن كنتُ كذلك في الماضي، فسأحاول الآن أن أتحمّل وأراعي مشاعر الآخرين. المبالغة في التفاعل مع الإصابات الصغيرة لا تليق بمكانتي، وسأستغلّ فترة الراحة للتأمّل في مسؤوليّاتي كدوقة.”
حينها، ومض شيءٌ مختلف في عيني بنجامين للحظة، قبل أن يخبو سريعًا. ثمّ قال بصوتٍ منخفضٍ أكثر من المعتاد.
“لستِ مضطرّةً لأن تتحمّلي.”
حين لم تفهم ساي قصده تمامًا، واصلت الاستماع إليه بصمت. فقال بنجامين بجمود.
“أقصد، عندما تتألّمين، لستِ مضطرّةً لكتم ألمك. وإن بالغتِ في ردّ فعلكِ على إصابةٍ بسيطة، فما المشكلة؟ كما قلتِ بنفسك، أنتِ دوقة.”
ردّ فعله لم يكن كما توقّعت، ما جعلها تشعر بالارتباك. لكنّ نبرته غير المُكترثة جعلتها تشعر بالقلق.
“أنا لا أفعل ذلك من أجل الآخرين فقط، بل أيضًا من أجل نفسي. من يُسيء للناس يعود إليه ذلك في النهاية.”
“إن كان في يدي القوّة، يمكنني الإمساك بتلك الإساءة وكسرها قبل أن تعود إليكِ. إن كان ذلك ما يُريحكِ، فسأفعل.”
“لأنّني زوجتكَ؟”
“نعم، لأنّكِ زوجتي.”
“ولو كنتُ شخصًا آخر، فهل كنتَ ستتقبّل تلك الحساسيّة الزائدة؟”
“لا، لن أفعل.”
الخلاصة: هي تحصل على معاملةٍ خاصّة.
لأنّها زوجته. لأنّها مسؤوليّته.
لكن أن يتقبّل كلّ شيء بصمت ليس أمرًا صائبًا.
“وبما أنّني زوجتك، فأنا من مسؤوليّتك أيضًا أن تُعيدني إلى الطريق الصّحيح إن ضللتُه، يا صاحب السّموّ.”
قالت ساي بجدّيّة، فأومأ بنجامين برأسه.
“كلامكِ منطقيّ، ساي. كما هو الحال في الخطط العسكريّة، إن كانت الخطة خاطئة، يجب تعديلها. لكن ماذا عن وعدكِ بمناداتي باسمي؟”
“آه، نعم. بنجامين.”
فكّر بنجامين للحظة، ثمّ أومأ وكأنّه اقتنع.
“في الماضي، كنتِ شديدة الحساسيّة لأبسط الأشياء. أحيانًا ترمين الأشياء من الانزعاج. وبعدها، كنتِ تبدين منهكة، لذا بالتأكيد لم تكن طريقةً جيّدة.”
انطلقت تلك الذكريات من فمه بسلاسة، ما جعل وجه ساي يحمرّ خجلًا.
‘أسحب ما قلته عن كونه كتومًا. صحيح أنّه يقول ما يجب قوله، لكنّه يُلقيه ببرودٍ ومن دون مشاعر لدرجة أنّ الأمر يبدو وكأنّه تحليلٌ موضوعي… الأمر مربك.’
“لكنّكِ لم تُلحقِي الأذى بأحدٍ فعليًّا، ساي. وإن رميتِ شيئًا، فكنتِ ترمينه في اتجاهٍ لا يوجد فيه أحد. وكنتِ تختارين أشياء غير قابلةً للكسر، أو أشياء ناعمة. فظننتُ أنّ الزواج المفاجئ أربككِ. والآن، بعد أن فقدتِ ذاكرتك، تبدين أشبه بالسيدة ساي القديمة.”
“لكن من الواضح أنّني أنفقتُ المال كما يحلو لي.”
رغم أنّها تتحدّث عن أفعالها التي لا تتذكّرها، لم تجد مهربًا من الاعتراف.
“هذا ضمن قدرتي على تحمّل المسؤوليّة.”
حين أجاب بنجامين بذلك، شعرت ساي بفراغٍ في داخلها.
بعض الناس يملكون قدرةً كبيرة على التحمّل.
لكن تقبّل كلّ شيء، قد يعني أيضًا أنّهم لا يهتمّون بشيء.
‘هل كنتُ أحاول في الماضي جذب انتباه هذا الشخص؟’
“مهما فعلتُ… لم يُؤثّر ذلك فيك أبدًا، أليس كذلك، يا بنجامين؟”
“لا، ليس تمامًا. لقد كنتِ… الشخص الوحيد الذي جعلني أركع.”
ولأوّل مرّة، ظهر على وجه بنجامين احمرارٌ خافت.
“أنا؟”
“نعم.”
“كيف؟”
اقترب بنجامين منها بهدوء.
“أتُريدين أن تتذكّري؟”
اقترب لدرجة أنّها شعرت بأنفاسه، ما جعلها تتراجع قليلًا وهي تقول:
“آه، ليس الآن.”
“كما توقّعت.”
مهما كانت الطريقة التي جعلته يركع بها، فهي لا تريد معرفتها الآن. ليس لأنّها غير فضوليّة، بل لأنَّ حالتها النفسيّة الحاليّة لا تحتمل المزيد من الاضطراب.
“ألا تتذكّرين شيئًا على الإطلاق؟”
“لا.”
حتى لو كانت لمحة، كانت تتمنّى أن تعرف ما كانت تشعر به، ولماذا تصرّفت بذلك الشكل.
لكنّها حقًّا لم تتذكّر شيئًا. كلّ شيءٍ كان كأنّه محي.
“الطبيب قال إنَّ هناك حالاتٍ لا تعود فيها الذكريات أبدًا. ربّما سأقضي حياتي من دون استرجاع عامٍ ونصف من حياتي.”
“سمعتُ ذلك أيضًا. لا بدّ أنّه أمرٌ يربككِ.”
“نعم. قد يبدو تبريرًا، لكنّني لم أكن أعيش كما كنتُ أعيش هنا. لا أفهم سبب تغيّري.”
قالت ساي هذا وهي تنظر إلى بنجامين.
بنجامين ريفرستا.
الآن، هو زوجي.
لا أعرف عنه الكثير بعد، لكن شيئًا واحدًا بات واضحًا: إنّه رجلٌ صادق لا يُراوغ.
كنتُ أظنّه غامضًا، لكنّه فقط لا يتحدّث كثيرًا. لا أعلم إلى أيّ مدى سيتكلّم، لكن من الواضح أنّه لا يُخفي مشاعره خلف الكلمات.
‘لكنّي لا أعلم بعد. مظهره يطابق ذوقي تمامًا، لكنّ الشكل وحده لا يكفي لأحبّ شخصًا.’
تأمّلته ساي بهدوء.
‘هل يتحدّث بصراحةٍ هكذا لأنّني أنا؟ أم أنّه يتصرّف بهذه الطريقة مع الجميع؟ من أسلوبه مع الآخرين، لا يبدو أنّه غريب عن دوائر السياسة أو المجتمع الراقي.’
“إن لم تفهمي، فلا بأس. والماضي لا يمكن تغييره.”
“سواءً تذكّرتِ أم لا، أنتِ بالنسبة إليّ زوجتي.”
قالها كلمةً كلمة، بنبرةٍ واضحةٍ وحازمة.
“نعم.”
رغم الصّداع الذي يؤلم رأسها والأفكار المتشابكة، كان هناك أمرٌ واحدٌ باتت تعرفه بفضل تكراره.
“إذًا، يمكننا البدء من جديد.”
قالت ساي وهي ترفع يدها إلى شعرها.
“زواجنا، أنا وأنتَ.”
هناك الكثير من الأشياء في الحياة لا يمكن بدؤها من جديد، مهما تمنّينا.
لكنّ فقدان الذّاكرة أعطاها فرصةً للإمساك بما كان سيفوتها.
مدّت ساي يدها بابتسامةٍ خفيفة.
“أرجو أن نعتني ببعضنا، يا بنجامين.”
“وأنا كذلك، يا ساي.”
حين تلامست يداهما، شعرت ساي بالفرق. في المرّة السابقة، كان بنجامين هو من أمسك بيدها، أمّا الآن، فهي من قرّرت أن تُمسك به.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"