أجابت ساي وقد احمرّ وجهها احمرارًا شديدًا. كانت ملامحها محافظةً على هدوئها، لكنّ قلبها كان يخفق بشكلٍ جنونيّ.
لم تكن تفتقر إلى تجارب الحديث مع الرجال، لكن بفعل الرقابة الصارمة من والدها، لم تختبر قطّ حتى لمسةَ إصبع من رجل، ناهيك عن علاقة حب.
‘لأنّه كان زوجي، فربّما كان من الطبيعيّ أن يلمسني… لكنّني لست كذلك.’
زوجها، رجلٌ غريبٌ تمامًا.
شعرت بحذرها ينتصب كوبرٍ ناعمٍ على جسدها.
لم يكن الأمر مرتبطًا بكرهٍ أو محبّة تجاه بنجامين، بل كان شيئًا منقوشًا داخلها بفعل الضغوط الطويلة التي عاشتها.
“مساعدة المريض أمرٌ طبيعيّ، يا ساي.”
كلمات بنجامين الصّلبة جعلتها تشعر بمسافةٍ بينهما، وهو ما أراحها. قد يكون لَمسها كما لو أنّه معتادٌ على ذلك، لكنّها اعتقدت أنَّ السبب هو الفترة الزمنيّة التي لا تتذكّرها.
سحبت ساي الغطاء حتّى رقبتها وهمّت بإغلاق عينيها، لكنّها لم تستطع تجاهل الزّهور الموزّعة من حولها، ففتحت شفتيها قائلة:
“شكرًا على الزّهور.”
قد يكون الدوق مُخيفًا وجافًّا، لكنّه على الأقلّ يُظهر اهتمامه بها من خلال أفعاله.
وكان لزامًا عليها أن تُقابل ذلك باحترامٍ مماثل.
رغم خجلها، لم تُفلِت ساي توتّرها.
فهي ما تزال تجهل تمامًا ما نوع هذا الرجل.
عندما سمِع بنجامين كلامها، رفع جسده وأدار وجهه. ولأنّه كان رجلاً ضخم البنية، لم تستطع ساي وهي مستلقية أن ترى تعابير وجهه.
“قمتُ فقط بما يجب عليّ فعله. إذًا ارتاحي الآن، يا ساي.”
قال ذلك وغادر الغرفة بخطًى ثابتة دون أن ينتظر ردّ ساي. ولم تكن ساي تتوقّع منه شيئًا، لذلك اكتفت بمراقبة ظهره وهو يخرج دون أن تشعر بأيِّ أسى.
‘رجلٌ ضخم البنية حقًّا.’
رغم أنّها ذات طولٍ متوسّط، شعرت أنّها ستبدو صغيرةً جدًّا بجانبه. وبينما كانت تُتابع ظهره بعينيها، راودها ذلك الخاطر.
***
في نهاية المطاف، لبّى الدوق رغبتها. عيّن الخادمة التي أرادتها ساي لتكون خادمتها الخاصّة.
ورغم أنَّ الجوّ كان جافًّا وباردًا، كما يُطلق عليه لقب الدوق ذو الدم الجليدي، فقد شعرت بأنّه يحترمها كزوجةٍ على الأقلّ.
‘رغم أنّه زوج ظهر فجأة، يبدو أنّ علاقتهما لم تكن سيّئة. بل ولا يبدو أنّني أديتُ دوري كدوقة على أكمل وجه أيضًا.’
ورغم أنّ كلّ شيءٍ يُقدّم لها الآن هو من أجلها، شعرت ساي وكأنّها تسرق شيئًا لا يخصّها. شعورٌ غريب.
كما أنّها، وإن كانت لا تزال مريضة، فقد شعرت بأنّ الخدم من حولها يتحرّكون بحذرٍ مبالغٍ فيه. كانوا متوتّرين كأنّهم يخشون ارتكاب أيّ خطأ أمامها.
‘من الواضح أنّني كنتُ أُسرف، بل وربّما كنتُ أبحث عن المشاكل من أتفه الأمور. لكن… لماذا؟’
لم تستطع معرفة السبب. وغرقت في أفكارها.
‘قال الدوق إنّه زواجٌ سياسيّ، أليس كذلك؟’
رغم أنّ بنجامين طلب منها أن تناديه باسمه، ما زالت في داخلها تناديه الدوق. فالمسافة القلبيّة لا تزول بسهولة.
‘إيجاد مثل هذه الزيجة لم يكن سهلًا، فلا بدّ أنّ والدي فرح لأنّه باعني بثمنٍ مرتفع.’
رغم أنّ لعائلة آلانترا مكانة لا بأس بها، فإنّها لم تكن تقارن بنفوذ عائلة الدوق.
‘لا أعلم كيف نجح في تدبير هذا الزواج، لكنّه لا بدّ أنّه ابتهج به بشراهة.’
فكّرت ساي بمرارة.
‘ولعلّني فرحتُ قليلًا بدوري. فالهرب من آلانترا لم يكن ممكنًا إلّا عبر الزواج. لم أكن لأرضى بالفرار خالية الوفاض.’
في الخارج، كانت تُعامَل كأثمن بنات النبلاء، تتألّق وسط التجمّعات، لكنّها ما إن تعود إلى القصر، حتّى تستقبلها الإهانة والاحتقار والرقابة القاسية كظلٍّ لا ينفكّ عنها.
‘رغم ذلك، كنتُ أقوم بواجباتي على أكمل وجه. لكن لا أعلم لماذا تصرّفتُ بتلك الطريقة هنا. أُريد أن أُحسن التصرّف هذه المرّة.’
لماذا، في ظلّ هذه الظروف الجيّدة، تصرّفت وكأنّها امرأةٌ مجنونة؟
‘وفوق ذلك، لماذا أبقيتُ على الخادمات اللواتي اعتدن مراقبتي؟ كان بإمكاني التخلّص منهنّ فور وصولي إلى هنا، خصوصًا أنّ هذه المنطقة بعيدةٌ عن العاصمة.’
لكنّها لا تستطيع أن تسأل نفسها، لأنّها ببساطة لا تتذكّر.
وكان هذا واحدًا من أسئلةٍ كثيرة.
‘قصر الدوق… لكن لا أرى أيّ وصيفات. لم أرَ سوى خادمات حتّى الآن.’
قصر الدوقّ بلا وصيفات؟ بالتأكيد مشهدٌ غير طبيعيّ.
في تلك اللحظة، قطع صوتٌ مفاجئٌ أفكارَ ساي.
“سيّدتي، أحضرتُ الخادمة التي أمرتِ بتعيينها خادمةً خاصّة لكِ.”
الصوت من خلف الباب كان صوت رئيسة الخادمات.
“ادخلي.”
بمجرّد أن أذِنت ساي، فُتح الباب، وتقدّمت رئيسة الخادمات بخُطى منضبطة، وتبعتها الخادمة ذات الشَّعر البرتقاليّ التي رأتها البارحة، وقد بدا عليها التوتّر.
“عددٌ قليل فقط من يعرفون بفقدان ذاكرتكِ يا سيّدتي. لقد شرحتُ لها الوضع بإيجاز، ولن تتحدّث عنه لأحد. هل أُساعدكِ أنا أيضًا أثناء تدريبها؟”
خفضت رئيسة الخادمات صوتها كي لا يسمعها غير ساي، وسألت بلطف. ورغم أنّ سيّدتها تغيّرت كثيرًا وهدأت عن ذي قبل، لم تُظهر الخادمة الكبيرة أيّ اضطراب.
“لا، لا داعي. أُريد أن أتحدّث معها أكثر، فهل يمكنكِ تركنا؟”
“مفهوم. إن احتجتِني، ناديني في أيِّ وقت.”
انحنت رئيسة الخادمات باحترام ثم غادرت الغرفة.
الآن لم يبقَ في الغرفة سوى ساي والخادمة التي أصبحت خادمتها الخاصّة.
حدّقت ساي في الخادمة الواقفة أمامها.
كانت فتاةً صغيرة الملامح متجمّدة في مكانها خشية ارتكاب خطأ، ومثلما كان زيّها مشدودًا ومُكويًّا بعناية، بدا جسدها مشدودًا أيضًا. فتنهّدت ساي قليلًا.
“ما اسمكِ؟”
“روزا، سيّدتي.”
سألتها عن اسمها فقط، لكنّها انحنت بزاوية قاربت التسعين. بدا الموقف غريبًا، فقرّرت ساي أن تمزح بخفّة.
“لا داعي للخوف. لن آكلكِ.”
لكن يبدو أنّ النتيجة جاءت عكسيّة، إذ تماسكت روزا أكثر وردّت بجديّة.
“مفهوم.”
بهذا الشكل، لا تدري إن كانت ستستطيع سحب أيِّ إجابةٍ صادقة منها.
أم تُراها ستكون أكثر صدقًا بسبب خوفها؟
‘هل كنتُ أضرب خادماتي فعلًا؟ الخادمات مزعجات، نعم، لكنّ المزعجات حقًّا كنّ خادمات آلانترا. لم أكن بتلك الحماقة التي تدفعني لتفريغ غضبي في غير محلّه… فماذا كنتُ أفعل بالضبط لتتصرف روزا هكذا؟’
تذكّرت ساي كيف كانت الخادمات يتحرّكن أمامها بدقّة وصرامة.
لكن كان هناك ما يُحيّرها أكثر في الوقت الحاليّ.
“روزا، كما سمعتِ، فقدتُ ذاكرتي خلال السنة والنصف الماضية. وأنتِ، بما أنّكِ خادمتي الخاصّة، فلا بدّ أنّكِ تعلمين هذا.”
“سـ، سيّدتي…”
تغيّر لون وجه روزا وكأنّها سمعت أمرًا لا ينبغي سماعه. لكنّها حاولت الحفاظ على هدوئها، ثمّ قالت ببطء:
“نعم، سمعتُ بالأمر. ومن يعرفون هذه الحقيقة لا يجرؤون على إفشائها. لقد أكّد علينا الدوق بنفسه، ولو تسرّب هذا الأمر إلى الخارج، فسيدفع الجميع حياتهم ثمنًا لذلك.”
بنبرةٍ حازمة، ابتسمت ساي بلُطف وطمأنتها
“لم أُرد أن أُخيفكِ. أردتُ فقط أن أطلب مساعدتكِ.”
“مساعدة؟”
ظهرت على وجهها علامات الدهشة بشكلٍ صادق وواسع.
‘تُعبّر بوضوحٍ شديد عن مشاعرها، لكن لا يمكن الجزم بمدى براءتها فقط من تعبيراتها.’
فكّرت ساي بذلك وهزّت رأسها.
“نعم، أحتاج شخصًا يكلّمني بصدق.”
لم يكن في روزا شيءٌ خاصّ يُثير إعجابها، لكنّها بدت أقلّ قدرة على إخفاء مشاعرها مقارنةً بغيرها، ما يعني أنّها ستُظهر ردّ فعلٍ لكلّ شيء.
فالناس يُجيبون بالكلام، ولكن أيضًا بالسّلوك.
وبسؤالٍ ملؤه الفضول، سألت ساي أوّل سؤالٍ قد يقودها إلى ماضيها المفقود.
“قصرٌ دوقيّ كهذا، لا بُدّ أن فيه وصيفات، أليس كذلك؟ حتّى إن لم تكن لي وصيفاتٌ مُباشرات، فلا بدّ من وجود واحدةٍ أو اثنتين. فلماذا يقوم على خدمتي خادماتٌ فقط؟”
أبدت روزا ارتباكًا، وحاولت أن تحافظ على رباطة جأشها، لكنّها لم تُجب فورًا. ظنّت ساي أنَّ أسوأ الاحتمالات أنّها قد تكون طردتهنّ بسوء خلقها.
خفضت ساي عينيها وهمست:
“كوني صادقة، أنا الآن تائهةٌ تمامًا بعد فقدان ذاكرتي.”
وبدا مظهر ساي آنذاك، حتّى في نظر امرأة مثل روزا، مُثيرًا للشّفقة، هشًّا للغاية.
كانت ساي تُدرك تمامًا ما الشكل الذي يجعلها أكثر رقةً ويُحرّك القلوب. ربّما كان ذلك فطرة، وربّما وسيلة بقاءٍ تعلّمتها عبر السنين.
تردّدت روزا قليلًا وقد ظهر عليها التوتّر، ثمّ نطقت أخيرًا:
“…أنتِ، سيّدتي، طردتِ جميع الوصيفات بنفسكِ. وقلتِ إنَّ خدمة الخادمات تكفي.”
لمعت عينا ساي فجأةً وهي تُخفضهما، لكن روزا لم تنتبه، فقد كانت تُحدّق فقط في الأرض تحت قدمي سيّدتها، غير قادرةٍ على استيعاب هذا التغيّر في تصرّفاتها.
ساي، لم تَعُد تفهم نفسها السابقة.
لماذا؟
ما الذي دفعها لاتّخاذ قراراتٍ كهذه؟
حتى طرد الوصيفات؟
لم تُدرك شيئًا.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 6"