كانت عينَا بنجامين الحمراء تُحدّقان بها مباشرة. مُنضبطة، ومُخيفة.
لم تكن قادرة على شرح كيف يمكن أن يتناسق هذان الوصفان، لكنّ الشعور الذي انتابها كان تمامًا كذلك.
‘لا عجب أن يقول الناس إنّه مُخيف. لا يبدو أنَّ هناك ثغرة يمكن النفاذ منها، كما أنَّ له هالةً ضاغطة. أيُّ جهةٍ أهاجِمها، سيعود الضّرر عليّ على الأرجح.’
“أرجو ألّا تسيئي الفهم. أنْتِ مُصابةٌ بشدّة الآن، وفي هذا القصر خادماتٌ كثيراتٌ قديمات ومتمرّسات يعرفن المكان حتى وهنّ مُغمضات الأعين. مقارنةً بهنّ، تلك الخادمة خبرتها قليلة، وقد لا تعتني بكِ كما يجب. ثم إنّنا عندما تزوّجنا، جلبتِ معكِ ثلاث خادماتٍ خاصّات بالإضافة إلى المُربية.”
كان سبب الرفض واضحًا ونظيفًا.
ثلاث خادماتٍ خاصّات؟ طبيعي أن لا تتذكّر شيئًا عن ذلك، لكنّها بدأت تُخمّن من هنّ.
من بين الخادمات اللواتي ألحقهنّ والدها بها، كانت ثلاث منهنّ من أكثر الخادمات ولاءً له، لا يمكن استثناؤهنّ من التّخمين.
منذ أن كانت آنسة آلانترا، كنّ يتبعنها كظلّها، ويُبلّغن والدها بكلّ حركةٍ تقوم بها، ويتصرّفن كأنّهنّ سيّدات.
رغم ذلك، قد تكون خادماتٌ أخريات قد جئن معها أيضًا. فهنّ أيضًا كنّ يعلمن أنَّ سُلطتهنّ لن تستمرّ إلّا في منزل آلانترا.
على أيّ حال، باستثناء المُربية التي ربتها منذ الصّغر، لم تكن هناك أيُّ خادمة على علاقةٍ حقيقيّة بها. أولئك كنّ يُخلصن للوالد وشقيقها، لا لها.
‘والآن وأنا أفكّر في الأمر، لا أعرف حتّى كيف وصلت المُربية إلى هنا. أتذكّر أنّها غادرت إلى الرّيف عندما كنتُ في الخامسة عشرة لأنَّ حفيدها كان مريضًا. تُرى، هل طلبتُ منها القدوم؟ وهل شُفي حفيدها؟’
أمرُ المُربية يمكن التحقّق منه لاحقًا.
ما تحتاجه ساي الآن هو تلك الخادمة التي كانت معها قبل قليل. ربّما لأنّها تأكّدت من كونها عديمة الخبرة.
“فهمتُ. للأسف، حتّى هذا الأمر لا أذكره أصلًا.”
أجابت ساي وهي ترسم ابتسامةً خفيفة على وجهها، واعتدلت في جلستها. في الحقيقة، كانت تعتدل لأنَّ التعامل مع دوقٍ بهذا الجوّ المتوتّر جعلها تشعر بالتّوتّر بدورها.
أومأ بنجامين برأسه على كلامها.
“الخادمات المُخصّصات اللواتي كنّ يرافقنكِ ذلك اليوم لم ينجحن في حمايتكِ، ولذلك نقلتهنّ إلى المبنى الفرعيّ. لكن إن أردتِ، يمكنني إعادتهنّ إليكِ.”
“لا، لا حاجة لذلك يا سموّ الدوق. كما قلتَ، لم يكن باستطاعتهنّ حتّى منعي من السّقوط من الشرفة، أظنّ أنَّ خادمةً أخرى ستكون أفضل.”
شرفةُ الطّابق الثّاني.
إن كانت قد طلبت منهنّ ألّا يتبعنها ثم خرجت بمفردها، فالخطأ ليس خطأهنّ. لكن في الوقت الحالي، هي بحاجةٍ إلى من يخبرها كيف كانت تعيش هنا.
إن كانت الخادمات مُخلصاتٍ لوالدها، فلن يكنّ صادقات معها، بل سيكون وجودهنّ عائقًا.
“حالتي الآن تستدعي خادمةً مُخصّصة، لكنّي بحاجةٍ إلى من أشعر معه بالرّاحة أكثر من الحاجة إلى خِبرة. هل يمكنني أن أطلب أن تكون الخادمة التي تحدّثتُ عنها قبل قليل هي خادمتي الخاصة؟ وإن لم تكن مناسبة، أطلب غيرها متى أردتُ.”
استمع بنجامين إلى كلام ساي بصمت، دون أن يصرف نظره عنها.
“أأعجبتكِ تلك الخادمة؟”
“نعم.”
رغم أنّه سؤال بسيط، إلّا أنّه كان ثقيلًا. الأمر ليس سهلًا.
“حسنًا، إن جعلتها خادمةً خاصة، فهل تلبّين طلبي بالمقابل؟”
رغم التّوتّر، ردّت ساي بهدوءٍ مصطنع.
“وما هو طلبُكَ؟”
عندها صرف بنجامين نظره وقال بهمس:
“الاسم…”
“عذرًا؟”
“ألا يُمكنكِ مناداتي بأسمي؟”
عاد بنظره إليها.
عندها فقط أدركت ساي أنّها كانت تناديه بـ “سموّ الدوق” رغم كونه زوجها. والسبب كان واضحًا، فهو بالنسبة لها غريبٌ تمامًا.
مناداة الاسم ليست أمرًا بسيطًا، إنّها إشارةٌ إلى تقليص المسافة.
وبسبب ذلك، لم تستطع الرّد مباشرة، بل صمتت لوهلة. عندها تابع بنجامين بصوتٍ منخفض:
“نحنُ عائلة، أليس كذلك؟”
عائلة. هذه الكلمة آلمتها.
فكّرت ساي في والدها وأخيها. بعد وفاة والدتها، لم يَبقَ في حياتها سوى البرود والأنانيّة.
‘لقد تزوّجتُ هذا الرّجل، وها أنا قد شكّلتُ عائلةً جديدة. رغم أنّني لا أتذكّر شيئًا…’
عائلتها السّابقة لم تكن جديرةً بهذا الاسم، أمّا العائلة الجديدة فحتى ذكرياتها عنها مفقودة.
ربّما لهذا السبب، كلمات بنجامين كانت مزعجةً قليلًا. كان بإمكانها أن توافق ببساطة وتنال ما تريد، لكن لم تستطع النّطق بذلك بسهولة.
“مناداة الاسم وحدها لا تجعلنا عائلة. إن لم يكن هناك مودّة، فهو مجرّد لقب لا أكثر. وأنا الآن، للأسف، لا أتذكّر شيئًا، لذلك لن يكون في مناداتي أيُّ مشاعر.”
احمرّ وجهها، وحاولت سحب يدها، لكن قبضته كانت قويّة كما في المرّة الأولى، فلم تستطع الإفلات.
“ساي.”
صوته كان منخفضًا وثابتًا.
نظر إليها وكأنّه يريد قول شيءٍ آخر، لكنّه لم يقل شيئًا سوى اسمها.
ثم قال بعد لحظة:
“قد تكونين فقدتِ ذاكرتكِ وكلّ شيءٍ هنا يبدو غريبًا، لكن مع الوقت، ومع التّعوّد، ربّما ستشعرين بأنّنا عائلة. لذا… أرجوكِ، ناديني بأسمي.”
لم تكن كلماته لطيفةً بشكلٍ خاص، ولا كان أسلوبه ناعمًا.
ظلّ يحتفظ بهيبته المُخيفة، ووجهه جامد.
لكن سماع كلماته الهادئة جعل قلبها يؤلمها.
‘عامٌ كاملٌ قضيناه سويًّا. هذا وقتٌ كافٍ ليقع الإنسان في الحبّ. هل يا تُرى… كنتُ أحبّه؟’
لم تستطع إكمال هذه الفكرة.
هل أحبّتُ هذا الرّجل؟
أم أنّها تُخطئ بسبب المفاجأة؟
كان شعورًا غريبًا حقًّا. لا تعرف عنه شيئًا، ومع ذلك، عاطفةٌ غامضة تتدفّق نحو قلبها.
وببطء، أجابت كما أراد.
“…حسنًا، بنجامين.”
رغم أنّها نادت اسمه فقط، إلا أنَّ شيئًا ما دغدغ قلبها.
‘عائلة…’
والدها الحقيقي، كان يُفضّل أن يُنادى بـ سيدي الكونت بدلًا من أبي، كان سلطويًّا، ورأى في زواجها قيمةً استغلاليّة فقط، فأنفق عليها لتُصبح سيدةً جميلة، لكنّه لم يُبدِ أيَّ اهتمامٍ بها.
أخوها، مُتأثّرًا بوالده، اعتبر نفسه الوريث الأوحد، وتجاهلها دومًا، بل وأظهر غيرةً منها أحيانًا كما لو كانت منافسة.
والدتها وحدها من كانت تهتمّ بها وتُنسّق بين الطرفَين. كانت تُحبّ تعليمها وتُشجّعها، ولهذا تلقّت ساي تعليمًا أوسع بكثير من أيِّ آنسةٍ أخرى.
حتّى توفّيت والدتها وهي في الخامسة عشرة.
حينها ظنّت ساي أنَّ هذا أسوأ ألمٍ ستشعر به في حياتها. لم تكن تعرف أنَّ الأسوأ لم يأتِ بعد.
ثمّ أدركت أنَّ الإهمال والبرود كانا أهون من الألم الذي عاشته لاحقًا.
شدّت ساي على قلبها، ورفضت الغرق في الذّكريات.
مجرد مناداته بإسمه، ومُصافحة، لا يجب أن تُربكها.
“شكرًا لأنّكِ ناديتِني باسمي، يا ساي.”
“لا شكر على واجب، سموّ الد… أقصد، بنجامين.”
شدّ على يدها بقوّة، ثمّ أرخى قبضته ببطء. ومع تلاشي الدّفء، بقيَ شعورٌ بالهدوء، وبعض الحنين.
“هل ما زال الألم شديدًا؟”
“أنا بخير.”
“رغم ذلك، إن شعرتِ بصداعٍ شديد أو غثيان، أخبريني فورًا. قال الطّبيب إنَّ النزيف الخارجي كان أفضل من تراكم الدّم في الداخل، لأنَّ ذلك قد يُسبّب خطرًا أكبر.”
“حسنًا…”
نظر بنجامين إلى الضّماد حول رأسها.
“كان من الجيّد أنَّ الأمر لم يكن أسوأ.”
ثمّ انخفض نظره إلى يدها. وحين رأى الجرح، عبس وقال بغضب.
“هل أُصيبت يدكِ؟”
“آه.”
في الواقع، نسيت أمره لصغره، وكان في اليد الأخرى التي لم يمسك بها.
“جُرح بسيطٌ جدًّا، لم أشعر به أصلًا.”
“هل تحتاجين إلى الطّبيب؟”
“وضعتُ مرهمًا، لا داعي لذلك.”
“لا تُصابي مجدّدًا. أنا قلقٌ عليكِ.”
أجابت ساي بخضوع.
“حسنًا.”
“إن رغبتِ بشيءٍ غير المجوهرات، أخبريني.”
“حاليًّا، فقط أرجو أن تُخصّص تلك الخادمة لي، كما قلتُ.”
“حسنًا، سيكون ذلك.”
ثمّ خيّم صمتٌ من جديد. لم يكن بنجامين كثير الكلام فيما يبدو.
قالت ساي اسمه بتردّد.
“بنجامين، أظنّ أنّي بحاجةٍ للرّاحة الآن. أشعر بدوار.”
“أبقَيتكِ طويلًا رغم حالتكِ، أعتذر.”
ثمّ مدّ يده، ووضعها برفقٍ خلف ظهرها ليساعدها على الاستلقاء.
تلبّكت ساي قليلًا حين شعرت بيده القويّة على كتفها وخصرها.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"