استمعت ساي إلى حديث الخادمة بهدوء. رُبما لأن ساي لَمْ تقُل شيئًا، شعرت الخادمة بأنَّ مزاجها قد ساء، فازدادت توترًا وتابعت الحديث.
“هل تُريدين أنْ أحضر لكِ الزهور التي تُفضلينها لتتمكني مِن تأملها عن قرب؟”
هل هُناك داعٍ لذَلك؟
كانت الزهور جميلة، لكن لَمْ يثر ذَلك في ساي أيِّ إحساسٍ تجاه الدوق.
‘كنا على علاقةٍ جيدة.’
عبارةٌ قالها الدوق بالأمس، ظلّت تتردد في رأسها. على علاقةٍ جيدة؟ مِن الصعب تصديق ذَلك.
كان يُطلق على بنجامين لقب الدوق ذو الدم الجليدي لسببين.
أولهما أنه استولى على أراضي الجليد المليئة بالوحوش التي يصعُب مهاجمتها وأكثر صعوبةً في إخضاعها، وثانيهما الشائعات التي تقول إنه يمتلك مِن القوة ما يُمكنه مِن قتل الوحوش بيديهِ العاريتين.
بل إنْ بعض القصص كانت تقول إنه حين غطّى جسدهُ بدماء الوحوش وتوهّجت عيناه بلونٍ أحمر، كان حتى الفرسان المخضرمون يشعرون بالرهبة.
دُعيت منطقة ديفيران بلقب أراضي الجليد أكثر مِن اسمها الحقيقي، ليس لأن المنطقة بأكملها كانت مغطاةً بالجليد، بل بسبب وجود منجمٍ جليدي فيها يحوي معادن خاصة طمعت بها دولٌ عديدة، لكنها لَمْ تجرؤ على الاقتراب منه بسبب الوحوش الضارية التي تقطنه.
وكان الشخص الذي أنهى هَذهِ المشكلة هو دوق بنجامين ريفرستار بنفسه.
وقد كان معروفًا عنه برودة الطبع والقسوة، لذا كان مِن الطبيعي أنْ يليق به لقبه.
استحضرت ساي صورة بنجامين الذي ظل بجانبها طوال البارحة. كان وجهُه البارد يبدو غير مبالٍ، وكان صعبًا أنْ ترى في كلامهِ أو تصرفاتهِ أيِّ ملامح مودة تدل على أنهما كانا على علاقةٍ طيبة.
ومع ذَلك، قرأت ساي بوضوحٍ القلق في نظراته نحوها. بدا الأمر غير مألوف، لكنه لَمْ يترك يدها طَوال الوقت.
ثم ملأ الغرفة بالزهور قبل أنْ يغادر.
‘هل كنا على علاقةٍ جيدة بالفعل؟ وإنْ لَمْ يكُن حنونًا، فقد بدا الدوق كأنه مرتبك بعض الشيء…’
رغم ذَلك، بقي الأمر غريبًا.
الفجوة بين ما تُشاهده وما يُقال كانت واسعة لدرجة جعلت الواقع يبدو غير واقعي.
كانت الخادمة بجانب ساي تنتظر ردها، فتاةٌ ذات شعرٍ برتقالي مضفورٍ بعناية ونمش يزين أنفها، تبدو صغيرة السن.
“أين بقية الخادمات؟”
“خرجنَ جميعًا بعد ترتيب الزهور كي لا يُزعجنكِ أثناء نومكِ، سيدتي.”
“ولماذا بقيتِ أنتِ؟”
“أنا… أنا تأخرتُ قليلاً في عملي… أعتذر.”
انحنت الخادمة برأسها بانكسار. بدا أنها لَمْ تمضِ وقتًا طويلاً في القصر.
تأملت ساي الغرفة بعينيها. مِن بين أنواع الزهور الكثيرة، لفت نظرها زهرةٌ بنفسجية طويلة بأوراق بتلات غريبة الشكل.
“أحضري لي تلكَ الزهرة.”
مدّت ساي يدها وأشارت إلى الزهرة البنفسجية. لَمْ يكُن هُناك فرقٌ بالنسبة لها في اختيار الزهرة.
بالنسبة لها، لَمْ يكُن ما حدث إلا أشبه بتلقي هديةٍ غير مريحة مِن شخصٍ غريب لا تعرفه.
“حاضر!”
أجابت الخادمة بحيوية، ثم أخذت حزمةً مِن الزهرة البنفسجية وقدّمتها إلى ساي. كان عطرها جميلًا للغاية. وبينما كانت ساي تتأملها، لمست بتلاتها التي بدت رقيقة بأطراف أصابعها.
“آي!”
رغم مظهرها، كانت الزهرة مليئةً بأشواكٍ دقيقة سبّبت جرحًا صغيرًا في إصبعها، فتجمّعت قطرة دمٍ صغيرة.
شحبت ملامح وجه الخادمة. ثم انبطحت على الأرض بسرعة.
“س، سيدتي! لقد ارتكبتُ ذنبًا عظيمًا! أرجوكِ سامحيني! لقد أخطأت!”
كان اعتذارها مُبالغًا فيه.
حدّقت بها ساي بدهشة. صحيح أنْ إصبعها جُرح، لكنه كان بسبب قلة حذرها، والأهم مِن ذَلك أنْ اختيار الزهرة كان منها.
صحيح أنْ بعض النبلاء يسيئون معاملة الخدم ويفتعلون الأعذار لتوبيخهم، لكنها لَمْ تكُن مِن هَذا النوع.
لكن الخادمة ظلت مرتميةً أرضًا، ترتجف وتطلُب الصفح مرارًا دوّن أنْ تجرؤ على النهوض.
بدأ رأس ساي يؤلمها مِن هَذا الضجيج غير الضروري، فقالت:
“لا بأس. انهضي.”
“لا! لقد أخطأت بحقكِ، سيدتي! تجرأتُ وجعلتُ إصبعكِ ينزف! عاقبيني كما تشائين حتى يزول غضبكِ!”
“إنْ كان هَذا يستحقُ العقاب، فهل ستطلبين الموت إنْ كسرتِ صحنًا؟”
قالتها على سبيل المزاح، لكن وجه الخادمة ازداد شحوبًا. ثم ضمّت كفيها وبدأت تتوسّل.
“س، سيدتي! لدي أخوان صغيران في المنزل، ووالدتي مريضة، ووالدي بالكاد يعمل! يمكنكِ ركلِي، أو الصراخ في وجهي، أو ضربِي، أو فعل ما تشائين حتى تهدئي، فقط أرجوكِ، لا تقتليني!”
لَمْ تستطع ساي إخفاء دهشتها.
رغم أنها لَمْ تكُن شخصًا دافئًا أو ودودًا، إلا أنها لَمْ تُسيء يومًا إلى مَن هم تحت إمرتها.
لكن السيدة التي تصفها الخادمة بهَذهِ القسوة… كانت هي نفسها.
“أنا بخير. فإنْ كان لديكِ مِن القوة ما يكفي لتبكي، لِمَ لا تُناوِليني منديلًا لأمسح بهِ الدم؟”
لو كانت حالتها الجسدية أفضل، لكانت نهضت وتحركت بنفسها، لكن بما أنها مصابةٌ في رأسها، وجب عليها أنْ تتحرك بحذر. عند كلمات ساي الهادئة، رفعت الخادمة وجهها المُبلل بالدموع فجأةً وهتفت بصوتٍ عالٍ.
“أشكر السيدة جزيل الشكر على تصرفها الكريم!”
ساي كانت مذهولةً. هل كان الأمر يستحق كل هَذا البكاء؟
نهضت الخادمة بسرعة وأحضرت المنديل في لحظة، ثم سارعت إلى وقف النزيف مِن إصبع ساي.
قالت ساي وهي تنظُر إلى الزهرة التي أسقطتها.
“مِن الأفضل إزالة هَذهِ الزهرة مِن الغرفة. قد تُتسبب في إصابة أحدهم، سواء أنتِ أو غيركِ.”
عند سماع كلام ساي، بدا على وجه الخادمة دهشة وكأنَّ الشمس قد أشرقت من الغرب.
“…ن-نعم، بالطبع. كي لا يُصاب أحد… يجبُ أنْ أُزِيلها.”
“افْعَلي ذَلك.”
لفّت الخادمة إصبع ساي بإحكام ثم أخذت الزهرة.
“سأضعها في مكانٍ لا تقع عليه عينا السيدة. وإنٌ حصل أمرٌ ما، أرجو أنْ تناديني فورًا بواسطة حبل الجرس. سأعود بأقصى سرعة.”
“لا بأس، يمكنكِ العودة على مهل.”
كانت جملةً عادية، لكن عينا الخادمة اتسعتا مُجددًا، وكأنها صُدمت مرةً أخرى.
“نعم، على مهل… حاضر. أُه، سيدتي.”
“ما الأمر؟”
سألت الخادمة بجديةٍ شديدة:
“هل رأسكِ يؤلمكِ بشدة؟ إنْ كان الأمر كذَلك، فسوف أستدعي الطبيب.”
“لا، ليس كذَلك. أنا أفضلُ بكثيرٍ مِن البارحة.”
“حسنًا، إنْ شعرتِ بألم في أيِّ مكان، أرجوكِ أخبريني.”
قالت ذَلك ثم فتحت الباب بحذرٍ شديد وخرجت.
كان رد الفعل غير مفهوم.
‘ما الذي حدث بالضبط خلال العام الماضي؟’
منذُ أنْ تزوجت وجاءت إلى هَذا القصر، كيف كانت تتصرف؟ بالنظر إلى ردة فعل تلكَ الخادمة، يبدو أنها كانت سيدةً صارمة ومخيفة للغاية.
لدرجة أنٌ تُتوسل إليّها بأنَّ لا تقتلها حتى إنْ ضربتها.
‘لا يُعقل.’
صحيح أنْ طبعها لا يميل إلى اللين، لكنها لَمْ تكُن يومًا مِمَن يعتدون على مَن هم دونهم أو يُسيئون إليّهم. بل إنها تكره السلوكيات غير اللائقة بشدة.
‘لا بد أنْ أتحقق مِن الأمر. عليَّ أنْ أعرف كيف كنتُ أعيش.’
وقبل أنْ تُنهي هَذهِ الفكرة، سُمِع صوت طرقٍ خفيف على الباب، تلاه صوتٌ حذر.
“سيدتي، الصائغ قد أتى بالجواهر التي طلبتها قبل أسبوع، فهل أرده بما أنكِ مريضة؟”
جواهرٌ طُلِبَت قبل أسبوع؟
ساي، بصفتها ابنةً لعائلة كونت، كانت تنعم ببعض الترف. شراء الجواهر والفساتين والعطور والحُلي كان أمرًا معتادًا لديها.
لكنها شعرت بأنَّ هَذهِ الجواهر على وجه التحديد ليست عادية.
لَمْ تكُن في حالةٍ ترغبُ فيها بلقاء أحد، لكنها شعرت أنْ عليها أنْ تعرف.
دخلت خادمة تبدو أكثر خبرةً مِن تلكَ التي خرجت حاملة الزهرة، وفتحت الباب بحذر.
غسلت وجهها سريعًا، وتزيّنت. ملابسها لَمْ تكُن سيئة، لكنها بدت أشبه بملابسٍ منزلية، لذا وضعت شالًا فاخرًا فوقها. وضعت أيضًا مرهمًا على جرح إصبعها، لكنه كان صغيرًا جدًا لدرجة أنه لَمْ يكُن ليُرى ما لَمْ يُحدق المرء فيه.
كانت الخادمات يُحضِرن حُليًا فاخرة ويسألن إنْ كانت سترتديها. كانت جميعها فاخرةً وغالية. أحضرن منها كثيرًا حتى اضطرت ساي إلى أنْ تطلب منهنَ التوقف.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"