كان هذا الجانب من العلاقة يتخبّط في كلّ كلمة أو تصرّف يصدر من ذلك الرجل، بينما هو كان يدرك حتى ما لا يُقال، ثمّ أحيانًا يغلق فمه كأنّه لا يعلم شيئًا.
“أيّ أمرٍ يجعلكِ يشعر قلبكِ بالاضطراب، يُرجى أن تُصارحيني به فورًا. يُمكنني تفهّم الانفعال البسيط، لكنّني قَلِق لأنّكِ لا تزالين تتعافين من ألمكِ الأخير.”
ثمّ أكّد بنجامين كلماته بلهجةٍ حازمة.
“هل تشعرين بالقلق؟ هل أنا من يبعث فيكِ الاضطراب؟ أم أنّ هناك سببًا آخر؟”
لو رآهما أحد الآن، لظنّ أنّ ساي تتعرّض للتحقيق.
كان يبدو قَلِقًا، لكنّ طريقته الحادّة في السؤال جعلت الإجابة الفوريّة صعبة.
“هل هذا مجال لا يَجدر بي أن أسأل عنه؟”
“آه، لا. ليس الأمر كذلك… بنجامين، أنت زوجي، ومن الطبيعي أن تتدخّل في الأمور التي تخصّني.”
سألها بنجامين بصوتٍ واضح:
“في أيّ أمرٍ كان، تقصدين؟”
“نعم، فالمشاكل بين الزوجين إن أُهمِلَتْ في بدايتها، قد تتحوّل إلى أمرٍ كبير. أعتقد أنّ المسائل التي تتعلّق بالثقة والأمان تستحقّ العناية خاصّة.”
فأومأ بنجامين موافقًا كما لو كان كلامها صائبًا تمامًا.
“صحيح. وساي أيضًا، من الطبيعي أن تتدخّلي في أيّ أمرٍ يخصّني.”
ثمّ ابتسم بخفّةٍ وتابع قائلاً:
“فأنتِ زوجتي العزيزة، ولَكِ الحقّ في أن تتدخّلي في شؤون زوجك.”
“أنت متسامحٌ جدًّا. في هذا العالم لا يوجد لطفٌ بلا مقابل…”
كانت على وشك أن تُكمل الجملة بقولها “لا يوجد”، لكنّها غيّرت رأيها. الآن وقد أصبحا عائلة، بدا التعبير باردًا أكثر من اللازم، كما أنّها تذكّرت أنّ هناك مَن يُظهرون لطفًا نقيًّا بلا مقابل، وإن كانوا نادرين.
“… بل لأنّه نادر فحسب.”
“اللطف بلا مقابل نادر، هذا صحيح.”
تأمّل بنجامين كلمات ساي، ثمّ اقترب منها فجأة.
“إذًا، بما أنّني سمحتُ لكِ بالتدخّل في شؤوني، فهل ستُكافئينني؟”
اقترب منها حتى بات بإمكانها أن تشعر بأنفاسه.
“مكافأة؟ ماذا تقصد؟”
‘لقد فعل هذا من قبل… نعم، أتذكّر.’
اقترب أكثر، فارتبكت ساي وتلعثمت.
“أم، أنا… جسدي لم يتعافَ تمامًا بعد، لذا…”
كانت ذكريات تلك الليلة التي لم تكتمل، وكلّ ما يتعلّق بالعلاقة الحميميّة بينهما، تدور في رأسها بسرعة. فهَمَسَ بنجامين في أذنها:
“من المؤسف أنّك فقدتِ ذاكرتك. من قبل، لم أكن أحتاج أن أقول شيئًا، كنتِ مشتعلة الشغف.”
“بنجامين!”
ارتفع صوت ساي، فضحك بنجامين بخفّة وتراجع خطوة.
“كنتُ فقط أفكّر أن أقترح نزهةً قصيرة في القارب، ولكن إن كنتِ تُريدين شيئًا آخر، فسأنظر في الأمر بحسب حالتكِ الصحيّة.”
“كلامك متناقض!”
“ولمَ لا؟ حتى النزهة بالقارب قد تكون مشتعلة.”
“هل نزهتك هذه تتضمّن عرضًا بالنار مثلًا؟”
“إن كنتِ ترغبين، يُمكنني ترتيب ذلك.”
ثمّ اقترب من أذنها من جديد وهمس:
“على ظهر قاربٍ يطفو وسط الأضواء، يُمكننا أن نُشعل الكثير من الحماسة.”
أدركت ساي أنّ أيّ ردّ غاضب منها سيجعله يزداد في مداعبته، فتماسكت وعدّلت جلستها.
“أعلم أنّك تستمتع بإغاظتي، لكن كفى. فمَن لا يعترف بمشاعره ويكتفي بالسخرية فحسب، فذلك فمٌ لئيم.”
خرجت كلماتها صادقة دون قصد، ولم تستطع التراجع عنها.
“هاهاها!”
لكنّ هذه المرّة، ضحك بنجامين ضحكةً حقيقيّة، لا تلك الابتسامة الخفيفة المعتادة. كانت عيناه تلمعان كأنّه ينظر إلى مخلوقٍ صغيرٍ لطيف.
“الصدق جميل.”
لم تستطع ساي إلا أن تضحك بدورها، بعد أن ضحكت بذهولٍ أولاً.
وبينما كانا يضحكان معًا، توقّف بنجامين فجأة عن الضحك، وقال بوجهٍ جادّ:
“لن أستطيع أن أقول لكِ ما تُريدين سماعه. لكن ليس لأنّني لا أحبّك.”
بدت ملامحه متفكّرة، ثمّ أضاف:
“لا أجد الكلمات المناسبة للتعبير، لذا حين ألتزم الصمت، أرجوكِ أن تفهمي أنّ ما أشعر به يفوق ما أستطيع قوله.”
“أفهم.”
كلّ إنسانٍ يختلف عن الآخر.
كما أنّها، حين تملأ الفراغ بكلماتٍ تعبّر عن مشاعرها، فهو يملك طريقته الخاصة للتعبير أيضًا.
ما تريده هي، وما يريده هو، ليسا الشيء نفسه.
“حين تجد الكلمات المناسبة يومًا ما، أرجو أن تقولها لي بصراحة.”
قليلًا، فشيئًا، وببطءٍ إن احتاج الأمر وقتًا.
حتى لو لم يكن بأسلوبٍ يشبه الآخرين، فهي تريد أن تبني حياتها معه، خطوةً بخطوة.
لم تَعُد قادرة على كبح المشاعر التي تجذبها إليه، رغم أنّها لا تثق به تمامًا بعد.
كان عليها ألّا تأمل، ألّا تتمنّى…
لكنّها لم تستطع.
بدت على وجه بنجامين ملامحٌ معقّدة.
ولم تتمكّن ساي من معرفة ما يفكّر فيه، إذ لم تمضِ بينهما فترةٌ كافية لتفهم مشاعره من ملامحه وحدها.
“… نعم.”
كانت تلك الإجابة المتأخّرة كافية في الوقت الحالي.
لم ترَ ساي كيف قبض بنجامين يده تحت الطاولة ثمّ بسطها مرارًا وكأنّه يُحاول تهدئة نفسه.
—
كان بنجامين في مكتبه.
وبجانبه وقف مساعده سلايزر بصمتٍ تام.
كان يُقلّب الأوراق المتعلّقة ببعض القضايا، لكنّ عينيه لم تستطع التركيز.
لم يكن يعلم أنّ العجز عن قول ما يُريد قوله قد يكون مؤلمًا إلى هذا الحدّ.
كان يعرف ما تُريد أن تسمعه، ويعلم أنّ كلمةً واحدة قد تُقرّبه منها أكثر، لكنّه لم يستطع النطق بها.
في بعض الأحيان، كان قادرًا على قول “أُحبّك”، لكنّ تلك المشاعر العقلانيّة حين تتشابك مع العاطفة، كانت تُفعّل لعنةً غريبة تمنعه من الكلام.
وحتى حين حاول أن يكتبها، تجمّدت أصابعه.
كان يظنّ أنّه على الأقل قادر على إيصال تلك الكلمات، لكنّ مشاعره نحوها كانت أقوى مما تخيّل، وجعلت القيود المفروضة عليه أكثر قسوة.
لم يكن بنجامين من النوع الذي يُجيد قراءة مشاعر الآخرين.
لكنّه كان يشعر بها.
كان يقرأ العواطف من خلال ملامح الوجه، وتقلّص العضلات، وتغيّر التنفّس.
وعادةً ما يُخفّف حِدّة حواسه كي لا يُرهق نفسه، لكنّه في حالته الطبيعيّة، كان يشعر بكلّ من حوله بدقّةٍ تفوق البشر.
كانت حواسّه الخمس أكثر حِدّةً من أيّ إنسانٍ آخر.
ولهذا، حتى إن لم تُظهر ساي امتعاضها، فقد كان يُلاحظها.
‘كان ذلك حين تناولت طبق فطر طولان الذي كانت تحبّه قبل أن تفقد ذاكرتها. أذكر أنّ جسدها توتّر فجأة.’
تصلّبت عضلاتها، تسارع نبضها، واتّسعت حدقتاها.
‘كنت أظنّ أنّها ستفرح به.’
منذ الزواج، كان أكثر ما تهتمّ به ساي هو جمع المجوهرات. فظنّ أنّها ستحبّه.
لكنّه كان مخطئًا.
أما لورلاي، فكانت زميلة سلاحٍ قاتلت إلى جانبه في الحرب. لم يَرَها يومًا كامرأة، ولم تكن هي أيضًا تقضي وقتًا شخصيًّا معه خارج نطاق العمل أو استدعاء الإمبراطور.
لذا حين أبدت ساي انزعاجها حين تحدّث عن “زميلةٍ امرأة”، أدرك فجأة أنّ ما لا يُزعجه هو، قد يُزعجها هي.
‘كانت تملك غيرةً شديدة. حتى حين طردت بعض الخادمات الشابّات، كان السبب نفسه.’
الساي التي فقدت ذاكرتها، هي نفسها المرأة التي كان يراقبها من بعيد قبل الزواج.
لكنّه لم يستطع الجزم أنّ تلك الصورة التي كان يراها تمثّل حقيقتها بالكامل.
‘في النهاية، لا أعلم أيّهما هو وجهها الحقيقي. إن كانت تملك غيرةً قوية، فالأفضل ألّا أخلق مواقف تثيرها.’
كان يعلم أنّ النساء يختلفن عن الرجال في العاطفة والحساسيّة.
ظنّ أنّ المعاملة اللطيفة قد تُسعدها، لكنّه بطبعه لم يكن قادرًا على التحدّث بلُطفٍ مع النساء.
ومع ذلك، لم يكن يكره غيرتها. فالشخص الذي لا يُحبّ، لا يغار.
قبل الزواج، وبعده، وحتى الآن بعد فقدانها للذاكرة، بقي شيءٌ واحد مشترك:
كانت ساي لا تقترب من الناس أكثر مما يجب.
ربّما أقرب مَن سمحت له بالدنوّ منها كانت مربّيتها العجوز.
حتى بعد الزواج، أبقت بينهما مسافةً لم تسمح له بتجاوزها.
ولذلك شعر بنجامين أنّ الوقت الحالي، بعد فقدانها لذاكرتها، هو فرصته الوحيدة للاقتراب منها حقًّا.
القلعة التي تبدو عصيّة على السقوط، إن استسلمتَ لها من البداية، تكون قد خسرت المعركة.
إن لم تستطع اقتحامها مباشرةً، فالتفّ حولها، وابحث عن ثغراتها.
عليه ألّا يتعجّل. إن شعرت هي بعدم اتزانه، ستغلق أبوابها كلّها.
أغلق بنجامين الأوراق، ونهض من مكانه. فتَبِعه سلايزر بسرعة.
كانت وجهته غرفة نوم ساي.
حتى حين كانت تتجاهله، لم تحتمل أن ينام في غرفةٍ أخرى. مهما حدث في النهار، كان عليهما أن يتشاركا الغرفة ليلاً.
‘لن يحترمني أحد في القصر إن لم أكن زوجةً محظيّة!’
يا للمفارقة. هي التي كانت أكثر مَن يسخر منه ويعامله ببرود، كانت نفسها من تحتاجه لتُثبت مكانتها.
حين أمسك بمقبض الباب، انحنى سلايزر باحترام وتوقّف في مكانه.
دخل بنجامين إلى الغرفة في صمتٍ تام، دون أن يُصدر أيّ صوت.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات