وفي العتمة، كان طائرٌ قد طار من القصر يبتعد حتّى اختفى كنقطةٍ بعيدة في السّماء.
***
الصّباح.
استيقظت ساي أبكر من المعتاد.
ذلك لأنّها لم تنم جيّدًا بسبب بقايا الذّكريات الّتي عادت إليها ليلة البارحة.
بمجرّد أن فتحت عينيها، راحت تبحث في ذهنها عمّا إذا كانت ستتذكّر شيئًا جديدًا، لكن لم يحدث كما حدث البارحة.
‘هل من الممكن أن تعود الذّكريات إذا فعلتُ شيئًا يشبه ما كنت أفعله في الماضي؟ أم أنّها تعود حين يحين وقتها؟’
الاستماع إلى كلام الآخرين شيء، وتذكُّر المرء لنفسه شيءٌ آخر تمامًا.
رُبّما الذّكريات الّتي يتذكّرها بنفسه تكون مليئةً بالذّاتية وغير موضوعيّة، لكنّ ما كانت تحتاجه الآن هو بالضّبط تلك الذّاتية.
ما كانت تفكّر فيه عن ذاك الماضي الّذي نسيته.
كيف كانت تريد أن تتقدّم.
وأيضًا…
‘أريد أن أعرف ما كنتُ أشعر به تجاه بنجامين.’
تشعر وكأنّها تصرّفت بفظاظةٍ نحوه منذ أن جاءت إلى هذا المكان، لكنها لا تشعر أنّ ذلك كلّ شيء.
‘رغم أنّني تصرّفتُ معه هكذا، أشعر وكأنّني كنتُ أحبّه على أيّ حال.’
بما أنّها تعرف نفسها، فهي تعرف ذوقها وما تحبّه.
قد لا تكون مشاعر حبّ من البداية، لكن ربما كانت تنجذب إليه شيئًا فشيئًا.
قد لا تكون واثقةً بما يكفي لتسمّيها حبًّا، لكن لا شكّ أنّها كانت تحمل له مشاعر إعجاب.
‘لكن، إن كنتُ أحببته فعلاً، أليس من المؤسف أن أكون قد عاملته بذلك الشكل؟ هل لأنّه كان باردًا جدًّا؟ ربّما أردتُ أن أعرف ما بداخله، فتماديتُ كثيرًا. فرضيةٌ سخيفة، لكنّ الحبّ يجعلنا نرتكب الحماقات.’
أو ربّما…
‘هل كان ذلك بسبب والدي؟ رغبته في حملي تعني أنّه يريد وريثًا، وإن كان الأمر كذلك، فموقعي هنا سيكون أكثر رسوخًا. هل كان يريدني أن أُمسك بالسلطة كزوجة دوقٍ لصالحه؟ أم أنّ هناك مؤامرةً أخرى خلف ذلك؟’
مُقزِّز.
كانت الكلمة الّتي خطرت ببالها تنطبق على والدها أكثر من أيّ أحد.
وشعرت بذنبٍ وغضبٍ لا يمكن وصفه.
‘كنتُ قد قرّرت ألّا أنجرف وراء هذه المشاعر، لأنّها لا تخلّف سوى الألم. لكن، في النهاية، إن أردتُ حلّ الأمر، فلا بدّ من التّفكير فيه.’
وبينما شعرت بضيقٍ في صدرها، قرّرت أن تتحرّك.
كان ما يزال هناك وقتٌ طويل حتّى موعد الفطور.
سحبت ساي حبْل الجرس.
دخلت روزا.
“روزا، أودّ الخروج في نزهةٍ قصيرة. هل تساعدينني في ارتداء ملابسي؟”
“نعم، سيدتي.”
بمجرّد أن أجابت روزا، ساعدت ساي بسرعةٍ على الاستعداد.
***
حديقة قصر الدّوق كانت واسعةً لدرجةٍ تجعل من الممكن تسميتها أرضًا صغيرةً مستقلّة.
اختارت ساي أن تسير لا في منطقة الأزهار، بل في الممرّ الغابيّ المليء بأشجار الصّنَوبر.
رغم كثرة أشجار الصّنَوبر، لم يكن المكان خانقًا، بل كان يوحي بالدفء والهدوء.
الحديقة كانت مُهتمّةً بها جيدًا؛ فالبستانيّ يعتني بالأشجار والممرّات باستمرار، ممّا أضفى عليها مظهرًا جميلاً.
حين نظرت ساي إلى الخُضرة، شعرت بالارتياح.
بما أنّ الوقت ما يزال كافيًا قبل الفطور، قرّرت أن تمشي على مهل.
لكن، لم تمشِ سوى خطواتٍ قليلة حتّى التقت برجلٍ قويّ البنية.
كان بنجامين.
رغم أنّه من الطبيعي أن يتواجد الدّوق في القصر، إلّا أنّها لم تتوقّع أن تراه هنا.
ليس لأنّه لا يستيقظ باكرًا، بل لأنّه في مثل هذا الوقت يكون عادةً في تمريناته الصّباحيّة.
“هل تتنزّهين؟”
“نعم.”
“صدفةٌ جميلة. أنا أيضًا كنتُ أتجوّل. فلنمشِ معًا.”
حين قال بنجامين ذلك، أشار إلى روزا بعينيه، فتراجعت تلقائيًّا بضع خطوات، في إشارةٍ إلى أنّها لن تزعجهما.
بدأ الاثنان بالسّير ببطء، فيما ابتعدت روزا شيئًا فَشيئًا.
سألت ساي، وهي تميل برأسها في استغراب، على نبرة بنجامين الهادئة:
معظم الرّجال، حين تُلمّح المرأة إلى مشاعرهم، يكشفون عمّا في قلوبهم.
فهم يتصرّفون لأنّهم يريدون إيصال ذلك.
هم لا يهتمّون بلا سبب.
تعرفُ ذلك. وتسأل رغم معرفتها.
رُبّما يبدو الأمر طفوليًّا.
لكنّها أرادت أن تسمعه، بصوته.
أن يقول إنّها مهمّة.
أن فيه مشاعر.
حُبّ؟ ربّما لا.
لكن إعجابٌ، تقديرٌ، رغبةٌ في القرب.
كانت تتمنّى أن تتطوّر العلاقة.
فربّما، فقط ربّما…
لو وُجد شخصٌ يبادلها المشاعر في حياتها.
لو وُجد شخصٌ يتبادلان معه الاهتمام، كزوجين بحقّ…
لكن بنجامين، بعد أن نظر إليها، لم يقل شيئًا.
أغلق فمه بإحكام، وكأنّه لا يريد التّكلّم.
لم تستطع ساي إخفاء خيبة أملها.
قلبها، الّذي انتفخ بالأمل، انكمش فجأةً.
كم هو محزن.
‘قولٌ كهذا لا يصدر إلّا عن شخصٍ يحمل مشاعر، لكن حين أطلب منه أن يؤكّدها، يصمت؟ هل يعني أنَّ مشاعره لم تصل إلى ذلك الحدّ؟ أم أنّه لا يريد تحمّل المسؤوليّة؟’
لم يكن فقط محرجًا، بل مؤلمًا.
‘أعرف أنّه لا ينبغي توقّع شيءٍ من الآخرين، لكنّي نسيتُ ذلك وتوقّعت، مرّةً أخرى. كم أنا ساذجة.’
ما جعلها تشعر بالخذلان أكثر، هو أنّ هذا الرّجل هو مَن كان دائمًا يأتي من تلقاء نفسه، يُربكها، لكن في اللّحظة الّتي تحتاج فيها إلى اليقين، يتراجع.
ربّما لا يكون الكلام ضروريًّا دائمًا لتأكيد المشاعر،
لكن في لحظاتٍ معيّنة، يصبح ضروريًّا.
خاصةً حين يتعلّق الأمر بمشاعر رجلٍ وامرأة.
ساي، أيضًا، تأذّت في قلبها.
هي مَن توقّعت.
هي مَن سألت.
لكنّها كرهت بنجامين لأنّه هو مَن منحها تلك المساحة لتوقّع شيءٍ لم يكن مستعدًّا أن يصرّح به.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"