“فكرةٌ جيّدة، ساي. أداب العاصمة والشّمال تختلف في بعض الجوانب، لذا إن كان لديكِ ما تتساءلين عنه، فطلب المساعدة من ميلانيا سيكون أمرًا حسنًا. وإن أردتِ استخدام أيّ شيء من ممتلكات دوقيّة ريفرستا، فاستخدميه براحتك. أما يوجد ما يمكنني مساعدتكِ به؟”
“لكي أعمل كدوقة، سأحتاج بالتّأكيد إلى ميزانيّةٍ يمكنني استخدامها بحريّة.”
تحريك بيتٍ نبيل بهذا الحجم لا بُدّ أنّه يتطلّب مبالغ ضخمة من المال.
“يبدو أنّكِ لم تتحدّثي كثيرًا مع كبير الخدم بعد.”
“لم أطّلع بعد على كلّ الأوراق بشكلٍ كامل.”
“يمكنكِ استخدام ميزانيّة دوقيّة ريفرستا كما تشائين، ومتى شئتِ.”
ابتسمت ساي ابتسامة خفيفة.
“وماذا لو أنفقتُ ثروة الدّوقيّة كلّها على مزاجي؟”
عندها، لمعت عينا بنجامين بحدّة.
“من ينوي فعل ذلك فعلًا، لا يتكلّم بهذه الطّريقة. بل يستخدمها في صمت، وبثقةٍ تامّة.”
كان قد بدأ بالفعل بتغيير طبقه للمرّة الثّالثة. وكلّما أكل، أكل بكميّةٍ كبيرة. شهيّته كانت كبيرةً تمامًا كجسده المنحوت.
فكّرت ساي في نفسها: ‘إنّه نَهِمٌ حقًّا.’
قال بنجامين بينما يواصل الأكل بنَهَم.
“وإن استطعتِ فعل ذلك، أي إنفاق ثروة الدّوقيّة بأكملها في حياتك، فإنّكِ ستكونين شخصًا مدهشًا، بطريقةٍ ما.”
“وإن كانت زوجتي ذات يدٍ سخية، فعليّ أن أعمل وأربح أكثر من ذلك بكثير. وهذا من الأمور التي أجيدها، فلا تقلقي.”
كانت ساي تُحدّق به بغير وعيّ وهو يأكل بطريقته المرتّبة والمنظّمة، وعندها قال بنجامين.
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
أجابت ساي بإعجابٍ صادق.
“تأكل جيّدًا وبشهيّةٍ رائعة فعلًا.”
فقال بنجامين وهو يقدّم لها الطّعام.
“عليكِ أن تأكلي كثيرًا أيضًا. أنتِ تأكلين القليل جدًّا وهذا يقلقني.”
لم يكن لديها شهيّةٌ تُذكر بسبب الذكريات التي عادت إلى ذهنها، لكن وجوده أمامها وهو يأكل بتلك الطّريقة جعلها تشعر بالارتياح، حتى وإن لم تفتح شهيّتها.
ضحكت ساي وقالت:
“من الجيّد أن أتناول الطّعام مع شخصٍ ما. أفضل من الأكل بمفردي.”
لقد أصبح بنجامين يحاول دائمًا تناول الطّعام معها كلّما سمح الوقت بذلك، منذ إصابتها واستفاقتها.
غالبًا ما تناولا الطعام في صمت، دون تبادل الحديث، لكنّ وجوده كان له أثر؛ تشعر بفراغٍ عندما يغيب.
‘لقد بدأت أعتاد على هذا ببطء.’
توقّف بنجامين قليلًا ثمّ سألها:
“هل شعرتِ بالوحدة أثناء ذهابي إلى العاصمة؟”
عندما نظرت إليه، راودها شعورٌ بالرغبة في الاعتراف بصدق.
“أثناء الطّعام؟ قليلًا، نعم. من النّادر أن أرى شخصًا يأكل بشهيّة مثلك. أمّا في غير ذلك، فقد كنتُ بخير، بل جيّدة جدًّا.”
قالتها بمزاحٍ طفوليّ، وكأنّها تداعب مشاعره.
الجميع يخشاه بسبب بروده، لكنّها أحبّت صدقه وصراحته. كان مريحًا بشكلٍ غريب، وتُراودها رغبةٌ في مضايقته عندما يتعامل معها بجديّة.
لم يكن بسبب كره، بل ربّما رغبةٌ في رؤية ملامحه المتجمّدة تتغيّر.
‘أيعقل أنّني كنتُ أسيء إليه بدافع هذه المشاعر؟ لا بدّ أنّ هناك حدًّا للمزاح.’
ضحك بنجامين بصوتٍ خافت وهو ينظر إليها.
‘يا إلهي… ما هذا؟’
نادرًا ما يضحك، ولكن عندما فعل، كان لجاذبيّته وقعٌ آسر.
وقعت ساي في لحظةٍ أسرٍ في ابتسامته الخفيفة، ثمّ تظاهرت بعدم الاهتمام وأدارت وجهها برشاقة.
عندها قال بنجامين بثقة:
“ستفكرين بي لاحقًا، ليس وقت الأكل فقط. قريبًا جدًّا.”
“رائع، واثقٌ من نفسك، أليس كذلك؟”
“لديّ من الثّقة ما يكفي لأُغري زوجتي.”
تفاجأت ساي قليلًا وسعلت بخفّة.
“كحّ، كحّ… إغراء؟”
“إن أردتِ، يمكنني استخدام مصطلح آخر. ما رأيكِ بـ ‘جذبكِ إليّ’؟”
“أظنّك تعلّمتَ من العاصمة طريقة كلامٍ غريبة.”
ضحك في عينيه لم يظهر سوى في طرف جفنه، ثمّ عاد وجهه إلى بروده المعتاد كأنّ شيئًا لم يكن، وردّ عليها بصوته المعتاد.
“ظننتُ أنّ هذا أسلوبك المفضّل، فجرّبته.”
“اختر ما تريد، لا يهمّني، تصرّف على راحتك.”
ولمّا أنهت ساي كلامها، أومَأ برأسه.
“حسنًا، سأتصرّف براحة. هيا، كلي يا زوجتي.”
ذلك المزاح الطّفيف خفّف من ثقلٍ كان في قلبها. لم تختفِ المشاكل، لكنّها استطاعت أن تلتقط شوكتها بارتياح أكبر.
‘أنا محظوظة لأنّ هذا الرّجل، الذي لا يعرف الكذب، هو زوجي.’
شعرت براحةٍ خفيّة تنبع من أعماق قلبها. صحيحٌ أنّه لا يُكثر من الكلام المزخرف، لكنّه كان دائمًا إلى جانبها، يدعمها.
وساي تعرف تمامًا كم هو نادرٌ أن تجد شخصًا كهذا في مجتمع النبلاء.
***
عادت الفوضى إلى القصر بعد عودة دوق ريفرستا من العاصمة.
رغم أنّ الجناح الذي يقيمون فيه منفصلٌ عن المبنى الرّئيسي، إلّا أنّ الصّخب كان محسوسًا.
الخدم يمكنهم التّنقل بين الجناحين، لكن بما أنّ ديرا تحت عقوبة التّقييد، فلم يُسمح لها بالمغادرة.
كانت بيتي تبكي حزينة على حالها لأنّها لم تُدعَ للترحيب بالدّوق.
أما جاكلين، فقد كانت تنظر بقلقٍ إلى ما إذا كانت ستُحرم من العلاوات التي كانت تأخذها من ساي فوق راتبها.
أمّا ديرا، فلم ترَ فيهم سوى حفنةٍ من الحمقى.
كانت تكوي الثّياب بدقّة وهي غارقةٌ في التّفكير.
‘لقد حان الوقت ليأتوا ويطلبوا الدّواء… لماذا لم يأتِ أحد؟’
شعرت بشيءٍ غريب حين راجعت التّواريخ.
قريبًا، ستركع ساي باكية وتتوسّل إليهم، إن لم يكن اليوم، فغدًا على الأرجح.
ذلك الألم لن يمكنها من تحمّله وحدها.
ولا شيء يسكّن ذلك الألم سوى الدّواء الذي تملكه ديرا وبيتي وجاكلين.
المسكّنات العاديّة لن تُجدي نفعًا.
مرّةً واحدة فقط، قاومت ساي بقوّة.
‘كلّ ما فعلته… كان خطأً… أرجوكم، ساعدوني…’
‘تبكين فقط؟ لا يبدو عليك النّدام بعد.’
‘أنا آسفة… لن أكرّر ذلك أبدًا…’
لم تستطع الاحتمال أكثر من نصف نهار، ثمّ ركعت باكية، وجهها غارقٌ بالدّموع والعرق، جسدها الرّشيق منحنٍ أرضًا بطريقةٍ بائسة.
كان ذلك مشهدًا لا يُنسى.
ذاك الألم المطبوع في الجسد يزرع خوفًا لا يُمحى.
ومنذ ذلك الحين، لم ترفض ساي لهم طلبًا، وأطاعتهم بهدوء.
لكن رغم مرور وقتٍ كافٍ على تعافيها، لم تأتِ لتطلبه، ولا أرسلت أحدٌ لأخذهم.
‘هناك شيءٌ مريب.’
تمدّدت ديرا بعد أن أنهت كيّ الملابس، ونظرت إلى الطّاولة القريبة حيث وُضعت أنواع من الكعك والبسكويت، المصنوعة من أفخر الموادّ.
كانت مخصّصةً للخدم كي يتناولوا منها في أوقات الفراغ.
بالمقارنة مع منازل نبلاء تبخل حتى بالخبز الجاف، كان هذا ترفًا عظيمًا.
رغم فرق الرّواتب بين خدم المبنى الرّئيسي والجناح، لم يكن هناك فرقٌ في الغذاء أو الأساسيات.
بل إنّ دوقيّة ريفرستا تُعدّ من أكثر الأماكن التي تُقدّم رفاهيّة للخدم.
كما أنّ الانضباط كان حازمًا رغم الرفاه، ممّا جعل العمل فيها أسهل وأكثر تنظيمًا.
وكانت هذه بيئةً مناسبة لأيِّ شخصٍ عادي.
لكنّ ديرا لم تكن تريد ذلك.
قالت إحدى الخادمات وهي تقضم قطعة بسكويت.
“تعالي وكُلي. لقد أوشكنا على الانتهاء من العمل، خذي قسطًا من الرّاحة.”
في البداية، كانت الخادمات يتحفّظن تجاه ديرا، لكنّها أثبتت نفسها بعملها المتقن ومساعدتها للآخرين.
لكنّ ديرا كانت تعرف أنّهن لن يصبحن أكثر من زميلات عمل.
‘يبدو أنّ دوق ريفرستا قد تدخّل بشيءٍ ما.’
ما دامت نقطة ضعف ساي مكشوفة، فهي لن تستطيع مقاومتهم.
ربّما قام الدّوق بهذه الخطوة لأنّ زوجته تعرّضت للأذى.
وكان هذا هو توقّع ديرا.
ساي لم تكن تعامل زوجها بلُطف، بل كانت باردةً نحوه في الغالب.
وكانت تصرّفاتها القاسية التي لم تجرؤ على فعلها في منزل ألانترا، مسموحةً هنا، لأنّها كانت تنفّذ الأوامر المُوكلة إليها بدقّة.
وكانت ديرا تستمتع برؤية ساي، التي كانت دومًا تتصرّف بهدوء خارجًا، تنهار بغضبٍ وعصبيّة داخل هذا القصر.
كانت تشعر بلذّةٍ خفيّة، واعتادت على تحفيزها أكثر فأكثر.
“سأسلّم الثّياب المكويّة، ثمّ آتي للراحة.”
العمل الشّاق قد انتهى، وإن تأخّرت فلن يلاحظ أحد.
‘هل هناك متغيّرٌ لم أحسب حسابه؟’
قرّرت أن تتسلّل بهدوء لترى ما يجري في المبنى الرّئيسي.
لا يمكن أن يكون كلّ شيءٌ بهذا الهدوء.
إن رأى دوق ريفرستا زوجته تتألّم، لما بقي صامتًا.
بعد أن سلّمت الثّياب، تسلّلت ديرا نحو المبنى الرّئيسي، تتفقّد الوضع بحذر.
ثمّ حصل ما لم يكن بالحسبان…
كان هناك شخصٌ أمامها، لم تتوقّع أبدًا أن تُصادفه.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"