‘هذه امرأة قد تسبّب المتاعب لاحقًا. من يدري ما الذي قد تفعله سيّدةٌ مبذّرة تشتري المجوهرات بهذه الطّريقة؟ ثمّ تطلب رؤية جميع المستندات؟’
قالت ساي وهي تمسّ رأسها بخفّة.
“أحضري كلّ شيء. سيكون من المُرهق أن أراجع كمّيّةً كبيرة دفعة واحدة، لذا سيكون من الأفضل أن تبدئي بالمستندات المُلخّصة أولاً.”
بما أنّ اليوم هو على الأرجح يوم عودة بنجامين، فقد قرّرت ساي أن تبدأ العمل اعتبارًا من الغد.
“مفهوم. هل هناك أمرٌ آخر تأمرينني به؟”
“هذا يكفي الآن.”
عندها تحدّثت ميلانيا.
“إذن سأدخل خادماتٍ ليساعدنكِ في التزيّن.”
“افعلي ذلك.”
كانت ساي ترتدي ثوبًا مريحًا للمنزل دون أيّ حليّ. لم يكن في استقبال بنجامين بهذا الشكل أيّ مشكلة، ومع ذلك كانت ترغب في أن تُظهر له بعض الاهتمام.
***
عندما علمت بوصول بنجامين إلى مدخل القصر، ذهبت ساي إلى القاعة بالطّابق الأوّل، الأقرب إلى المدخل الرئيسي، لاستقباله.
كان الخارج قد بدأ يُظلم بالفعل.
مرّت بضع لحظات، ثمّ دخل بنجامين عبر الباب.
ابتسمت له ساي بلُطف.
“مرحبًا بعودتك.”
لكن بنجامين لم يردّ، بل وقف بصمت. كان وجهه مُحمَرًّا قليلًا، ولم تكن هناك ملاحظاتٌ أُخرى تُذكر.
‘ما به؟’
أجاب أخيرًا، لكن بصوتٍ متيبّس.
“هل… خرجتِ لاستقبالي؟”
عندها أدركت ساي الأمر.
‘لقد تفاجأ، لأنّني قمتُ بشيءٍ لم أفعله من قبل.’
كلّ ما فعلته هو أنّها جاءت إلى القاعة في الطابق الأول لاستقباله. لم تخرج حتى إلى خارج الباب.
وفي الواقع، فإنَّ قصر الدوق الكبير أشبه بقلعةٍ ضخمة، والطريق من مدخل العربات إلى باب القصر طويلٌ جدًّا، لذا لم يكن الوقوف في الطابق الأول أمرًا كبيرًا.
“نعم.”
أجابت ساي، مُحتفظةً بابتسامتها.
حينها اقترب منها بنجامين بخطًى سريعة، وكان يبدو عليه عدم الرّضا، لكن ساي لم تستطع أن تفهم السبب. سألها بنبرة جافّة:
“ما زال جسدكِ لم يتعافَ تمامًا، فلماذا خرجتِ إلى هنا؟ هل هناك ما يُزعجكِ؟”
“كلا.”
فجأة.
رُفِعت ساي عن الأرض بخفّة. بنجامين حملها كما لو كانت ريشة.
“لا ينبغي لكِ أن تتجوّلي هكذا بعد. سأُعيدكِ إلى السّرير.”
نظر إليها كما لو كانت دميةً من سكّر قد تنكسر في أيِّ لحظة. ذراعاه القويّتان اللّتان حملتاها لم تهتزّا قيد أنملة.
‘العيش معه مليءٌ بالمفاجآت.’
نادت عليه ساي بارتباك.
“أ-أيُّها الدوق…”
لكن بنجامين رمقها بنظرةٍ صارمة وردّ بلهجة تقريعيّة:
“بنجامين.”
“نعم، بنجامين… لكن لم يَعُد من الضّروري أن أبقى طريحة الفراش. لقد تعافيت كثيرًا.”
“ربّما تجهلين أنّكِ تُجهدين نفسكِ دون أن تدركي.”
صحيح أنّ قلقه موضعُ تقدير، لكنّها كانت بخير فعلًا. جُرح الرّأس شُفي بدرجةٍ كبيرة، وكانت تُعاني أحيانًا من بعض الصّداع الطّفيف فحسب.
ما يُقلقها فعلًا هو الذّاكرة التي لم تَعُد بعد، والخادمات اللواتي ما زلن في المبنى الملحق، ومؤامرات والدها. صحّتها الجسديّة لا تُقارن بذلك.
“قلتُ إنّني بخير.”
“أنا من ليس بخير.”
“…بنجامين، أنا بخير، حقًّا.”
“…ما زلتِ لم تُشفَي تمامًا، لذا لا يجوز ذلك.”
“أليس من الأفضل أن أمشي بنفسي؟ لم أُصَب في ساقي، كما تعلم…”
أجاب بنجامين بوجهٍ جادّ:
“إنّه أمرٌ يتعلّق بالهيبة.”
لم يتوقّف أو يتردّد، بل واصل السّير وهي في حضنه. بدا أنّه ينوي أن يُرقدها في السّرير دون أيّ نقاش.
‘حسنًا، لنردّ الإحراج بإحراجٍ مضاد.’
تردّدت ساي للحظة ثمّ نادت عليه.
“آه… زوجي العزيز!”
توقّف بنجامين فجأةً وهو لا يزال يحملها.
“ماذا… ماذا قلتِ لي الآن؟”
كانت عيناه الحمراوان تلمعان بغضبٍ خلف وجهٍ جامد.
‘هل غضب؟’
يبدو أنّها لم تُحسن التّصرّف. أرادت أن تُلطّف الأجواء بتصرّفٍ لطيف، لكنها ندمت الآن.
غير أنّ بنجامين أخذ يُكرّر ما قالته ساي، وكأنّه يُعيد تذوّقه.
“زوجي العزيز… زوجي العزيز… زوجي العزيز…”
نظراته الحادّة أرعبت حتى الخدم، فبدأوا بالتراجع بهدوء عن المكان. بدا واضحًا أنّهم لا يُريدون إثارة غضبه.
‘لا. لا بُدّ أن أُصلح الموقف بأيّ شكل.’
وقبل أن تتحدّث، بدا أنّ بنجامين قد هدأ.
“بما أنّ ساي تناديني بزوجي العزيز، فسأُطلق عليكِ من الآن لقب ‘زوجتي العزيزة’.”
“لا، لا حاجة لذلك…”
هذا ليس الرّد الذي أرادته.
كلّ ما أرادته هو أن تُقنعه بلُطف ليُنزلها، لا أكثر.
“أرى أنّ الاحترام المُتبادل بين الزّوجين ضروريّ جدًّا. لا أحبّ أن يستخدم أحدنا الألقاب بينما الآخر لا يفعل، كما أنّني أرفض أن يُؤخَذ ذلك كأمرٍ مُسلّمٍ به. زوجتي العزيزة، أنتِ بالنّسبة إليّ… همم…”
كان يتحدّث بجدّيّة، ثمّ قطع كلامه فجأة. اكتفى ببعض السّعال، ولم يُكمِل ما كان على وشك قوله. وجهه أصبح أكثر صرامة، دون أن يُعرف السّبب.
‘ما به؟ هل ما كأن على وشك قول شيء مزعج؟ أعني، الاحترام المتبادل أمرٌ جيّد، لكنّني لا أستطيع أن أُدرك ما يدور في داخله تمامًا…’
لكنّها كانت متأكّدة من شيءٍ واحد: هذا الرّجل لا يُضمر لها سوءًا.
لقد كان مُستعدًّا لسماع كلّ شيء منها. لم يكن في كلامه تلميحٌ لأيّ نوايا خفيّة. بل على العكس، بدا وكأنّه يُعبّر بما يشعر به ببساطة.
فتحت ساي فمها:
“هلّا أكملتَ ما كنتَ على وشك قوله؟ كما تعلم، منذ أن تعرّضتُ للإصابة، حصل لديّ تغيّرٌ في المشاعر، وأرغب في معرفة المزيد عن زوجي العزيز.”
رفعت ساي رأسها لتتفحّص وجهه أكثر، فرأت أُذنَيه وقد احمرّتا.
‘…يبدو أنّه لم يكره ذلك؟ هل يُعبّر عن سعادته بالغضب والتجهّم؟’
في تلك اللحظة، شعرت بألمٍ مفاجئ في رأسها. وبحركةٍ غريزيّة، ألقت برأسها نحو صدره.
فورًا، ارتسمت أمامها مشاهدٌ حيّة.
جسدٌ مفتول العضلات، مكشوف الجزء العلوي. يدها تمرّ على عضده ثمّ تلتفّ حول عنقه.
الرّجل الذي كانت تُعانقه هو بنجامين.
قالت له بصوتٍ بارد، وكأنّها شرّيرة:
‘من الأفضل أن تستمتع بهذه اللحظة. لأنّها ستكون الفرصة الوحيدة لك لتفعل بي ما تشاء.’
ثمّ… مشاهد حميميّة مُكثّفةٌ تتوالى…
‘يا إلهي! ما هذا؟!’
احمرّ وجه ساي بالكامل. أوّل ما تتذكّره هو هذا؟ غير معقول.
وما لا يُحتمل أكثر من ذلك… هو أنّها كانت تستمتع حقًّا وهي بين ذراعيه.
كانت تشعر بلذّةٍ طاغية كادت تُحطّم جسدها، مع حزنٍ غريب لا تدري مصدره.
‘لقد استمتعتُ كثيرًا… قلتُ كلامًا باردًا، لكن كنتُ أتوق لذلك!’
دفنت ساي رأسها أعمق في صدر بنجامين وهي تصرخ في داخلها.
“ساي. هل يؤلمكِ رأسكِ؟”
أفاقت على صوته، ورفعت رأسها بسرعة، ووجهها لا يزال محمرًّا. وعلى الرّغم من ملامحه الهادئة، قرأت في عينيه القلق.
شعرت بذنبٍ كبير.
‘لماذا؟ لماذا تصرّفتُ هكذا، رغم أنّني كنتُ أُحبّه بصدق؟’
“لا، لا بأس. فقط… فقط لأنّكَ تحتضنني هكذا، أشعر بالراحة.”
لم تستطع أن تُخبره بأنّ أوّل ذكرى عادت لها كانت بهذه الخصوصيّة. قالت أيّ شيء تُخفي به ارتباكها. وحين شعرت بأنّها غاصت تمامًا في أحضانه، حاولت أن تبتعد قليلًا، لكنّه ضمّها أكثر وقال:
“زوجتي العزيزة، إن واصلتِ التّململ، ستسقطين.”
فاستسلمت للأمر وازداد التصاقها به. وكلّ لمسة بين جسدَيهما كانت محرجة لها، خاصّة مع الذكريات التي بدأت تعود. أصبح عقلها مشوّشًا.
ومن خلف النّافذة، طار طائرٌ بعيدًا في عتمة الليل.
***
يُقال إنّ التّقارب بين الناس يحتاج إلى وقتٍ مشترك.
كانت ساي تُفكّر في أنَّ الوضع الحالي، حيث هي ممدّدةٌ بين ذراعيه، غير مُناسب.
“لا بدّ أنّك جُعت بعد هذه الرحلة الطويلة. ما رأيك أن نأكل أولًا إن لم يكن لديك مانع؟”
فعاد وجه بنجامين ليُصبح جادًّا.
“اقترب موعد الطّعام بالفعل. لم أنتبه أنّ الشخص المريض بحاجة إلى تغذية جيّدة. كان عليّ أن أُراعي ذلك.”
في الواقع، لم تكن جائعة. شهيّتها ليست كبيرة، وقلّة حركتها بسبب مرضها جعلتها تأكل أقلّ.
كانت ببساطة تُحاول تجنّب أن يُمدّدها على السّرير.
رغم أنّ الذكرى التي عادت إليها كانت مُحرجة، إلا أنّها شعرت بالفضول تجاه هذا الرّجل الذي بدا صارمًا، لكنّه يُظهر لها كلّ هذا الاهتمام.
شعرت ببعض الذّنب لكذبها، فأضافت بلُطفٍ أكبر.
“أظنّ أنّ الطّعام سيكون ألذّ بكثير إن أكلتُه معك، بنجامين.”
توقّف بنجامين فجأة، ونظر إليها نظرةً سريعة، ثمّ أدار وجهه وسار مباشرة. تغيّر الاتّجاه فقط، لكنّ طريقه كان واضحًا: إلى قاعة الطّعام.
وبإيماءة واحدة منه، تحرّك الخدم بسرعةٍ وكفاءة.
وهكذا، لم تُنزَل ساي أبدًا من بين ذراعيه، بل وصلت إلى قاعة الطعام وهي لا تزال بين أحضانه، ليُجلِسها برفقٍ في مقعدها هناك.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"