سألتها ماريلّا بجانبها بحذر عندما ظلّت ساي صامتة دون أن تتكلّم. هزّت ساي رأسها مبتسمة.
“ليس الأمر كذلك. فقط، أريد أن تشاركيني جلسة شاي اليوم.”
“سيكون شرفًا لي.”
ثمّ أخرجت ماريلّا من جيبها الصغير كيسًا يحتوي على بعض الكعك.
“آه، لقد خبزتُ الكعك الذي تُحبّينه منذ أن كنتِ صغيرة. ظننتُ أنّه قد يُحسّن من مزاجكِ. يمكننا أن نتناوله مع الشاي.”
قالت ماريلّا بنظرةٍ شاردة، وكأنّها تسترجع ذكرياتها القديمة.
“أتذكّرين؟ كنتُ أُهرّب لكِ كعكة إضافيّة حين كنتِ صغيرة. لهذا أحضرتها خِفية عن أعين الآخرين.”
“إذًا، لا بدّ أنّ الكعكة على شكل طفلٍ صغير.”
ابتسمت ساي ابتسامة مشرقة، وأخذت الكيس وفتحته. بداخله كانت كعكات صغيرة على هيئة أطفال، بشكلٍ لطيفٍ وجميل.
نفس شكل الكعكة التي صنعتها لأول مرة مع أمّها ومربّيتها عندما كانت صغيرة. بدا وكأنّ ذكريات السعادة من ذلك الزمن بدأت تتدفّق إلى قلبها.
ابتسمت ساي بسعادة، وأخذت قطعة كعك وعضّت منها قضمة. الطعم كان قريبًا من طعم الذكرى، لكنّها شعرت باختلافٍ طفيف.
‘ماريلّا أيضًا كبرت في السنّ، لم تَعُد تصنع الكعكة بنفس المذاق تمامًا كما في الماضي.’
شعرت بوخزٍ في قلبها، لكنّها لم تُظهر شيئًا.
“إنّه نفس المذاق كما كان. ماريلّا لم تتغيّري أبدًا.”
تظاهرت ساي بعدم المعرفة وابتسمت ابتسامة لطيفة.
رغم أنّ الأمر بسيط، إلا أنّ وجود شخصٍ يهتمّ بها بهذا الشكل منحها شعورًا قويًّا بالاطمئنان والامتلاء.
“بما أنّكِ فرِحة هكذا، فسأحرص على أن أخبز لكِ الكعك كثيرًا طوال فترة مرضكِ.”
“طالما أنّ ماريلّا هي من تصنعه، يمكنني أن آكله كلّ يوم.”
ثمّ ارتمت ساي مجددًا في حضن ماريلّا.
“لا تعلمين كم أشعر بالدفء لأنّكِ دائمًا تبقين كما أنتِ.”
“لا يا سيّدتي، أنا أيضًا كبرتُ وتغيّرت كثيرًا.”
“لا، ماريلّا ما زلتِ كما كنتِ.”
هزّت ساي رأسها نفيًا. ومع هذا الشعور بالثقة والاطمئنان لوجود من يمكنها الاعتماد عليه، تذكّرت وجوهًا أخرى على النقيض تمامًا.
خادماتٌ جاءت معها من منزل آلانترا.
‘يبدو أنّه لا مفرّ من لقائهنّ.’
رغم أنّها لم تكن تشتاق لرؤيتهنّ، لكنها كانت تعرف أنّه ما إن تُبعد الآخرين وتلتقي بهنّ فقط، فسيُظهرن وجوههنّ الحقيقيّة.
ربّما لن تستعيد كلّ ذكرياتها المفقودة، لكن لا يمكنها تجاهل كلّ الشكوك والمضيّ قدمًا دون مواجهتها.
***
“تحسّنت حالتكِ كثيرًا. يبدو أنّ الجرح يلتئم جيّدًا، ويمكننا إزالة الغرز غدًا على الأرجح.”
قال الطبيب المتوسّط العمر ذو الملامح الودودة، وهو يُنهي تعقيم الجرح. شعرت ساي بالارتياح لأنّها كانت فاقدة الوعي حين تلقّت العلاج والخياطة، ولم تضطرّ لرؤية الإبرة وهي تتحرّك فوق رأسها، رغم وجود التخدير.
“هل تذكّرتِِ أيَّ شيء منذ ذلك الحين، ولو كان غامضًا؟”
سأل الطبيب. لكن لم يكن هناك ذكرياتٌ مفاجئة كما في الروايات أو المسرحيّات. هزّت ساي رأسها نفيًا.
“للأسف، لا شيء.”
“يجب أن تتناولي دواء الالتهاب يوميًّا، وإذا شعرتِ بدوار أو غثيان في أيّ وقت، عليكِ إخباري فورًا. وسأكون حريصًا على الحضور إذا شعرتِ بأيّ انزعاج آخر.”
“شكرًا لك.”
“أنا فقط أؤدّي واجبي.”
بعد أن أنهى الطبيب معالجتها وأكّد التعليمات مجددًا، انحنى وخرج.
فور مغادرته، ناولت ماريلّا لساي مرآةً يد صغيرة.
“شكرًا لكِ، مربّيتي.”
رغم أنّها لم تطلب شيئًا، فإنَّ ماريلّا أدركت ما تريده. وهذا دليل على معرفتها الطويلة بها.
نظرت ساي إلى وجهها المنعكس في مرآة يدٍّ فضيّة مزخرفة بعناية. لم تكن قد قضت وقتًا طويلًا في منزل الدوق، لذا لم يتغيّر وجهها كثيرًا عن ما تتذكّره. باستثناء الجرح العميق الذي ترك أثرًا على جبينها.
كان الوقت قد اقترب من عودة الدوق.
أرادت أن تلتقي بالخادمات قبل عودته، لكن على ما يبدو، فإنَّ تبعات السقوط تركت آثارًا من التعب والصداع الثقيل، فكانت تنهك بسرعة. لذا، لم تكن تقوم سوى ببعض الأنشطة الخفيفة، مثل الاستمتاع بالحلويات مع مربّيتها.
رغبت في الاطّلاع على وثائق إدارة بيت الدوق بعد أن رأت تقرير النفقات، لكن لم يكن الوقت مناسبًا للضغط على نفسها.
والآن، ومع بدء تعافيها، شعرت أنّها قادرةٌ على البدء شيئًا فَشيئًا.
‘هناك الكثير من المهام. عليّ أيضًا تهدئة عائلات الوصيفات الغاضبة بعد أن طردتهنّ.’
في الأساس، تعطي العائلات التابعة الولاء للدوق، لكن لهذا السبب بالذات، لا ينبغي لدوقة الدوق أن تُهين إخلاصهم بهذه الطريقة.
‘حتى لو كان من بين أولئك الخادمات من أقمن علاقاتٍ مع رجال، فهؤلاء الرجال سيخونون زوجاتهم بغضّ النظر عن من تكون المرأة.’
الوصيفات من العائلات التابعة يتم اختيارهنّ بعناية، وإن أصبحت العلاقة أكثر من ذلك، فإنّ كلّ شيء سينهار.
لذا، أولئك الذين أرادوا اللهو أو وجود خليلاتٍ كانوا يختارون نساءً لا علاقة لهنّ بالمكان أو المصالح، وكانت تلك حالاتٍ نادرة.
‘ربّما كنتُ أكرههنّ فقط. ما الذي كنتُ أفكّر فيه يا نفسي السابقة؟’
ما لم تكن تسعى لتبدو كامرأةٍ فاسدة ومنحطّة، فإنَّ هذا السلوك في مكان جديد لم يكن له أيّ جدوى.
هل كانت تأمل في أن يطردها الدوق؟ لكن حتى لو طُردت، فسيكون عليها العودة إلى قفص والدها البغيض. خيارها الأسوأ على الإطلاق.
فكّرت ساي بمرارة في هذا الدوران الذي لا جواب له دون استعادة الذكريات، ومدّت يدها نحو الكعكة على الطبق. تمامًا كما وعدت، كانت مربّيتها تحضر كعكات يوميًّا.
رغم أنّ الطعم كان يشبه كثيرًا طعم الماضي، إلا أنّه لا يزال مختلفًا قليلًا.
لكن، لأنّ الذكريات تُغلّف الطعم، فقد بدت الكعكة لساي ألذّ شيء، ولا تملّ منها مهما تناولتها.
ربّما كان الاستقرار النفسي هو السبب، فقد شعرت بتحسّن جسدي كلّما أكلت من كعكة مربّيتها.
أخذت ساي قطعةً ونظرت إليها مبتسمة.
‘لا يُعقل أنّ كعكةً مكوّنة من سكّر وزبدة ودقيق تجعلني أكثر صحّة.’
كانت ساي تدرك تمامًا أنّها شخصٌ يعاني من نقصٍ في الحب. حتى سنّ الخامسة عشرة، كانت تحظى بحبّ أمّها ومربّيتها، ولم يكن والدها وأخوها قد كشفوا وجوههم الحقيقيّة بعد.
لكن، مجرّد تلقّيها للحب في السابق لا يعني أنّ الجراح التي لحقت بقلبها لاحقًا قد شُفيت.
في الفراغ الذي خلّفه الحب، غالبًا ما تنبت مشاعر القلق أو التعلّق المفرط. كانت تتحكّم بعقلها، لذا لم تُظهرها علنًا.
وفوق ذلك، لم يكن لديها بيئةٌ تُتيح لها إظهار تلك المشاعر أصلًا.
ولهذا، فإنّ كعكةً واحدة مثل هذه كانت كافية لتمنحها شعورًا بالسعادة والتحسّن. وإن كانت تربطها حاليًّا فقط بمربّيتها التي بقيت بجانبها، وتشعر بالأمان لوجودها.
وفي تلك اللحظة، خطر في بال ساي رجلٌ واحد. رجل، مثله مثل مربّيتها، يمنحها شعورًا بالاكتمال.
لكن، المشاعر لا تعني الثقة. فقد رُفضت واستُغِلّت من أقرب الناس إليها، من والدها وشقيقها، فكان قلبها دائمًا محصّنًا ضدّ أيّ اقتراب.
فكم من الوقت قضته معه لتثق به فعلًا؟
لكن، رغم ذلك، لم تكن خالية من الانجذاب. ومع تكرار التفكير، كانت تتوتّر أكثر فأكثر.
طَرقٌ خفيف على الباب، ثمّ دخل كبير الخدم ورئيسة الخادمات وانحنوا.
“صاحبة السموّ، لقد وصلنا خبر من مدخل المقاطعة يُفيد بأنّ الدوق قادم. إن سارت الأمور بسرعة، فسيصل خلال ثلاث إلى أربع ساعات.”
“إذًا، يجب أن أستعدّ للخروج واستقباله.”
عندما قالت ساي ذلك، بدت الدهشة على وجهي كبير الخدم ورئيسة الخادمات للحظة، لكنّهما أخفيا تعابيرهما بسرعة. غير أنّ ساي، بحسّها الحادّ في ملاحظة الوجوه، أدركت تلك اللحظة تمامًا.
ابتسمت ساي بسخرية.
“أظنّني لم أكن أخرج لاستقباله كثيرًا مِن قبل.”
“……نادرًا ما حدث ذلك.”
إذًا، لم تفعليها أصلًا. لم يكن ذلك مفاجئًا بالنظر إلى تصرّفاتها السابقة.
تكلّمت رئيسة الخادمات، ميلانيا.
“بما أنّكِ لم تتعافَي تمامًا بعد، فيكفي أن تستقبليه داخل القصر. سأساعدكِ في بعض الزينة الخفيفة. فقد طلب منّا الدوق بنفسه ألّا نُتعبكِ، فهو قلقٌ على صحّتكِ.”
كان رأيًّا منطقيًّا، فأومأت ساي موافقة. من الأفضل أن تُظهر التغيير تدريجيًّا لا فجأة، خاصةً بعد سلوكها البارد السابق.
“نعم، أظنّ أنّ هذا هو الأفضل.”
ثمّ نظرت نحو كبير الخدم وسألته:
“اسمك تومسون، أليس كذلك؟”
“نعم، سيّدتي.”
انحنى تومسون باحترام. حاول الحفاظ على تعابير وجهه، لكن ساي رأت بوضوح ارتباكًا مرّ بعينيه.
‘حقًّا؟ هل يُفاجَؤون لمجرّد أنني أعرف أسماءهم؟ لا بدّ أنني لم أكن أناديهم أصلًا.’
“أرغب في الاطّلاع على الوضع المالي العام. أيمكنك إحضار الوثائق إلى مكتبتي غدًا؟”
بدأت تشعر بتركيزها يعود، ولم يكن بإمكانها تأجيل الأمر إلى الأبد.
“هل تقصدين وثائق المقاطعة، أم وثائق القصر فقط؟”
“هل مُصرَّحٌ لي قراءة وثائق المقاطعة أيضًا؟”
“بالطبع، لقد أمر الدوق أن نلبّي لكِ أيّ طلب دون تردّد.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 21"