صدمت كلمات ساي كُل مَن كان حولها. عضّ بنجامين شفتهِ بقوة ثم أمر الخادمة الواقفة بالجوار:
“يبدو أنها أُصيبت بمشكلةٍ في رأسها. استدعوا الطبيب مِن جديد.”
وبناءً على أمر الدوق، هرعت إحدى الخادمات راكضة. ومع ذَلك، لَمْ يكُن قد أفلت يد ساي حتى تلكَ اللحظة.
رجلٌ ذو هيبةٍ مرعبة، يُمسك يدها بإحكام، وعلى وجههِ تعبيرٌ صارم.
شعرت ساي بضرورة تهدئة الموقف، فصرخت:
“عقلي سليمٌ، سموّك! لَمْ أتزوج مِنكَ قطّ!”
صرخت بأعلى صوتها، فأصاب رأسها صداعٌ شديد. حاولت أنْ تُحرّر يدها، لكن بنجامين كان يُمسك بها بإحكامٍ شديد، فاستسلمت ساي وتركت يدها على حالها، ثم وضعت يدها الحرة على رأسها. بدا أنْ إصابتها لَمْ تكُن كذبًا، فقد كان رأسها ملفوفًا بالضمادات ويبعث حرارةً شديدة.
الألم والارتباك ارتفعا وتخالطا داخلها كقدرِ يغلي فوق النار.
قطّبت ساي حاجبيها متألمةً، فحاول بنجامين تهدئتها:
“لا ينبغي لكِ الصراخ وأنتِ مُصابة. ثم إننا تزوّجنا قبل عامٍ، يا ساي.”
“قبل عام؟”
حاولت ساي النهوض مِن مكانها مِن شدّة الدهشة، لكنها اضطُرَّت إلى الاستلقاء مِن جديد بسبب يدٍ تمنعها، ثم نظرت نحو النافذة. كانت النافذة مغطاةً بستائر لا تسمح إلا بدخول قدرٍ ضئيل مِن الضوء، ويبدو أنهم أغلقوها مراعاةً لفقدانها الوعيّ.
شعرت ساي بالضيق في صدرها، فقالت لبنجامين بأدب:
“هل يُمكنُكَ فتحُ الستائر، سموّك؟”
عند ذَلك، أشار بنجامين بعينيه، فتحرّكت الخادمات بسرعةٍ نحو النافذة. ثم أمر مجددًا:
“لا تفتحوها فجأةً كي لا تُفاجئوها.”
بدأت الخادمات بفتح الستائر ببطءٍ شديد. وعندما بدأت عيناها تعتادان على الضوء، ظهرت المناظر الخارجية مِن خلال النافذة الكبيرة بوضوح.
آخر ما تتذكّره ساي، هو منظر الثلج الأبيض يتساقط خارج النافذة. كانت تجلس على أريكة مكسوّةٍ بالفرو الناعم في مكتبة يشتعل فيها الحطب بصوت طقطقةٍ، وقد وضعت عدة كتب إلى جانبها لتقرأها.
لحظةً هادئة ودافئة، لًمْ يُزعجها فيها أحد.
كانت لحظةً نادرة، لذَلك كانت عزيزةً على قلبها.
لكن الآن، ما بدا مِن خلف النافذة كان مملوءًا بالأوراق الخضراء والأزهار. وكأنَّ الجو في ذروة الربيع، قبيل دخول أوائل الصيف.
تسمّرت ساي تُحدّق في الخارج كمَن فقد وعيّه.
لو كان الزمن حبلًا طويلًا، وكانت هي دميةً موضوعة عليه، لشعرت أنْ أحدهُم أمسك بها ونقلها مِن الشتاء مباشرةً إلى الربيع.
سألت ساي، وعلى وجهها تعبيرٌ مشوش.
“ما تاريخ اليَوم؟”
“نحن في شهر مايو مِن العام 342 بحسب تقويم الإمبراطورية، يا ساي.”
آخر تاريخٍ تتذكّره كان في يناير مِن عام 341.
ما يُقارب سنةً ونصف قد مُحيَت مِن ذاكرتها.
“متى تزوجنا…؟”
“في الثالث والعشرين مِن مايو عام 341 بحسب تقويم الإمبراطورية.”
“هاه.”
أطلقت ساي تنهيدةً قصيرة مِن شدّة الذهول. يبدو أنْ حقيقة زواجهما منذُ عامٍ صحيحة.
رغم صعوبة تصديقها، فإنَّ الفرضية الأقرب للمنطق، هي أنها سقطت مِن الشرفة وفقدت ذكريات سنةٍ ونصف تقريبًا.
حدثٌ لَمْ تره إلا في الكتب أو على خشبة المسرح، وقد وقع لها حقًا.
‘لا يُصَدَّق.’
حاولت ساي أنْ تُفكّر بأكبر قدرٍ مُمكن مِن الهدوء.
النبلاء غالبًا ما يتزوجون بدافع الحاجة. ورُبما كان زواجها مِن هَذا النوع أيضًا. رغم أنها رأته مِن بعيد في الحفلات، إلا أنها لَمْ تلتقِ بهِ مِن قبل، لذا لا يُمكن أنْ يكون زواج حُب.
على الأرجح، والدها هو مَن زوّجها لهَذا الدوق.
دوق ريفرستار كان يُلقَّب بـ الدوق ذو الدم الجليدي، لكنه كان عريسًا مرغوبًا فيه مِن قِبل الكثير مِن الفتيات النبيلات.
أما عن شخصيته فلا تعلم، لكن مِن حيث المكانة والمظهر، لَمْ يكُن فيه ما يُعيب. بل إنْ كثيراتٍ وقعنَ في حبّه مِن النظرة الأولى وركضنَ خلفهُ، أو أردنه كزوج.
مهما كان سبب زواجهما، فالأمر لَمْ يكُن مهمًا. إذ لا يُمكن إلغاء زواج النبلاء، خاصةً إذا كان مع دوق.
سألت ساي، بنبرة شُبه مستسلمة:
“هل كانت علاقتنا جيدة؟”
كان مِن المُحتمل أنْ تكون باردة. فهي لمْ تكُن لطيفة أو رقيقة الطبع، ودوق ريفرستار، المُلقّب بالدوق ذو الدم الجليدي، كان بدورهِ باردًا وصامتًا لأبعد حد.
زوجان كأنّهما عاصفةٌ باردة، يُمكن القول إنهما يُشبهان بعضهما.
سكت بنجامين للحظة، ثم أجاب:
“…كانت علاقتُنا جيدة.”
‘هاه؟ ماذا قال؟’
لَمْ يكُن مِن المُمكن أنْ تكون علاقتُهما جيدة، لذا حين قال إنها كانت كذلك، نظرت ساي إليّهِ بدهشةٍ. فأكّد بنجامين كلامه مرةً أخرى.
“كنّا لا نستطيع الاستغناء عن بعضنا، يا ساي.”
وكأنه أراد أنْ يُثبت صدق ذًلك، نظر بنجامين إلى يد ساي التي لَمْ يفلتها قط منذُ أنْ استيقظت.
وفي تلكَ اللحظة، دخل الطبيب مِن الباب. نظر إلى ساي وقال:
“يبدو أنْ مفعول المسكّن بدأ يزول. سأصفُ مسكّنًا آخر.”
ثم قدّم لها دواءً سائلاً. وعندما مدّت ساي يدًا مرتجفة لتأخذه، سبقها بنجامين.
أسندها بنجامين برفقٍ وسكب الدواء ببطء عند شفتيها. ورغم أنْ الأمر كان غريبًا ومزعجًا، إلا أنْ ساي أغمضت عينيها دوّن اعتراض.
بعد أنْ شربت الدواء، فتحت عينيها قليلاً. كان الرجل الجالس بجوارها، مُتمسكًا بيدها بوجهٍ متصلّب، زوجها الذي لَمْ تتذكره إطلاقًا.
***
احتاجت شاي إلى الراحة، فسرعان ما غرقت في نومٍ عميق مِن جديد. وعندما استيقظت، كان الصباح قد حلّ.
أول ما وقعت عليه عيناها كان الزهور المُنتشرة في كل أرجاء الغرفة. كان عبيرُها يملأ المكان بقوة.
“ما الذي يحدُث بحق السماء؟”
سألت ساي وهي لا تزال نصف نائمة، مُخاطبة الخادمة المُنشغلة بترتيب الزهور بجانبها. فزعت الخادمة ثم انحنت.
“الدوق أمر بإحضار الزهور لتُسعدي بها حين تستيقظين، يا سيدتي.”
“أين المُربية؟”
كانت ماريلّا، مُربيتها، الشخص الوحيد المألوف في هَذا المكان الغريب.
عندما بلغت ساي الخامسة عشرة، عادت ماريلّا إلى بلدتها بحجة مرض حفيدها. لكن ساي ظنّت دائمًا أنْ لوالدها يدًا في الأمر.
كانت وجهًا اشتاقت إليّه كثيرًا.
“المربية كانت تلازم غرفتكٍ حتى وقتٍ متأخر مِن الليل، ثم انسحبت. هل أستدعيها؟”
سألت الخادمة بتوتر. كانت ماريلّا قد تقدمت في السن، وساي لَمْ ترغب بإرهاقها بعد ليلةٍ طويلة.
هزّت رأسها برفق.
“لا داعي.”
كانت الغرفة العتيقة مزينةً بأزهار ملونة على نحوٍ أنيق. ومع أنْ كثرة الزهور وتنوع ألوانها قد يجعل المكان يبدو فوضويًا، إلا أنْ مَن رتّبها كان ذا ذوقٍ رفيع، فبدت الغرفة مشرقةً وجميلة.
نظرت ساي إلى الزهور وسرًّا همست.
‘جميلة.’
كان يوم أمس صادمًا للغاية.
فقد عرفت فجأةً أنها فقدت عامًا ونصفًا مِن ذكرياتها، وأنها أصبحت امرأةً متزوجة. شخّص الطبيب حالتها بأنها فقدان ذاكرة بسبب صدمة، وبعد أنْ فحص جرح رأسها، غادر.
‘لماذا سقطتُ مِن الشرفة؟’
لَمْ تكُن ساي مِن النوع المتهور أو النشيط. بسبب القيود الكثيرة منذُ صغرها، لًمْ تكُن تغادر المنزل إلا لحضور المناسبات الاجتماعية.
ولذا، كان مِن الغريب أنْ تسقط مِن شرفةٍ قائمة وسليمة.
ولا أحد يعرفُ السبب.
فقد كانت وحدها في الشرفة حينها.
ولولا أنها شرفةٌ في الطابق الثاني، لكانت حياتها في خطرٍ حقيقي.
‘والمضحك أنْ مَن كان يجبُ عليه أنْ يتذكر تلكَ الحادثة… فقد ذاكرته.’
وبينما كانت ساي تغوص في أفكارها، تحدثت الخادمة بحذر وهي تراقبها بتردد.
“…الدوق اضطر لمُغادرة القصر باكرًا لإنهاء بعض الأعمال التي لَمْ يُتمّها بالأمس. وقد عبّر عن اعتذاره بإرسال هَذهِ الزهور بدلاً عنه.”
آه، نعم. الدوق.
ذاك الذي يُفترض أنْ يكون زوجي.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"