“ما زالَت بطولاتُ دوقِ ريفرستا يتناقلُها النّاس، فهو الآن ركيزةٌ قويّة للإمبراطوريّة بفضل روعته. أليسَ ذلك أمرًا يُثلِجُ الصّدر؟”
كانت بداياتُ دوقيّة ريفرستا مملكةً قديمةً وُجدت حتّى قبل قيام الإمبراطوريّة. وعوضًا عن إراقةِ الدّماء في مواجهةِ الإمبراطوريّة الجديدة، اختارت السّلام. كان قرار الملكِ مبنيًّا على رفضه رؤية المزيد من الضّحايا الأبرياء، رغم قدرتهم على القتال حتّى النّهاية.
وبفضل ذلك، تمكّنَ نسلُ العائلةِ المالكة من الحفاظِ على لقب دوق ريفرستا. ومع مرورِ الوقت، كبرت مكانةُ هذه العائلة لدرجةٍ لم يعُد من السّهلِ على حتّى أفرادِ العائلةِ الإمبراطوريّة التّعاملُ معهم بتساهل.
“يبدو أنّ جلالة الإمبراطور يُعزّكما كثيرًا، بدليلِ استدعائه المتكرّر لكما.”
فأجاب بنجامين ببرود: “ربّما.”
وعندما لم يزد على ذلك، التفتت إليونورا نحو لوريلّاي.
“آنسة لوريلّاي، هل بدأتِ الأميرةُ من جديد الاهتمامَ بجسدها؟ لقد أرسلتُ إليها حلوى اخترتُها بعناية كهدية، لكنّها رفضتها بأدب. آلمني ذلك كثيرًا.”
“كما سمعتِ بنفسكِ، هي فقط أرادت التّركيزَ أكثر على العنايةِ بجسدها. لا يوجدُ معنى آخر خلف ذلك، فهي دقيقةٌ جدًّا في العناية بنفسها.”
“فهمتُ. ومع ذلك، شعرتُ ببعضِ الأسى. كان بإمكانها على الأقل إعطاءَها لأحد خدمها.”
“على ما يبدو، لم ترغب سموّ الأميرة في منحِ هديّةٍ تلقّتها من جلالتكِ لشخصٍ آخر. ربّما رفضت فقط لأنّها تقدّر تلك الهديّة حقًّا.”
كانت لوريلّاي تتحدّثُ مع إليونورا بأسلوبٍ رسميٍّ للغاية، على عكس لهجتها غير المتكلّفة مع بنجامين. ابتسمت إليونورا بلطف.
“كلماتكِ العذبة أراحت قلبي.”
“سأنقل مشاعرَ جلالتكِ الدّافئة إلى سموّ الأميرة بكلّ تأكيد.”
ثمّ أضافت إليونورا بنظرةٍ حنونةٍ نحو الاثنَين.
“طالما وُجد في خدمتِه مَن يتحلّون بالولاءِ كهذا، فلا عجب أن تمضي الإمبراطوريّة في طريقٍ مُعبّد. آملُ أن لا أكون قد أثقلتُ عليكما، لكنّني كنتُ متشوّقةً للقائكما، وأظنّ أنّكما تتفهّمان ذلك.”
“نفهمُ تمامًا. وبما أنّ تأخّرنا في الذّهابِ إلى جلالةِ الإمبراطور، نرجو أن يسمح لنا بالانصراف.”
تحرّكَ بنجامين قبل أن تتاح للوريلّاي فرصةُ إضافة شيء، فيما أدّت الأخرى تحيّةً رسميّة، ثمّ أسرعت تلحق به.
وفي الجهة الأخرى، بدأت إليونورا هي الأخرى العودة إلى جناحها، يتبعها خدمها بصمت.
وحين اختفى أثرُها تمامًا، تحدّثت لوريلّاي مجددًا.
“ما زالت شخصيّةً غامضةً. لا أدري إن كانت كثيرة التّدخّل، أم أنّها فقط تُحبّ استدعاءَ النّاس بلا داعٍ.”
“ربّما. لكنّ جلالتها كانت دائمًا تتعامل بكفاءة، وقد تُعبّرُ تلك التصرّفات عن حرصها على مصلحةِ العائلةِ الإمبراطوريّة.”
“لا أنكر كفاءتها. لكنّ النّظرة التي تراها بها النّساء تختلفُ عن نظرة الرّجال. لا أعلم رأيَك، لكنّني شخصيًّا أشعرُ بعدمِ ارتياح.”
“من الطّبيعي ألّا يرتاح المرءُ إلى بعضِ النّاس. أتفهّمُك تمامًا.”
هو نفسُ الإحساس الذي يشعر به تجاه ويليام، الذي يراه الجميعُ شخصًا طيّبًا، ومع ذلك لا يريحه، لذا لم يجد غرابةً في شعور لوريلّاي.
وحين اقتربا من جناحِ الإمبراطور، فتح الحرّاس الأبوابَ باحترام، فدخلا.
“إن كان يُزعجكِ اضطراركِ لتصرّفٍ رسميّ في كلّ مرّة، فلِمَ لا نطلب من جلالةِ الإمبراطور ترقيةَ لقبك؟”
فقد كان بإمكان لوريلّاي، بحكمِ كفاءتها، أن تنالَ لقبًا أعلى من الذي تحمله، لكنّها رفضت ذلك بملءِ إرادتها.
“لن أعيش طويلًا على أيّ حال، فلماذا أُتعبُ نفسي؟ أتقاضى مالًا كافيًا بالفعل. ثمّ إنّ الألقابَ العالية تجعل النّاسَ أكثر حذرًا، ومن الصّعب حينها الحصولُ على المعلومات. النّاس يميلون للكلام حين يظنّون أنَّ من أمامهم شخصٌ أدنى منهم.”
“ما دام هذا رأيُكِ، لا بأس. لكن إن غيّرتِ رأيَكِ لاحقًا، أخبريني، وسأتحدّث إلى جلالته.”
“كعادتك، يا بنجامين. رجلٌ وفيّ فعلًا.”
ضحكت لوريلّاي بخفّة، ثمّ صفعته على كتفه، غير أنّه لم يتزحزح قيد أنملة.
“آه، لم لا أملَك رجل.”
ولم يُعلّق بنجامين على تذمّرها. ظلّ صامتًا كالصّخر.
ثمّ فُتحت الأبوابُ المتتالية، واقترب وقت لقائهما بالإمبراطور.
ربّما يخشى البعضُ وجودَ أفرادٍ موهوبين بهذا المستوى داخل الأسرِ النّبيلة، ويظنّون أنّهم قد يُشكّلون تهديدًا على الإمبراطور. لكنّ الإمبراطورَ نفسَه لم يُفكّر يومًا بهذه الطّريقة.
أوّلًا، لم يكن لدى هؤلاء أدنى طموحٍ للجلوس على العرش.
وثانيًا، والأهم، كان لدى الإمبراطورِ هو نفسه “قوّةٌ خارقة”.
قوّة أبطال القدرات الخارقة.
كانت تلك القوّة، القادرة على تحييد جميع القدرات الأخرى، هي ما يمتلكه من يجلسُ على العرش.
***،
“هااااه…”
تنفّست ساي بعمق، وهي تحملُ الملفّ الذي كانت تقرؤه. أمامها كانت كومةٌ من الأوراق مُرتّبة بعناية.
كانت قد طلبت من رئيسة الخادمات مراجعةَ تفاصيل مصروفاتها. رغم أنّ جراحها لم تُشفَ تمامًا بعد، إلّا أنّها لم تُرِد تأجيل الأمر أكثر.
كانت تظنّ أنّها أنفقت كثيرًا، لكنّ المبلغ فاق توقّعاتها.
إيراداتُ عائلة الدّوق هائلةٌ لدرجة أنّها لم تكن تُلاحظ ذلك أصلًا، لكنّ المبلغ يكفي لجعلِ أيّ عائلةٍ نبيلةٍ أخرى تذعر.
‘من الجيد أنّ النّفقات كانت على المجوهرات لا على الفساتين. فالمجوهراتُ تحتفظ بقيمتها ويمكنُ اعتبارها ثروة.’
بل وأكثر من ذلك، لم تكتفِ بشراءِ مجوهراتٍ ثمينة، بل اشترت أيضًا أعمالًا فنيّة – لوحاتٍ ومنحوتات.
‘اشترت العديدَ من أعمالِ الرّسامين والنّحاتين الذين بدأوا يلقون التّقدير في العاصمة. بعض تلك الأعمال ارتفع سعرُها الآن عمّا كانت عليه عند الشّراء.’
وضعت ساي الملفّ جانبًا.
‘صحيح أنّ اختياراتها لم تكن منسجمةً، ولا يبدو أنّها كانت ذاتَ هدفٍ عميق، لكنّها لم تكن اختياراتٍ سيّئة، وهذا في حدّ ذاته مُطمئن.’
بضيق، وقفت ساي ونظرت من النّافذة.
‘لماذا كنتُ متعطّشةً إلى التّبذير من أموالِ العائلةِ إلى هذا الحد؟ كأنّني كنتُ أبحث عن الكراهية عمدًا.’
لم يكن منظرها وهي تُسرف في شراءِ الكماليّات فورَ قدومها ليُرضي أحدًا من عائلة الدّوق.
‘هل كان زواجًا فرضَه والدي؟ وربّما، بغيابه عن هذا المكان، حاولت التّمرّد؟’
لكن أن تُعامِل الدّوق بهذا الشّكل دون أن يرتكب أيّ خطأ… كان ذلك قاسيًا، منها، في الماضي.
حتى تجاه الآخرين، كانت دائمًا حادّة، كثيرة التّطلّب. كم كانت تافهة.
‘على الأقلّ، يمكنني الآن أن أبدأ بدايةً سليمة. فلا يوجد من الخادمات من يُراقبنني ويُقيدنني كما في السّابق.’
ما لا تفهمه هو كيف أنّها، رغم مغادرتها سلطة والدها، أبقت على الخادمات اللّاتي كنّ يُسيئن إليها.
‘هل كانت بيدِهم ورقة ضغط؟ ذلك الغضب في الرّسالة، قد يكون علامةً على أنّ والدي فعل شيئًا يربطُه بهذا المكان. وربّما كانت تلك التّلميحات حول الحديقة رمزًا لشيءٍ ما.’
فالعقار بعيد عن العاصمة حيث والدها. ومنذ زواجها، نادرًا ما غادرته.
وبحسب ما قالته روزا، خادمتها الحاليّة، فقد رفضت كلّ دعوات العاصمة، مفضّلةً التّركيز على حياتها الزّوجيّة.
‘في الماضي، في قصرِ ألانترا، كان والدي يُراقبني دومًا عبر الخادمات. لم يكن لديّ خيارٌ سوى التّحمّل، مهما فعلن.’
غرفتها هناك لم تكن إلّا مكانًا للنّوم فقط. لم تكن ملكًا لها فعليًّا.
بيتي كانت ترتدي ملابسها ومجوهراتها. جاكلين كانت تستولي على مالها بحجّةِ منعها من التّبذير.
لكن الأسوأ بينهنّ كانت ديرا.
بيتي وجاكلين كانتا تبتعدان عنها إن أعطتهما ما تُريدان. أمّا ديرا، فكانت تُطالب بأكثر من ذلك.
كانت تريدُ من ساي أن تتصرّف وتُفكّر بطريقتها. وكأنّها وحدها تملكُ الحقيقة، كانت تُنكر على ساي حتّى مجرّد التّفكير.
وفي كلّ مرّة تخرج ساي عن طاعتهنّ، كان والدها يظهرُ فجأة، يُهينها، يُجبرها على الرّكوع، ويُهدّدها بالعنف.
كان واضحًا أنهنّ يُبلّغن والدها عمّا تفعل، مباشرة.
‘لماذا؟ لو أنّني طلبتُ من دوق ريفرستا التّخلّص منهنّ، لكان وافق فورًا، حسب ما رأيتُ من معاملته لي.’
تريدُ الآن أن تعرف كيف تمكّنّ من الاستمرار في ذلك السّلوك داخل قصر الدّوق.
بينما كانت غارقةً في التّفكير، سُمِع طَرقٌ على الباب.
“سيّدتي، هل يمكنني الدّخول؟”
كان صوتُ مربيتها ماريلّا. حين انهارت في السّابق، خاطبتها بـ آنستي، لكنّها الآن تُخاطبها بكلّ احترام.
“تفضّلي، ماريلّا.”
استقبلتها ساي بسرور.
كانت ماريلّا شخصًا غاليًا جدًّا على قلب ساي.
بعد وفاةِ والدتها، ومع قسوة والدها، لم يكن بوسعها أن تحتفظ بعقلها سليمًا لولا الحبّ الذي تلقّته من والدتها ومن مربيتها.
كانت ماريلّا مربيةً ومعلّمةً في الوقت نفسه، امرأة مثقّفة وطيّبة. هادئة، حنونة، ولهذا أحبّتها ساي كثيرًا.
حين تولّت رعايتها، كانت في منتصف عمرها. أمّا الآن، وقد مرّ عقدٌ من الزّمن، فقد غزت الشّيبُ شعرها، وبدا التّعب على وجهها أكثر من ذي قبل.
حين دخلت، نهضت ساي وسارت نحوها، ثمّ عانقتها فورًا.
لقد اشتاقت إليها كثيرًا.
رغم أنّها طُلبت فور الزّواج إلى القصر، فإنّ آخرَ ذكرى حقيقيّة لساي عنها تعود إلى عشر سنواتٍ مضت.
اشتاقت إليها كثيرًا…
بعد وفاةِ والدتها، وقبل أن تتغلّب على الحزنِ والوحدة، رحلت ماريلّا أيضًا. لم يكن بوسعها منعها، فحفيدها كان مريضًا. لكنّها كانت تتمنّى لو تبقى.
قد يكون مرض الحفيدِ محضَ صُدفة، لكن بالنّظر إلى تغيّر سلوك والدها بعد ذلك، باتت تظنّ أنّه تعمّد إبعاد ماريلّا ليعزلها ويجعلها تنصاع له وحده.
“سيّدتي، هل أنتِ بخير؟ ما زال جرح رّأسكِ لم يلتئم تمامًا، فالحرصُ واجب.”
“يكفيني أن أضمّ ماريلّا لأشعر بتحسّن.”
“يا إلهي، صرتِ تدلّلين كثيرًا بعد المرض. رغم أنّكِ كبرتِ وأصبحتِ سيّدةً محترمة.”
قالت ساي وهي تُغمض عينيها وتهمس وهي تعانقها.
“لأنّني أحبّ ماريلّا كثيرًا.”
تصلّبت ماريلّا للحظة. كانت في الماضي أكثر امتلاءً من ساي، لكنّ العمر سلبها الكتلة العضليّة، فبدت هزيلةً أكثر.
“لنجلِس ونتحدّث. لا ينبغي أن نبقى هكذا طويلًا.”
جلست ساي على الأريكة، وسحبت ماريلّا لتجلس بجانبها. لم تكن تُعاملها كخادمة، بل كقريبةٍ عزيزة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 19"