كانت الخصلاتُ الذّهبيّةُ مُبعثرةً على الأرضِ بفوضى. كان الدمُ الأحمرُ يسيلُ من رأسِها، ووجهُها شاحبٌ كالثلج.
جسدُها الذي مالَ إلى جانبٍ واحدٍ رسمَ قوسًا ناعمًا، كما لو أنَّ أحدهم وضعَها عمدًا بتلك الطّريقة، مانحًا إيّاها هيئةً غايةً في الأناقة.
كان مظهرُها حزينًا إلى حدِّ الجمال.
تداخلَ مشهدُ ساي المُلقاةِ أرضًا بلا حراكٍ مع صورةِ ديرا التي تُطلُّ من الطّابقِ الثاني، مما ولّدَ قشعريرةً لذيذةً اجتاحتْ جسدَها.
كان الإحساسُ وكأنّها تتربّعُ في قمّةِ السّلطةِ الكاملة، حتّى إنّها شعرتْ بنشوةٍ أفقدتْها تركيزَها للحظة.
هل كانت تُحدّقُ بها بإفراط؟
إحدى الخادماتِ من قصرِ الدّوق، واللواتي كنّ يهرعنَ بقلقٍ للتأكّدِ من حالِ ساي، رفعتْ رأسَها عفويًّا نحو الشّرفة. التقتْ عيناها بعيني ديرا تمامًا.
أسرعتْ ديرا بتصنّعِ تعبيرٍ يختلطُ فيه القلقُ والارتباك، لكنّها لم تستطعْ أن تمحوَ بالكاملِ تلك النّشوةَ التي اجتاحتها قبلَ قليل.
‘هل هذا ما جعلهمْ يشكّون بي؟…’
ظاهريًّا، كانت تُلامُ لأنّها تركتِ السيدة وحدها على الشّرفة، مما أدّى إلى وقوعِ الحادث. ولكن، من يدري؟ ربّما اشتبهوا بها على أنّها الجاني الذي دفعَ ساي.
‘أنا لا يمكنُ أنْ أقتلَ السيدة! بلْ العكس… حتّى حمايتُها لا تكفيني.’
كانت ديرا تُريدُ أنْ تُزهرَ ساي، أنْ تُفجّرَ فيها الجمالَ بكلّ ما أوتيتْ من قدرة. تلك المرأة التي تمتلكُ شغفًا عنيدًا في السّيرِ على دربِ حياتها، أرادتْ ديرا أن تُخضعَها لرغباتها، وأنْ تُجبِرَها على الخضوعِ.
كم هو مُبهجٌ ذلك الشّغفُ المُنكسِر.
لأنّه فقط حينها، تستطيعُ ديرا أنْ تشعرَ بتفوّقِها الأبدي.
ذلك، في حياةِ ديرا، كان مصدرَ سعادتها. ولم تكن تنوي التخلّي عنه.
أنْ تبقى تلك السيّدةُ النّبيلة، الجميلة، الموهوبة، حبيسةَ أقدامها مهما حاولتْ السّعي نحو السّعادة، ذلك كان كافيًا لديرا.
بما أنّ ساي لم تمُتْ، فحتْمًا هي في طريقِها للتعافي.
لو كانتْ إصابةً خطيرة، لما اكتفوا بنقلِهم إلى المبنى الفرعيِّ لأداءِ الأعمالِ البسيطة. الدّوق لم يكن لطيفًا مع أحدٍ سوى زوجته.
وحين كانتْ ساي تحميهمْ، كانوا بدورهمْ ينعمونَ بمعاملةٍ مُميّزةٍ داخل هذا المكان.
وكانت ديرا تُدركُ هذه الحقيقة تمامًا.
كما أنّ ساي لم يكنْ بإمكانِها أنْ تتخلّى عنهم، أو أنْ تُهملهمْ ببساطة. لذلك، قالتْ ديرا بثقة.
“قريبًا، سوف تحتاجْ الآنسة لنا.”
رغم أنّها أصبحتْ دوقةَ ريفرستا رسميًّا وكان يُفترَضُ أنْ تُنادَى بـ سيّدتي، إلا أنّ الثلاثةَ فضّلْنَ أنْ يبقينَ يُنادينها “آنسة” عندما يكنّ معها وحدها.
تلك التّسميةُ جعلتهنّ يشعرْنَ وكأنّهنّ ما زلنَ يملكنَ زمامَ الأمور.
نظرتْ بيتي وجاكلين إلى ديرا عند سماعِ كلماتِها.
رغم أنّ رغباتِ كلٍّ منهنّ مختلفة، إلا أنّه كان بينهنّ نقطةُ التقاء.
الأسلحةُ التي تملكانِها… نقاطُ ضعفِ ساي التي تُمسكانِ بها.
ربّما الآن طُردنَ لأسبابٍ مجهولة، ولكنّ الحقيقة التي تُدركها ساي أكثر من أيّ أحد، أنّه لا مفرّ لها من قبضتهنّ.
“قريبًا، سوف تمرّ بعذابٍ أسوأ من الموت. ومهما حاولتْ التمرّد، لن تقدرْ على الاستغناء عن مساعدتنا، أليس كذلك؟”
الفيلُ الذي يُربَطُ كاحله منذُ أنْ كان صغيرًا، لا يستطيعُ الهربَ حتّى لو حُلّتْ قيودُه بعد أنْ يكبر.
“ولأجل ذلك… يجب أن ننتظر. قريبًا سوف تأتي بنفسِها إلينا.”
هزّتْ بيتي وجاكلين رأسَيهما باتّفاقٍ مع ديرا.
ساي كانتْ شخصًا لا يمكنُ أنْ يُسمحَ له بالابتعاد، لأنّ كلّ واحدةٍ منهنّ كانتْ تُريدُ شيئًا منها.
***
كان بنجامين يسيرُ داخلَ القصرِ الإمبراطوريِّ بهدوء.
كان يتمتّعُ بمظهرٍ رائعٍ وهيبةٍ قادرةٍ على نيلِ الإعجابِ من الجميع، لكنّ خدمَ القصرِ كانوا يتجنّبونه دون قصد، يكتفونَ بعملهمْ أو يبتعدونَ عنه.
كانتْ له رهبةٌ تجعلُ الاقترابَ منه صعبًا.
تلك الهالةُ لا يملكُها سوى من خاضوا معاركَ الموتِ ضدّ وحوشٍ أقوى من البشرِ أضعافًا.
وفوقَ ذلك، كان بنجامين بطبعِه رجلًا يصعبُ التّعاملُ معه. كان دومًا مُهذّبًا مع النّاس، لكنّه لم يكنْ ممّن يُجيدونَ الابتسامَ في غير موضعه. وجهُه الجادُّ والمهيبُ كان يُحبطُ الآخرينَ دون أنْ ينطقَ بكلمة.
وغالبًا ما كان يُبقي عواطفَه متزنة.
الشّخصُ الوحيدُ الذي كان يُثيرُ مشاعرَه مؤخرًا… كانت زوجتُه.
خلال فترةٍ قصيرة، شعرَ بنقيضَينِ من المشاعر.
يأسٌ مُروّع من احتمالِ فقدانِ شخصٍ عزيز.
وفرحٌ غامر من وجودِ ذلك الشّخصِ نفسه.
عندما علمَ بسقوطِ ساي من فوقِ الشرفة وإصابتها في رأسِها، شعرَ وكأنَّ قلبَه سقطَ في الهاوية. لم تكنْ المسافةُ مرتفعة، لكنّها أصابتْ نقطةً حرجةً: الرأس.
ولأنّه كان يعلمُ أنّ حياةَ الإنسانِ قد تنتهي في لحظةٍ خاطفة، شعرَ بالرّعبِ أكثر.
لكنّ اليأسَ سرعانَ ما تحوّلَ إلى شيءٍ آخر.
حين فتحتْ عيناها، لم تكنْ المرأةُ التي تزوّجها.
يومَ الزّفاف، كانتْ تبتسمُ بحذرٍ أمامَ الحضور، لكنها فورَ أنْ عادتْ إلى القصر، لم تتخلّ عن برودِها.
امرأةٌ متأنّقةٌ بلا تعبيرٍ على وجهِها، كأنّها تمثال. لم تنطقْ بكلمةٍ واحدة.
وكان ذلك أقوى من أيِّ غضبٍ… رسالةٌ واضحةٌ بأنَّ هذا الزّواج لا يروقُ لها.
ومنذُ وصولِها إلى دوقيّةِ ريفرستا، أصبحتْ أكثرَ حساسيّةً ودلالًا.
لكنها لم ترفضْ قضاءَ الليالي معه. كانتْ حينها امرأةً أخرى: أحيانًا شغوفة، وأحيانًا حنونةٌ بلا حدود.
لكنّها كانتْ دائمًا تختمُ بكلماتٍ واحدة.
“لا تظنّ أنَّ تقاربَ الأجسادِ يعني اقترابَ الأرواح. هذا غرورٌ بحدّ ذاته.”
لكنّها الآن… أصبحتْ هي، حقًّا.
لم تعُدْ تردُّ بحدة، بل أظهرتْ ارتباكًا أمام لمستِه، من دون أنْ تُعارضه.
ما كانتْ لا مباليةً، ولا نافرةً.
بلْ واثقة، تهتمُّ للآخرين، دون أنْ تتخلّى عن ذاتِها.
كانتْ كما عرفَها قديمًا.
وكان ذلك كافيًا ليدفئَ قلبَه.
وبينما كان يستمتعُ بهذا الإحساسِ النّادر، رأى من بعيدٍ شخصًا لا يُحبّ رؤيتَه.
ظهرتْ على وجهِه ملامحُ انزعاجٍ خفيفة.
كان الكونتُ آلانترا يقتربُ منه.
ذاك الرّجلُ، والدُ ساي، لم يكنْ يشبهُها إطلاقًا.
ويليام آلانترا، الكونت، كان نحيفًا ذا بشرةٍ داكنةٍ ونظراتٍ حادّة. كانتْ خدودُه غائرةً ويبدو هزيلًا رغم أنفِه المرتفعِ وهيئتِه الجادّة. شعرُه رماديٌّ مائلٌ إلى الأزرق، لكنّ حاجبَيه كانا بلونٍ بنيٍّ داكن.
الشّعرُ الرماديّ المائلُ إلى الأزرق كان سِمةً شائعةً في نسلِ آلانترا المُباشر.
لكنّ الغريبَ أنَّ ويليام لم يكنْ من الخطّ الرّئيسيِّ، بل من الفرعِ الجانبي.
ربّما كانتْ تُشبهُ والدتَها الرّاحلةَ قليلًا، لكنْ ملامحُها لم تكنْ صورةً طبقَ الأصل منها، ولا كانتْ تشبهُ جدّيها من جهةِ الأمّ أو الأب.
كانت والدتُها نيهيلا من سلالةِ آلانترا الأصليّة، وكان ويليام، من الفرعِ الجانبيّ، قد تزوّجها وأنجبا ساي وأخوها لوكالد.
كان من الشّائع أنْ يتزوّج الفرعُ الجانبيُّ من الأصلِ للحفاظِ على النّسب، رغم ضَعفِ الدّم.
ورغم ذلك، لم يحملْ أيٌّ من الطّفلينِ الشّعرَ المميّزَ للعائلة.
لوكالد كان يمتلكُ شعرًا بُنّيًّا داكنًا، وساي كانتْ شقراء.
ورغم أنّ النّسبَ لا يُمحى، إلّا أنّهم حظوا باعترافٍ بأنّهم من نسلِ آلانترا الرّئيسي.
مع ذلك، يبدو أنّ ويليام كان يُعاني من عقدةِ نقصٍ بشأنِ أصله. فبعد زواجِه من نيهيلا وتولّيه لقبَ الكونت، حرصَ على إخفاءِ حقيقةِ كونه من الفرعِ الجانبيّ.
ورثَ اللقبَ بعدَ وفاةِ والدي نيهيلا في حادثٍ بعدَ الزّواجِ بثلاثِ سنواتٍ فقط، مما سهّلَ عليه اعتلاءَ المنصبِ بسرعة.
ومع غيابِ والدي نيهيلا، بدأَ والداه أيضًا يتصرّفونَ بفخرٍ وكأنّهم من الفرعِ الرّئيسيّ، تحتَ ظلِّ ابنِهم.
لكنّ سُمعته في الخارجِ كانتْ جيّدةً بما يكفي لطمسِ تلك الشّكوك.
ظاهريًّا، لم تكُن هناك مشكلةٌ بينه وبين ساي. فقدْ كان دائمًا يُظهرُ حنانه تجاهها في العلن، وكانتْ دائمًا تبدو في الحفلاتِ متألّقةً، ترتدي أفخمَ الملابسِ والمجوهرات.
كانتْ بعضُ الفتياتِ يحسُدنَ ساي على والدِها، ويتمنّينَ لو أنّ آباءهنّ يشبهونه في لطفِه.
وفي لقاءِ العشاءِ الذي سبقَ الزّواج، قطعَ لها شرائحَ اللّحمِ بنفسه، مبتسمًا بخجل.
“اعتدتُ على هذا منذُ صغرِها، لذلك لا أستطيعُ التوقّفَ عنه حتّى الآن.”
هكذا قال.
ومع ذلك، لم يكنْ بإمكانِ بنجامين أنْ يتجاهلَ الإحساسَ الباردَ الذي يساوره كلّما رآه.
كان ذلك الإحساسُ شبيهًا بالحدسِ الغريزي.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"