الفصل 13 :
لم تكن ساي تتوقّع تلك الكلمات، فشهقت وتلعثمت ثمّ شرعت تسعل.
“صاحب السّمو، لا، أقصد… بنجامين، أنت؟”
“نعم. أظنّ أنّ جعل الطّرف الآخر يشعر بالارتياح ليس أمرًا سيئًا بين الزّوجين.”
“كفءٌ فعلًا.”
“الكفاءة أمرٌ مهمّ، بلا شك.”
“نعم، أتّفق معك في هذا، لكن…”
حدّقت ساي ببنجامين مليًّا. كان يبدو وكأنّه يتظاهر باللامبالاة، لكنّ نظراته المتوقّعة تشبه نظرات طفلٍ ينتظر الثّناء. لذا، قالت ساي بحذر:
“همم… ما رأيك لو تركّز على أن تكون ‘وسيمًا’ بدلًا من ‘لطيف’؟ لأنّ هذا يبرز نقاط قوّتك أكثر.”
“هل ترينني وسيمًا؟”
“نعم، أنت وسيم… أليس كذلك؟”
انتهت جملتها بتردّدٍ غريبٍ دون قصد.
بالفعل، مظهره كان خارقًا في الوسامة. فقلّما تجد رجلًا بتلك الملامح الحادّة في الإمبراطوريّة.
لكن ساي لم تكن تعرفه جيدًا بعد، لذلك لم تستطع الجزم.
فـ الوسامة في مفهوم ساي لم تكن تعني المظهر فقط، بل تشمل أيضًا القوّة الدّاخليّة.
ربّما كان بنجامين يمتلك تلك القوّة، لكنّها لم ترَ ذلك بعد.
“لم أفلح في إعطائكِ الثّقة بعد، سأبذل مزيدًا من الجهد.”
كادت أن تقول له إنّ هذا مجرّد رأي شخصيّ ولا داعي لأخذه بهذه الجديّة، لكنّها اكتفت بقول:
“أنت حقًّا مجتهد.”
في الواقع، كان بنجامين رجلًا يحظى دائمًا بالتّقدير. مظهر، قدرة، خلفيّة… لا ينقصه شيء.
ولم تكن هناك أيُّ شائعاتٍ عن فساد أو خبث كما هو حال كثير من النّبلاء الآخرين.
“أدركتُ أنّ المزج بين الموهبة والجهد يُعطي نتائج أسرع.”
“رائع… إذًا، أنت تعرف أنك مميز؟”
“نعم. أعلم أنّني مميز، ولهذا أبذل جهدًا لأُصبح أفضل. وسأكون ممتنًّا لو رأتني زوجتي مميزًا كذلك.”
قالها دون أيّ لمحةٍ من المزاح، فرغم كلماته، التي بدت متواضعة. أعجبت به ساي بصدق.
“لديك موهبةٌ في قول الأشياء التي قد تكون منفّرة ولكن بطريقةٍ محبّبة.”
“وزوجتي تملك موهبةً في قول كلّ شيء وكأنّه مديح.”
تبادلا الضّحك وهما ينظران لبعضهما البعض.
‘حين أكون معه، أشعر بتوتّر لأنّه رجل، لكنّ الحديث معه مريح جدًّا في الوقت نفسه.’
رغم أنّها لم تستطع فهم كيف يتعايش التوتّر والارتياح معًا، كانت ساي تشعر بكليهما.
في الواقع، لم يكن توتّرًا بقدر ما كان شعورًا بالخفقان، لكنّها لم تعترف بذلك بعد.
مدّ بنيامين يده لها بكلّ تهذيب وسأل:
“لقد حان وقت العشاء، هل تذهبين معي لتناول الطّعام؟”
“نعم، بكلّ سرور.”
وضعت ساي يدها بخفّة على يده كما لو أنّها ذاهبةٌ إلى قاعة رقص.
“إن لم يكن لديّ خططٌ خاصّة، فسأحرص على أن أتناول الطّعام معك كلّ يوم.”
“وإن ازدحم جدولك، فلا داعي لأن تُجهد نفسك.”
“حالتي البدنيّة لم تتدهور بعد إلى حدّ أن أعجز عن الذّهاب إلى غرفة الطّعام.”
“آه، حسنًا…”
“عليّ أن أراك كثيرًا لأعتادكِ… كزوج.”
“نعم، كزوج.”
أومأت ساي برأسها، وحين وصلا إلى غرفة الطّعام، فتح الباب. فتنحّى بنجامين قليلًا كي تسبقه إلى الدّاخل وقال ببساطة وكأنّه أمرٌ طبيعي.
“السّيّدات أولًا.”
“نعم، السّيّدات أولًا.”
لم تتردّد ساي ودخلت إلى غرفة الطّعام أولًا. لم تكن تعرف تمامًا ما نوع هذا الرّجل بعد، لكن يبدو أنّ البداية معه لن تكون سيّئة.
***
رغم أنّ الذّاكرة لم تعد بعد، إلّا أنّ جراحها شُفيت، ولم تعد تُعاني من صداع، وكان جسدها في حالةٍ جيّدة.
وقد بدا أن الخدم في القصر بدأوا يلاحظون تغيّرًا في تصرّفاتها مقارنةً بالسّابق.
لكنّ التّصرف بحذرٍ شديدٍ يكاد لا يختلف عن كونها سيدةً ضعيفة، لذلك لم تنسَ ساي أن تتصرّف برصانةٍ لتحافظ على هيبتها.
ولم تكن هناك أيُّ أدلّة تتعلّق بوالدها، عدا تلك الرّسالة الوحيدة.
ما عدا ذلك، كانت حياتها الآن هادئةً على نحوٍ لم تعهده من قبل.
والشيء الوحيد الذي كان يُربك ذهنها حاليًّا…
هو تلك الأشياء الغريبة التي كان الدّوق يحضرها إليها.
“تفضّلي. شخصٌ ما أعطاني هذا، لكن لا أظنّ أنّه يفيدني كثيرًا.”
“مدّي يدكِ، إنّه ثقيل قليلًا لأحمله طويلًا.”
“كنتُ في جولة تفتيشيّة، وأصرّ أحد التّجّار على إعطائي هذا. وبما أنَّ متابعة الأوضاع الاقتصاديّة ضمن مسؤولياتي، اضطررت لشراء واحدة.”
ومنذ ذلك الحين، بات بنجامين يحضر لها أشياء، كما تفعل الأم مع صغارها.
نظرت ساي إلى تلك الأشياء المرصوفة أمامها.
كرةٌ كريستاليّة كبيرة تُشبه مقلة عين وحش.
قطعة ذهبيّةٍ بحجم قبضة اليد نُحتت على شكل حيوانٍ صغير لم تُدرك إن كان سنجابًا أم كلبًا.
مرآة يد مُرصّعة بكثافة بالياقوت الأحمر لتُشبه حبّة الفراولة.
حليّة من الماس الصّغير بحجم حبّة الفاصولياء، موضوعة في حقيبة جلديّة على شكل قرن فاصولياء.
الهدايا المعتادة بين النّبلاء عادةً ما تكون مجوهرات، فساتين، كتب، أطقم شاي، أو حُليّ.
هذه الأشياء تُعدّ هدايا بالفعل، لكن…
‘من نبرة صوته، لا يبدو أنّه اشتراها عمدًا، ولا تبدو ذات مغزى عميق… كما أنّه لا يوجد أيُّ نمطٍ واضحٍ لها…’
هل يمكن اعتبارها مجرّد لفتةٍ طيّبة؟
من الجيّد أن يُظهر الزّوج اهتمامًا بزوجته.
‘ربّما لا يملك حسًّا جيّدًا في اختيار الهدايا. لم أظنّ أنّ الدّوق من هذا النّوع.’
كلّما زاد الوقت بينهما، اكتشفت عنه شيئًا جديدًا. ولم يكن ذلك سيّئًا.
‘هل يُسرّه أيضًا أن يعرف المزيد عنّي؟ أم أنّني وحدي أشعر بالرضا؟’
كانت ساي تمسح الكرة الكريستاليّة بأصابعها وهي تحني جسدها قليلًا.
كانت تشعر بسلامٍ نادرٍ لم تعتده، لكنّ القلق تسلّل إليها.
فقد عاشت حياتها دائمًا تحت وطأة السّيطرة، لذا فإنَّ هذا الهدوء الذي لا يصدر فيه أحد الأوامر بدا غريبًا.
‘هذا هو الوضع الطّبيعي. أنتِ تعرفين ذلك. لا داعي للقلق.’
أغمضت ساي عينيها تُهدّئ نفسها.
‘لطالما قلتِ إنّك ستتغلّبين على هذا القلق. وإنّك ستقطعين كلّ قيدٍ باطل.’
ولتحقيق ذلك، كان لا بدّ من معرفة سرّ الرّسالة الّتي تركها والدها.
‘ربّما عليّ التّحدث مع الخادمات اللّواتي طُردن إلى الجناح الفرعيّ.’
لم تكن تطيق رؤيتهنّ، لكن إن كان الأمر ضروريًّا، فلا مفرّ.
‘أفكّر كثيرًا مؤخرًا… هل أمضيتُ وقتًا طويلًا بلا فعل شيء بينما كنت أستعيد صحّتي؟’
رفعت ساي الكرة الكريستاليّة إلى الضّوء، تتأمّل انعكاساته.
‘على الأقلّ، لم أشعر بالوحدة، لأنّ بنجامين كان يزورني كثيرًا.’
فجأة، انتبهت ساي إلى أمرٍ ما، فجلست مستقيمة وهي تمسك الكرة بكلتا يديها.
‘الآن وقد اعتدت على مناداته باسمه، صار الأمر طبيعيًّا جدًّا.’
الاسم، رغم أنّه ملك لصاحبه، إلا أنّ الآخرين هم من يستخدمونه أكثر.
ولذلك، كان الاسم بالنّسبة لها أشبه بجسرٍ يربطها بالشّخص الآخر.
وبينما كانت تعبث بالكرة بصمت، دخل بنجامين. وضعت ساي الكرة واستقبلته.
“بنجامين، لقد أتيتَ.”
أومأ برأسه وهو يرد:
“انتهى الاجتماع أبكر مما توقّعت، لذا أتيتُ لرؤيتكِ.”
نظر إلى الكرة الكريستاليّة الّتي كانت تعبث بها قبل لحظات. حملها بيده وسأل بجدّية:
“هل تُعجبكِ هذه؟”
لم تكن تُعجبها كثيرًا، لكنّها قدّرت جهده، فأجابت بفتور:
“إنّها… لامعة.”
همس بنجامين لنفسه بجدّية:
“لطيفٌ ولامع…”
لم تسمع ساي بوضوح، فمالت نحوه لتفهم ما يقول، لكنّه سألها مباشرةً بينما كان لا يزال يحمل الكرة.
“هناك شيءٌ أودّ إطلاعكِ عليه. هل تسمحين لي؟”
“هاه؟ نعم… بالطّبع.”
وما إن نطقت بالموافقة، حتّى رفعها بنجامين بين ذراعيه، بينما لا تزال يده الأخرى تمسك بالكرة.
أطلقت ساي شهقةً قصيرة من الدّهشة.
ضمّها بنجامين بإحكام، ثمّ وضعها على السّرير. واعتلى السّرير بدوره، ساحبًا الغطاء فوقهما.
وحين أدركت ساي ما يوحي به هذا الموقف، صاحت بخجل:
“أنا… لستُ مستعدّةً بعد!”
كانت على وشك قول إنّها لم تكن مهيّأة بعد، لكن بنجامين رفع الكرة الكريستاليّة لتراها بوضوح تحت الغطاء.
توهّجت الكرة في الظّلام، بل وتغيّر لونها تدريجيًّا مع مرور الوقت.
“اعتقدت أنّها ستبدو لطيفةً في الليل، تشبه بيضةً كبيرة لامعة. كما أنّها تتلألأ.”
أخفت ساي فمها بيدها وقد تملّكها الارتباك.
‘ساي ألان… لا، ساي ريفرستا… ما الذي كنتِ تظنّينه؟! الرّجل كانت نيّته بريئةً تمامًا!’
بالفعل، لم يكن بنجامين يومًا متسرّعًا. بل كان واضحًا أنّه سينتظر حتّى تجد هي السّكينة الكاملة.
رجل صامت، لكنّ اهتمامه متأصّل فيه.
ثمّ، وبوجهٍ غريب لم تره من قبل، سألها بنجامين:
“هل… كنتِ تتوقّعين شيئًا؟”
اشتعل وجه ساي حُمرة. فرفعت الغطاء عنها بارتباك، ثمّ أمسكت بوسادةٍ مجاورة تُخفي بها وجهها.
رآها بنجامين، وأومأ كما لو أنّه فهم حالتها.
“إن كنتِ منزعجة، يمكنكِ ضربي مرّتين أو ثلاثًا، لا بأس.”
كان هادئًا إلى حدٍّ أثار غيظها، فأجابت وهي تشدّ على الوسادة.
“إن قلتَ ذلك، فسأضربك فعلًا!”
“تفضّلي. الوسادة محشوّة بالقطن، وأنا… صلبٌ بما فيه الكفاية.”
ثمّ فرد كتفيه كأنّه يُظهر مدى صلابته.
غضبت ساي أكثر، وأمسكت الوسادة بقوّة، ثمّ ضربته بها بصمت، دون كلمات.
لكنّه تجنّب الضّربة بخفّة، وأمسك بمعصمها وهو يُميلها على السّرير بلُطف.
وفي لحظة، انقلب الوضع، فصارت ساي تحت بنجامين.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 13"