1
الفصل الأول
رفعت نيللي بصرها نحو السقف.
كان ثُريا ضخمة تتلألأ بأضوائها الباهرة، فيما جلست أمامها سيدة تبدو صارمة، ترتدي فستانًا يوحي بالفخامة والرقي.
“قلتِ إنكِ عملتِ في هذا المجال من قبل، أليس كذلك؟”
“ن-نعم، بالتأكيد!”
أجابت نيللي على الفور، وهي تهز رأسها بسرعة.
“لقد اعتنيتُ بسيدة طريحة الفراش لمدة ثلاث سنوات.”
“ولماذا أتيتِ إلى المدينة؟”
“بعد وفاة السيدة التي كنتُ أعتني بها، لم يعد لدي عمل.”
كانت السيدة هدسون، التي اعتنت بها سابقًا، تنتمي إلى طبقة ثرية في قريتها، لكن بعد أن غادر ابنها الوحيد إلى المدينة، لم يبقَ لها من يعتني بها. فكانت نيللي بالنسبة لها كحفيدة، لكن بوفاتها، اختفى كل شيء: الغرفة الصغيرة المريحة التي كانت تؤويها، والوظيفة التي منحتها قوت يومها. وكأن الابن كان ينتظر تلك اللحظة ليبيع القصر بلا تردد.
“وماذا تنوين أن تفعلي عندما تجمعين بعض المال؟”
“أحلمُ أن أفتتح مقهًى في مكان يُطل على ميناء نيودين.”
أومأت السيدة الرزينة برأسها، وقد بدا عليها الرضا.
“حسنٌ، هل يمكنكِ البدء من الغد؟”
“م-من الغد؟”
أن تُقبل في وظيفة من أول مقابلة ودون التنقل بين المكاتب؟ لو كانت جدتها الراحلة ترقبها من السماء، لقالت بفخر: “أحسنتِ يا نيللي!”
لكنها لم تجد منزلًا بعد… وبينما بدا التردد على وجهها، أضافت السيدة:
“ماذا عن بعد غد؟”
“أستطيع!”
هتفت نيللي بحماس، فابتسمت السيدة الصارمة ابتسامة دافئة هذه المرة.
“جميل، سأعطيكِ العنوان، اذهبي مباشرة إلى هناك.”
“ليس هذا المنزل؟”
سألت نيللي بدهشة، ظنّت أنها ستعمل هنا، فقد كان عنوان الإعلان يشير إلى هذا البيت تحديدًا.
ضحكت السيدة بخفة وقد بدا عليها الحرج.
“هو يعيش بالقرب من هنا.”
رغم غموض الجملة، شعرت نيللي بشيء ما يخدش أمانها.
هل هي عملية احتيال توظيف؟ لكن، الآن وهي تتذكر، لم تُذكر هوية الشخص الذي ستعتني به على الإطلاق أثناء المقابلة!
ابتلعت ريقها وسألت السيدة:
“من الشخص الذي سأقوم برعايته؟”
“ستعرفين عندما تريه، أنتِ الشخص الرابع الذي نقدّمه له.”
نهضت السيدة من مكانها، وأردفت:
“أتمنى أن تستمري طويلًا. وسأدفع لكِ أعلى أجر أسبوعي في هذه المنطقة.”
خرجت نيللي من المنزل كأنها طُردت، ممسكة بورقة صغيرة كُتب عليها العنوان:
331، شارع فيتز.
كانت الشمس لاهبة، ولم يتبقَّ سوى يومين على موعد البدء في العمل. لم يكن هناك وقت للتفكير، كان عليها أن تجد مكانًا للمبيت أولًا.
بعد يوم كامل من البحث، وجدت مكانًا للمبيت. كانت الغرفة ضيقة لا تقارن بغرفتها السابقة في قصر السيدة هدسون، ومع ذلك فالإيجار باهظ.
“ستين ديل. لا نقاش في ذلك. الفطور في الطابق الأول عند السادسة صباحًا، من يتأخر لا طعام له. العشاء عند الثامنة مساءً. هل تودين توقيع العقد؟”
لم يكن لديها خيار، فأومأت برأسها على مضض. فمع ازدحام المدينة بالباحثين عن العمل، أصبحت الغرف المناسبة نادرة كنجوم السماء.
وعليها بدء العمل غدًا. رعاية شخص لا تعرفه، لا جنسه ولا عمره.
استلقت نيللي على سريرها تتساءل:
“ليت من سأعتني بها سيدة مُسنة تملك من العمر بقية طويلة…”
حتى تتمكن من ادّخار ما يكفي لافتتاح المقهى الذي تحلم به.
في اليوم التالي، استيقظت باكرًا وخرجت، ممسكة بالورقة التي تحمل العنوان.
كان شارع فيتز يبعد نصف ساعة مشيًا على الأقدام. ومع اقترابها منه، اتسعت الطرقات، وكبرت المنازل، وخفّ عدد المارة.
عندما رأت الرقم 332 على أحد صناديق البريد، التفتت نحو المنزل المجاور. لابد أن هذا هو الرقم 331.
كان منزلًا أبيض شامخًا، يشبه قلعة صغيرة. في مقدمته حديقة عشبية صغيرة، بدا أنها مشذبة بعناية، مما يوحي بوجود بستاني خاص.
تنفّست نيللي بعمق، وصعدت درجات الباب ثم طرقت الباب:
“طَرق، طَرق.”
جاءها صوت من الداخل بعد برهة:
“نعم؟”
كان صوت رجل، لا يُقدّر عمره من نبرته.
بعد قليل، فُتح الباب ببطء، وظهر من خلفه رجل ينظر إليها بحذر. كان جميلًا، بوجه شاحب وأنف مستقيم، وتعلو حاجبه ندبة كبيرة.
ظنّت نيللي أنه البستاني، أو ربما مسؤول المنزل.
لأنها كانت ما تزال تظن أن الشخص الذي ستعتني به عجوز.
“من أنتِ؟”
سألها بنبرة منخفضة وهو يتفحصها.
“مرحبًا، أنا نيللي ماكاي، وسأبدأ عملي هنا اعتبارًا من اليوم.”
“عمل؟”
يبدو أن هذا الرجل لم يُبلّغ بشيء مما دار في المقابلة.
لم تكن نيللي تعرف حتى العلاقة بين تلك السيدة في المقابلة وهذا الرجل.
لكنها ابتسمت ابتسامة مألوفة كانت تزين وجهها دومًا مع السيدة هدسون.
“قيل لي إن من أعتني به يسكن في هذا المنزل، يعني…”
حاولت تذكر اسم السيدة التي أجرت معها المقابلة:
“السيدة جيرارد؟”
“جيرارد؟”
“أم ربما جيفرسون…؟”
“…”
“جنكنز؟”
نظر إليها الرجل بشك وكأنه يسمع هذه الأسماء لأول مرة.
“آه! السيدة جيمس! قابلتها في المقابلة…”
“السيدة جيمس؟”
قطّب الرجل حاجبيه وهمس وكأنه يحدّث نفسه:
“تصرفت من تلقاء نفسها…”
سحبت نيللي سيرتها الذاتية من حقيبتها:
“هاك، إذا ألقيت نظرة على سيرتي الذاتية…”
وأدخلت الورقة المجعدة من خلال فتحة الباب.
لكنه أبعد يدها بصرامة.
“لا حاجة لها. ارجعي من حيث أتيتِ.”
“ماذا؟”
“لا يوجد أحد هنا بحاجة إلى رعاية. قلتُ ارجعي.”
“ومن أنتَ لتحكم بذلك؟ يجب أن أقابل صاحب العمل أولًا.”
حاولت أن تلقي نظرة داخل المنزل من خلال فتحة الباب، لكنه كان أسرع منها.
“قلتُ: لا يوجد عمل.”
جذب الباب بقوة، ولم يبالِ بأن خد نيللي كان عالقًا في الفتحة!
“آه!”
صرخت وهي تخلّص وجهها بصعوبة من بين مصراعَي الباب.
“كنتُ على وشك أن أُصاب! من يفعل ذلك فجأة؟! أيها الأحمق!”
لكن لم يأتِ أي رد من خلف الباب المغلق بإحكام، رغم أن صراخها لا بد أنه وصل إليه.
“يا للوقاحة! كيف يغلق الباب في وجه إنسانة؟!”
وفجأة، انطلق نباح كلب من داخل المنزل.
“يا عديم الأخلاق! بلا ذرة تهذيب! اذهب إلى الجحيم، أيها المجنون!”
تمتمت وهي تلمس خدّها المنتفخ:
“وكأنه صاحب هذا القصر!”
راحت تضرب الأرض بقدميها غيظًا، لكن الباب لم يتحرك، وكأن في الداخل قلعة حصينة.
لن تتمكن من دخوله إلا إن حطمت الباب بفأس، وهو أمر، وإن طال الحديث عنه، فقد سبق لها أن فعلته…
لكن، ماذا عن أجر اليوم؟
لم تكن نيللي ممن يضيعون مالهم سُدى.
لذا، قررت الذهاب فورًا إلى القصر الذي أجرت فيه المقابلة لتشتكي وتشتعل غضبًا!
استقلت الترام من شارع فيتز، ولم تمضِ لحظات حتى وصلت إلى القصر.
تنفّست قليلًا لتستجمع شجاعتها، ثم طرقت الباب.
وسرعان ما جاءها صوت السيدة الرزين:
“نعم، من الطارق؟”
“أنا نيللي ماكاي، قابلتكم في المقابلة، السيدة جيمس.”
“ما الأمر؟”
قطّبت السيدة جيمس حاجبيها قليلًا، ثم استرخت ملامحها.
“عذرًا سيدتي، لكنني طُردتُ من الباب قبل أن أرى أحدًا حتى!”
قالت نيللي بنبرة تشي بوضوح أنها تعرضت للطرد.
“ماذا تقولين؟ لكنه دائمًا ما يبقى في المنزل. هل لم تجدي أحدًا؟”
سألتها السيدة جيمس بلهجة غير مستوعبة.
“بل كان هناك رجل. ظننته بستانيًا…”
“بستاني؟”
“نعم. ذلك المجنون، أقصد الرجل، قال إنه لا أحد بحاجة للرعاية، وأمرني بالعودة.”
“…”
“وبيننا شجار بسيط، وقد تسبّب ذلك لي بكدمة على خدي.”
“هو حساس قليلًا، لكن لا أظنه يضرب أحدًا…”
صحيح، هو لم يضربني، لكنني ضُربت… من الباب الأمامي!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"