لن أخدع مرتين [ 94 ]
كان تظن أنّ سبب ابتعاده عنها لا يمكن أن يكون إلا واحدًا:
‘أنا قلق… أخشى أن أفقدك في مكانٍ ما على هذا الطريق.’
‘حتى في هذه اللحظة التي نتحدث فيها… أكثر ما يرعبني هو ذلك.’
حين شعر أنّ هذا التحقيق قد يجرّها إلى خطر، فكّرت أنّه لو كان ثيـو مكانها، فإنه سيقطع كل صلة تربطهما، ويحمل العبء وحده عندما يقترب الخطر.
“وهذا أكثر ما يقلقني.”
خشيت أن يمنعها حتى من مساعدته… وثيـو كان من النوع الذي قد يفعل ذلك بالفعل.
فقضمت إيزابيلا أظافرها بقلق، وارتطم ظفرها بأسنانها محدثًا صوتًا طقطقة متتابعًا.
فقالت كاساندرا التي كانت تراقبها:
“ألستِ تظنين أنّ هذا بدأ منذ ساعدتِ ليكاردو في الاستحضار؟”
“نعم؟ هُمم… من حيث التوقيت، يبدو الأمر كذلك.”
لكن في الحقيقة، كان منذ عودتها من الأرشيف، غير أن القول إنه بدأ بعد الاستحضار لم يكن بعيدًا أيضًا.
عقدت كاساندرا ذراعيها وحدّقت في إيزابيلا.
وجهها الخالي من أي تعبير لم يُظهر ما يدور في ذهنها.
سألتها إيزابيلا بارتباك:
“لماذا تسألين؟”
لكن كاساندرا ظلت تحدق فيها بصمت، تُربّت بإصبعها على ذراعها المعقودة.
كانت دائمًا تصمت بهذه الطريقة حين تحسب شيئًا ما.
لكن… هل كان بصرها دائمًا بهذه البرودة من قبل؟
أخذت إيزابيلا تتفحّص وجهها بقلق، فإذا بكاساندرا تنطق فجأة:
“أنا… أحب ليكاردو.”
“نعم؟”
اعتراف مفاجئ؟
إيزابيلا كانت تعرف ذلك مسبقًا، لكنها لم تتوقع أن تسمعه مباشرةً من فم كاساندرا، ففُوجئت بشدة.
“لقد أحببته منذ وقت طويل… خمس سنوات؟ ثمانٍ؟ لا أعلم بالضبط.”
“آه… صحيح… هكذا إذن…”
لم تعرف إيزابيلا كيف تجيب، فاكتفت بالإيماء.
ابتسمت كاساندرا قليلًا:
“من ردّة فعلك، يبدو أنك قد خمنتِ الأمر من قبل.”
“……أسفة.”
“ولماذا تعتذرين؟ إن كان هناك خطأ، فهو أنني لم أُخفِ مشاعري جيدًا.”
لكنها في الحقيقة أخفتها بإتقان.
إيزابيلا فقط كانت تعرف من المستقبل، بفضل عشر سنوات إضافية من العمر.
تطلعت إيزابيلا إليها بقلق، غير مدركة سبب اعترافها الآن تحديدًا.
فقالت كاساندرا وكأنها قرأت أفكارها:
“تتساءلين لماذا أبوح بهذا فجأة، أليس كذلك؟”
أومأت إيزابيلا، فأطلقت كاساندرا تنهيدة طويلة.
“لقد أحببته طويلًا، وكنت بجانبه دائمًا أقدم له كل شيء… لكنه لم ينظر إليّ، بل نظر إليكِ.”
“ماذا؟!”
اتّسعت عينا إيزابيلا بدهشة أشد.
“آه، يبدو أنك لم تكوني تعلمين حقًا.”
“ذلك…”
“نعم، دائمًا تكونين في نهاية نظر ليكاردو. ألم تلاحظي؟”
“أبدًا…”
الماركيز الشاب يحبها؟
“بصراحة، غريب أنك لم تلحظي. الكل يعلم، إلا ذلك الغبي عديم الفطنة إدوارد.”
حتى جوشوا يعلم، وكذلك دايفيد.
“إذن، وثيـو أيضًا…؟”
“من المستحيل أن يجهل. هو الأشد حساسية حين يتعلق الأمر بك.”
“آه…”
رفعت إيزابيلا يدها إلى جبينها من شدة ارتباك الأفكار.
قالت كاساندرا بهدوء:
“قد يبدو الأمر مفاجئًا، لكن السبب الذي يدفعني لقول هذا لك الآن بسيط: أعلم يقينًا أن قلبك لن يهتز.”
إيزابيلا ليست من النوع الذي يغيّر نظرته فجأة لمجرد علمها أن ليكاردو يحبها.
إنها امرأة بُنيت حياتها كلها على رجلٍ واحد، هو ثيـو.
“ما أخشاه… أن يتدهور وضع حبيبك مع أسرة ماكا بسبب هذه الظروف.”
وذلك سيكون في غاية السوء.
إن هو قطع علاقته مع بيت ماكا، فلا شك أنها ستتبعه فورًا.
مصلحة كونها مستحضِرة أرواح لبيت ماكا؟
ستطويها وترميها في سلة المهملات بلا تردد.
“مؤلم أن ليكاردو يحبك، لكن لا يمكنني الوقوف مكتوفة اليدين وأرى بيت ماكا يتعرض للضرر.”
فمنذ البداية، هي اعتادت على أن تكون الطرف الذي يعطي في علاقة أحادية الجانب.
وكانت معتادة على ألم الحب من طرف واحد.
لكن ما لم تعتده… هو أن ترى من تحب يتألم بسبب ذلك.
“مؤخرًا… بدا وكأنه بدأ يعيش حقًا من جديد. ابتسامته صارت جميلة.”
لقد شاهدته يغرق في ظلام فقدان روحه لعشر سنوات.
ومحاولاته لادعاء البهجة كانت أكثر إيلامًا لمن يراه.
أما الآن، فقد صار سعيدًا أخيرًا.
“وحتى هو يعرف… أنه لا مجال له بينكِ وبين بطل الحرب.”
كاساندرا تعرف ليكاردو أكثر من أي أحد.
ذلك الرجل سينسحب بصمت، راضيًا بأن يظل الوضع كما هو دون أن يفسده.
“الجميع يعلم هذا. لكن… أن تعرفه بعقلك شيء، وأن تشعر به في قلبك شيء آخر تمامًا.”
رفعت يدها نحو صدرها وربّتت عليه، وابتسمت بمرارة.
“سأكون صريحة. أنا أغار منكِ. وربما زاد ذلك لأنني أفهم سبب وقوع ليكاردو في حبك.”
لقد أنقذت بيت ماكا، واستحضرت روحًا، وقللت من كارثة انفجار المنجم.
وسددت ضربة قاسية لفايتشي، واستعدت صداقة ليكاردو وهاسيز.
كاساندرا فكرت: حتى لو كانت هي ليكاردو، لما استطاعت إلا أن تحب هذه المرأة.
“إن كنتُ أنا أشعر هكذا… فكيف تظنين حال بطل الحرب الذي تحبينه؟”
قالت إيزابيلا مرتبكة:
“لكن كل ما فعلته من أجل ليكاردو إنما فعلته في الأساس من أجل أسرة ماكا… وذلك كله من أجل إسقاط الأمير فايتشي…”
“يعني هنا وهنا مختلفان.”
قالتها كاساندرا وهي تضرب برفق رأسها وصدرها مرة واحدة.
“جرّبي أن تضعي نفسك مكانه. تخيلي أن رجلك في موقف يتلقى فيه دعمًا من عائلة امرأة ما، ثم يُقال إن بطل الحرب قد فعل كل ذلك من أجل تلك العائلة.”
“آه…….”
تنهدت إيزابيلا.
عقلها يفهم.
تعلم أنه أمر ضروري.
لكن قلبها كان يشعر بالغرابة.
فجأة بدأت تكره قليلًا عائلة تلك المرأة، التي لا وجود لها في الأصل.
“ثم لو كانت تلك المرأة رفيقةً لكِ نجت من الحرب معكِ. وفوق ذلك عرفتِ أنها تحب ثيو.”
“…….”
“حتى لو كنتِ واثقة أن تلك المرأة لن تفكر يومًا في سرقة رجلكِ، يبقى قلب الإنسان شيئًا مضحكًا، أليس كذلك؟”
وحين قلبت الأمور بهذا الشكل، شعرت إيزابيلا أنها باتت تفهم تصرفات ثيو.
لماذا كان يتشبث بها بهذا الشكل، ولماذا كان يظهر وجهًا عديم الثقة في نفسه.
لطالما بدا لها غريبًا أنه يتصرف وكأنه شخص على وشك الرحيل، لكنها الآن فهمت.
لو كانت هي مكانه لشعرت بالقلق كل لحظة، كل يوم.
“ربما كل ذلك تراكم حتى انفجر في النهاية، مع حادثة استحضار ليكاردو.”
“هاه…….”
“طبعًا، كل هذا مجرد استنتاجات وافتراضات مني.”
قالتها كاساندرا بلهجة خفيفة، لكنها كانت تخفي قلبًا مثقلًا لا يشبه خفة كلماتها.
“سواء كان غاضبًا أو قلقًا أو مجرد مستاء… حاولي أن تحتويه.”
“شكرًا لكِ. سأجبر نفسي على مقابلته ولو مرة.”
حتى عندما ذهبت إلى المصيف عادتها خائبة لأنه رفض لقاءها، وحتى في اجتماعات الرفاق كان يتغيب.
لقد كان يتجنبها بوضوح.
كانت قد تراجعت خطوة احترامًا لرغبته في الابتعاد، لكن بدا أن الأمور لن تُحل بهذه الطريقة.
‘صحيح… تذكّري، في حياتي السابقة كم مرة مدّ ثيو يده إليّ عندما كنتُ أبعده بنفسي؟’
لقد مدّ يده إليها عشرات ومئات المرات.
وما مقدار العون الكبير الذي كان في ذلك، هي تعرفه جيدًا.
وقد حان الوقت لترد له تلك المشاعر.
“لكن بشأن شان…….”
“أوه، لا تفهميني غلط. أنا لست من النوع الذي يضيّع عمله بسبب غيرة عاطفية تافهة.”
كانت إيزابيلا قلقة قليلًا لأنها تعلم أنها بالنسبة إلى كاساندرا تمثل سببًا للغيرة.
لكن عند كاساندرا كان ثمة ما هو أهم من الغيرة.
“أنا امرأة تفرّق بين العمل والمشاعر. ثم إني لست تافهة لأكره امرأة فقط لأن الرجل الذي أحبه يحبها هي.”
صحيح أنها تغار، لكنها لم يكن لديها أي سبب لتؤذي إيزابيلا.
لأنه لا عائد من ذلك.
حتى في المشاعر، كانت كاساندرا تحسب الأرباح والخسائر.
“وفوق ذلك، هل يوجد غبية تتخلى عن صديقتها بسبب رجل لا يبادلها حبها؟”
“هاه……؟”
الآن قالت صديقة……!
“شان، قبل قليل……!”
لقد قالتها فعلًا…… صديقة!
“انتهت استشارات الحب!”
لكن قبل أن تتمكن إيزابيلا من التعليق، سارعت كاساندرا لتكميم فمها بالكلام.
“المرة القادمة، لو جئتِ تجرين معي أحاديث الحب في اجتماع العمل، أقسم أني سأقلب شركتنا رأسًا على عقب!”
قالت ذلك ثم نفخت بضجر، وفكت ساقيها المتشابكتين ونهضت.
“هيا! بسرعة، راجعي الدفاتر وتقارير المبيعات!”
ووضعت أمام إيزابيلا حزمة أوراق ثقيلة بصوت عالٍ.
كانت تتذمر وتفتح أوراقها بعصبية، لكن إيزابيلا لاحظت أن أطراف أذني كاساندرا قد احمرّت.
وكان ذلك لطيفًا جدًا.
فابتسمت إيزابيلا دون وعي، شاكرة في قلبها.
“شكرًا لكِ، شان.”
“نعم، وعليك دائمًا أن تدركي أن لديك شريكة عمل عظيمة وسخية مثلي. لذلك اعملي بجد وسدّدي لي ثمن وقتي الذي أضعته معك.”
رغم تذمرها، كان شعور إيزابيلا جيدًا.
ولو سُئلت عن أبرز فارق بين حياتها السابقة والحالية، لقالت إنه الحظ بالناس.
إذ امتلاك صديقة رائعة مثل هذه كان نعمة.
فأرسلت في سرّها شكرًا هادئًا للقوة المجهولة التي جعلتها تعود بالزمن.
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 94"