وبطبيعة الحال، أرواحها كانت تلعب مع أرواحهم جميعًا في عالم الأرواح.
ثم، عند إحساسهم بنداء إيزابيلا، ركضت أرواحها مسرعة نحو “الطريق… وبعد لحظات شعر الجميع بطاقة ليكاردو من هناك.
أرواحه الحائرة والمتلهفة لم تملك إلا أن تقترب بفضول.
ارتجف بصر ليكاردو، وفي اللحظة التالية شعر بحماس أرواح إيزابيلا وهي تقفز مبتهجة عند نهاية الطريق.
[لنذهب! لنذهب!]
أما أرواح ليكاردو فكانت مترددة.
[إنهم ينادوننا! هيا، فلنذهب بسرعة! لو ذهبنا سيكون هناك أشياء ممتعة بانتظارنا!]
عندها راحت أرواح التراب تستحث أرواح الرياح.
فلو كان ذلك طريق ليكاردو وحده، الذي بناه وحده، لما استطاعت أرواحه عبوره، ولظلت تتردد حتى النهاية.
بسبب تردده، أو خوفها منه، أو تساؤلها إن كان حقًا يريد رؤيتها.
لكن الآن… كان هناك أصدقاء يدفعونها من الخلف ويشدونها من الأمام، يخبرونها بأن كل شيء سيكون بخير، وأن الأمر سيكون ممتعًا.
التقت نظرات ليكاردو بوجه إيزابيلا.
ما كانت تفعله إيزابيلا من أجله، كانت أرواحها تفعله من أجل أرواحه.
[حسنًا! أنا قادم!!]
وفي اللحظة التي انفجر فيها نووم من الفرح، انطلقت هالة ذهبية من إيزابيلا وانتشرت في كل مكان.
امتلأت الغرفة بالضياء، وظهرت أرواحها جميعًا بعد أن استدعتها الطريق التي صنعتها بقوة انسجامها.
حتى كلاي ومعه كل الأرواح الآخرين، خرجوا إلى النور.
ثم…
“سِيلف.”
رأى ليكاردو روحه مختبئة تطل بخجل، ذلك الروح الأدنى الذي يشبه قطة، لكنه نسي نفسه حتى اختبأ خلف نووم الذي يشبه الهامستر.
حين أفلتت إيزابيلا يده، انخفض ليكاردو ببطء حتى جثا على ركبتيه.
كانت أرواحه تتردد عند الطريق، لكن التي تجرأت أخيرًا وعبرت كانت واحدة فقط…
الأكثر شجاعة، أو لعلها الأكثر افتقارًا إلى الحنان.
انبطح سبلف على الأرض، أذناه مطويتان للخلف، وعيناه تترقبان ليكاردو.
مدّ ليكاردو يده نحوه ووجهه يوشك أن ينفجر بالبكاء.
“تعال… أرجوك.”
لكن الروح ظل يراقبه في حذر، حتى ارتفعت أذناه فجأة مع الكلمات التالية:
“سبلف، أنا آسف.”
أسقط ليكاردو يده على الأرض.
“آسف لأنني جعلتكم تمرون بتجارب مؤلمة… كنت خائفًا، كما كنتم أنتم خائفين.”
وصله إحساسه كاملًا.
“هل تستطيع أن تسامح…”
“مياااوو–”
لم يكمل كلماته حتى دوى عواء طويل من سيلف.
ثم اندفع إلى جانبه، يفرك رأسه بساقه في دلال.
أنا من يجب أن يعتذر، فلماذا يعتذر سيدي؟
غريب… أنت لست غاضبًا؟ ما زلت تحبني؟
هكذا كان شعوره وهو يتقلب عند قدميه ويستلقي على ظهره في دلال طفولي.
“سبلف…”
“ميااوو–”
ما إن لمسه حتى غاص الروح بين ذراعيه كأنه كان ينتظر تلك اللحظة.
وبين أحضانه شعر ليكاردو بموجة مشاعر عجز عن وصفها.
عشر سنوات كاملة… حتى يتمكن من معانقة هذا الإحساس من جديد.
“هاه…”
أنفاسه خرجت واهنة، ممزوجة بألم وراحة وارتباك.
جلست إيزابيلا بجانبه على ركبتيها تراقبه وهو لا يعرف كيف يتعامل مع روحٍ رآها بعد غياب طويل.
“سيلف.”
رفع الروح نظره إليها وهو يصدر خريرًا رقيقًا يملأ المكان.
“هل تريد أن تحضر الأرواح الأخرى أيضًا؟”
مدّت يدها وبثّت بعضًا من طاقة التراب.
لم تغلق الطريق بعد، وظل أثر رياح ليكاردو موجودًا.
“ميااوو–”
قفز سيلف نحو الضوء الذهبي واختفى.
همست إيزابيلا:
“لو أضفت قليلًا من طاقة الرياح، ستشعر الأرواح براحة أكبر.”
أطلق ليكاردو طاقته، فامتزجت بانسجام مع طاقة إيزابيلا، واتسع الطريق.
وسرعان ما بدأت الأرواح بالظهور، واحدًا تلو الآخر.
لم يكن يلزم سوى سبلف لإقناع الجميع. بشجاعته وحنينه أوصل رسالة ليكاردو إلى البقية، فجاؤوا دون تردد.
امتلأت غرفة إيزابيلا بالأرواح. حتى وإن صغّر كلاي جسده، كان عددهم ضخمًا.
لكن لم يشتكِ أحد.
فبعد عشر سنوات من الانتظار، هرعت جميع الأرواح إلى ليكاردو.
وهو بدوره غمر كل واحد منها بالحب.
وإيزابيلا تراقبه في صمت…
إذ كان عليه أن ينتظر عشر سنوات ليحتضن أرواحه التي يحبها هكذا.
إيزابيلا استطاعت أن تفهم قلبه قليلًا.
لقد مضى أكثر من عشر سنوات لم تستطع خلالها أن تقترب من ثيو بسبب الفجوة التي بينهما.
صحيح أن علاقتها مع ثيو تختلف كثيرًا عمّا كان بين ليكاردو وأرواحه، لكن…
أن تشتاق لشيء ولا تستطيع حتى أن تشتاق إليه كما ينبغي، وتضعه في مكان لا تصل إليه يداك وتضطر للتخلي عنه… ذلك شعور تعرف جيدًا كم هو مؤلم.
لهذا السبب، حين كان ليكاردو يقضي وقته مع أرواحه، وقفت إيزابيلا تحرس ذلك المكان بصمت من غير أن تنطق بكلمة.
***
لم يُخفِ ليكاردو كونه قادرًا من جديد على الاستحضار.
كما أن الماركيزة ماكا لم تجد داعيًا لأن تكتم الأمر.
وبطبيعة الحال، اضطربت الإمبراطورية.
فقد أصبح ليكاردو ماكا، الوريث الصغير للماركيزة، من جديد روحانيًّا طبيعيًّا.
صحيح أنه لا يتجاوز مرتبة الروحاني المتوسط، غير أنّ وجود روحاني عظيم يحيط به بالرعاية أمر، وكون وريث بيت المركيز يحمل في دمه قوة الأرواح أمر آخر مختلف تمامًا.
وبالتالي اختفت تمامًا تلك الأصوات التي كانت تتساءل عن مصير الأجيال القادمة مهما كان بجواره روحاني كبير.
الجميع راح يتساءل: كيف تمكّن من الاستدعاء مرة أخرى؟
لكن ليكاردو لم يفصح.
صحيح أن ذلك كان بناءً على طلب إيزابيلا، لكنه أيضًا رأى أنه لا جدوى من نشره، بل سيكون الأمر مضرًا.
فاهتمام مفرط يتجه نحو إيزابيلا قد يشكّل خطرًا عليها، لذا آثر أن تُوجّه كل الشكوك نحوه هو.
طبعًا، المقربون منه كانوا يعرفون الحقيقة:
كاساندرا، ورفاق الحرب الثلاثة، وحتى ولي العهد هارسيز.
من كان عليه أن يعرف، علم أن إيزابيلا ساعدت كثيرًا في عودة استحضاره.
في البداية صُدموا، لكن ما إن علموا أن الفضل يعود إليها حتى سرعان ما تفهّموا الأمر.
فالكل كان يعتقد أن تلك المرأة قادرة على صنع المعجزات.
لذلك، شعر الجميع بالامتنان لها وأحاطوها بالدهشة والإعجاب.
أما صاحبة الإنجاز نفسها، فقد غرقت في همٍّ عميق.
“هيووو…”
“أوه، أراحك التنهد؟ ستهوي الأرض من تحته.”
قالتها كاساندرا ساخرة من تنهيدة إيزابيلا، وكان ذلك تعليقًا ساخرًا بحق روحانية الأرض التي تتحكم في التراب.
“ما الأمر الآن؟ هيا تكلمي.”
ثم وضعت الأوراق التي كانت بيدها على الطاولة بحدة، وشبكت ذراعيها وكأنها ضاقت ذرعًا.
“أفضي بكل ما عندك بسرعة، ولا تكتفي بآلاف التنهيدات.”
حتى ساقيها شبكتهما وهي تشير بيدها بعجلة.
“ذاك… في الحقيقة، ثيو هو…”
“آه، استشارة عاطفية أخرى؟”
نقرت كاساندرا لسانها بضيق.
“قلت لكِ مرارًا، لستُ مكتب استشارات عاطفية! لماذا دائمًا تأتين إلى مكتبي كلما كان الأمر عنه؟!”
وذلك حتى حين يجتمعون أصلًا للحديث عن الأعمال.
لكن رغم انزعاجها، حرّكت كاساندرا أصابعها مشجعة.
“تكلمي. ما بال بطل الحرب هذه المرة؟”
“إنه يتجنبني باستمرار.”
ارتفع حاجب كاساندرا بدهشة.
فهذا لم تتوقعه.
كانت تتخيل أن يكونا قد تشاجرا على أمر تافه، أو ربما أنها تفكر في نوع هدية له، شيء من هذا القبيل.
أما أن يتجنبها بطل الحرب نفسه؟ فهذا جديد.
“ما الذي فعلتِه؟ هل تشاجرتما؟”
“لا… لا أظن ذلك.”
أخذت إيزابيلا تفكر مليًّا، لكنها لم تتذكر أي خلاف بينها وبين ثيو.
بل لم تخطر لها أي واقعة قد تجعله يتجنبها.
لو كانا قد تشاجرا لكان الأمر مفهومًا، لكن أن يحدث هذا بلا سبب؟ غير منطقي.
“منذ متى بدأ يتجنبك؟”
“مرّ بعض الوقت…”
راحت إيزابيلا تسترجع الأحداث.
كانت قد شاركته في التحقيق بشأن الدوق لويد.
لكن بعد زيارتها لأرشيف دويتشلان، لم تتمكن من مقابلته بعدها.
كان عليها أن تخبره بما رأت هناك، إلا أن ما اكتشفته كان صادمًا جدًا، فاحتاجت بعض الوقت لتستوعبه.
ثم ساعدت ليكاردو في استعادة قدرته على الاستدعاء…
ومنذ ذلك الحين لم ترَ ثيو.
‘هل يُعقل أنه خلال تحقيقه في بيت الدوق لويد، اكتشف شيئًا ما؟’
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 93"