عاد وفد مملكة هيليبور الذي كان يماطل في إضاعة الوقت.
ويقال إنهم غادروا وكأن وليّ العهد قد طردهم نصف طردٍ.
عضّت إيزابيلا طرف لسانها في سرّها متذمّرة:
‘لم يتغيّر شيء، تمامًا كما في المرة السابقة.’
العاصمة والقصر الإمبراطوري، اللذان سادا فيهما الاضطراب بسبب زيارة الوفد، عادا إلى طبيعتهما شيئًا فشيئًا.
وبينما عاد الجميع إلى حياتهم اليومية، بقيت إيزابيلا وحدها منشغلة. وثيو كذلك.
قالت وهي تشير:
“لكن ما هذه القارورة؟”
أجابها:
“آه… إيدغار اكتشف شيئًا مفيدًا من جديد.”
كان يجيء بين الحين والآخر وهو يحمل شيئًا ويقول إنه يساعد في بناء العضلات أو شراب مفيد للقوة والتحمّل والتعب.
“وماذا قال هذه المرة؟”
كان يبدو وكأنّه يشتري أشياء من محتالين، ومع ذلك كان دائمًا يجلب أشياء جيدة.
وفوق ذلك، كان كريمًا للغاية، لا يأخذها لنفسه فقط بل يوزّعها على الآخرين.
“ث-ثيو! هذا لك!”
“وماذا الآن؟”
“ألم تقل إنك متعب في الفترة الأخيرة؟”
“أنا؟”
“هيا، اشرب هذا وستشعر بالنشاط فورًا!”
وبدون أي مقدّمات، ناوله القارورة مدّعيًا أنّه شراب لإزالة التعب.
“يقول إنه لإزالة التعب. واللطيف أنّه يشربه بنفسه، هذه ثالث قارورة له.”
ضحكت إيزابيلا بخفة.
كانت قد سمعت من خلال رسائل ثيو أنه دائمًا يجلب مثل هذه الأشياء، لكن رؤيته يفعل ذلك شخصيًا كان أمرًا طريفًا.
“إذن لابد أنّك الآن بلا أي تعب إطلاقًا.”
مزحت إيزابيلا، فابتسم ثيو بخفة وأسند جبهته على جبينها.
“طبعًا، وأنتِ هنا معي.”
ارتبكت من هذه الكلمات العذبة التي باغتتها، واحمرّ وجهها خجلًا.
أرادت أن تمازحه فإذا بها تقع في الفخ.
“ماذا تقول؟”
تمتمت وهي تدفعه بخفة، لكنّ وجهها كان يشتعل حمرة.
“اذهب وابحث عن الكتب.”
كانا معًا في مبنى جمعية الأرواح، وتحديدًا في المكتبة.
وأثناء ما كان يهمّ بالعودة إلى الرفوف بعد أن ابتسم لجمالها، بادره بالسؤال:
“سمعت ما قرروا بشأن الميدالية اليشمية؟”
كان فضوليًا بخصوص جائزة المسابقة.
“لا أعلم. على الأرجح تركوا الأمر للماركيز الشاب وسموّ ولي العهد.”
“وماذا عن الميدالية الذهبية؟”
“الكونت الشاب أعطاني إياها لأستعملها.”
“هل قررتِ كيف ستستخدمينه؟”
“ليس بعد.”
“ألا ترغبين في شيء معين؟”
“استعمله كما تريد. في النهاية، كل فكرة المسابقة كانت فكرتك، وأنت من بذل الجهد الأكبر.”
لم يكن لدى ثيو، الذي يكره لفت الأنظار، أي طمع في الوسام الذهبي.
وبينما يتحدثان عن الجوائز التي نالها الفائزون في المسابقة، كانا يجمعان أكوامًا من المراجع ويبحثان عن مكان للجلوس.
كانت في مكتبة الأرواح غرف خاصة يمكن استخدامها بعيدًا عن أنظار الآخرين.
ورغم أنها لم تكن تُستخدم كثيرًا لأنها أرضية الجلوس، فإنّ الستائر التي تحيطها كانت تمنح خصوصية كاملة.
استأجر الاثنان إحدى هذه الغرف وفرشا كل المراجع التي جمعاها.
“بعد كل هذا البحث، ولا نجد سوى هذا القليل! صار الأمر يثير السخرية أكثر من الدهشة.”
حتى في جمعية الأرواح التي لا تصل إليها يد العائلة الإمبراطورية، لم يكن هناك الكثير من المعلومات عن عائلة لويد.
والأدق، لم تكن هناك معلومات عن العائلة نفسها، بل عن دوق لويد شخصيًا الذي كان روحانيًا من المستوى الأعلى.
أطلقت إيزابيلا تنهيدة وهي تلمح إلى ملامح ثيو المتماسكة ثم تابعت:
“مع ذلك، وجود هذا القدر على الأقل أفضل من لا شيء.”
فهي تعلم أن الأمر بالنسبة لها تافه، لكنه قد يكون مؤلمًا له.
ثيو وبوجه هادئ على غير المتوقع، تناول كتابًا من بين الكتب.
كان عنوانه “قائمة الروحانيين في تاريخ الإمبراطورية – الجزء السادس”.
دوّن فيه جميع الأسماء منذ تأسيس الجمعية، لذا كان طويلًا جدًا.
أما الجزء السادس فكان أحدثها، لكنه كان نحيفًا مقارنة بالبقية.
اقتربت إيزابيلا منه أكثر لتتفحص القائمة معه.
“ها هو هنا.”
مدرج ضمن الأسماء المسجّلة قبل اثنين وثلاثين عامًا:
[جيرميان كرونوس فان لويد (أو الدوق الثاني عشر لعائلة لويد)، روحاني الماء.]
أُدرجت تحت اسمه تواريخ أول استدعاء له للأرواح، وكذلك تاريخ تسجيله كروحاني من الدرجة الأعلى.
وبجانب هذه السيرة المقتضبة كان هناك رسم صغير لوجهه، رجل في منتصف العمر بملامح صارمة جدًا.
تعلّقت عينا ثيو بتلك الصورة.
أما إيزابيلا، وبعد أن أطالت النظر إليها، أسندت رأسها بخفة على كتفه وقالت:
“ثيو، لقد شبّهت بأمك.”
ضحك ثيو بخفة من صراحتها.
“كثيرون قالوا إنني لا أشبه والدي أبدًا… لا في الشكل ولا في الطبع.”
“إذن لابد أن والدتك كانت شديدة الجمال.”
قالتها بنبرة مرحة وهي تلتفت إليه:
“وجميلة للغاية.”
كان ثيو يعلم أنها في الحقيقة تتحدث عنه من خلال حديثها عن أمه، لذلك اكتفى بابتسامة هادئة.
ربما من غير المناسب أن يوصف لورد مثلُه بـ جميل، لكن ما دامت هي تراه كذلك، فلا بأس.
بل لعلّه يتمنى أن تراه أجمل مما تراه الآن.
“أما الموهبة، فأنت أفضل من والدك، أليس كذلك؟ لقد استدعيت إيلّايم وأنت في التاسعة.”
والده كما كُتب، سُجّل كروحاني أعلى في الرابعة عشرة.
“ربما تأخر في التسجيل لأنه كان يجب أن يأتي إلى العاصمة، والمسافة من دوقية لويد إلى هنا كانت طويلة جدًا.”
كانت الدوقية في أقصى جنوب الإمبراطورية، ملتصقة بمملكة هيليبور.
وبعد سقوط بيت الدوق، هاجر معظم سكانها إلى أماكن أخرى.
اندلعت الحرب في المنطقة التي كانت قد خربت سابقًا، وصارت تُستعمل الآن كقاعدة عسكرية فقط.
“هكذا إذن…….”
استعادت إيزابيلا صورة دوقية لويد كما كانت في ذاكرتها، ثم عادت ببصرها إلى الكتاب.
“إذًا العاصفة المائية التي رأيتها كانت عاصفة هذا الرجل.”
غمرها شعور غريب وكأنها تدرك الأمر لأول مرة.
بعد لحظة صمت غاص فيها كلٌّ منهما في ذكرياته، كان ثيو أول من أغلق الكتاب.
“لننتقل إلى التالي.”
فالتحديق في هذا وحده لن يجدي نفعًا.
كان أمامهما عمل كثير.
وحين بدأ ثيو يتحرك بجدية، اعتدلت إيزابيلا بدورها وشرعت تفحص ما لديهم من مصادر.
ورأت أن التمسك بنفس الكتاب غير مجدٍ، فتقاسما المراجع بينهما.
جلسا جنبًا إلى جنب، يتصفحان هذا الكتاب وذاك، والمجلات والصحف بدقة متناهية.
لفت نظر إيزابيلا مقال قصير أشبه بمقالة أدبية.
ولم يكن كتابًا منشورًا رسميًا، إذ خلت صفحاته من تاريخ الإصدار.
كان تجليده رديئًا وأوراقه بالية، لكن لا بأس من حيث القراءة.
[نحس الروحانيين من المستوى الأعلى]
عنوان قاتم للغاية.
وكأن حالة الكتاب البالية كانت تجسيدًا لهذا العنوان.
[أودّ أن أحكي عن أربعة روحانيين من المستوى الأعلى. كانوا يملكون قوة هائلة قادرة على إعادة كتابة التاريخ، لكن في النهاية التهمتهم مواهبهم وابتلعت حياتهم. هذه قصة أولئك الذين كانوا أسرى لقدراتهم.]
لما بلغت هذا الحد، همّت إيزابيلا أن تغلق الكتاب.
لكنها لم تستطع بعدما وقعت عيناها على فهرس الأسماء:
[أسماؤهم كالآتي،
ألكسندر صامويل فون دويتشلان
أوفيليا
جيرميان كرونوس فان لويد
أورلاندو ماكا]
كانت هذه هي الأسماء التي تبحث عنها.
تجاوزت بسرعة القسم الخاص بالإمبراطور الحالي ألكسندر صامويل فون دويتشلان، إذ لم يكن فيه سوى تفاصيل شخصية لا غير، عن نسبه وحياته الزوجية.
والشيء المثير الوحيد كان ما يلي:
[لقد تزوج مرتين حتى الآن. وكلتا الزيجتين كانتا سياسيتين بحتتين، والعجيب أن الزوجتين شقيقتان من الدم.]
لكن هذا أمر معروف لدى الجميع في الإمبراطورية، فالإمبراطورة السابقة والحالية شقيقتان.
أما الجزء الذي شدّ انتباهها، فكان التالي:
[إلا أن المرأة التي أحبّها حقًا لم تكن أيًا منهما. لقد أحبّ أوفيليا المذكورة في هذا الكتاب. وهناك بدأت المأساة.]
وبهذه العبارة الحادة انتهى القسم الخاص بـ ألكسندر صامويل فون دويتشلان، مع إشارة في الهامش إلى أن التفاصيل في فصل أوفيليا.
وكأن شيئًا جذبها، قلبت الصفحات إلى ذلك الفصل.
[أوفيليا… لقد كانت في مركز اهتمام الجميع، لغزًا يثير الفضول.
من أين جاءت؟ كيف كان شكلها؟ تساؤلات لا تنتهي، لكن المعلومات عنها شحيحة للغاية.
اختلفت الأقوال حتى بدت كسراب لا حقيقة له.
سأدوّن هنا ما أعلمه عنها وما أراه شخصيًا من آراء بشأن حياتها.]
كان ذلك مطابقًا لما تعرفه إيزابيلا.
حتى في حياتها السابقة، كان الأمر كذلك.
فلكونها روحانيين التراب، كان الناس أحيانًا يقارنونها بأوفيليا، التي كانت الروحانية العليا السابقة لعنصر التراب.
غير أن اسم أوفيليا كان محرّمًا تقريبًا كما هو حال عائلة لويد، فلا يجرؤ أحد على ذكره علنًا.
وما يرد إلى الأسماع كان مختلفًا بين ما يقوله النبلاء وما يتناقله العامة.
امرأة غامضة لا يُعرف عنها شيء.
[أول ما يثير فضول الجميع هو أصلها.
لقد ظهرت فجأة كما لو سقطت من السماء.
لم تذكر مسقط رأسها، ولم يعرفها أحد في أي مكان بالإمبراطورية.
ولم تكن قطعًا منحدرة من أسرة نبيلة.
أما أنا، فأستطيع أن أجزم بحقيقة أصلها،
إنها المرأة التي أحضرها الإمبراطور ألكسندر صامويل فون دويتشلان معه عند عودته من زيارة لمملكة هيليبور.]
لقد أخفاها الإمبراطور عن الأعين.
ثم عرّف بها لاحقًا بعد زمن طويل من الزيارة، حتى إن الناس لم يربطوا بين الأمرين.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 82"