لأنه لم يكن من السهل عليه أن يعبّر عمّا في قلبه عادة، فقد أدركت كم كانت كل كلمة ينطق بها الآن عظيمة بالنسبة إليه.
“لذلك يا بيلا… أريدكِ أن تعديني أنّكِ مهما حدث ستبقين إلى جانبي…”
“ثيو، إيها أحمق.”
لم تدعه يُتمّ رجاءه الملحّ حتى همست إيزابيلا ببرود مصطنع:
“أنت حقًا أحمق يا ثيو.”
“……؟”
“وأين أكون إن لم أكن بجانبك؟”
وأي وعد هذا الذي يطلبه منها كأنه أمر بديهي؟
وهي التي أعادت حياتها كلها من أجله.
إنه يتصرّف كالأحمق، ويشغل نفسه بمخاوف لا لزوم لها.
“ألم أعدك من قبل؟ قلت لك إنّ مستقبلي سيكون معك.”
لقد سبق أن وعدته.
“حتى لو كان الطريق مليئًا بالأشواك، ما دمت أمسك بيدك فسأمضي به راضية، أمّا طريق مفروش بالزهور فلن يعني شيئًا من دونك.”
حتى لو اضطرّا إلى الهرب، حتى لو لُطّخت سمعته واضطرّ أن يكافح لإثبات براءته، حتى لو كان انتقامًا،
حتى لو امتلأت حياتهما شكاوى وغضبًا، أو غمرتها المخاوف بشأن المستقبل…
كل هذا لم يكن ليغيّر شيئًا، لأنّ مستقبلها بات هو ثيو.
لكنها تساءلت في نفسها، متى سيتوقّف هذا الأحمق عن الخوف من أن يفقدها؟
كانت تستاء من خوفه الدائم، لكنها بعد أن عرفت ماضيه… فهمته.
فهو رجل فقد كل شيء في لحظة واحدة، ويعرف كم هي مظلمة ومرعبة تلك الهاوية، لذلك يخاف أكثر من غيره.
وهذا ما جعلها تفهمه أكثر… لأنها هي أيضًا لا تريد أن تخسره.
وضعت إيزابيلا يدها فوق يده التي كانت تحتضن وجهها.
“حتى لو ألقيت بنفسك في جحيم النار، فسأمسك يدك وأذهب معك.”
“بيلا…”
أسندت وجهها إلى كفّه الكبير.
“لذا كفّ عن تلك المخاوف، وأغدق عليّ حبّك بدلًا من ذلك، أيها الأحمق.”
ابتسم ثيو لعتابها اللطيف ابتسامة شابتها مرارة الاعتذار ورقّة المحبة حتى ضاق طرف عينيه قليلًا،
لكن بين كل ذلك، تسلّل شعور لا يمكنه كبته… السعادة.
وكان هذا آخر حوار بينهما.
فهو لم يستطع أن يظلّ يحدّق في حبيبته من دون أن يفعل شيئًا، فغطّى شفتيها بشفتيه.
يداه التي كانت تحتضن وجهها تسلّلتا بين خصلات شعرها، وأمسكتا عنقها برفق لكن بثبات.
التقت الشفتان بإحكام كالقفل ومفتاحه، شفتان لا تعرفان إلا بعضهما ولا تريدان إلا بعضهما، تنهلان من بعضهما بلا شبع، وتناثرت بينهما أنفاس دافئة تشتبك وتختلط.
وتسرّب نور درب التبانة المشرق من النافذة ليغمرهما، وتلألأت الأساور التي كانا يتقاسمانها تحت ذلك الضوء تلمع أكثر فأكثر كأنها تتغذّى من حبهما.
لكن يا للأسف…
غرق الاثنان في بعضهما حتى لم يريا هذا النور الجميل، بينما كان نغم الأساور يوقظ نووم وناياس اللذين لم يفعلا سوى إمالة رأسيهما في حيرة.
* * *
حلّ الليل ساكنًا على القصر الإمبراطوري.
في جناح الإمبراطورة، لم يكن هناك أثر لجارية ولا حتى لحارس.
وبعد قليل، ظهرت جارية في ممرّ مظلم وفتحت بابًا جانبيًا، فدخل منه الأمير هيليبور ومعه حارس شخصي واحد فقط.
اجتاز الممرّ بصمت تام، حتى وصل إلى الغرفة التي قادته إليها الجارية.
كانت الستائر مسدلة كلّها، وأُضيئت بضع مصابيح خافتة، فجعلت المكان غارقًا في الظلال.
“لماذا تأخرت؟”
قالتها الإمبراطورة بلهجة لاذعة وهي جالسة إلى الطاولة تنتظره.
كانت مثل الأمير، لم تُبقِ سوى فارسها الشخصي معها.
أما الجارية التي قادته فانحنت بهدوء وغادرت،
فلم يبقَ في المكان سوى الاثنين مع حارسيهما الصامتين كالأشباح.
“تدعوني لرؤيتك ثم تتأخر أنتَ؟ ما هذا السلوك؟”
كانت الإمبراطورة تبدو منزعجة.
عيونها الحمراء وشعرها الأشقر البلاتيني كانا دليلًا على قرابتها بـ فايتشي.
ومن هنا عرف من أين ورث فايتشي جماله الأخّاذ.
جمال لا يوحي أبدًا بعمرها، حتى لتظنها أصغر من الأمير نفسه بفضل عنايتها الفائقة بمظهرها.
“وليّ العهد لم يدعني وشأني… لم يكن أمامي خيار.”
“لا تلُقِ اللوم على وليّ العهد. أنا أعرفك. كنتَ تحاول أن تسقيه الخمر طمعًا في أن تنتزع منه شيئًا، أليس كذلك؟”
“ذلك الرجل يتحمّل الخمر كالصخر.”
“إنه مستحضر أرواح النار. يستطيع أن يحرق الكحول في شرابه قبل أن يرتشفه، هذا أمر سهل له.”
حقًا، لم يكن صعبًا على مستحضر الأرواح أن يطهر شرابه من الكحول بنار الأرواح، ولهذا لا يسهل أن يسكروا إلا إن شاؤوا هم ذلك.
“وهل لهذا السبب كنتِ تحتسين الخمر بشراهة في ذلك اليوم؟”
تمتم الأمير بصوت ماكر وهو يقترب من الطاولة حيث تجلس الإمبراطورة.
“هاه، أيّام مضت تلك.”
نقرت الإمبراطورة بلسانها وهي ترفع كأس الويسكي إلى شفتيها.
جلس الأمير مقابلها وصبّ لنفسه كأسًا أخرى.
“إلى متى ستظلين تخدمين الإمبراطور؟ أما حان الوقت للتخلّص منه؟”
“لا تقل حماقات. أنا أعاني الأمرّين بسببه أصلًا.”
وتجعد جبينها الأنيق بقلق.
“قلتَ إن كل شيء سينتهي بعد الحرب، وأنا من أجلك فجّرت الحرب بكل ما أوتيت من حيلة.”
“هاه… كنت أظنّ ذلك أيضًا. لكن من كان يظن أن بطلًا سيظهر في صفوف جيش الماركيز ماكا؟”
أجل، لقد اندلعت الحرب بين مملكة هيليبور والإمبراطورية بسبب اتفاق سرّي بين الأمير والإمبراطورة.
فبعد أن سقط الإمبراطور مريضًا، أصيب وليّ العهد بالإرباك، إذ أُلقيت على عاتقه كل المهام دفعة واحدة، وأرهقته محاولات موازنة القوى المتصارعة، فضلًا عن تغيّرات دبلوماسية كثيرة.
فانتهزت الإمبراطورة تلك اللحظة، واستغلت الأمير لإشعال الحرب، حتى يزداد موقف وليّ العهد اضطرابًا.
حرب تشتعل فور أن يعتلي وليّ العهد العرش بعد سقوط الإمبراطور؟
من وجهة نظر مواطني الإمبراطورية الذين لا يعرفون ما حدث من قبل، لم يكن هذا فألًا حسنًا.
وبينما كانت كل قواته تُساق إلى ساحة المعركة، وكان ولي العهد يصبّ كامل تركيزه على الحرب، أعادت الإمبراطورة بناء نفوذها.
فالإمبراطور الذي كان يدعم ولي العهد، حوّل دعمه إلى جانب فايتشي.
لقد بذرَت الكثير من البذور، ولم يبقَ سوى الحصاد.
لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
لقد ظهر مُستحضر أرواح من المستوى الاعلى ينتمي إلى عنصر الماء.
ومع بروز مُستحضر الأرواح الاعلى في الفيلق التابع مباشرة لـ ليكاردو ماكا، بدأت القوى التي كانت قد تخلّت عن ولي العهد بالعودة إليه من جديد.
حتى عامة الشعب هلّلوا لذلك؛ إذ كان لتأثير لقب بطل الحرب أثرٌ بالغ.
ومع ظهور ثيو واكتسابه المزيد من القوة، بدأ ولي العهد يستعيد رباطة جأشه، وتوقفت كل مخططات الإمبراطورة.
“وفوق ذلك، تلك المرأة الترابية… هاااه…”
ومع ذلك، كان بالإمكان التصرّف بشأن ثيو إلى حدٍّ ما، لاسيما أن الكونت موتكان قد استدعى أيضًا روحًا عليا في الوقت المناسب.
غير أن ظهور مُستحضرة أرواح عليا آخرى في بيت ماكا كان أمرًا غير متوقع.
“لو كان ذلك على الأقل من نصيبنا، لكان الأمر مختلفًا. أتعلم كم أصبح ولي العهد متغطرسًا هذه الأيام؟”
لقد بات كل شيء في فوضى.
“وفي الوقت نفسه، ذلك الابن التافه منشغل برهانات سخيفة. تسك.”
لقد انتُزع منه ذلك المقعد المهم في مجلس الجمعية.
وعند ذكر فايتشي، تغيّرت نظرات الأمير هيليبور وهو يرفع كأسه.
“أظنه يعيش حياته بجدية، على الأقل من وجهة نظري.”
ابتسم ابتسامة خفيفة وهو يرفع الكأس.
“وماذا يفيد الجِدُّ إن كان بلا نتائج؟ لن أسمح لذلك الفتى بأن يحيا حياةً كحياتك.”
توقفت يده عن رفع الكأس إلى شفتيه لبرهة، ثم ابتسم بسخرية وأخذ رشفة خفيفة.
“صحيح، لا ينبغي للمرء أن يعيش عمره في ظل شخص آخر.”
ثم أطلق ضحكة خافتة ساخرًا من حياته التي لا تزال عالقة في المرتبة الثانية وفي ظل ملكٍ قوي البنية يتمتع بصحة تامة.
“هكذا فقط أُبرّر لنفسي أنني تخلّيت عن مملكتي من أجل دعمه.”
ثم مسح بإصبعه السبّابة حافة الكأس وهو يرسم ابتسامة ماكرة.
“ومع ذلك، أليس من المفترض أن يكون الابن أفضل من أبيه؟”
عند سماع هذه الجملة التي أُضيفت بهدوء، قطّبت الإمبراطورة حاجبيها.
“انتبه لكلامك، ماذا لو سمعك أحد؟”
وبنبرة غاضبة منخفضة ردّت، لكنه أطلق ضحكة ساخرة.
“ومن هنا؟ ليس هناك أحد.”
“القصر مليء بالآذان والعيون. احذر في كلامك.”
“إذًا كان ينبغي ألّا أكون هنا من الأساس.”
لم يتراجع أيٌّ منهما عن كلمته.
“مضحك حقًا، أن أرى هذا المشهد وأنا أقدّم البلاد لفتى لا يعرف حتى أنني أبوه.”
“حتى لو لم يكن ذلك، أليس من السخيف أن رجلاً جرّ بلاده إلى الهاوية يتظاهر الآن بأجواء شاعرية؟”
ضحكت الإمبراطورة بسخرية عند سماع كلام الأمير هيليبور.
ثم صمت الاثنان، وارتشفا من كأسَيهما في صمت.
لم يكن الكلام ضروريًا، فكلاهما كان يعلم أنهما يفكران في شخص واحد…فايتشي.
ابنهما.
سرّ دفين لا يعرفه حتى أطباء القصر الإمبراطوري ولا الملكي.
ففايتشي دويتشلان لم يكن ابن الإمبراطور الحالي.
قبل عشرين عامًا، عندما زار الإمبراطور مملكة هيليبور، لم يمضِ على زواجه بالإمبراطورة الحالية سوى بضعة أشهر.
الإمبراطورة التي أزاحت أختها الكبرى لتأخذ مكانها لم يمضِ على تنصيبها وقت طويل، لكنها رغبت في مرافقة الإمبراطور لتثبت مكانتها.
غير أنها هناك التقت بشخص لم يكن في الحسبان… وهو الأمير هيليبور.
رجل في مثل عمرها، بخلاف الإمبراطور الأكبر سنًّا والأكثر جفاء، كان أكثر ودًّا وأقرب إلى ميولها.
وفي بضعة أيام من الإقامة هناك، تقرّب الاثنان بشكل مفرط، وحدث ما لم يكن ينبغي أن يحدث… ليلة سرية لا يجوز لها أن تتكرر.
ومن ذلك اللقاء المحرّم وُلدت ثمرة…وهو فايتشي.
وبما أن زواجها بالإمبراطور كان حديثًا، وكانت ليالي اجتماعها به كثيرة، لم يساور أحدًا الشك.
بل إن الشبه الكبير بينها وبين فايتشي زاد الأمر رسوخًا.
“لحسن الحظ أنه ورث ملامحي.”
“لو كان يشبهني، لتركتك وأخذته معي.”
“كلام فظيع.”
ارتسمت على وجه الإمبراطورة ملامح استياء، لكن الأمير هيليبور اكتفى بابتسامة هادئة.
وحتى هو نفسه لم يستسغ فكرة أن حياته العاطفية الحرة قد تنتهي.
“بالمناسبة، تلك المرأة…”
“أي امرأة؟”
“مُستحضرة الأرواح.”
“مُستحضرة أرواح بيت ماكا؟”
***
صدمه عمري الي ماتوقعتها… فايتشي ولد الامير هيليبور والامبراطوره؟؟ واتاااتفتففف؟؟؟؟؟؟
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 77"