إذن، من الأفضل أن يطووا الأمر سريعًا ويتهيأوا لغيره.
“صدقتَ فيما قلت. فالمشاركون جميعًا لا بد أنهم متعبون، وليس من الجيد إضاعة المزيد من الوقت.”
“تقدّموا واقتربوا جميعًا.”
المكرَّمون الذين ظلوا في حالة ارتباك بسبب الجدال السابق أخذوا مواقعهم أخيرًا.
المركز الثالث، ثلاثة من سحرة هيليبور.
المركز الثاني، بيت الماركيزة مولان.
كان الفريقان قد تحمّسا من بحيرة إيزابيلا، فعادوا إلى المنافسة وصادوا أكثر.
أما دوق ديرفيس فقد انسحب.
فهو لم يكن يطمح بالفوز من الأساس، وكان واثقًا من الانتصار الساحق لبيت الماركيز ماكا، ورأى أنه قد أدّى ما عليه فتوقف عن الصيد.
الفوز بطبيعة الحال كان من نصيب بيت الماركيز ماكا.
أما جائزتا المركزين الثالث والثاني فكانتا ماليتين، حيث حصلا على عملات ذهبية من كلا البلدين المستضيفين للمسابقة.
أما بيت الماركيز ماكا الفائز بالمركز الأول، فقد حصل بالإضافة إلى الجائزة المالية على الميدالية الذهبية من الإمبراطورية، والميدالية اليشمية من المملكة.
“تهانينا، أيها نائب الماركيز ماكا.”
“أحسنت.”
“شكرًا لكم.”
ابتسم ليكاردو ابتسامة متكلّفة عند تلقيه التهاني من قائدي البلدين.
كان هذا التغيير من أثر دخول إيزابيلا إلى بيت الماركيز؛ إذ بفضلها صار يتلقى مثل هذه التهاني مرة أخرى.
قال أحدهم:
“إن كنتَ تنوي استخدام الميدالية اليشمية قبل مغادرتنا، فسيكون حسنًا لو لمّحت لنا بما ستطلبه، إذ قد يستغرق الأمر وقتًا للتحضير.”
“حسنًا.”
“وطبعًا يمكنك الاحتفاظ بها واستعمالها عند زيارتك للمملكة مستقبلًا.”
“سآخذ ذلك في الحسبان.”
كان ذلك محاولة غير مباشرة لتشجيع بيت الماركيز على زيارة المملكة، غير أن ليكاردو لم يُبدِ موافقة ولا رفضًا، واكتفى بابتسامة عابرة.
“أما عن الرجل الذي كان برفقتكم…”
“تقصد الكونت ثيو لامارتي؟”
“هل هو مستحضر أرواح من الدرجة العليا؟”
“نعم، صحيح.”
“هوه…”
أسند الأمير هيليبور ظهره إلى الكرسي متأملًا وأطلق صوتًا فيه نبرة اهتمام.
“لم يخطر لي أنه مستحضر أرواح رفيع، إذ لم يأتِ معكم لإلقاء التحية.”
لعل الأمير كان منزعجًا، أو ربما ظن أن ولي العهد أخفى قوته عمدًا.
خشيت إيزابيلا أن يتعمق سوء الفهم، فبادرت إلى التوضيح:
“على عكسي، الكونت لامارتي لا يتبع بيت الماركيز ماكا. لقد تعاونّا معه في هذه المسابقة فقط، ولأنك أردت لقاء مستحضري الأرواح التابعين للبيت، فقد جئتُ وحدي لأحيّيك.”
“أتفهم ذلك.”
لكن يبدو أن ما شغل الأمير لم يكن مسألة الانتماء.
“لقد سألت فقط بدافع الدهشة، فوجود مستحضر أرواح عنصر الماء من الدرجة العليا أمر نادر. أليس هو الوحيد من نوعه؟”
تولّى هارسيز الإجابة:
“صحيح. إنه بالفعل شخصية نفيسة.”
وأضاف فايتشي كي لا يقل شأناً:
“وهذا ينطبق كذلك على الماركيزة مولان، فهي المستحضرة الوحيدة عنصر الرياح من الدرجة العليا.”
كان يريد أن يذكّرهم إن كان لديهم مستحضر عنصر ماء، فلديه هو مستحضرة عنصر رياح.
“هاها، لا شك في ذلك. كنتُ فقط أتمنى رؤيته وجهًا لوجه.”
“عذرًا، الكونت مريض ولم يستطع الحضور.”
شعرت إيزابيلا بالارتياح لغياب ثيو، إذ بدا أن الأمير أبدى اهتمامًا غير متوقع به.
وزاد ارتياحها حين قال الأمير:
“مؤسف، لكن ما باليد حيلة. ذكْرُ مستحضر ماء من الدرجة العليا ذكّرني بالدوق لويد، ذاك الذي رافق جلالة إمبراطور قبل عشرين عامًا إلى مملكتنا.”
سرت برودة في المكان عند ذكره.
“اسمه كان… نعم، الدوق لويد. لا زلت أذكر عرضه المدهش في المدرّج آنذاك.”
رغم أن الأمير بدا غارقًا في ذكريات قديمة، إلا أن من حوله كتموا أنفاسهم.
خصوصًا ولي العهد والأمير، الذين تبادلوا النظرات القلقة.
فاسم الدوق لويد في الإمبراطورية يُعد من المحرمات.
فقد حاول اغتيال الإمبراطور، بل واستعمل الأرواح في تمرد خائن، وكان يُشتبه وقتها بتواصله سرًا مع مملكة هيليبور.
ومذ ذاك، كانت العلاقة بين الإمبراطورية والمملكة قد بدأت تسوء شيئًا فشيئًا، فذكره الآن زاد الموقف حرجًا.
قال الأمير:
“ثم إني أتذكر أن…”
فقاطعته إيزابيلا بنبرة مصطنعة:
“لعلي أقلقتُ سموّك، إذ لم تتناول إلا طعامًا خفيفًا وقت النهار في أثناء متابعة المسابقة.”
كانت تقطع الحديث عمدًا، فهي رأت أن الخوض أكثر في أمر الدوق لويد ليس في صالح أحد.
وقد وافقها معظم الحاضرين، وأبدوا امتنانهم الخفي لها.
“آه، نعم. لقد حان وقت العشاء.”
ورغم أن مقاطعتها كانت مباشرة، إلا أن الأمير لم يعبأ بالأمر.
فهو لم يجتمع بهم ليسترجع الذكريات، بل فقط غمرته لحظة حنين إلى أحداث مضت منذ عشرين عامًا، حين شهدت الإمبراطورية والمملكة الكثير من الوقائع الجسام على مستوى الدول وحتى على المستوى الشخصي.
ألقى الأمير نظرة نحو فايتشي الذي كان يحدّق به، فالتقت أعينهما، فابتسم الأمير ابتسامة ودودة.
تساءل فايتشي لوهلة عن مغزى تلك الابتسامة، ثم رد بابتسامة خفيفة من عادته، ظانًا أنها لا تعدو أن تكون مجرد إظهار للمودة.
لم يلاحظ ولي العهد تلك النظرات المتبادلة، فقال:
“إذن، سيكون عشاء الليلة مأدبة رسمية. وقد أعدّ طهاة القصر كل ما يلزم، فآمل أن تستمتع به يا صاحب السمو.”
وبهذا اختتم حفل التكريم على نحو متعجل، تاركًا خلفه جوًا مفعمًا بالحرج.
***
بينما كان الأمير هيليبور يقيم مأدبة عشاء في القصر الإمبراطوري، كانت حفلة بيت ماركيز ماكا على أشدها هي الأخرى.
لم تُقم في المبنى الرئيسي، بل في الجناح الجانبي حيث يجتمع الفرسان، وقد ضجّ المكان بالضوضاء.
“لم أرَ في حياتي هذا الكم الهائل من الأسماك!”
“يا رجل، ما هذا؟! أحقًا يُؤكل هذا الشيء الطري المتمايع؟”
فقد امتلأت الموائد بشتى أنواع المأكولات البحرية التي جلبوها من مسابقة الصيد.
قام الطهاة بإعداد بعضها مطهوًا على البخار أو مطبوخًا في الحساء، وأخرى مشوية على النيران المشتعلة.
وبهذا تمكن فرسان بيت ماكا من التهام كل ما أرادوا من ثمار البحر حتى امتلأت بطونهم عن آخرها.
وبينما كانوا يجلسون جماعات صغيرة يحتسون الجعة ويثرثرون بحماسة عن أحداث المسابقة، كانت أصواتهم العالية تتردّد في كل مكان.
أما إيزابيلا، فقد تركت تلك الضوضاء خلفها ودخلت إلى المبنى.
ورغم أنها تطأ هذا المكان لأول مرة، فإنها بفضل قدرتها على استشعار الأرض، كانت تدرك معالمه بدقة وتعرف كيف تصل إلى حيث تريد دون عائق.
طَرق…
لكن الباب فُتح قبل أن تُكمل طرقه.
فقد كان ثيو بانتظارها، وأمسك بمعصمها ليجذبها إلى الداخل.
دخل جسدها الصغير مباشرة إلى أحضانه، وأُغلق الباب خلفهما بصوت مكتوم.
“كيف عرفتِ أنني هنا؟”
“ناياس.”
“آه، صحيح.”
تمامًا كما كانت هي تضع عنده نووم لتدرك مكانه، كان هو الآخر يعرف موضعها.
سؤالها إذن كان بلا جدوى.
وبينما لا تزال بين ذراعيه، همست إيزابيلا:
“كيف حالك؟”
“تعرفين تمامًا أنني لست مريضًا بحق، فلمَ تسألين؟”
قالها ثيو بشيء من الحرج، فضحكت هي بخفة.
“الماركيز الشاب طلب مني أن أنقل إليك تحياته. لقد كان قلقًا عليك.”
كان ليكاردو يظن أن ثيو عاد مسرعًا لأنه مريض حقًا.
لكن الحقيقة أن ثيو لم يشأ الظهور أمام الجميع، وكان لابد من إخفاء السبب عنه.
“اسمع يا ثيو…”
تابعت إيزابيلا، وهي لا تزال بين ذراعيه.
“ألستَ تنوي أن تخبر الماركيز الشاب؟”
ارتجف كتف ثيو عند ذكر ليكاردو.
ولم تفطن إيزابيلا لمعنى ذلك، بل أكملت:
“مع ذلك، إنه الماركيز الشاب. وأشعر وكأننا نخفي أمرًا عنه، وهذا يربكني قليلًا.”
“…لا أدري عمّا تتحدثين.”
تنصّل ثيو بتظاهر واضح، الأمر الذي جعلها تزفر متنهّدة وتنأى بجسدها قليلًا عن صدره.
رفعت رأسها لتنظر إليه، لكنه كان يشيح بوجهه متجنبًا عينيها.
كانت تلك عادته حين يشعر بالذنب أو يوشك أن يكذب كذبة ركيكة عليها.
“ثيو…”
وضعت يديها على وجهه برفق، وأجبرته أن ينظر إليها.
“أنت وأنا، نعلم جيدًا ما هو الأمر.”
لقد مرت فترة طويلة منذ أن تحدثا عن ماضيه.
في ذلك الوقت، كان قد ترجّاها ألا تسأله، ومع ذلك كانا يعلمان في قرارة نفسيهما أن كلًا منهما يعرف.
ومنذ ذلك الحين، كانت إيزابيلا تراعيه وتسايره، بل وساعدته في هذه المسابقة أيضًا.
لكن الآن، عاد ليتظاهر بعدم المعرفة وهو لا يكفّ عن تحريك عينيه يمنة ويسرة هربًا من نظراتها.
وجدت ذلك المشهد لطيفًا بعض الشيء، فابتسمت بخفة.
“إذا لم تُرد أن تتحدث عن قصتك… فهل أخبرك أنا قصتي بدلًا من ذلك؟”
قالتها بصوت هادئ كما لو كانت تواسي طفلًا، وهي تشدّه من معصمه برفق لتجلسه إلى جانبها.
في المكان أمام المكتبة بجانب النافذة، كان ثمة مقعد واسع يكفي لجلوس شخصين معًا، مفروش ببطانية وموضوع عليه بعض الوسائد، مما جعله يبدو مريحًا للغاية.
خلعت إيزابيلا حذاءها وجلست كما اعتادت في صغرها، تطوي ساقيها تحتها.
ثم ربّتت على الموضع أمامها كي ينضم إليها.
تردد ثيو قليلًا، لكنه جلس في النهاية مقابلها.
وما إن رفع إحدى ساقيه حتى بادرت هي لتضع قدميها فوقها وتجد راحتها.
“حسنًا… من أي قصة أبدأ يا تُرى؟”
مزيج من الترقب والفرح مع لمسة من القلق بدا في نبرتها.
لكنها رغم ذلك، لم تُبدِ أي تردد في أن تفتح قلبها له وتقصّ عليه حكايتها.
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 74"