لن أخدع مرتين [ 71 ]
صحيح، كان قد سأل ذلك السؤال.
“عمري 18 عامًا هذا العام.”
كان الحوار مطابقًا تمامًا لما جرى في حياتها السابقة.
“همم، فهمت.”
كانت همهمةً كأنها حديثٌ مع النفس، لكن كل من كان حاضرًا بما فيهم إيزابيلا قد سمعها بوضوح.
“يبدو أن لسموّك اهتمامًا كبيرًا بمستحضرين الأرواح. أليس من العجيب حقًّا أمرهم؟”
عند حديث وليّ العهد، لوّح الأمير هيليبور بيده نافيًا.
“لا، ليس الأمر كذلك. لقد شعرت فقط أن أحدهم يشبه شخصًا أعرفه. لكن يبدو أنه كان مجرد وهم.”
وبما أن شكّه قد زال، تجاوز الأمير الأمر وكأنه لا يستحق التوقف عنده.
“إذن، هذان الاثنان هما الفريق الذي يثق سمو ولي العهد بفوزه؟”
فعاد إلى موضوعه الأصلي.
“نحن الاثنان ومعنا شخص ثالث. إنه في قاعة الانتظار يستعدّ الآن.”
“فريق من ثلاثة إذن. عدد مناسب تمامًا. فريقنا A يتكون من ثلاثة أيضًا. هاها.”
ثم عرّف الأمير هيليبور على سحرته الثلاثة الذين وصفهم بأنهم نخبة فريقه، وقد جاؤوا قبله ووقفوا بجواره منذ البداية.
“بالطبع لا أحد منهم قادر على مجاراتي أنا. هاها!”
ورسم الأمير بإصبعه دوائر سحرية فاشتعلت نار متأججة.
كانت النار تدور حوله كما لو كان لها وعي خاص بها.
‘حتى في حياتي السابقة كان لا يتوقف عن التباهي بنفسه.’
لم يتغير فيه شيء.
وكان من الواضح أن هدفه من استعراض قوته أمام ولي العهد هو التفاخر والتحدي.
ولم يكن هارسيز ليسكت عن ذلك.
“هاها، الأمر لا يختلف بالنسبة لنا.”
ثم ضرب بإصبعيه الوسطى والإبهام فأصدر طقطقة، وفاضت من ذراعه هالة من نار حمراء.
كانت الهالة جميلة وهي تدور خلفه، قبل أن تستدعي مخلوقًا ناريًا ضخمًا ‘إيفريت’.
إنها نار، لكنها نار تختلف تمامًا.
وتحوّل الموقف إلى منافسة مشحونة بين ورثتي المملكتين.
بمعنى الكلمة، شرر النار كان يتطاير بينهما.
نظرت إيزابيلا إلى ليكاردو وكأنها تسأله، ماذا نفعل الآن؟
أما ليكاردو فلم تكن لديه فكرة، ففضّل البقاء هادئًا.
لكن الأجواء الثقيلة انكسرت فجأة بفضل روح ولي العهد.
إيفريت الضخم على هيئة دبٍّ ناري أخذ يقترب متمايلًا، ثم مدّ رأسه نحو إيزابيلا، بل راح يداعبها كأنه يتودّد إليها.
“آه!”
تراجعت إيزابيلا للخلف تحت ثقل جسده، لكن ليكاردو أمسك بها ليسندها.
وبين ليكاردو وإيفريت، وجدت نفسها مضطربة، لكنها قررت في النهاية أن تربّت على رأسه.
فجلس إيفريت أمامها أرضًا وكأنه في قمة السعادة.
“يبدو أن روحي قد أعجبت بمستحضرة الأرواح إيزابيلا.”
“ربما لأننا كلانا مستحضرين الأرواح من المستوى الأعلى.”
قالتها إيزابيلا وهي تبتسم ابتسامة متكلّفة بعد أن وجدت نفسها فجأة محلّ ودّ من روح ولي العهد.
لكن عقلها كان مشوشًا.
فإيفريت يتصرف وكأنه يعرفها من قبل.
‘لقد رأيته فقط في آخر لحظات حياتي السابقة… وفي ذلك الحلم الغريب، الحلم الذي لم يكن حلمًا تمامًا…’
ذلك الحلم لا يزال مثيرًا للشك.
وإن لم يكن حلمًا، فما عساه يكون؟
أياً يكن، لماذا يتصرّف هذا الكائن وكأنه يعرفها؟
‘حتى في ذلك الحلم الغريب، تصرّفت وكأنك تعرفني.’
وكما في الماضي، ها هو إيفريت الخاص بـ ولي العهد يتعرّف عليها الآن.
‘هل تتذكر يومي الأخير في حياتي السابقة؟’
‘آه…’
وفي تلك اللحظة أدركت إيزابيلا الحقيقة.
إنهم يتذكرون.
الأرواح تتذكر حياتها السابقة.
‘بل العجيب هو أن أرواحي وحدها هي التي تذكرت…’
حقيقة أن عقودها مع الأرواح لم تنقطع كانت الدليل على ذلك.
حتى أول مرة استدعت فيها نووم هنا، لم يبدُ عليه أي ارتباك، بل أظهر سعادة بلقائها من جديد.
لقد تعرّف عليها على الفور.
كانت تظن أن الأمر يخص فقط أرواحها الخاصة مثل نووم وكلاي، وأنها عادت معها بالزمن.
لكنها اكتشفت أن ذلك لم يكن صحيحًا.
عادت بذاكرتها إلى جملة قرأتها في كتاب بالمكتبة قبل أيام.
「4. يُظن أن الزمن في عالَم الأرواح يجري على نحو مختلف عن الزمن في عالم البشر.」
الآن فهمت.
أنتم تتذكرون كل شيء.
شعرت إيزابيلا بغصة حنونة في قلبها.
لا أحد يعرف حياتها السابقة، إلا أن الأرواح تعرف.
وما إن خطرت لها تلك الفكرة حتى بدا إيفريت الذي يتدلل عليها مثيرًا للشفقة والحنان.
‘لا بأس…’
عانقته بشدة وأسندت وجهها على ذقنه المكسو بالفراء الناعم.
‘أنا بخير أرأيت؟ لقد صرت على ما يرام الآن.’
السبب في تودده لم يكن لأنه روح من مستوى رفيع فقط، ولا لأنه التقى بها من قبل.
بل لأنه يتذكر كيف فقد السيطرة في حياته السابقة وتسبب في إصابتها.
كان يراقبها بحذر.
ويعتذر في صمت.
‘لا بأس…’
احتضنته إيزابيلا بقوة وهي تتمنى أن تصل مشاعرها هذه إلى كل أرواح ولي العهد، لا إليه وحده.
“الروحانية إيزابيلا.”
عندما ناداها وليّ العهد، رفعت إيزابيلا رأسها.
“آه، أعذرني يا سموّك. كان فراؤه ناعمًا لدرجة أنني لم أتمالك نفسي…”
لقد عانقته علنًا بشكل مبالغ فيه.
سارعت إيزابيلا إلى ترك إيفريت. فعاد ببطء إلى ولي العهد بإشارة من يده.
لكن عينا وليّ العهد لم تفارقا إيزابيلا.
كان وجهه بلا تعبير، فلا يمكن معرفة ما يفكر فيه.
“يبدو أن روحي أيضًا قد أحبّتكِ. فلنترك اللعب للقاء قادم…”
بوووو–!
في تلك اللحظة، دوّى من الخارج صوت البوق معلنًا الاستعداد.
“فلنركّز على الصيد اليوم.”
“حسنًا يا سموّ ولي العهد.”
انحنت إيزابيلا له احترامًا، ثم خرجت مع ليكاردو بعد أن ألقت التحية أيضًا على الأمير.
وغادر سحرة الأمير الثلاثة القاعة معهم.
“أمر مشوّق.”
“بالفعل.”
أومأ وليّ العهد برأسه على كلام الأمير، واستمر الحوار والأسئلة بينهما بسلاسة.
لكن بصر وليّ العهد ظلّ متجهًا إلى إيزابيلا.
مشهدها وهي تستدعي نووم وتضعه على كتفها قبل أن تمتطي صهوة جوادها.
كيف ناولت ليكاردو قربة ماء ممتلئة.
كيف عدّلت شارة الكونت لامارتي.
كل هذه التفاصيل انطبعت في ذاكرته.
لم يُظهر ذلك علنًا، لكن نظراته كانت تحمل حيرة وتساؤلًا.
‘لماذا يشعر روحي بالذنب تجاه هذه المرأة؟’
وليّ العهد هارسيز نفسه كان مستحضر أرواح من المستوى الأعلى، لذا كان يتشارك المشاعر مع روحه.
تمامًا كما تنتقل مشاعر المستحضر إلى روحه، تنتقل أيضًا مشاعر الروح إلى المستحضر.
وبما أن العلاقة علاقة سيادة وتبعية، فالمستحضر لا يُبتلع بمشاعر روحه، لكنه يشعر بها على الدوام.
وهارسيز قد شعر للتوّ بلا شك بـ الذنب من إيفريت.
كما أنه شعر من طاقة التراب التي منحتها تلك المرأة لروحه بـ العزاء.
فهل حدث بين روحه وبينها أمر ما من قبل وهو لا يعلم؟
‘هذا مستحيل.’
ولم يكن هناك سبيل لإزالة شكّه إلا أن يسألها بنفسه.
* * *
إيزابيلا وثيو وليكاردو.
ما إن دوّى بوق الانطلاق حتى اتجه الثلاثة إلى الغابة.
كان ميدان الصيد هذا الواقع شمال أسوار العاصمة أوسع ميدان صيد في الإمبراطورية.
ملكية القصر يضم غابة وبحيرة وسهولًا بالإضافة إلى مناطق مختلفة.
ففي الأعماق توجد مستنقعات، بل وحتى أرض رملية حارة تشبه الصحراء.
ومع أن معظم هذه المناطق من صنع الإنسان، إلا أن تنوّعها يتيح صيد أنواع مختلفة من الحيوانات.
وباقتراح من إيزابيلا، قرر الثلاثة التوجه إلى الغابة.
‘هنا لن يرانا أحد بسهولة.’
كان هدفها أن يتجنّبوا أعين الآخرين قدر الإمكان.
“هل يجب أن نسعى للفوز؟”
“أليس من الأفضل أن نجرب؟”
أجاب ليكاردو وهو ينزع قفازه ثم يعيده إلى يده:
“فالمملكة والإمبراطورية لن يقبلا بخسارة المركز الأول بسهولة.”
“كم عدد مستحضري الأرواح من المستوى الأعلى بين مشاركي الإمبراطورية؟”
“باستثناء هارسيز، كلهم يشاركون…”
عدد المسجلين في الإمبراطورية حاليًا سبعة.
الإمبراطور نفسه كان أعظمهم، قادرًا على استحضار أربعة أرواح عليا في آن واحد.
لكن بما أنه طريح الفراش، فهو مستبعد.
والكونت موتكان فشل في إعادة استدعاء روحه العليا وهو الآن مسجون، فهو أيضًا مستبعد.
أما ولي العهد هارسيز، فبصفته المنظّم لم يشارك.
“إذن، بما في ذلك أنا وثيو، يبقون أربعة.”
“صحيح.”
“أما دوق ديرفيس، فطبعه لا يسمح له بالسعي إلى أكثر من دخول قائمة العشرة الأوائل.”
كان دوق ديرفيس مثل إيزابيلا، مستحضر أرواح من عنصر التراب.
قدراته مشابهة لثيو، حيث يستطيع استدعاء روحين من المستوى الأعلى، لكنه اشتهر بطباع هادئة.
شخص ينسجم مع طاقة الأرض تمامًا.
فهو يفضّل تجنّب النزاعات، ويميل إلى الدفاع عن سلام الإمبراطورية بدلًا من التنافس على المجد.
حتى في الحرب، لم يسع وراء الشهرة مثل الآخرين، بل ظلّ يحمي خط الدفاع الأخير.
وكان إيمانه أن سقوطه يعني سقوط الإمبراطورية.
وبسبب هذا الطبع، كان موقفه السياسي أقرب إلى الحياد.
بالنسبة له، السلام أهم من هوية حاكم الإمبراطورية.
ولهذا، لن يسعى لانتزاع المركز الأول في هذه المسابقة.
“أما الماركيزة مولان، فسوف تبذل أقصى جهدها في الصيد…”
تنهدت إيزابيلا وهي تتذكر إليزابيث مولان.
أول لقاء لهما كان عبر فايتشي الذي عرّفهما على بعض.
كانت إليزابيث شابة تتقارب سنًا مع إيزابيلا، ورثت بيت الماركيز في سن صغيرة.
قدراتها مقاربة لقدرات دوق ديرفيس، قادرة على استحضار اثنين من أرواح الريح العليا (سِيلايم).
لكنها كانت تبغض إيزابيلا لأنها كانت مولعة بـ فايتشي الذي غالبًا ما كانت إيزابيلا ترافقه.
وبالنسبة إليها، وجود منافسة تثير المشاكل بجانب الرجل الذي تحب كان أمرًا مزعجًا للغاية.
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 71"