“لذلك فأنا أتفهم شعورك… كون إيزابيلا تقدم على أفعال محفوفة بالمخاطر، وأنك تقلق عليها كثيرًا بسبب ذلك. أعلم أنني مهما حاولت أن أقول لك إن هذه التصرفات كانت ضرورية لنا، لبيت الماركيز ماكا، فقد لا تصدقني…”
تابع ليكاردو حديثه، لكن ثيو لم يستطع أن يتقبّل كلماته كاملة.
ظلّ يشعر أن خلفها معنى آخر، كأنها مغلّفة بغلاف يوحي بأنها من أجل الأسرة، بينما في العمق تقول “لأنني أحتاجها أنا”.
كل شيء بدأ يبدو له مائلًا عن استقامته.
عندها أدرك ثيو مصدر ذلك الإحساس بالخطر الذي شعر به حين دعاه ليكاردو لشرب الكأس قبل قليل.
ثم تبيّن له على نحو مبهم، أن الامتنان والفهم اللذين يظنهما ليكاردو مشاعره الحقيقية تجاه إيزابيلا… قد لا يكونان على حقيقتيهما.
وربما ليكاردو نفسه لم يدرك بعد حقيقة قلبه، لكن حتى لو لم يعرف الآن، فالأمر مسألة وقت لا أكثر.
بردت أطراف أصابع ثيو، وانقبضت يده على الكأس بقوة وهو يحاول جاهدًا التماسك.
قال بصوت بدا أهدأ مما كان يعتمل في داخله:
“جلالتك…”
كان صوته باردًا، على الرغم مما يشتعل في صدره.
“إيزابيلا بالنسبة إليّ… كل شيء. حتى لو كلّفني الأمر حياتي، فلن أسمح بخسارتها.”
لو كان للصوت أن يطعن، لاخترق ذلك الصوت قلب ليكاردو كالنصل.
كانت كلمات ثقيلة بالنسبة لحديثٍ عابر، لكن ليكاردو لم يجد فيها ما يثير غرابة.
“أعلم ذلك… ولهذا أقول لك هذا الكلام. نحن أيضًا لا يمكننا أن نفقدها.”
قالها بهدوء، وكأنه يشاركه الإحساس.
“أردت فقط أن أطمئنك.”
وضع الكأس الفارغ على الأرض، ورسم ابتسامة خفيفة، بدت لثيو غريبة، وكأن وراءها شيئًا لا يستطيع تحديده.
أهو مجرد وهم؟ أم أن بينهما حقًا بدأ شيء غريب يتكوّن؟
لم يعرف الجواب.
“هي بالنسبة إلينا أيضًا شخص ثمين، سنحميها ونصونها.”
قال ليكاردو هذه العبارة، ثم نهض واقفًا.
“سأسبقك إلى الأسفل، يبدو أن هناك أمرًا طارئًا.”
رمق العمال الذين بدوا في هرج ومرج أسفل الجبل، فأسرع بخطواته مبتعدًا.
“إن أردت أن تبقى وتشرب المزيد، فلا بأس. انزل بهدوء حين تنتهي.”
ترك المكان، وبقي ثيو ينظر إلى الكأس الفارغ الذي تركه خلفه، فيما ترنّ في رأسه آخر عبارة قالها ليكاردو.
‘سنحميها ونصونها.’
لو أخذها بظاهرها، فهي جملة مناسبة لوريث أسرة النبيلة يعلن التزامه بحماية مستحضرة الأرواح التابعة للعائلة.
لكن ما أزعج ثيو لم يكن المعنى، بل تلك الكلمة الصغيرة:
‘نحن.’
تلك الكلمة خدشت أعصابه بشدة، حتى بلغ به التوتر مداه.
تحطّم الكأس بين أصابعه بصوت حادّ.
تطاير الزجاج، وانغرست الشظايا في يده، فتدفّق الدم حتى تناثرت قطراته على الأرض.
أسرع ناياس نحو ثيو ليضمد جراحه في هلع، لكن ثيو لم يشعر بأي ألم.
فالريح التي صفعت قلبه بمخالبها كانت أوجع بكثير.
“لماذا… لماذا ليكاردو بالذات؟ ولماذا إيزابيلا؟’
كان ذهنه غارقًا في فوضى، منذ الحوار الذي دار بينه وبينها من قبل.
وجاء اعتراف ليكاردو ليصبّ الملح على الجرح.
مهما حاول أن يقنع نفسه بأن مخاوفه لا أساس لها، كانت الريبة تتسلّل من بين ثغرات قلبه.
كان يوشك على الاختناق من شدة الضيق.
فـ أصله فرض عليه قيودًا، وإيزابيلا أصبحت بالفعل مستحضرة أرواح تابعة لبيت ماكا، ثم جاءت مشاعر ليكاردو لتشتعل في قلبه.
عقدة لا يمكن حلّها.
حتى بعدما أنهى ناياس إسعافه، ظل الدم يتقطّر من أصابعه، حتى كوّن بركة صغيرة تحت قدميه.
وبقي ثيو واقفًا في مكانه لا يحرّك ساكنًا، فيما كانت عينان تراقبانه بصمت.
جوشوا.
الذي كان قد استمع إلى كل كلمة تبادلاها.
تلألأت عيناه الرماديتان بلمعان غريب، لم يلحظه أحد.
***
عاشا إيزابيلا وثيو أيامًا مشوبة بالحرج.
لم يحدث لها أمر كهذا منذ أن كانت في التاسعة من عمرها.
صحيح أنها في حياتها السابقة مرّت بما جعل علاقتها بسبب فايتشي تتصدّع تمامًا، وذكريات العجز عن الاقتراب منه رغم رغبتها لا تزال حاضرة في ذهنها.
لكن أن يتجنّب كل منهما الآخر عمدًا… كان هذا جديدًا عليها.
‘لا بد أن نتصالح… ولكن كيف؟’
ثم جاءها الجواب في قلبها:
‘لا أستطيع أن أوافق على ما يريده.’
كل ما يطلبه ثيو هو أن تكف عن الأفعال الخطيرة.
لكن بالنسبة إليها، تلك الأفعال هي مواجهتها لفايتشي.
وأن يقول لها لا تقاوم فايتشي، يعني أن تقف مكتوفة الأيدي، وترى الفخ الذي سيجرّهما إلى الهاوية يُنصب أمامهما.
‘لن يفهم ذلك أبدًا.’
فهي تعرف كيف انتهى بهما الحال في حياتهما السابقة، لذلك لا تستطيع أن تتوقف.
لكن ثيو ظل يهرب منها، يراوغ اللقاء كلما استطاع.
“لو كان الهروب يحل المشكلة، لهربت أنا أيضًا.”
لكن ما إن يهربا إلى بلاد بعيدة، فسيظلان مطاردَين من قبل فايتشي.
بل حتى لو خرجا من البلاد، سيقضيان عمرهما فارَّين دون راحة.
“وفوق هذا… كيف أترك المكان وأنا أعلم تمامًا ماذا سيفعل ذلك الوغد بأهل هذا القصر؟’
هي من رأى ولي العهد يُقتل أمام عينيها.
هي من شهدت سقوط بيت ماكا.
هي من عرفت أن الخيانة دبّت حتى في صفوف الثلاثي المقرّب.
وفوق ذلك… السير كارتر وسارا وكاساندرا…
كان لدى إيزابيلا الآن أشياء كثيرة ترغب في حمايتها.
كانت تظن أنّ وجود ثيو وحده يكفيها، لكنّ الأمر لم يعد كذلك.
هناك روابط نشأت وعلاقات ثمينة لا يمكنها تجاهلها.
ثيو بلا شك أغلى ما في حياتها، غير أنّ إيزابيلا أرادت أن تحمي الجميع أيضاً.
رأت أنّ هذه هي مهمّتها التي عادت من أجلها إلى الحياة السابقة، والمعركة التي لا يقدر أحد سواها على خوضها.
غير أنّ ثيو لم يتفهم ذلك، وهذا ما جعل صدرها يضيق.
“هاه…”
تنهدت بعمق، ممتلئة بالضيق، فالتفتت إليها كاساندرا بنظرة جانبية.
“ما بك؟ لماذا تجلسين هناك كزهرة ذابلة؟”
سألتها وهي تدفع بدفتر المبيعات المرتب إلى جانبها.
“الأعمال تسير بأفضل حالاتها، فما الذي يجعلك مكفهرّة؟ صرتِ تجعلينني أتوتر معك!”
فقد حظي مشروعهما لتجارة الأدوات السحرية بشعبية كبيرة.
كانتا تتوقعان في البداية أن تتعثر المبيعات، وأنّ النجاح سيحتاج إلى دعاية وجهد كبير، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً.
فمنذ اللحظة الأولى طُلبت المنتجات كلها ونفدت بسرعة.
بلغت شهرتها حدّ أنّ بعض الأدوات المباعة ظهرت مجدداً في مزادات السوق السوداء.
لكن تلك الموجة لم تدم طويلاً، إذ أحسنت كاساندرا تنظيم الكميات المطروحة في السوق حتى لا ترتفع الأسعار في المزادات.
فما دام بإمكان الناس الحصول على الأدوات مجدداً بأسعارها الطبيعية، لمَ يدفعون أموالاً طائلة في مزاد؟
وكان سرّ النجاح يعود كله إلى إيزابيلا.
الفتاة التي أذلّت النبيل الجشع الكونت موتكان، وأذاقته طعم الهزيمة رغم كونها من العامة.
لقد اعتبرها الناس رمزاً لتمرد العامة ونجاحهم على النبلاء.
أليس هذا أعظم انقلاب في المصير؟
ثم إنّ فكرة أنّهم قد يحصلون على شيء من قوتها دفعتهم للوقوف في طوابير من أجل شراء أدواتها.
وما إن بدأ بيع الأدوات حتى ازدادت شعبيتها أضعافاً، إذ وجد الناس أنّها مفيدة بالفعل وليست مجرد دعاية فارغة.
قد صدرت آراء سلبية بالطبع، مثل أنّها أضعف من الأدوات الروحية أو أنّ سعرها مبالغ فيه مقارنة بالقوة الكامنة فيها.
لكن تلك الآراء لم تكن سوى أصوات حسد وغيرة أمام النجاح الساحق للمشروع.
فالواقع أنّ الأدوات حققت ثورة، إذ صار بإمكان المرء إنجاز عمل يومين في نصف يوم فقط، ومن ذا الذي يكره ذلك؟
بل إنّ بعضهم تقدّم بعروض لشراء كميات ضخمة دفعة واحدة.
ومع ذلك، كانت صاحبة هذا النجاح إيزابيلا تجلس تتنهد بحرقة ما أثار استغراب كاساندرا.
“في الحقيقة… عندما ذهبتُ إلى المنجم تشاجرتُ مع ثيو.”
“يا إلهي! إن كانت لديك مشاكل عاطفية، فاذهبي إلى نقابة الخاطبين أو وكالة العلاقات، فهذا المكان ليس عيادة حب!”
ما إن بدأت إيزابيلا الحديث حتى أطلقت كاساندرا لسانها متذمّرة وكأنّها تندم على السؤال.
لكنها أضافت بعد لحظة:
“على كل حال، تكلّمي. ففهم الحالة النفسية للشريك من أهمّ صفات رجل الأعمال، أليس كذلك؟”
كانت عادة كاساندرا أن تتظاهر بالرفض ثم تُصغي في النهاية، وإيزابيلا تعرف ذلك جيداً، لذلك لم تُبدُ أي انزعاج وبدأت تحكي قصتها.
أخبرتها لماذا لم تُطلع ثيو على ما جرى في مقرّ الجمعية، وما دار بينهما بعد حادثة انفجار المنجم متجنّبة التفاصيل الشخصية ومختصرة في عرض وجهة نظرها.
“أنا لا ألوم ثيو، لو كنت مكانه لفعلت الشيء نفسه وحاولت منعي. لكن لا يمكنني أن أوقف كل شيء لمجرّد أنه طلب ذلك.”
“همم…”
على خلاف ما قالت سابقاً، استمعت كاساندرا بجدية لكلامها.
“أليس من المضحك؟ أتشاجر مع ثيو فقط لأجل أن أحمي مستقبلي معه.”
“لا تُعطي الشجار أكثر مما يستحق. فالعلاقة بين اثنين تُبنى بالمناقشات والخلافات حتى يكتشفا اختلافاتهما ويتعلّما كيف يلتقيان في منتصف الطريق.”
قالتها بنبرة خفيفة لتواسيها، ثم أضافت:
“وبالمناسبة، كنت أفكر في شيء منذ فترة… لماذا تحاولين أن تفعلي كل شيء وحدك؟”
“أنا؟!”
“نعم. منذ أول مرة رأيتك فيها وأنت تبدين وكأنّ شيئاً غير مرئي يطاردك ويدفعك إلى الاستعجال.”
“…….”
“صحيح أنّك تحسّنتِ مؤخراً، لكن ما زال فيك هذا التوتر.”
لم تجد إيزابيلا ما تردّ به، لأنها تعلم أنّ كلامها صحيح.
صحيح أنّها تخلّصت من ماضيها بعد لقائها بليكاردو في سباق الخيل، لكنها ما زالت مشغولة بالقلق على المستقبل.
“ماذا لو كان ذلك لأنني… أعرف ما سيحدث في المستقبل؟”
“ما هذا؟ هل أنتِ عرّافة؟”
—
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 55"