‘بسبب ذلك، فإن ثيو يعاني هو الآخر معاناة ليست بالهيّنة.’
من أجل ثيو الرقيق القلب، ومن أجل أن لا يقع ليكاردو فريسة للاكتئاب تحت وطأة الذنب، لم يكن بوسع إيزابيلا أن تسمح لأجواء بيت الماركيز الذي بالكاد استعاد حيويته أن يغرق في الكآبة مجدداً.
بعد أن اجتازت قرى كثيرة، وعبَرت أراضي قاحلة، وقطعت شعاب الجبال ليل نهار، وصلت إيزابيلا أخيراً إلى المنجم.
ومنذ أربعة أيام لم تأخذ راحة تذكر، إلا لحظات قليلة كانت توقف فيها جوادها ليلتقط أنفاسه.
“هاه؟ إيزابيلا! ما الذي جاء بك إلى هنا؟”
وكان أول من استقبلها عند وصولها إلى موقع المنجم هو جوشوا الذي كان منذ الصغر يلازم ليكاردو كظله وسكرتيره، فاعتاد أن يرافقه حتى في مثل هذه الرحلات.
“السير جوشوا!”
ما إن وقعت عيناها عليه حتى قفزت من على ظهر جوادها قبل أن يتوقف تماماً، وسلمت لجامه بعجالة إلى أحد صبيان الإسطبل، ثم هرولت باتجاه جوشوا.
لكن استعجالها جعلها تلتوي قدمها وتسقط إلى الأمام.
$احترسي!”
أسرع جوشوا إلى تلقفها بكلتا يديه.
فما كاد يثبتها حتى انهالت عليه بأسئلة متلاحقة دون أن تملك وقتاً لتستعيد توازنها:
“أين السيّد الشاب؟ ماذا عن المنجم؟ متى وصلتما؟ لم يحدث شيء بعد، أليس كذلك؟”
كان واضحاً لأي سامع أنها في حالة انفعال شديد، حتى بدت أنفاسها المتقطعة كأنها على وشك أن تدخل في فرط تنفس.
“اهدئي يا إيزابيلا.”
قال جوشوا وهو يبعد يديها المتشبثتين بذراعيه، ليضع كفيه على كتفيها برفق.
“تنفّسي ببطء… هكذا، أحسنتِ.”
لقد رأى مشاهد مشابهة مراراً لدى الجنود الذين أصابهم الذعر بعد أن عاينوا مشاهد صادمة، فتعامل معها برباطة جأش.
ومع نبرته المطمئنة أطلقت إيزابيلا زفيراً طويلاً، مدركةً كم كانت قد استنزفت نفسها في رحلتها المحمومة.
فالمسافة التي تقطع عادةً في أسبوع كامل اجتازتها هي في أربعة أيام فقط.
ناولها أحد العمال ماءً فبللت حلقها، ثم سألها جوشوا:
“ما الأمر؟”
غير أنّها لم تجب، بل عاجلته بسؤال آخر:
“أين هو السيّد الشاب؟”
لم يكن ممكناً أن تشرح له ببساطة ما الذي يقلقها، ولا أن تجزم إن كان ما يجري مجرد حادث عرضي كما يحدث دوماً في المناجم، أم مكيدة دبّرها فايتشي.
فلا يمكنها أن تقول له جزافاً إن المنجم سينهار قريباً.
“يبدو أن الأمر خطير ما دمتِ أتيتِ مسرعة هكذا، أليس كذلك؟”
هزّت رأسها بالإيجاب.
“لكن مقابلته الآن صعبة بعض الشيء…”
قال جوشوا وهو يوجه نظره نحو المنجم.
تبعت إيزابيلا عينيه فارتجفت وسألته:
“هل دخل؟”
“نعم. مضى على دخوله قرابة نصف ساعة. أظن أنه سيخرج بعد ساعة تقريباً، فهل… إيزابيلا؟”
كان يهمّ أن يقودها إلى مكان تستريح فيه، لكنها فجأة جثت على ركبة واحدة.
دوّى صوت الصخور وهي تهتزّ، وظهرت خلفها عشرات الكائنات الروحية.
عشرات من نووم ومولدن وحتى كلاي لم يظهر فرداً واحداً بل أكثر من واحد.
“ثلاثة…؟”
في الإمبراطورية لم يُعرَف من يستدعي أكثر من أربعة أرواح عُليا سوى الإمبراطور نفسه، أمّا ولي العهد فكان يستدعي ثلاثة فقط.
وها هي إيزابيلا تكشف فجأة أنها تضاهي ولي العهد في قوتها.
لكن لم يكن هناك وقت لمثل هذه المقارنات.
“تفرقوا وابحثوا.”
وبكلمة واحدة تلاشى أكثر من عشرين روحاً في باطن الأرض.
وارتفعت حول إيزابيلا هالة ذهبية أشبه بسَرابٍ ممزوج بغبارٍ لامع تدور حول جسدها وتصلها بالأرض.
كانت كأنها جنية من جنائن الأرض، متصلة تماماً بكيانها العميق.
العمال وجوشوا انبهروا بمشهدها، فلم يصدقوا أن تلك الأصابع النحيلة الملامسة للتراب تُحرّك تلك القوى الهائلة تحت الأرض.
لكنها، وقد أغمضت عينيها، لم يعد في وعيها سوى البحث.
فإن كان الصدع طبيعياً فلن تتأثر طاقة الأرض.
أما إن كان صدعًا مفتعلاً، فستدركه حتماً.
[تشييك!]
[كُووو؟]
[أعرف… أعلم أن كل هذا بفعل البشر، لذا يصعب التمييز. لكن تفقدوا جيداً.]
أخذت الأرواح تتذمر من صعوبة التفرقة بين ما حُفر طبيعياً وما أحدثه الفأس أثناء الحفر.
وكانت محقة في شكواها، فالمناجم بطبيعتها مواضع محفورة باليد، يصعب أن تجد فيها موضعاً لم تمسّه الأدوات.
ومع ذلك، لم تيأس إيزابيلا، بل ركّزت بعناية وفحصت كل شيء بدقة.
أعمال التعدين وإن كانت تُجرى بأسلوب منظّم، إلا أنّ لها نمطًا ثابتًا أيضًا.
فإن كان فايتشي قد أحدث صدعًا، فلا بدّ أن يكون في ذلك النمط انتظامٌ قد اختل.
[تشييك!]
[كُووو……]
واصلت الأرواح بعضها صاخب كننوم ومولدن، وبعضها صامت كـ كلاي، عملها دون توقف.
لكن المنجم واسع إلى حد أن تمشيطه كان أشبه بالبحث عن حبة أرز في صحراء.
فبدّلت إيزابيلا طريقتها.
[ابحثوا عن نائب الماركيزة بدلاً من ذلك.]
لقد ذهب ليكاردو ليتحقق من ذلك الصدع.
إذن يكفي أن تفحص الأرواح الأرضَ حول المكان الذي توجّه إليه.
فالبحث عن ندوب الصخور في مناجمٍ ممتدة أقل فائدة من البحث عن ليكاردو الذي تعرفه الأرواح.
[فتّشوا كل فرد بلا استثناء.]
لكن ذلك لم يكن بالأمر الهيّن.
ففي داخل المنجم وحده أكثر من مئة رجل.
غير أنّ الأرواح كما هو متوقع لم تلبث أن عثرت على ليكاردو.
خطوات مألوفة، هالة يعرفونها.
وفوق ذلك، فإن لـ ليكاردو أصلاً ألفة مع الأرواح يسهل عليهم استشعارها.
[وجدتـ…]
كادت إيزابيلا أن تُبدي فرحتها بتقرير الأرواح، لكنها فجأة اتسعت عيناها.
تصلّبت كتفاها وقفّ شعرها.
صدع.
[تِق! تِق!]
[كُوووو!!]
كان الأمر غير طبيعي.
الأرواح الأرضية أدركت على الفور وجوداً دخيلاً شاذاً.
فقد علا ضجيج نووم ومولدن عند إحساسهم بجسمٍ غريب في أعماق التربة.
“على الجميع الإخلاء فوراً!”
قفزت إيزابيلا واقفة.
“إيزابيلا؟”
رفع جوشوا حاجبيه بدهشة وهو يراقب ما تفعل.
“أصدروا أوامر الإخلاء حالاً! أخرِجوا الجميع من الداخل بلا تأخير!”
وفي اللحظة نفسها خطفت خوذة من عامل كان قد خرج للتو من المنجم وأزاحها عن رأسه.
“سأستعيرها!”
وبينما كان العامل يرمش بدهشة وقد سُلبت معداته فجأة، كانت إيزابيلا قد بلغت مدخل المنجم.
“إيزابيلا، إلى أين؟ وما معنى هذا الكلام عن الإخلاء؟!”
“أرجوك! أعلنوا الإخلاء وأخرجوا الجميع!”
صرخت وهي تندفع إلى الداخل:
“هذا المكان سينهار!”
كلمة كفيلة بأن تُرعب كل عامل منجم.
فما إن سمعها الرجال حتى تجمدوا في أماكنهم.
وفي تلك اللحظة صاح جوشوا من ورائها بعينين متسعتين:
“إن كان هذا صحيحاً، فلماذا تدخلين إلى هناك؟! إنه خطر—!”
لكن صوته لم يبلغها.
توارَت عن ناظريه في لمح البصر، كأنها تمتلك سرًّا خفيًا يجعلها تركض بسرعة خارقة.
“اخرجوا جميعاً!”
“هاه؟”
“قلت لكم اخرُجوا حالاً! هذا المكان على وشك الانهيار!”
وقف العمّال مذهولين أمام امرأة ظهرت فجأة تهتف بتلك الكلمات.
وزاد ذهولهم حين دقّ جرس الإنذار.
فهو صوت سحري مدوٍّ يدوّي في أرجاء المنجم كلّه عند الطوارئ.
فتعالت همهمات العمّال، بعضهم متذمّر وبعضهم مرتاب، لكنهم مع ذلك تحركوا واحداً تلو الآخر.
أخذوا يصطفّون في الممرات الضيقة متجهين إلى الخارج.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 50"