سألتها كاساندرا التي كانت تساعد إيزابيلا في صنع أداة الأرواح، بصوت بدا عابرًا في ظاهره، لكنه كان جادًّا في مضمونه.
أبدت إيزابيلا للحظة تعبيرًا حائرًا وكأنها لم تفهم المقصود، ثم سرعان ما أدركت ما تشير إليه كاساندرا.
“تعنين الدواء؟”
“نعم، ذاك بالضبط.”
كانت تسألها عن سبب ادعائها أمام ثيو ورفاقه أن ما أعطته لكارتر كان مالًا، وليس دواءً.
“ألا تعرفين السبب فعلًا؟”
“في الحقيقة أظن أني أعرف، لكني أردت سماعه منك مباشرة.”
تحدثت كاساندرا من دون أن تنظر إلى إيزابيلا، وأضافت:
“الآن وقد أصبحتُ شريكة في كذبتك، أليس من العدل أن تشرحي لي الأمر؟”
“ما تفكرين به صحيح.”
أجابت إيزابيلا وهي تعيد بصرها إلى ما كانت تعمل عليه:
“ليس من الضروري أن يعرف الجميع الحقيقة.”
فكشف أن الأمر كان دواءً يعني فضح أسرار كارتر الشخصية.
“ثم إن كارتر ليس عدوًّا عامًا لا بد من القضاء عليه…”
خفضت صوتها شيئًا فشيئًا، وبدأت يدها التي تمسح الأداة تبطئ حركتها، قبل أن تضيف بجدية:
“أنا أفهم تمامًا شعور من يرغب في حماية شيء عزيز عليه بكل ما يملك.”
في حياتها السابقة، كان ثيو قد حماها بتلك الروح ذاتها، وفي حياتها الحالية سيفعل الأمر نفسه.
والآن، إيزابيلا بدورها كانت ستفعل أي شيء لحماية ثيو.
فقد خبرت ألم فقدانه، ولذلك كانت الخسارة هذه المرة أمرًا تخشاه أكثر من أي شيء آخر.
كانت تدرك تمامًا إحساس العجز الذي يعيشه كارتر الآن؛ ذلك الإحساس حين تشتعل الرغبة في إنقاذ من تحب، لكنك تفتقر إلى القدرة على ذلك.
مقيد بسلسلة ثقيلة اسمها فايتشي، يتألم ولا يستطيع الإفلات، ويعيش كل لحظة بابتلاع الخوف والمهانة، في حياة بائسة حدّ أنك لا تستطيع أن تدير ظهرك لمن يعانيها.
“كل مرة أراكِ فيها، أزداد اقتناعًا بأنك غريبة الأطوار.”
“أهكذا ترين؟”
“أحيانًا تتصرفين بذكاء لافت، وأحيانًا أخرى تنساقين وراء عاطفتك تمامًا.”
لم تكن إيزابيلا تتحرك بلا حساب، لكنها بالفعل كانت تستند إلى مشاعرها في كثير من قراراتها.
حتى هدفها في إسقاط فايتشي انبثق من مشاعر الانتقام والكراهية، وحرصها على حماية ثيو كان بدافع الحب.
بل وحتى مساعدة بيت الماركيز ماكا أو اختيار كاساندرا شريكة في العمل، كان مدفوعًا بالامتنان المتوارث من حياتها السابقة، ولو أن هناك أسبابًا منطقية أيضًا، لكنها كانت دائمًا تبني قراراتها على أساس عاطفي.
“الإنسان إن لم تحركه المشاعر، فأين يجد إنسانيته؟ التفكير بالعقل وحده لا يكفي.”
“أعجبني الأمر فحسب. فشخص مثلك تحكمه العاطفة إلى هذه الدرجة، كان من المفترض أن يتخذ قرارًا أحمق على الأقل مرة واحدة، لكنك لا تفعلين.”
أطلقت كاساندرا عبارة مدح نادرة، وكأنها لم تدرك أنها تمدح.
‘لقد اتخذتُ ما يكفي من القرارات الحمقاء في حياتي السابقة.’
خشيت أن تفضح ابتسامتها نفسها، فسارعت لتغيير الموضوع:
“إذًا أنت الآن تقولين إن كل قراراتي كانت حكيمة، أليس كذلك؟”
“ها أنتِ تعودين إلى التفاخر بسرعة.”
نقرت كاساندرا بلسانها نادمة على فتح الحديث.
فأتبعت إيزابيلا بمزاح:
“وهذا يعني أن قراري أن نصبح صديقتين كان قرارًا حكيمًا أيضًا، أليس كذلك؟ إذًا يا شان، ما رأيك أن…”
“ناوليني ما انتهيتِ من صنعه.”
“تشيه…”
قطعت كلامها قبل أن تكمله.
ناولتها إيزابيلا وهي تتمتم بضجر جميع أدوات الأرواح التي صنعتها اليوم.
“ثمانية قطع. كان يمكنني صنع المزيد، لكن لديّ أمر آخر عليّ الذهاب إليه اليوم.”
“وما كل هذه الانشغالات؟”
“غدًا اجتماع جمعية مستحضرين الأرواح أليس كذلك؟”
“أه، نسيت أن الوقت حان.”
ألقت كاساندرا نظرة خاطفة على التقويم المعلق على الحائط.
“أرجوكِ اهتمي بالأمر، فهذا يوم يتوقف عليه مستقبل عملنا.”
“ألم يقل ولي العهد إنه سيدعمك؟ إذًا انتهى الأمر لصالحك.”
كان من المقرر أن تؤول الغلبة في الاجتماع إلى فصيل ولي العهد.
أما فايتشي، فلطالما كره أن يتعاون رجاله فيما بينهم، إذ كان يظن أن اتحادهم يجعل السيطرة عليهم أصعب، ولهذا بغيابه يصبح أتباعه في حالة فوضى، في حين أن أنصار ولي العهد سيقفون صفًا واحدًا، مما يجعل النصر شبه محسوم.
“على أي حال، بما أن مقعدك في الجمعية انتزعته من الأمير، فاستفيدي منه إلى أقصى حد.”
ابتسمت كاساندرا وهي تتذكر الضربة القاسية التي وجهتها لفايتشي، ثم قالت:
“واحذري، فقد يفعل ذلك المجنون شيئًا متهورًا، لذا خذي هذا معك.”
ناولتها صندوقًا طويلًا كان موضوعًا على طرف المكتب.
فتحت إيزابيلا الغطاء وأطلقت ضحكة قصيرة:
“كيف لي ألا أحبك يا شان وأنتِ تفعلين هذا؟”
كانت هدية صغيرة لكن لفتتها لم تخفَ عليها؛ كان ذلك خنجرًا صغيرًا يصلح لأن تحمله إيزابيلا معها للدفاع عن نفسها.
وكان من الواضح أنه مصنوع في نقابة باتوكا، إذ نُقش شعار النقابة بوضوح على مقبضه.
قالت ساخرة:
“خنجر للدفاع عن النفس يُهدى إلى مستحضرة أرواح الأرض المتخصّصة في الدفاع؟”
وكما أنّ أرواح الماء متخصّصة في الشفاء، فإن أرواح الأرض تتميز ببراعة فائقة في فنون الدفاع.
بل إن إيزابيلا من كبار مستحضرين أرواح الأرض، ومع ذلك تُعطى خنجرًا لتدافع به عن نفسها!
لا تدري إن كان الأمر مزحة أم أن القلق عليها بلغ هذا الحد.
قالت كاساندرا:
“إن لم يعجبكِ فأعيديه.”
فأجابت إيزابيلا مبتسمة:
“هيا، لا يليق أن تُعطي ثم تسترد.”
أدركت إيزابيلا بسرعة ما تحاول كاساندرا انتزاعه وأدخلت الخنجر إلى صدرها.
في الواقع، لم تكن كاساندرا قد أعطت الخنجر لغرض الدفاع عن النفس فقط.
فالدفاع كان مجرد عنصر ثانوي.
النقطة الأساسية لم تكن الخنجر نفسه، بل الشعار المنقوش على المقبض، شعار نقابة باتوكا.
كان الهدف هو التفاخر بالعلاقة الوثيقة بين إيزابيلا والنقابة أمام العديد من النبلاء البارزين في الجمعية.
“سأستعمله جيدًا.”
إيزابيلا أدركت أيضًا نية كاساندرا.
“هل أضعه هنا؟ أم هنا؟ أم أضعه حول رقبتي فقط؟”
لذلك بدا تصرفها في وضع الخنجر في مكان ظاهر مبالغًا فيه عمدًا.
كاساندرا أطلقت شخيرًا ساخرًا:
“على أي حال، لا تدعي شيئًا يزعجك.”
قالت ذلك وكأنها تريد فقط التعليق قبل أن تُغادر، لكن ابتسامتها المرتفعة أعطت انطباعًا عن شعورها.
“على أي حال، بمجرد الانتهاء أعطيني الإشارة، سأبدأ بالبيع.”
فغدًا كان يوم المعركة الحاسمة.
***
كان مبنى جمعية مستحضرين الأرواح قريبًا من المدرج الروماني في العاصمة.
كان المدرج مناسبًا لإجراء البحوث على الأرواح وتجربة نتائجها، لذا تم اختيار موقع الجمعية هناك.
كما أنه أبعد عن برج السحر بجوار المكتبة المركزية في الجهة المقابلة من العاصمة.
لطالما كان السحر والأرواح يتقابلان في طبيعتهما المتشابهة والمختلفة، مما يجعلهما متعارضين غالبًا.
وفي كل القارة، كانت الدولة التي تُقدِّر الأرواح تقلل من شأن السحرة، والعكس صحيح.
في إمبراطورية دويتشلان، كانت قوة الأرواح تفوق قوة السحرة.
وكان يُقال إن الشعوذة التي يمارسها السحرة متدنية المستوى حسب الموقف والشخص.
نظرًا لمكانتهم المرموقة، كان المنظر الخارجي للمبنى يخطف الأبصار.
قالت ماركيزة ماكا التي أوصلت إيزابيلا:
“يبدو أن هذا هو الحد الذي أستطيع الذهاب إليه.”
فمبنى الجمعية لا يُسمح بدخوله إلا لمن يملك شهادة روحاني.
أما إيزابيلا، فقد وصلت إليها الشهادة تلقائياً بعد مبارزة حفلة الرقص.
ففي الظروف العادية، كان ينبغي أن تخضع لاختبار رسمي لقياس قدراتها، لكن ما أظهرته في الحفل كان قاطعاً إلى درجة أن الجمعية لم ترَ حاجة لذلك.
وفوق ذلك، كان من الضروري أن تمتلك تلك الشهادة حتى تُمنَح مكان فايتشي.
قالت أندريا وهي تتحقق من أن إيزابيلا تحمل الشهادة:
“فلتتصرفي كما يحلو لكِ.”
ثم تأكدت مرة أخرى من أنها تملك شارة بيت الماركيز ماكا النبيل، وكانت الثياب التي ترتديها تحمل على صدرها بوضوح شعار بيت ماكا.
لم يكن هناك أوضح من ذلك على كونها روحانية تابعة لبيت ماكا.
قالت أندريا بثقة:
“كلماتك هي كلمات بيت الماركيز. وحتى في حرب المقاطعات تستطيعين التحرك كما تشائين، فلا تسمحي لأحد أن يقف في طريقك.”
كانت كلماتها تحثها على الثقة بالنفس.
تأملت إيزابيلا أندريا التي كانت تصلح هندامها وتكرر عليها وصاياها، وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة غامضة.
“هل لديكِ ما تريدين قوله؟”
سألتها أندريا.
“لا، ليس الأمر كذلك.”
أجابت إيزابيلا وهي تهز رأسها.
“فقط… خطر في بالي أن أمي لو كانت على قيد الحياة لكانت ستفعل مثلك.”
كانت أندريا تتصرف معها كأم تجهز ابنتها للخروج وحدها.
قالت أندريا بنبرة مازحة:
“يبدو أنكِ كنتِ تفضلين التبني على الرعاية.”
فضحكت إيزابيلا قائلة:
“هاها، ليس الأمر كذلك.”
ثم خففت أندريا الجو الذي كاد يثقل:
“لا تقلقي، لو كنتِ ابنتي ما كنتُ لأعاملكِ بهذا الشكل.”
“أعرف ذلك.”
فهي من الذين يؤمنون بضرورة تربية الأبناء على القوة.
كما أن طبيعتها لا تميل إلى اللطف الزائد، ويكفي النظر إلى طريقتها في التعامل مع ليكاردو ليتضح ذلك.
قالت إيزابيلا:
“سأعود لاحقاً.”
“حسناً.”
ثم ودّعت إيزابيلا أندريا، وركضت نحو ثيو الذي كان ينتظرها عند نهاية السلم.
وحين التقت عينا أندريا بثيو، أومأ لها إيماءة قصيرة، ثم أمسك بيد إيزابيلا الممدودة.
قال ثيو:
“يبدو أن سعادة الماركيزة مشغولة البال كثيراً بهذا الاجتماع.”
“هذا طبيعي، فهذه المرة الأولى منذ إلغاء منصب النائب الصغير للماركيزة.”
وقد مر على ذلك بالفعل عشر سنوات.
“لهذا عليَّ أن أكون أكثر انتباهاً.”
ابتسم ثيو ابتسامة خفيفة وهو يراقب بريق عيني إيزابيلا.
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"