“أنا لم أفعل سوى إحضارها، أما التحضير فكان من عمل الخادمات والطاهي.”
أعادت إيزابيلا الفضل إليهم، ثم التقت عيناها بعيني ثيو، فابتسمت له.
وكانت النظرات المتبادلة بينهما تفيض دفئًا وعذوبة، حتى كادت تُحيل المكان إلى فضاءٍ حلو المذاق.
“سيدي النائب.”
“ها؟ آه… نعم؟”
كان ليكاردو يظن أن الحديث موجَّه لثيو، فارتبك حين سمع اسمه، ونظر إليها بعينين متسعتين كعيني غزال فزع.
“سأخرج قليلًا.”
“الخروج؟ آه… أعني… نعم، حسنًا.”
كرر كلماته عدة مرات، ما كشف ارتباكه بوضوح.
جوشوا الذي يعرفه منذ زمن طويل، التقط ذلك بسهولة، بينما البقية لم يلحظوا شيئًا.
“بإمكانكِ الخروج من دون إخبارنا.”
“خشيت أن يبحث عني سيدي النائب أو سمو الماركيزة.”
كان يمكنها إبلاغ الخادمات فقط، لكن إيزابيلا رأت أن من الأدب أن تخبره مباشرة كل مرة تنوي فيها المغادرة.
“قد أتأخر قليلًا.”
“هل أرسل معكِ مَن يرافقكِ؟”
“لا داعي، سأكون بخير.”
ومع ابتسامتها، أطلّ نووم من جيبها الصغير برأسه.
فمرافقة حارس مستحضرة أرواح عليا قد يكون عبئًا أكثر منه حماية.
“أجل، أنتِ أدرى بنفسكِ.”
ضحك ليكاردو بخفة، وكأنه يسحب سؤاله.
“إذًا انطلقي.”
حيّت إيزابيلا ليكاردو، ثم لوّحت بيدها لثيو بخجل.
فمهما كانت علاقتهما ودّية مع باقي رفاق ثيو، لم يكن من اللائق تبادل المظاهر الحميمية أمامهم.
في اليوم الأول كان الأمر مبرَّرًا، لكن الآن أصبحت أكثر تحفظًا.
حين رآهما ليكاردو يتبادلان التحية على مضض، ربت على كتف ثيو.
“اذهب وأوصلها حتى الباب.”
“لا حاجة لذلك.”
“نحن في استراحة على أي حال، ولن نبدأ قبل أن ينتهي إيد من التهام كل تلك الحلوى، فاذهب معها.”
ألقى ثيو نظرة على إدوارد المهووس بالبسكويت، ثم أومأ موافقًا.
“لن أتأخر.”
وكانت نظرات إيزابيلا المليئة بالتوقعات عند الباب سببًا كبيرًا في موافقته.
راقب ليكاردو طويلاً ظهريهما وهما يغادران الغرفة، ولمح قبل أن يُغلق الباب كيف ارتمت إيزابيلا في حضن ثيو.
لكن مع صوت انغلاق الباب، انغلقت معه أفكار ليكاردو المشتتة.
وبعد لحظات، لمح من النافذة الحبيبين واقفين وجهًا لوجه، يتبادلان الأحاديث.
ومع هذا المشهد، تذكّر فجأة ما قاله له ثيو:
“لو أرادوا زعزعتي، فأول ما سيفعلونه هو استهداف بيلا.”
ثلاثة أشهر بلا رسائل، ومع ذلك واصلا الثقة والانتظار…
كيف يكون هذا الشعور؟
لم يعرف، فلم يسبق له أن عاش حبًا.
‘إذن، صدقني وأمضِ.’
هل هو الشعور نفسه الذي أحسّ به يوم مدت له يدها، فشعر بالأمان؟
وفي اللحظة التي رفع فيها ثيو عينيه ونظر إلى ليكاردو، قفزت إلى ذهنه عبارة أخرى لإيزابيلا:
“ما دمتَ تحب ثيو، فسأهب قدرتي في سبيلك.”
ولاؤها المطلق…
غبط ثيو فجأة، فلقاء مثل هذا نادر، إن لم يكن معجزة.
‘صحيح، لديّ أنا أيضًا رفاقي هؤلاء.’
التفت نحو الثلاثي الذي لا يتوقف عن الجدال، وابتسم.
كانت تلك أيضًا رابطة غريبة ومميزة.
كان الجو هادئًا، لكن أصابعه كانت تعبث بلا وعي بالشارة التي أهدته إياها إيزابيلا.
وجوشوا بعينيه الرماديتين الحادتين، كان يراقبه في صمت، ولا أحد يدري بما كان يفكر.
***
أما في الخارج، فما إن خرجت إيزابيلا حتى ارتمت في أحضان ثيو، الذي ضمها بدوره كما لو كان ينتظر تلك اللحظة.
“ظننت أنك ستغادر من دون أن أراك.”
“أجل.”
“انتظرت حتى ينتهي اجتماعكم، لكن يبدو أنه طال أكثر من اللازم.”
كان الوقت قد حان لموعد خروجها، فاتخذت من تقرير الخروج ذريعة لتراه.
“أجواء الاجتماع توحي بأنه سيمتد حتى المساء، فقررت أن أخرج وأعود سريعًا، لكن الآن لا حاجة لذلك.”
قالت وهي ترفع رأسها قليلًا من بين ذراعيه لتبتسم.
“لكن، حين تغرب الشمس، يصبح الأمر خطرًا.”
“أعلم، سأعود قبلها.”
“إذا لم يكن الأمر عاجلًا، فلنؤجله إلى يوم راحتي ونذهب سويًا.”
ضحكت إيزابيلا وكأنها توقعت اعتراضه منذ البداية.
“عليّ إنهاء أمر بمفردي.”
خرجا معًا من المبنى، يسيران جنبًا إلى جنب.
“سيطول انتظارهم، فلتعُد بسرعة.”
“سأرافقك حتى البوابة.”
وقف ثيو أمامها، ونبرته الهادئة تحمل إصرارًا على رفض طلبها بالعودة وحده.
خرج الاثنان معًا من المبنى، يسيران جنبًا إلى جنب.
قالت إيزابيلا:
“سيطول انتظارهم لك، عد بسرعة.”
فأجابها ثيو وهو يواجهها:
“سأرافقك حتى البوابة الرئيسية.”
كانت تلك طريقته اللطيفة في رفض طلبها المتكرر بأن يعود أدراجه.
“يمكنني الذهاب وحدي…”
تمتمت، لكن صوتها خفت، إذ لم تكن تكره أن يقوم هو بمرافقتها.
كان مشهدها وهي تنقر الأرض برأس قدمها مألوفًا جدًا لدى ثيو، فارتسمت على وجهه ابتسامة لا إرادية.
“لا أستطيع الخروج معكِ إلى أبعد من ذلك، فاسمحي لي على الأقل بإيصالك حتى الحديقة.”
قالها وهو يرفع خصلة من شعرها المجعد ويعيدها خلف أذنها.
“حسنًا… إذن فلنمضِ حتى الحديقة فقط.”
كانت تحاول أن تبدو وكأنها رضخت على مضض، لكن ثيو وجد ذلك المشهد منها غاية في اللطافة.
“أتظنين أنهم ينتظرونني طويلًا؟”
سأل، فالتفت ثيو نحو اتجاه قاعة الاجتماعات، وهناك التقت عيناه بعيني ليكاردو الذي كان واقفًا عند النافذة.
لم تدم اللحظة طويلًا، لكن ثيو لاحظ تمامًا ما كان يحدق فيه ليكاردو.
وحين رآه يشيح بوجهه ببطء نحو الداخل، شعر ثيو بإحساس غريب، كأن نسمة باردة حادة انسلت عبر عموده الفقري.
خاطره طيف فكرة غير معقولة، لكنه سرعان ما رفضها بعقله؛ فالمقصود كان ليكاردو ماكا، الرجل الذي يعده ثيو مُنقذًا كبيرًا، وقائدًا يحترمه، وأخًا عزيزًا.
أقنع نفسه أن الأمر مجرد وهم لا قيمة له… غير أن جسده لم يوافقه الرأي.
بلا وعي، مد ذراعه وجذب إيزابيلا أقرب إلى جانبه، كمن يضمها ليحميها.
تفاجأت للحظة، لكن سرعان ما أحاطت كتفه بذراعها وهي مرتاحة، فبدوا من بعيد كأي عاشقين يثيران الغبطة.
عند بوابة المبنى، افترقا.
قالت إيزابيلا مبتسمة:
“سأعود قريبًا، أتمنى أن ينجح اجتماعك.”
لكن بدل أن يرد التحية، سألها فجأة:
“بيلا… هل ترين أن الأمر سيكون أفضل لو كانت رتبتي أعلى؟”
كان سؤالًا غريبًا جعلها تتردد في الرد، وتحدق فيه وهي تحاول فهم سبب طرحه.
‘لماذا يسأل هذا الآن؟’
كانت إيزابيلا قد بدأت تشكك من قبل في بعض ملامح ماضيه.
وربطت سؤاله هذا باحتمالٍ خطر:
‘هل ينوي استعادة مكانته؟’
إذا أعلن هويته، فهي تعرف ما سيحدث بعدها…
‘والنتيجة الإعدام حرقًا.’
جمدت في مكانها وارتجف جسدها ودق قلبها بعنف.
أضاف ثيو، وكأنه يشرح:
“لطالما سألتِني… لماذا وأنا روحاني لا أقبل برعاية أحد النبلاء. فخطر لي… ربما كنتِ ترغبين أن تكون لكِ مكانة أعلى، وأنني قصّرت في ذلك فأحزنتك…”
“لا.”
قاطعت كلامه قبل أن يكمل، إذ أدركت أن عليها قطع هذا الطريق قبل أن يبدأ، حتى لو كان السبب بضع كلمات قالتها له قديمًا.
“لا حاجة لي بمثل هذه الأمور، لا بالرتب ولا بالمناصب.”
أمسكت يده بقوة وكانت كلتا اليدين باردتين، وإن كان السبب مختلفًا لكل منهما.
“كل ما أريده هو أنت.”
ابتسمت ابتسامة صغيرة وأضافت:
“وتعرف هذا، فلماذا تسأل؟”
كانت تخشى أن يراود ذهنه أي طيش، فأكدت:
“أنا لا يهمني إن كنتَ من عامة الناس أو كنتَ كونت لامارتي… ما دمت أنت.”
كان تكرارها الحازم يبدد شيئًا فشيئًا توتره، وعاد الدفء يتسلل إلى أصابعه.
مدّت يدها لتلامس وجهه:
“لا أريد شيئًا سوى أن تكون أنت.”
وقفت على أطراف أصابعها وقبّلته برفق.
لكنه، قبل أن تبتعد، جذب ذقنها بخفة ليعيد شفتيه إلى شفتيها.
ثم وكأنه يخشى أن تتعب من الوقوف على أطراف أصابعها، لف ذراعه حول خصرها ورفعها قليلًا نحوه، بينما يحيط عنقه بذراعيها.
كانت قبلة بسيطة، لكنها كاملة.
وحين افترقا، همست:
“الناس ينظرون.”
فأدركت موقعهما وحاولت الابتعاد حتى لا يسببا إحراجًا لأحد، لكن يديه لم تغادرا وجهها سريعًا.
كان الشعور المزعج الذي ساوره أمام المبنى قد تلاشى، ليقنع نفسه مجددًا أنه كان قلقًا بلا سبب.
“لكن، للاحتياط، اصطحبي هذا معك.”
قالها واضعًا الروح ناياس خاصته على كتفها.
“يمكنه مرافقتك في أي مكان داخل العاصمة.”
كانت تعرف أن الأرواح، إذا ابتعدت أكثر من مسافة معينة عن مُستدعيها، فإنها تعود فورًا إليه، وأن هذه المسافة بالنسبة لروحاني رفيع المستوى تعادل حجم العاصمة تقريبًا.
“حسنًا.”
وافقت رغم أنها لم تكن بحاجة لذلك، لكنها تفهمت قلقه، فهي أيضًا كانت تتمنى أحيانًا أن تُبقي روحها نووم معه طوال اليوم.
“أتمنى لك اجتماعًا موفقًا.”
قالتها وهي تغادر، وعلى كتفها ناياس وعلى كتفها الآخر نووم.
وقف ثيو في مكانه يراقبها حتى غابت عن بصره تمامًا.
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 38"