جلس الثلاثة حول طاولة الشاي، وأنهن الوصيفات تجهيز المكان بسرعة.
قال ولي العهد بصراحة:
“كل ما أردته هو أن أؤكد لأولئك النبلاء أن ليكاردو صديقي.”
فأجابته:
“لقد كان اختيارًا موفقًا.”
المكان والتوقيت كانا مثاليين.
“كان الجو مشحونًا أصلًا بكثرة الكلام حول أي العائلات ستستقطب أبطال الحرب، فجاء عرضك ليشتت الأنظار.”
في الظروف العادية، كان من المفترض أن ينضم جميع أبطال الحرب ما عدا ثيو إما إلى الحياد أو إلى أحد بيوت تابعين فايشي.
لكن دخول إيزابيلا المفاجئ والمثير جعل قلوب العائلات المحايدة تتأرجح، وكان هذا اختلافًا عن حياتها السابقة.
“أتساءل من أين عثرت الماركيزة ماكا على لؤلؤة مثلك.”
“لقد جاءت بنفسها تتدحرج إلينا.”
أجابه ليكاردو، فقال ولي العهد بإعجاب:
“إذن الإوزة التي تبيض ذهبًا جاءت إليكم بنفسها؟”
“ألا يبدو هذا غريبًا؟ حين أخبرتني أمي أول مرة، ظننتها تمزح معي.”
ابتسم ليكاردو بابتسامة فيها شيء من العجز، فأومأ ولي العهد وكأنه يتفهم الأمر.
“ولكن، لماذا كان بيت ماكا بالذات؟”
كرر ولي العهد السؤال نفسه الذي سبق أن طرحته الماركيزة ماكا، ثم أضاف:
“ليكاردو أنا لا أقصد إزعاجك، لكنني فضولي لأعرف ما الذي جذبها إلى بيت ماكا كروحانية.”
خشي أن يجرح مشاعره، فسأل بحذر، لكن رفع ليكاردو كتفيه إشارة إلى أنه لا بأس.
وكان سؤال ولي العهد منطقيًا.
“على عكس البيوت التي لديها روحاني بالفعل، شعرت أنهم قد يحتاجون إليّ حقًا.”
كان يظن أن مجيئها إلى بيت الماركيزة كان بسبب ثيو، لكن جوابها المفاجئ جعله يرفع حاجبيه قليلًا.
“ذكية.”
ابتسم ولي العهد لها بإعجاب.
“أظن أن مرورك على بيت الماركيزة لم يتجاوز الشهرين، أليس كذلك؟”
“نعم، صحيح.”
“وهل تلقيت خلال هذه المدة تدريبًا يمكّنك من استدعاء روح عليا؟”
كان الأمر مثيرًا لفضوله، إذ إن تدريب الروحانيين يكون عادة على يد روحاني آخر، وبيت الماركيزة لا يضم أي روحاني.
ورغم وجود بعض الروحانيين بين العائلات التابعة، لم يكن بينهم روحاني من المستوى العالي.
“تعلمت ذلك وحدي من الكتب.”
لم تستطع إيزابيلا أن تكشف عن حياتها السابقة، فاختلقت هذه الإجابة.
“وحدك؟ روح عليا؟”
أخفت إجابة إيزابيلا دهشة ولي العهد، لكنه لم يستطع إخفاء إعجابه.
“لم أكن أعلم أن فن إستحضار الأرواح يمكن تعلمه ذاتيًا.”
“قرأت الكثير من الكتب المتخصصة.”
“يقولون إنها طويلة ومملة، لكنكِ قرأتها.”
“لأنني مهتمة بهذا المجال.”
فالشيء الذي نهتم به، حتى إن كان كتابًا دراسيًا، يكون ممتعًا.
“أعجبني خصوصًا كتاب حديث يشرح الأساسيات.”
كانت تشير عمدًا إلى أحدث كتاب أصدرته الجمعية تحت إشراف ولي العهد.
“أن يُكتشف روحاني جديد بفضل هذه الكتب… أمر مثير.”
ابتسم ولي العهد هارسيز بارتياح.
“إذن لم تكن جهودي في الضغط على الجمعية بلا فائدة.”
كانت جميع الكتب حول فن إستحضار الأرواح تصدر عن الجمعية، ولم تكن موجهة للعامة بل كمرجع للروحانيين أنفسهم.
وفقط مؤخرًا، وبفضل إصرار ولي العهد، بدأ تأليف كتب مثل أساسيات فن إستحضار الأرواح.
“كنت أريد أن أجعل فن إستحضار الأرواح أكثر قربًا لشعب الإمبراطورية.”
“فكرة رائعة!”
أيدته إيزابيلا بحماس.
“كلامك صحيح، نحن العامة نشعر أن فن إستحضار الأرواح بعيد عنا جدًّا.”
إذ إن الأرواح كانت رمزًا للقوة وامتيازًا حصريًا للنبلاء.
“وأنا أيضًا، لولا أنني صادفت روحانيًا قريبًا مني، لما اهتممت.”
أظهرت الأمر وكأن اهتمامها كان بسبب ثيو.
“حين أراك، يزداد يقيني أن ما أفعله أمر ضروري، إذ إن اكتشاف الموهوبين مهمة صعبة لا يقدر عليها إلا الروحانيين.”
فالموهبة لا يستطيع تمييزها إلا من يملكها، ونادرًا ما يختلط الروحانيين النبلاء مع العامة، وهو السبب الرئيسي لقلة ظهور الموهوبين.
“لقد أدركت ذلك خلال الحرب الأخيرة.”
إذ شهدت ساحة الحرب على غير العادة ظهور عدد كبير من الموهوبين، والسبب أن الجميع، نبلاء وعامة كانوا موجودين هناك معًا.
“لهذا فكرت أنه إذا جعلنا الأرواح وفن إستحضار الأرواح أكثر قربًا للشعب، سيزداد عدد الروحانيين.”
“وقد نجحت.”
فهي نفسها كانت الدليل.
“أنتِ النتيجة التي أبحث عنها.”
ابتسمت، فابتسم بدوره، وكان في ابتسامتيهما شيء من الشبه.
“في الحقيقة، أنا أيضًا حين أصبحت تحت رعاية البيت ماكا، فكرت أن هناك الكثيرين قد يصبحون روحانيين بالتعلم الذاتي مثلي.”
ورأت الفرصة لتضيف:
“حتى وإن لم يصبحوا روحانيين، يمكننا استخدام قوة الأرواح لجعل حياة الناس أفضل.”
“تمامًا!”
رد ولي العهد بحماس وكأنه وجد أخيرًا من يشاركه أفكاره.
“ولهذا بدأت مشروعًا جديدًا مؤخرًا.”
“مشروع؟ وما هو؟”
“أفكر في صناعة أدوات أرواح وبيعها للعامة.”
“همم؟”
كان يجيبها بحماس قبل لحظات، لكنه الآن أبدى شيئًا من التردد، وهي تعرف السبب.
“صحيح أن أدوات الأرواح في أذهان الناس هي سلع فاخرة باهظة الثمن.”
“أجل، أليست كلها أشياء لا تظهر إلا في المزادات؟”
وكان في كلامه تساؤل عن كيف يمكن بيعها للعامة.
“لكنها في الحقيقة ليست أشياء تستوجب أن تكون باهظة الثمن.”
“ليست بحاجة لأن تكون باهظة؟”
“هناك أسباب عديدة لارتفاع ثمنها، وأولها أن عددها قليل جدًا.”
“بل السبب أن صنعها يتطلب جهدًا كبيرًا، فيتثاقل الروحانيين عن إنتاجها.”
“أليس لأنهم يحاولون دائمًا صنع أداة تصل إلى حدود قدراتهم القصوى، فيستغرق الأمر يومين أو ثلاثة لإنجازها؟”
أخرجت إيزابيلا من حقيبة الكلتش التي جلبتها معها بعض أدوات الأرواح.
كانت عبارة عن خواتم بسيطة التصميم.
“مثل هذه الخواتم يمكن صنع خمسة أو ستة منها في يوم واحد.”
أخذ ولي العهد أحدها وتأمله.
كانت قوة الروح فيه ضئيلة للغاية.
“ومع ذلك، فهذا القدر من القوة قد يكون عونًا كبيرًا لعمال البناء، وفي المزارع وبساتين الفاكهة يمكنهم إنجاز عمل يوم كامل في نصف نهار.”
إذ كانت الخواتم تحتوي على قوة الأرض، مما يمنح دفعة أكبر لكل الأعمال المتعلقة بها.
“إذا قارنت الوقت والجهد الذي بذلته في صنعها مع ما هو معروض الآن في المزادات، فإن سعرها سيكون عُشر أو حتى جزءًا من المائة من ثمن تلك الأدوات.”
ورغم ذلك، فثمنها ما زال مرتفعًا قليلًا على العامة، لكن العائد الذي يمكن أن تحققه يجعلها استثمارًا يستحق المخاطرة.
“الطلب عليها سيكون مؤكدًا.”
قالت إيزابيلا ذلك بثقة.
“ولهذا أنا الآن أعمل على هذا المشروع بالتعاون مع رئيسة نقابة باتوكا.”
“مع رئيسة نقابة باتوكا؟”
كان يعلم أن كاساندرا باتوكا امرأة تملك حاسة مذهلة في شم رائحة المال.
ولهذا استغرب، إذ توقع أنه لو عرضت عليها إيزابيلا صنع أدوات الأرواح، لكانت فكرت ببيعها بأعلى سعر ممكن، وحتى في هذه الحالة سيحقق المشروع أرباحًا وفيرة لمجرد أنه يخص أدوات الأرواح.
“نعم، وهي تدعمني فيه بكل حماس.”
كان الأمر مثيرًا للدهشة، فهذا يعني أن كاساندرا باتوكا حسبت أن بيع أدوات الأرواح للعامة أمر مجدٍ تجاريًا.
“لكن هناك أمرًا واحدًا يقلقني.”
“ما هو؟”
سأل ولي العهد وقد تبادر إلى ذهنه أن الأمر كما توقع، فارتسمت على وجه إيزابيلا ملامح حيرة.
“في النهاية، ما نفعله سيقلل من ندرة أدوات الأرواح.”
“……”
“ولا أظن أن الروحانيين سيسعدهم ذلك.”
كان ولي العهد يعرف هذا جيدًا.
فالسبب الرئيسي في عدم ظهور مشاريع مماثلة حتى الآن هو مسألة الندرة.
معظم الروحانيين إما من النبلاء أو تابعون لهم ويحصلون على دعمهم، وهم يتعمدون الانغلاق للحفاظ على قيمتهم.
ولذلك، كانوا يصنعون أدوات الأرواح أحيانًا قليلة فقط إن كانت تعود عليهم بفائدة شخصية، ولم يخطر ببالهم أن يجعلوا منها تجارة.
كما أنهم لم يحبوا فكرة مشاركة قوة الأرواح مع العامة.
لكن ولي العهد كان يحاول كسر هذه القاعدة.
‘سيبدو مشروعي مغريًا للغاية بالنسبة له.’
فهو كان قد أصدر كتبًا موجهة للعامة وليس للروحانيين لزيادة إمكانية وصول الناس إلى فن إستحضار الأرواح.
وكان يبحث عن طرق تجعل الأرواح لا تزيد فقط من مكانة النبلاء، بل تنفع شعب الإمبراطورية بأكمله.
حتى إنه نظم فعاليات بعنوان مدينة ألعاب الأرواح ليتمكن الناس من التعامل مع الأرواح.
لكنها لم تحقق نجاحًا يُذكر، وكان سبب الفشل أنه لم يشارك فيها سوى هو وعدد قليل من الروحانيين التابعين له، مما عزز فكرة أن الأرواح ملك للنبلاء فقط.
وهكذا، راح ولي العهد يفكر في كيفية تجاوز هذه المعضلة.
‘حينها بالذات، كان في أوج انشغاله بهذه المسألة.’
وكانت إيزابيلا تعلم هذا من حديث فايتشي في حياتها السابقة.
‘من المستحيل أن يمنعه، بل لعله يشجعه على المضي في الأمر أكثر.’
فهو لا يسعى إلى الاستحواذ على المشروع أو فرض نفسه فيه، إذ يقوم مبدؤه على أن قوة كل جهة تابعة له ستنعكس في النهاية قوةً له هو.
لذلك، كان يراقب كل شيء دون تدخل مباشر.
‘بطبيعة الحال، لو لم يكن واثقًا بأنني من أتباعه، لسعى إلى وضع حدود والإشراف على الأمر، غير أن كوني روحانية في بيت الماركيز ماكا يبدّد عنه مثل هذا القلق.’
وفوق ذلك، فكون شريكة المشروع هي نقابة باتوكا يجعله لا يرى أي ضرورة للتدخل، ناهيك عن أن الأرباح المتوقعة ليست كافية لإغرائه.
“إذًا، أنتِ تخشين أن تفرض الجمعية قيودًا على المشروع.”
لقد أصاب ولي العهد كبد الحقيقة، فقال ما كانت إيزابيلا تود قوله.
“على الأرجح… نعم، هذا هو قلقنا الوحيد.”
أجابته إيزابيلا بصدق، فولي العهد على خلاف عالم فايتشي المليء بالرياء والكذب، كان يفضل الأشخاص الصريحين الواضحين، لأنه هو نفسه كان كذلك.
———
ترجمة : سنو
الفصول تنشر اول في جروب التيليجرام.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"