كان رجلاً لا يستطيع أن يكذب على إيزابيلا مهما حاول.
وإيزابيلا كانت تدرك ذلك.
كانت تعرف أنه إن هي سألت بهذه المباشرة، فلن يملك إلا أن يبوح بالحقيقة.
تحركت تفاحة آدم في حلقه حركة واضحة، وسقط بصره إلى الأرض بعدما كانت عيناه ترتجفان بلا انقطاع.
وبدل أن يجيب، ضمّها إلى صدره.
كانت ذراعاه التي طوقت خصرها وكتفيها ترتجفان ارتجافًا خفيفًا… تمامًا كما في ذلك اليوم قبل أحد عشر عامًا وسط غابة غمرتها زخات المطر.
“ثيو.”
فأجاب بصوت مبحوح:
“لا تسألي.”
كان يرجوها، لأنه لا يستطيع أن يمنحها كذبًا ولا حقيقةً.
“لكن يا ثيو… إن لم تقل شيئًا فأنا…”
قاطعها برجاء عميق:
“بيلا… أرجوكِ.”
كان في رجائه من الصدق ما يقطع القلب.
وكان هو أيضًا يدرك على نحو غامض ما الذي قد يدور في ذهنها الآن.
لكن ما يملكه ليس سوى حدس بلا دليل، واستنتاج بلا برهان.
فلا وجود في هذا العالم لأي دليل يمكن أن يثبت ما تظنه.
لقد كان غضب القصر الإمبراطوري على بيت الدوق هائلًا، يحمل في طياته أكثر من مجرد نقمة على خيانة.
الإمبراطور أراد أن يمحو كل أثر لوجود آل لويد من هذه الأرض.
فصادر وأحرق جميع الوثائق والصلات التي كانت لدى بقية الأسر النبيلة بشأنهم.
لذلك، حتى لو بدأت إيزابيلا تساورها الشكوك في ماضيه، فلن تجد طريقة للتحقق.
ومادام ثيو لن يبوح بالحقيقة، فلن تتحول تلك الشكوك إلى يقين.
وبعلمه بهذا، اختار الصمت.
فكّر ثيو أن الأمر مسألة وقت قبل أن يبدأ أحد النبلاء بالشك والاستنتاج كما فعلت إيزابيلا.
ولهذا، إن حدث ولو من باب الاحتمال البعيد أن انكشف كل شيء، فعليه أن يتحمل وحده ما سيجره ذلك من مخاطر وضربات.
أما أن تتأذى إيزابيلا بسببه وبسبب ماضيه المظلم، فذلك ما لا يمكنه احتماله.
كان مصممًا على ألا تتورط أبدًا في عتمته.
“أرجوكِ لا تسألي.”
‘حتى تتمكني من الهرب من ظلامي.’
كان ذلك هو الجواب الذي اختاره ليحميها.
لكن ذلك الجواب جعلها تقترب خطوة أخرى من صحة ما تدور به أفكارها، وإن لم يصل بها كما أراد إلى مرحلة اليقين.
ولم تستطع أن تسأله أكثر.
“… حسنًا.”
كان جسده العريض وهو يحتضنها يرتجف كما لو كان حيوانًا جريحًا، مما أشعرها بالشفقة.
***
“لا تبدين متوترة أبدًا.”
قالها ليكاردو وهما داخل العربة في طريقهما إلى القصر الإمبراطوري.
كانا ذاهبين لحضور وقت شاي مع ولي العهد، كما هو متفق.
لكن الغريب أن إيزابيلا كانت هادئة على نحو مدهش.
“لست أنا الهادئة، بل أنتَ الذي ترتجف أكثر من اللازم يا سعادة النائب.”
“هل يبدو ذلك علي؟”
“جدًا، حتى أنك الآن تواصل هز ساقك.”
وكما قالت، كان ليكاردو يهز ساقه.
توقف بعد أن أشارت، لكنه سرعان ما بدأ يقضم أظافره.
“ولماذا أنت متوتر إلى هذا الحد؟ الأمر ليس موعدًا غراميًا أول.”
“لأنني لم أره منذ زمن.”
“تقصد ولي العهد؟”
أومأ ليكاردو بابتسامة محرجة.
“منذ أن فقدت استحضار الأرواح، لم ألتقه. وهذا قبل عشر سنوات.”
عندها أدركت إيزابيلا سبب توتره.
فهو وولي العهد كانا في الأصل صديقين مقربين للغاية.
لكن علاقتهما بدأت تتصدع حين فقد ليكاردو والده، وفقد معه قدرته على استدعاء الأرواح جراء الصدمة.
لم يكن السبب غيرةً أو حسدًا لكون ولي العهد قد أصبح مستدعي أرواح من الدرجة العليا، بل لأن بيت الماركيز ماكا اهتز بشدة بفقدان سيده ومستدعيه، فلم يعد قادرًا على دعم ولي العهد، فابتعد ليكاردو من تلقاء نفسه.
كان يخشى أن يفقد ولي العهد أيضًا قوى أخرى مهمة إن ظل قريبًا منه.
لكن الآن، قد مر أكثر من عشر سنوات…
“كانت لنا ذكريات جميلة حقًا.”
إلا أنها باتت ذكريات باهتة، كصورة قديمة فقدت ألوانها.
“يقولون إن الجبال والأنهار تتغير في عشرة أعوام.”
لكن هل تكفي ذكريات الماضي ليحافظا على صداقتهما اليوم؟
ألن يضيق ولي العهد صدرًا إذا مد يده ثانية لمجرد أن لديه مستدعي أرواح جديدًا؟
فبالنسبة لـ ليكاردو، كان انسحابه لحماية ولي العهد، لكن بالنسبة لولي العهد، فقد كان الأمر فقدانًا للحليف والصديق معًا.
“لكن الألماس لا يتغير، بل يزداد صلابة وحجمًا.”
قالت إيزابيلا هذه الدعابة فجأة، فحدّق بها ليكاردو بدهشة.
ابتسمت وهي ترى وجهه المذهول.
‘كما كان في حياتي السابقة تمامًا.’
فبحساب تلك الحياة، فإن ليكاردو سيتمكن من إعادة استدعاء الأرواح بعد نحو ثلاث سنوات من الآن.
وحينها سيعود بيت الماركيز ماكا إلى النهوض، كما ستعود علاقته بولي العهد لتزدهر بسرعة كبيرة، كأن السنين الفاصلة لم تكن.
بل وستتسبب تلك الطاقة المشتركة بينهما في دفع نفوذ ولي العهد إلى موجة كبرى من الصعود.
وهذا ما دفع فايتشي حين شعر بالتهديد إلى النجاح في زرع الفتنة من جديد، ممهّدًا لاندلاع الحرب.
لكن حتى الحرب لم تُثنِ ولي العهد، فاضطر فايتشي في النهاية إلى محاولة اغتياله…
‘من لحظة تمكنه من إعادة استدعاء الأرواح، بدأت الأحداث تتسارع بشكل خطير.’
ولهذا السبب، ورغم أنها تعرف طريقة إعادة الاستدعاء، لم تشأ أن تخبره الآن.
فلم يحن الوقت بعد.
‘الأجدى أن يصلح علاقته بولي العهد أولًا.’
فإن انفجرت الأحداث دفعة واحدة، فسيدرك فايتشي الخطر وسيبدأ بالتخطيط لمواجهته.
لكن إيزابيلا كانت تخطط أن تستنزفه رويدًا، دون أن تمنحه حتى فرصة للتفكير في المقاومة.
حتى تأتي اللحظة التي يمكن أن يُقال فيها “حين أدركت الأمر… كان الأوان قد فات”، كما حدث معها في حياتها السابقة.
قالت بثقة:
“سيدي النائب، لا تقلق، فصداقتك مع سمو ولي العهد أصلب من الألماس.”
ثم تابعت:
“وقد قيل إن الصديق الحق يشتاق ويفهم صاحبه حتى لو لم يلتقيا كثيرًا.”
فالأصدقاء مهما طال الفراق بينهم، يعودون سريعًا إلى تلك اللحظات الجميلة التي عاشوها معًا.
وفي تلك اللحظة، توقفت العربة أمام قصر ولي العهد، فمدّت إيزابيلا يدها نحوه.
“إذًا، صدقني وادخل.”
مدّت يدها بحيث يكون ظهرها للأعلى، على طريقة الاستعداد لمرافقته كمرافقة، لكن ليكاردو شعر وكأنها تمدّ له يد العون.
أخذ نفسًا عميقًا وأمسك بيدها، مبتسمًا ابتسامة لا تزال متكلفة، ويده باردة، لكنه استمد منها الثقة.
“فلنذهب.”
كانت الشجاعة للقاء صديق قديم تتفتح في قلبه.
***
قادتهما إحدى وصيفات قصر ولي العهد إلى قاعة الاستقبال.
لم يطل الانتظار، فقبل أن يفرغا من تأمل زخارف القاعة، فُتح الباب ودخل ولي العهد.
كان يرتدي ثيابًا مهذبة، لكن بعيدة عن الرسمية الصارمة.
وفور أن رأته إيزابيلا، ارتسمت على شفتيها ابتسامة.
‘أرأيت؟’
كانت تلك رسالة موجّهة إلى ليكاردو؛ فلو كان ولي العهد يراه ضيفًا رسميًا أو أحد أركان قوته، لما جاء بزي غير رسمي.
كان هذا إيحاءً صامتًا بأنه لا يزال يعدّه صديقًا مقرّبًا.
فهم ليكاردو المعنى، وارتخت ملامحه التي كانت متصلبة منذ دخوله.
وكأن ذلك لا يكفي، ابتسم ولي العهد ابتسامة واسعة، وفتح ذراعيه قائلًا:
“ليكا!”
اللقب الذي كان يناديه به في طفولته قفز من فمه، فمحا تمامًا قلق ليكاردو حول ما ينبغي أن يقوله.
ابتسم ليكاردو بدوره وقال:
“هارسيز.”
اسم لا يناديه به إلا صديق قديم.
ضحك ولي العهد قائلًا:
“منذ صغرك وأنت تتذمر بشأن الشعر الطويل، وها أنت تحقق حلمك!”
فرد ليكاردو ضاحكًا:
“وأنت، متى أصبحت بهذا الطول؟”
ثم تعانقا بحرارة.
وأثناء العناق، لمح ولي العهد إيزابيلا، فابتسم لها قائلًا:
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 35"