لن أخدع مرتين [ 34 ]
في السنة التي تلت دخول ثيو إلى الميتم، وقع ذلك الحدث.
كان الطقس جميلًا، فخرج أطفال الميتم إلى الغابة القريبة لجمع الفطر.
طالما لم يتجاوزوا الحدود التي حددها المشرفون، فالمنطقة كانت آمنة تمامًا.
لكن في ذلك اليوم، وعلى غير عادتها، ضلّت إيزابيلا طريقها.
“آه… ماذا أفعل الآن؟”
كانت قد لاحقت سنجابًا لطيفًا، لتفقد بعدها اتجاهها وأصدقاءها معًا.
وكأن ذلك لم يكن كافيًا، حتى بدأت السماء تمطر فجأة.
“لا بأس… ستمطر قليلًا فقط، وستتوقف، أليس كذلك؟”
لكن مع تراجع الرؤية بسبب المطر، لم تستطع التحرك بتهور.
فوقفت تحت شجرة قيقب كبيرة تنتظر توقف المطر على أمل أن تتمكن من العودة.
ورغم أن الشجرة كانت كثيفة، إلا أنها لم تحمِها من زخات المطر القوية.
تبللت إيزابيلا حتى غدت كفأر سقط في الماء، ومع ذلك، لم تبكِ.
“فكري جيدًا، إيزابيلا… مكان السنجاب كان…؟”
حاولت أن تتبع خطواتها السابقة، لكنها لم تكن متأكدة.
كان الجو قد أصبح باردًا، وملابسها المبللة جعلتها ترتجف.
عانقت ذراعيها لتدفئ نفسها، وبدأت تتحدث مع نفسها:
“أتمنى أن يتوقف المطر قبل أن تغرب الشمس…”
لأن غروب الشمس يعني أنها لن تتمكن من إيجاد طريق العودة أبدًا.
كانت تحاول الحفاظ على هدوئها، لكن القلق بدأ يتسلل إليها تدريجيًا.
وفجأة، اخترق صوتٌ ما هدير المطر.
“…-لا!!”
صوت غريب، غير مألوف.
لكنه بشري، وهذا وحده أعاد إليها وعيها.
“أنا هنا! يوجد أحد هنا!”
…-ز..يلا..!!
لم تكن الكلمات واضحة، لكن بدا كأن الصوت ينادي اسمها.
“لقد جاء أحدهم للبحث عني!”
كان الصوت يبدو أصغر من أن يكون لمعلم، لا بد أنه أحد الأطفال.
أتى يخترق المطر ليبحث عنها، رغم المخاطر!
“أنا هنا!!”
شعرت بالسعادة، لكن القلق اجتاحها في الوقت نفسه، على من يخاطر لأجلها في هذا الطقس.
“…بيلا!”
لكن صوت المطر كان يضرب الأذن، ولم تستطع تحديد مصدر الصوت.
“أنا هنا! هنا!”
لم يكن أمامها سوى رفع صوتها بدورها.
وفي تلك اللحظة، بدأت قطرات المطر تتصرف بشكل غريب.
بدل أن تسقط بشكل مستقيم، راحت تدور في الهواء تتجمع وتشكل كرة مائية.
وفجأة، انفجرت تلك الكرة بفرقعة خفيفة، وظهر منها مخلوق صغير.
ظهر فجأة في الهواء، ومدّت إيزابيلا يدها تلقائيًا لتلتقطه.
عندها فقط أدركت أنه ضفدع أزرق صغير.
“ما هذا؟”
ضفدع مائي خرج من الماء؟
لم تكن فقط غرابة شكله هي ما شدّ انتباهها، بل طريقة ظهوره أيضًا.
“هل هو جنّي؟”
لم تكن تعرف الكثير عن الأرواح بعد، فكان هذا أقرب تفسير في ذهنها.
الضفدع قفز بفرح وكأنه سعيد برؤيتها.
“كوو… كوو…”
صوته كان أوضح حتى من صوتها وسط زخات المطر.
وكأن صوته ينتقل عبر قطرات الماء نفسها.
وبينما كانت مندهشة مما حدث، اندفع ظل عبر المطر نحوها.
“إيزابيلا!!”
وكان القادم… آخر من توقعت.
“ثيو…؟”
“إيزابيلا…!”
هرع إليها وملابسُه مبللة بالكامل وارتمى في حضنها.
ضمّها بقوة، وهمس بكلمات مرتجفة:
“ظننتكِ اختفيتِ للأبد…”
‘صوت ثيو… جميل حقًا.’
أدركت حينها فقط أنه لم يكن أخرسًا.
“ظننت أنني سأُترك وحدي مجددًا…”
كان جسده يرتجف، لكن الارتجاف لم يكن فقط من البرد، بل من البكاء.
‘هل… ثيو يبكي؟’
“لا تختفي وتتركيني وحدي من جديد…”
عانقها كأنها آخر أمل له في العالم.
لم تكن تعرف السبب، لكنها بادلت عناقه بهدوء.
المربّية كانت تقول دائمًا عندما يبكي الطفل، فالحل أن تُعانقه.
وكان الجو باردًا، ودفء جسده جيد، فلم يكن هناك سبب لرفض عناقه.
***
ومنذ ذلك اليوم، تحول تيو إلى ظل لإيزابيلا.
صارا كالإبرة والخيط، لا يفترقان.
أينما ذهبت، كان يتبعها، ولم يكن ليفلت يدها بسهولة.
لم يتغير شيء في طباعه الهادئة، لكنه لم يعد يحتمل غيابها عن ناظريه.
“إن فكرت بالأمر، لولا المطر في ذلك اليوم، لما استطعتَ أن تجدني، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“هل كان إيلايم معك يومها؟”
“…استدعيتُه لأول مرة في ذلك اليوم.”
لأنه كان مستميتًا في البحث عنها…
في سن التاسعة، أصبح ثيو مستحضر أرواح من الدرجة العليا.
وبفضل ذلك، استخدم حواسّه كلها عبر قطرات المطر المتساقطة ليعثر عليها.
كما كانت إيزابيلا تستطيع تحديد أماكن الناس عبر اهتزازات الأرض.
“إذًا، كانت تلك هي البداية…”
لقد عاش طويلًا يخفي كونه مستحضر أرواح من الدرجة العليا.
“ثيو، لدي سؤال.”
“أنا أسمعك.”
“لماذا أخفيت الأمر؟”
كان هذا سؤالًا حيّرها في حياتها السابقة، ولا تزال إجابته غائبة عنها حتى في حياتها الحالية.
“لماذا أخفيت كونك مستحضر أرواح، وظللت في الميتم طوال تلك السنوات؟”
لو أعلن عن كونه مستحضر أرواح، لكان بإمكانه أن يحظى برعاية أحد النبلاء.
صحيح أن إيزابيلا الآن تعرف أن ذلك ليس أمرًا محمودًا، لكن وهي طفلة لم تكن لتعرف ذلك. بل من الطبيعي ألا تعرف.
ومع ذلك، كان ثيو يردّد دومًا وكأنه يعرف ما سيحدث له “لا أريد أن يتم استغلالي.”
أليس السعي إلى حياة أفضل رغبة بشرية أساسية؟
“لأنني لو قبلت بالرعاية، لكنت سأضطر إلى فِراقك.”
“لكنك كنت تعلم أن لديّ موهبة استحضار الأرواح أيضًا.”
كان دائمًا ما يُخفي أرواحه حين يكون بجوارها.
خصوصًا ناياس، الذي كان يرافقها دائمًا كظلٍّ حارس.
“…لم أكن أعلم.”
“كاذب.”
كذبة مكشوفة.
كان يتهرب من الإجابة.
نهضت إيزابيلا من بين ذراعيه واستدارت لتواجهه مباشرة.
“لا يمكن أن تكون تجهل استدعاء الأرواح العليا، وتنجح به وأنت في التاسعة، إلا إن كنت على دراية عميقة بالأرواح.”
عرفت عبر فايتشي أنها كانت قادرة على رؤية الأرواح الخفية فقط لأنها تملك موهبة فطرية.
لكن ذلك لأنها كانت تجهل كل شيء عن الأرواح. حرفيًا، كل شيء.
مجرد قراءة كتاب مبسط بعنوان أساسيات استحضار الأرواح أو عن الروحانيين كانت كفيلة بتفسير ذلك.
وأن يعرف كيفية استدعاء الأرواح العليا يعني أنه على الأقل ملمّ بكل هذه الأساسيات.
“أثناء مأدبة العشاء في قصر ماكا، قلت لي إنك لا تريدني أن أكون مستحضرة أرواح.”
قال إن النبلاء لن يتوقفوا عن مضايقتها حتى يدمروها.
كل الأمور التي عرفت إيزابيلا حقيقتها بعد أن عاشت حياة كاملة، كان هو يعلمها مسبقًا.
“لماذا؟”
هل يمكن أن يكون مثلها قد عاش هذه الحياة من قبل؟ هل عاد من مستقبل ما؟
‘لكنه لا يتصرف كمن يعرف المستقبل تحديدًا.’
لكنه في المقابل، يعرف طباع النبلاء جيدًا… أكثر من اللازم.
كما لو أنه…
‘كما لو أنه عاش تلك الحياة بنفسه.’
خفق قلبها بقوة.
إن كان ثيو من النبلاء قبل أن يصل إلى الميتم…
‘فمن الطبيعي أن يخطط أولئك لإسقاطنا ما دمنا لم نسقط بعد.’
ولو أنه عاش ذلك الانهيار بنفسه…
‘لم أكن أعلم… أنه يخفي سرًّا بهذا الحجم.’
إن كان ذلك هو السر الذي تحدث عنه فايتشي…
‘يُضحّي بنفسه ويحمل عبءَ دمائه النجسة ليحميك.’
حتى فايتشي الذي يحتقر العامة، استخدم تعبير “يُفصح” بدلاً من “يُكتشف”، وهو تعبير غير مألوف في السياق، ما يشير إلى أمر أعمق.
دماء نجسة؟
إن لم يكن يقصد عامة الشعب، فهناك احتمال آخر…
‘وكان مصيره الحرق حيًّا.’
مجرد احتمال كان كفيلًا بإحداث كارثة خلال أيام.
خائن.
هبط قلبها فجأة.
في الإمبراطورية، لم يكن هناك سوى أربعة مستحضرين أرواح يمكنهم إعادة كتابة التاريخ.
أحدهم هو الإمبراطور الحالي، وإن كان على فراش الموت، لكنه كان أقوى روحاني نار.
وآخر هو أورلاندو ماكا، روحاني رياح من الدرجة العليا، والد ليكاردو، وقد هلك في نوبة فقدان السيطرة.
والثالث… أوبهيليا، روحانية الأرض التي ظهرت فجأة، وحازت على حب الإمبراطور، ثم اختفت بعد فشلها في اغتياله.
أما الرابع…
“دوقية لويد.”
جيرميان كرونوس فان لويد، ربّ العائلة التي أُبيدت بالكامل بتهمة الخيانة قبل 12 عامًا.
كان أعظم روحاني ماء في عصره.
‘من المستحيل أن تكون مجرد صدفة.’
لقد دخل ثيو إلى الميتم قبل 12 عامًا بالضبط.
وهو روحاني ماء كذلك.
ومع كون الميول الروحية تنتقل بالوراثة، فإن ولادة روحاني ماء من الدرجة العليا في عائلة لويد ليست أمراً غريبًا.
‘لكن قيل إن جميع أفراد دوقية لويد قد قُتلوا.’
كانت فايتشي ووالدته الإمبراطورة الحالية، يكرران الحديث عن تلك الحادثة كثيرًا، لذا فهي تعرف القصة جيدًا.
يُقال إن منزل الدوق احترق بالكامل واختفى كل من فيه.
‘كان لديهم ابن، أليس كذلك؟ لكن قيل إنه مات أيضًا.’
أحد الفرسان هرب بالطفل، لكنه أُلقي القبض عليه لاحقًا.
وأُحرق حيًّا حتى لم يُعرف شكله.
قتلوا الجميع من أقارب وأصدقاء، رجالًا ونساءً وأطفالًا، بلا استثناء، حتى لا يفكر أحد بالخيانة مجددًا.
لكن قلب إيزابيلا ظلّ ينبض بجنون أمام هذا الاحتمال.
كل الخيوط متصلة، وكل الأسئلة تجد أجوبة فجأة.
‘حتى خوف ثيو من النار…’
إن كان منزله قد التهمته النيران، وفقد فيه عائلته وأصدقاءه، فمن الطبيعي أن يحمل صدمة من النار.
“ثيو.”
سألت وهي تقمع رجفة قلبها:
“ما الذي تخفيه عني؟”
——
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 34"