لن أخدع مرتين [ 31 ]
بأمر منه، ارتفع عمود هائل من النار في وسط ساحة القتال.
ابتسم فايتشي بزاوية فمه، وتألقت عيون النبلاء الذين لم يشهدوا روحانيًا من المستوى العالي منذ زمن.
“لا!! بيلا، اهربي!”
صرخ ثيو فجأة، غير مهتم بمسألة الانسحاب أو استمرار التحدي.
أراد أن يستدعي روحًا عليا لحماية إيزابيلا، لكن الاتفاق الذي وُقِّع قبل بداية القتال يمنعه من ذلك.
فقد وُضعت قيود تمنع أي روحاني من خارج القتال من التدخل، حتى لا يؤثر على نتيجته.
كانت تلك القيود أضعف من حواجز السجون، لكنها فعالة جدًا.
صرخ الكونت موتكان غاضبًا:
“سأريكِ جحيم النار!!”
ثم أطلق دُبًا ناريًا ضخمًا بلون أحمر نحو إيزابيلا.
وكان ضخمًا لدرجة أن الأرض اهتزت تحت أقدامه في كل مرة يخطو فيها.
وكانت النار تغطي جسده بالكامل، وكلما لوّح بمخالبه، انطلقت كرات نارية كأنها قنابل.
ثم قفز الدب الناري عاليًا ومعه عشرات الكرات النارية، وسقط مباشرة فوق إيزابيلا.
-دوِيٌّ هائل!
كان الانفجار مدمرًا.
اهتزت مقاعد الجمهور، وكل ما رآه الناس أمامهم كان اللون الأحمر.
كأن ألسنة اللهب قد ابتلعت ساحة القتال بالكامل.
“واااه!!”
قوة الانفجار كانت مذهلة.
رغم أن الجميع يكره تهوّر الكونت موتكان، فإن مشهد القتال كان مثيرًا ولا يُنسى.
وهتف الجمهور بحرارة، وارتفعت صيحاتهم إلى السماء مع لهيب المعركة.
لكن لم يشارك الجميع في هذه الحماسة…
“بيلا!!”
“ذلك الأحمق المجنون!!”
وقفا كل من ثيو وليكاردو من مقعديهما في نفس اللحظة.
لكن كاساندرا أوقفتهما.
“إن تدخلتما، تُلغى المبارزة فورًا.”
رد ثيو غاضبًا:
“أهي مسألة قانون الآن؟! إيزابيلا قد تموت!”
دَوِيّ.
وفي اللحظة التي همّ فيها ليكاردو بالصراخ على كاساندرا، التي بدت غريبة هذا اليوم…
اهتزت الأرض.
وسرعان ما عمّ الصمت الحضور.
دَوِيّ آخر.
لم تكن مجرد أوهام… الأرض تهتز بالفعل.
دَوِيّ.
موجات اهتزاز قوية، كأن شيئًا ثقيلًا جدًا يضرب الأرض.
دَوِيّ مستمر.
توقف الجمهور عن التشجيع، وتجمدوا وهم يحدّقون في عمود النار الذي كان يتصاعد مع الغبار.
وغريزيًا، شعر الجميع أن شيئًا هائلًا يسيطر على المكان…
كيان مهول… طاغٍ.
دَوِيّ. دَوِيّ. دَوِيّ.
اهتزت الأرض أكثر، والضربات صارت أقوى وأقرب.
“ما… ما الذي يحدث؟!”
“ساحة القتال تنهار! علينا الهرب!”
“آه، رأسي…!”
بدأ الناس يتمسكون بالكراسي أو يمسكون رؤوسهم من الألم.
لقد تجاوز الشعور بالإثارة وتحول إلى خوف حقيقي.
ثم، حدث شيء آخر…
بدأ الغبار يتشكل حول عمود النار، وتحول إلى دوامات من الرمال تدور حوله.
تجمعت الدوامات لتشكّل أعمدة ترابية صغيرة بدأت تقيّد لهب النار كما لو كانت سلاسل.
وكانت تزداد قوة، وتلتف حول اللهب أكثر فأكثر.
“تراب…؟”
تمتم ثيو، وعندها لمعت عينا كاساندرا، وقد بدأ تنفسها يسرع من الحماسة.
بصوت خافت، بدأت تردد واحدة من أبسط قواعد فن الأرواح:
“ما خُلق بقوة الأرواح… لا يُقيد إلا بقوة الأرواح.”
وإذا كان عمود اللهب خُلق بطاقة روح، فإن هذه الأعمدة الترابية التي كبّلته، لا يمكن أن تكون إلا من روح أقوى.
انطلقت كلماتها في الساحة الصامتة وكأنها جرس إنذار.
دوِيّ. دوِيّ عنيف.
بدأت الأرض تزأر.
“آه!! إنها تنهار!!”
“آآاه!! زلزال!!”
بدأ الناس يصرخون ويتدافعون، وساحة القتال التي بُنيت لتتحمّل أقوى الصدمات بدأت تتصدّع.
ثم… لم تَعُد الأعمدة الترابية تكتفي بتقييد النار، بل ابتلعتها بالكامل.
واختفى كل شيء في رمشة عين، صاعدًا إلى السماء كدوامة ضخمة… ثم اختفى.
انقشع الغبار.
ورأى الجميع ساحة القتال من جديد.
وصُعقوا.
حبسوا أنفاسهم، وشُلّت ألسنتهم.
منهم من فغر فمه، ومنهم من اتسعت عيناه صدمةً، لكن الجميع صمتوا.
ثم قُطع الصمت بصوت هادئ ناعم لفتاة:
“آه… لقد فاجأني عندما هجم الدب فجأة!”
كانت هذه… إيزابيلا.
وكانت بخير تمامًا.
ولم تكن وحدها.
بل كانت تجلس بأناقة على ناب فيل عملاق بلون التراب يملأ ساحة القتال.
إنه روح الأرض العليا، ‘كلاي’.
كانت تتدلّى ساقاها من على ناب الفيل، يتمايل طرف فستانها الذهبي مع كل حركة، ويعكس ضوء القمر، مما زاد من هيبة وهيئة روح الأرض.
رغم أنهما من المستوى نفسه كروحانيين من الدرجة العليا، إلا أن الفرق في المهارة بينهما كان واضحًا.
قالت إيزابيلا بابتسامة هادئة وهي تمد يدها اليمنى إلى الأمام:
“لقد استدعيتَ إيفريت، بينما أنا واجهتك بروحي نووم فقط، وهذا تصرّف غير لائق. أعتذر.”
بدأت طاقة الأرض تتدفق من ذراعها نحو راحة يدها، مجذوبةً من كل ما حولها.
من التراب العالق في الهواء، ومن الأرض تحت الأقدام، وحتى من الغبار العالق على ثياب الحضور.
كل ذرة كانت جزءًا من قواها.
كانت هي من تسيطر على المجال.
ثم قالت بابتسامة مشرقة:
“الآن، سأبدأ بجدية.”
نظرت إلى الكونت موتكان وسألت:
“إيفريت ليس الروح الوحيد لديك، أليس كذلك؟”
ثم نقرت بلطف على ناب روحها العلوي كلاي،
دووم!
داس كلاي الأرض بقدمه الضخمة، فكان إيفريت تحتها، يتلقى الضربة مباشرة.
“هاه!!”
وصلت آثار الضربة إلى موتكان، المتعاقد مع إيفريت فورًا.
قالت إيزابيلا بنبرة ساخرة:
“هل من المعقول أن تملك روحًا واحدة فقط؟ وأنت روحاني من المستوى العالي؟ لا يمكن.”
دووم.
“آخ… كفى…!”
تابعت بنبرة مرحة:
“أظن أنني قرأت في أحد الكتب أن الروحاني من الدرجة العليا يمتلك عادة ثلاث أرواح على الأقل.”
دووم.
“ككهه…!”
لم يتحمل إيفريت الهجوم المتواصل، فتفككت صلته بالعالم واختفى.
وبسبب ذلك، بصق الكونت موتكان الدم.
فعندما يُستَبعد روحٌ قسرًا من دون إرادة صاحبه، يتحمل المستدعي الصدمة.
صرخ موتكان بصوت مبحوح:
“كفى! أُعلِن انسحابي!”
كاد يسقط أرضًا وهو يترنح من الألم، لكنه بالكاد تمالك نفسه.
راح يحدّق بإيزابيلا بنظرة حانقة.
لكنها لم تبالِ.
بل كانت تتأرجح برجلَيها وهي جالسة على ناب كلاي، وهمست:
“غريب…”
لم تكن تنظر إلى الكونت، بل إلى المدرجات العليا، حيث يجلس ولي العهد وبجواره فايتشي.
نظرت مباشرة إلى فايتشي الذي لم يستطع إخفاء صدمته وغضبه، وقالت له:
“لكن سموّك قلتُ إنه لا مجال للانسحاب، أليس كذلك؟”
“…!”
شحبت ملامح موتكان، ونظر إلى فايتشي مستنجدًا، لكن فايتشي تجاهله تمامًا.
كان مشغولًا بإخفاء انفعالاته أمام استفزاز إيزابيلا.
قالت إيزابيلا وهي تبتسم وتدع الطاقة الترابية تلتف حول جسدها:
“ما هو قانون المبارزة من جديد؟”
تسللت الطاقة نفسها إلى نووم، فاسترخى بجانبها بوجه هادئ.
“أظنّه… حتى يُصبح أحد الطرفين غير قادر على القتال، أليس كذلك؟”
ابتسمت بلطف، في حين كان فايتشي يعض شفتيه غضبًا.
قبضته كانت ترتجف، وأظافره غرست في راحة يده حتى سال الدم.
حتى من حيث جلست، كانت ترى كيف برزت عضلات فكه من شدة التوتر.
وبينما كانت تستمتع بنظراته تلك، قالت بهدوء:
“فلنُكمل المبارزة إذًا.”
وفي تلك الليلة، خسر فايتشي كل شيء.
خسر مبارزته أمام روحانية من الطبقة الدنيا،
وخسر أيضًا مقعده في جمعية مستحضرين الأرواح.
كانت تلك نتيجة غروره.
***
تم طيّ صفحة الحدث، لكن ظهوره المفاجئ لروح من الدرجة العُليا لم يتوقف الناس عن الحديث عنه.
كان أكثر ما أثار اهتمام الجميع، هو كيف قامت فتاة مجهولة بسحق روحاني من النبلاء بلا رحمة.
وبينما بدأت الشائعات تأخذ أشكالًا مختلفة من شخص لآخر،
تحوّلت الحكاية إلى قصة يعرفها كل مواطن في الإمبراطورية.
قالت كاساندرا وهي تطلّ من نافذة في نهاية الممر:
“حتى اليوم، الناس لا يتحدثون إلا عنك في السوق.”
ثم أضافت بابتسامة لم تستطع إخفاءها:
“كنت أعرف أنك روحانية من الرتبة العليا، لكن لم أتوقع أن تكوني بهذه القوة.”
ضحكت إيزابيلا، التي كانت تقف بجانبها تنظر من نفس النافذة، وقالت:
“وهذا لم يمنعكِ من المراهنة ضدي أمام الأمير بثقة كبيرة.”
كانتا داخل مقر نقابة باتوكا.
تحديدًا في ممر الطابق الثاني الذي أُبقي جزء منه مفتوحًا ليطل على الطابق الأول.
جلست كاساندرا على حافة الشرفة، وضمّت ذراعيها وقالت:
“ظننت أنك لن تقبلي التحدي إلا إذا كنتِ واثقة من فوزك بنسبة 120%.”
“يا لكِ من واثقة بي!”
ردّت إيزابيلا بمرح.
“فكّري في أول لقاء لنا. هل أبدو كشخص يُخدع بسهولة؟”
ضحكت إيزابيلا وقالت:
“لم يكن بوسعي إظهار الضعف. لو بدوتُ ساذجة، لكنتِ كرهتِني من البداية.”
“معكِ حق.”
أجابت كاساندرا وهي تهز رأسها موافقة.
“إذًا… هل نصبح صديقتين من الآن فصاعدًا؟”
“مستحيل.”
قالت كاساندرا ذلك وهي تلوّح براحتها رفضًا، لكن إيزابيلا رأت بوضوح ابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها.
رغم كلماتها، كان من الواضح أنها بدأت تُكنّ مشاعر إيجابية تجاه إيزابيلا.
فالعلاقة بينهما بدأت تُبنى على أساس من الثقة.
بعد ما حدث، تيقّنت كاساندرا تمامًا أن إيزابيلا لا تخطط لخيانة عائلة الماركيز ماكا، بل إنها تقف بوضوح ضد فايتشي.
قالت كاساندرا:
“على أي حال، بفضلكِ وبسبب ما حدث، يبدو أن تجارتنا ستنطلق بنجاح.”
فالناس عاد اهتمامهم يتوجه مجددًا نحو الأرواح.
ثم أضافت مبتسمة:
“خصوصًا أنكِ أصبحتِ بطلة قصة تُشبه روايات (التحوّل الكبير في الحياة).”
وبذلك، بثّت الأمل في نفوس كثير من العامة، وجعلتهم يحلمون بأن يتغير مصيرهم أيضًا.
قالت إيزابيلا بهدوء:
“سماع أن بداية المشروع تبشّر بالخير… خبرٌ سار.”
مشروعهما لم يكن معقّدًا.
ببساطة، كانا يعملان في تجارة أدوات الأرواح.
ورغم أن الأرواح كانت أساس قوة الإمبراطورية، فإن الأدوات المصنوعة بقواها كانت نادرة.
فأدوات الأرواح عادة ما تكون مواد قابلة للاستهلاك، ولا يمكن صنعها إلا على يد الروحانييم.
صحيح أن هناك من يبيع مثل هذه الأدوات، لكن أغلبهم من روحانيين من المستوى المنخفض، مما يجعل أدواتهم ضعيفة ومرتفعة التكلفة.
ورغم ذلك، كان النبلاء الذين لا يملكون أرواحًا يشترونها إما للاستعمال أو بدافع اقتنائها.
وفي النهاية، وبسبب أسعارها المرتفعة، ظلت هذه الأدوات حكرًا على طبقة النبلاء، مما حافظ على ندرة الأرواح في نظر المجتمع.
—–
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 31"