“بينما كنتِ تفرين طلباً للحرية، ذلك الأحمق كان يُحرَق حيًّا في الساحة.”
صوت احتكاك أسنان ليكالدو ببعضها بجانبها كان كافياً ليؤكد أن كلمات فايتشي كانت صحيحة.
“بطبيعة الحال، كل الأنظار في القصر الإمبراطوري انصبّت على مشهد إحراق الخائن، وتم سحب الجنود إلى هناك. استغلال تلك الفوضى لتهريبكِ كانت خطة فعّالة جداً. لولما ذاك الجاسوس، لكنت انخدعتُ أنا أيضاً، أيمكنكِ تصديق ذلك؟“
استمر فايتشي في سخريته، لكن كلماته ما عادت تصل إلى أذني إيزابيلا.
ثيو أُحرِق حيًّا.
فقط… لينقذها.
أُحرِق بالنار.
“آه…!”
وانهارت إيزابيلا.
بسببي… ثيو مات.
قلبها كان يتمزق. كم كان يخاف من النار…
ذاك الفتى الذي يرتجف حتى أمام نار موقد صغيرة بسبب صدمة قديمة… قد تم إحراقه حيًّا.
“ثيو…!”
كانت تحبه.
ولم تستطع حتى أن تخبره بذلك.
لم تتوقف عن حبه لحظة واحدة.
حتى عندما ظنت أنه تخلى عنها وغضبت.
حتى عندما دفعته بعيدًا بكلمات قاسية.
كانت تحبه.
لم يكن هناك لحظة واحدة لم يكن قلبها متعلقًا به.
حتى عندما كانت تحت تأثير سحر التلاعب العقلي، كانت رؤيته تجعل رأسها يؤلم، ويضعف تأثير السحر.
كانت تحبه إلى ذلك الحد.
فلماذا لم تثق به؟
آه، كم هو مؤلم هذا الندم.
كانت تحبه.
تمنّت لو أنها بنت جداراً من الشوك، على الأقل، حول قلبها.
ذلك الجدار الذي حاول ثيو اختراقه، فتلقى الجراح، ونزف، ومع ذلك أصرّ على الوصول إليها…
لكنها هي، تجاهلت كل شيء.
بذريعة الخوف.
وبذريعة الألم.
كانت جبانة حتى النهاية.
ومن أجلها، تلك الجبانة، ضحى بحياته.
“آه……ثيو…!”
ها هو الندم يتفجر الآن.
هي التي أفلتت يده…
ثم ها هي تبكي ببلادة على ما خسرته.
كانت تمسك السوارين المرتجفين في يدها.
واحد منهما ممزق وبائس، تمامًا كعلاقتهما التي انتهت بتلك الطريقة المؤلمة.
“تبًّا لكِ، أفيقي أيتها المجنونة!”
بينما كانت إيزابيلا تمزق قلبها نحيبًا، كان ليكالدو يقاتل فايتشي.
رغم جهوده المستميتة، كان التفوق لعدوه.
فهو بالكاد كان يصد هجمات الجنود المسلحين، ناهيك عن الأرواح السحرية التي أطلقها فايتشي.
“اللعنة! اهربي حالًا!”
صرخ ليكالدو مرارًا، يطالبها بالفرار، لكن صوته لم يصل إليها.
كانت روحها تغرق في ظلمةٍ عميقة بلا قرار.
“أسرعي…!”
صوته، وصخب القتال من حولها، أخذ يتلاشى.
كانت نيران الأرواح تحرق الغابة من حولهم.
الحرارة بدأت تلتهم جسدها، وتذيب عالمها كله.
ومع ذلك، لم تتحرك.
هل كانت قد فقدت الإحساس بسبب التعذيب؟
أم لأن الحزن استهلك كل شعورها؟
في كلتا الحالتين، لم يبقَ فيها ما يدفعها للهرب.
فما نفع النجاة؟
ثيو لم يعد هنا.
زالت كل أسباب الحياة.
“ثيو…”
كم كنت تتألم وسط هذه النيران؟
كم عانيت؟
كم كنت خائفًا؟
“أنا آسفة…”
يا ثيو، يا أغلى من روحي.
كنتَ دومًا كل شيء.
آسفة لأني لم أصدقك.
آسفة لأني أفلتت يدك.
آسفة لأني لم أملك الشجاعة.
آسفة لأني تركتك وحدك.
كنا قد وعدنا أن نكون سعيدين… سويًّا.
لكنني دمرت كل شيء.
بغبائي.
دموعها سالت على وجنتيها، وسقطت على السوار الذي كانت تقبض عليه بقوة.
“أحبك… ياثيو…”
وفي النهاية، لم تعد قادرة على مقاومة الدخان المنبعث من النيران.
فانهارت جانبًا، فاقدةً للوعي.
وفي تلك اللحظة، انطلقت قوة غريبة من السوار.
قوةٌ عظيمة لا يمكن وصفها بالكلمات اجتاحت المكان بأكمله.
حتى الأرواح النارية التي كانت تشتعل حولهم، توقفت في ذهول.
إحدى تلك الأرواح، ذات هيئة الأرنب الأحمر، توقفت تمامًا، تحدّق في مصدر القوة وقد بدت على وجهها ملامح الحيرة، وكأنها تتساءل: “لماذا هذه القوة هنا؟“
ثم… همست أمنية قديمة:
‘أرجوك، دعنا نبقى معًا إلى الأبد.’
‘ارجو أن نكون سعيدَين إلى الأبد…’
تردد صدى الأمنية الصغيرة التي تمنّياها معًا في الطفولة، كصوتٍ آتٍ من بُعدٍ سحيق.
واندفعت القوة الغريبة، التي كانت تزمجر كالإعصار، فجأة إلى داخل جسد إيزابيلا.
بدأ العالم من حولها يتصدّع.
ما الذي يأتي بعد الموت؟
رغم أنها كثيرًا ما تخيّلت ذلك، لم تظن يومًا أنها ستعيشه فعلاً.
فتحت إيزابيلا عينيها ببطء.
“أين… أنا؟“
كان المكان مألوفًا… لكنه أيضًا بدا بعيدًا جدًا عن ذاكرتها. إنه غرفة الطفولة في دار الأيتام، حيث قضت سنواتها الأولى. الغرفة كانت خالية من الأطفال الذين كانت تشاركهم إياها.
ومن خلال النافذة المفتوحة، تسللت ضحكات الأطفال المرِحة مع نسمات النسيم. كان يومًا مشرقًا، كل شيء فيه يوحي بالسلام، كأن ما جرى سابقًا لم يكن سوى كذبة.
“هل… هذا حلم؟“
هل من الممكن أنها لم تمت؟
رغم أنها شعرت بوضوح بروحها تغادر جسدها…
نظرت إلى نفسها، فبدت لها خفيفة كأنها طيف. كانت ترتدي منامة وردية كانت تحبها في طفولتها.
“هل هذه لحظة استعراض الحياة قبل الموت؟“
ضحكت بخفة، ونهضت من السرير. بدأت تتجوّل في الغرفة ببطء.
سرير طفولتها، الجدران المتشققة في المبنى القديم، خزانة الملابس المهترئة…
مرّت أصابعها بحنين على كل تلك التفاصيل التي لطالما اشتاقت إليها.
توقفت أمام المرآة بجانب الخزانة، وابتسمت بمرارة.
في المرآة، رأت نفسها في سن الطفولة.
فتاة قروية بريئة، بوجه صافٍ خالٍ من ندوب الزمن، وشعر بنيّ مجعّد يلمع تحت أشعة الشمس، لا أثر فيه للقص العشوائي.
مدّت يدها نحو صورتها في المرآة، وانعكاسها فعل المثل. لم تكن تلك اليد المليئة بالجراح… بل كانت ناعمة ونقية.
“نعم… كنت مشرقة وجميلة هكذا.”
ابتسمت ابتسامة حزينة، وهي تنظر إلى صورة من ماضٍ لا يمكن العودة إليه.
“هل منحني الإله هذه الذكرى كنوع من الرحمة؟“
لكن إن كان الأمر كذلك، فهو إله قاسٍ.
لأن ما يحدث الآن ليس استرجاعًا دافئًا لذكرى جميلة، بل تذكير مؤلم بأنها دمرت كل تلك الأيام السعيدة بسبب كلمات كاذبة من شخص لا يستحق.
“أم… هل هذا هو العالم الآخر؟“
ربما هو نوع من العقاب، حبس أبدِيّ داخل أجمل لحظة عاشتها.
“وإن كان كذلك…”
راودها أمل صغير.
إن كانت قد عادت حقًا إلى أسعد أوقاتها… فلا بد أن ثيو موجود في مكانٍ ما هنا.
حتى لو كانت مجرد أوهام، كانت ترغب بشدة في رؤيته مجددًا.
وفتحت باب الغرفة بقلبٍ متلهف.
مرت وجوه مألوفة كثيرة في الممر. الأطفال كانوا يتصرفون كأن لا شيء غريب حدث. لم يبدو عليهم الدهشة لظهورها.
كان صباحًا عاديًا تمامًا في دار الأيتام.
“أنتِ.”
نادَت إيزابيلا فتاةً كانت تجلس على السلالم، تلعب بالدمى. كانت من أولئك الذين كانت تشاركهم الصحف والكتب أحيانًا.
“هل رأيتِ ثيو؟“
تغيّر وجه الطفلة، وعبست في استغراب، كأنها سمعت شيئًا عجيبًا.
حدّقت بها مطولًا، ثم تنهدت.
“أختي… هل تحلمين؟ كيف يمكن أن يكون ثيو هنا؟“
“غير موجود؟“
“طبعًا لا. لقد مضى على رحيله قرابة السنتين…”
“ماذا…؟“
“أفهم أنك تفتقدينه. وأفهم أن انقطاع الرسائل يحزنك. لكن لا تجنّي رجاءً. المديرة قلقة عليكِ.”
تلك الكلمات العفوية، التي أُلقيت بلا اهتمام، جعلت قلب إيزابيلا يرتجف بشدة.
‘رسائل…’
‘رحل منذ سنتين…’
تلك العبارات المألوفة أعادت شريطًا مأساويًا إلى ذهنها.
الفترة الوحيدة التي غاب فيها ثيو عن دار الأيتام كانت حين بلغت هي السادسة عشرة وحتى الثامنة عشرة، خلال الحرب.
الحرب الكبرى التي دفعت بالإمبراطورية إلى ثورة صناعية، والتي أُجبر خلالها معظم الرجال الأقوياء على التجنيد.
وكان قيو، الذي بلغ الثامنة عشرة مع بدء الحرب، من أوائل المجندين.
‘قالت إن الرسائل انقطعت…’
وتذكرت: رسائله الأسبوعية توقفت قبل نهاية الحرب بثلاثة أشهر.
كان ذلك الحدث بالضبط هو ما زرع بينهما الشك وأدى إلى الفجوة العاطفية.
لا يمكن أن تكون مخطئة بشأن هذا.
شعرت أن هناك شيئًا غير طبيعي، فسألت الفتاة:
“ما تاريخ اليوم؟“
نظرت إليها الطفلة بملل.
“ما هذا الكلام الغريب؟ تتحدثين كالعجائز!”
لكنها أجابت على مضض:
“السابع والعشرون من مارس. مكتوب في الصحيفة هناك.”
نظرت إيزابيلا إلى الصحيفة حيث أشارت الطفلة.
وانقبض قلبها.
في الصفحة الأولى من الجريدة، ظهر بخط عريض:
“نهاية الحرب.”
حين قرأت تلك الكلمة، شعرت وكأن شيئًا ما يغرز نفسه في رأسها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 3"