لم يُعلم أحد متى اجتاز الزحام، لكن ثيو كان قد وصل إلى حيث يقف الثلاثة.
قال وهو يُخفي إيزابيلا خلفه:
“لقد أصبحت مؤخرًا فقط روحانية، ولا تزال تفتقر للتمرس في التحكم بالأرواح. إن خاضت الآن مباراة، فلن تكون عادلة.”
فقال فايتشي بنبرة ماكرة:
“من هذا الذي أراه؟ أليس هذا بطل الحرب نفسه؟”
“…تحية طيبة أرفعها لك.”
ردّ ثيو بتحية متأخرة على ترحيب فايتشي الملتوي.
“لكن، قل لي يا بطل الحرب… متى تحديدًا تصبح المباراة عادلة في نظرك؟”
“……”
“أليست المباراة في جوهرها اختبارًا للمستوى الحالي؟ أليس مقدار التدريب والمهارة المكتسبة هو ما يُسمى بالكفاءة؟”
بكلمات أخرى، كونها غير متمرسة لا يُعد مبررًا كافيًا لرفض المواجهة.
“ثم إن هدفنا هنا هو إيجاد معلّم لها. ولا سبيل إلى ذلك إلا إن عرفنا مستواها الحقيقي، أليس كذلك؟”
لكن ثيو لم يسمح له بالاسترسال، وقال بثبات:
“سأتولى تدريبها بنفسي.”
كان يمسك بمعصمها من خلف ظهرها، وقد شدّ قبضته عليه وكأنه يُصرّ على حمايتها.
وكان محقًا في ذلك.
فالكونت موتكان، ما إن حصل على لقب “روحاني من الرتبة العليا”، حتى بدأ بمضايقة الروحانيين من الرتب الأدنى في كل مكان.
ورغم أن معظم النبلاء تجنبوه، فإن بعض الروحانيين بدافع من كرامتهم المجروحة قبلوا تحدياته.
لكن النتيجة كانت دومًا محسومة سلفًا.
فحتى داخل الرتبة الواحدة، هناك تفاوت كبير في المهارات، فما بالك بين رتب مختلفة؟
كثيرًا ما كان يواصل الهجوم رغم انسحاب خصومه، مدعيًا أنه لم يرَ أو يسمع انسحابهم، متسببًا في إصابات خطيرة.
لهذا السبب، لم يكن ثيو ليرضى بإدخال إيزابيلا إلى حلبة كهذه.
قال ليكاردو مؤيدًا:
“كلام ثيو سليم تمامًا.”
فهو أيضًا كان يدرك ما الذي يسعى إليه فايتشي بوضوح، وهو تدمير روحانية منزل ماركيز ماكا.
ولم يكن ليمنحه تلك الفرصة.
“بما أن ثبو سيدرّبها، فلا حاجة لمدرّب آخر.”
فردّ فايتشي وكأنّه كان ينتظر هذه اللحظة:
“إذًا تنسحبون؟”
فرد ليكاردو بثبات:
“بل أرفض العرض من الأساس. وهذا فرق كبير.”
أراد أن يوضح أن رفضهم لم يكن نتيجة خوف أو ضعف، بل خيار محسوب.
“هكذا إذن…”
تنهّد فايتشي وكأنه مستمتع بما يحدث، في حين بدأت إيزابيلا تشعر بالضيق.
‘هذا ليس ما أردته…’
كان هدف فايتشي إغواء روحانية ساذجة لتقع في فخ مباراة ضد الكونت موتكان.
وكانت الخطة محكمة.
فالجميع كان سيظن أن نتيجتها الحتمية إما هزيمة مدوّية لإيزابيلا أو إذلال كامل لمنزل ماكا.
أما إيزابيلا، فكانت تعتزم تحطيم تلك التوقعات بالكامل.
فمن لم يكن يعلم شيئًا، هو فايتشي نفسه.
وكانت تنوي أن تجعل الكونت موتكان يدفع ثمن تهوره، إن لم يكن بحياته، فعلى الأقل بإذلاله علنًا.
وبذلك، تُمهّد لانبعاث منزل ماكا من جديد، بطريقة صاخبة تُعلن عودته.
ولهذا السبب، أخفت قوتها الحقيقية، وأظهرت براءة زائفة لتجعل فايتشي يستهين بها ويقدم على التحدي.
‘كنت أعلم أن ثيو سيحاول منعي…’
ولهذا، كانت قد أعدّت كلمات لإقناعه مسبقًا.
لكن المفاجأة كانت في انضمام ليكاردو إلى ثيو في الانسحاب.
‘لم أتوقع أن يستسلم حتى الماركيز المستقبلي…’
قال فايتشي بنبرة استفهام خفيفة:
“أنتم حقًا لا تنوون خوض المباراة؟”
كان ذلك بمثابة اعتراف ضمني بتفوّق خصمهم، ما يمس كرامتهم.
وبالطبع، كان طلب فايتشي للمبارزة أساسًا تصرفًا دنيئًا، فليس من المعتاد أن يطلب روحاني من رتبة عليا القتال مع من هم دونه.
كانت المبارزات عادة ما تجري بين متكافئين فقط.
لكن الكونت موتكان، وقد تذوّق نشوة التفوق، لم يكن ليرتدع.
ولمّا فاق الأمر الحد، سبق وأن تلقى تحذيرًا رسميًا من القصر الإمبراطوري ليكفّ عن ذلك.
وقد خفتت حماسته قليلًا بعدها.
أما الآن، فالأمير نفسه يشجعه، مما منح الأمر صبغة رسمية يصعب رفضها.
ولم يعد لديهم مبرّر كافٍ للانسحاب سوى القبول بالهزيمة.
قال فايتشي بصوت خافت لكن مسموع للجميع:
“يبدو أن العثور على روحانية لم يكن له أي فائدة تُذكر، أليس كذلك؟”
كانت كلمات تهدف إلى زعزعة الثقة.
ورغم أن مجرد وجود روحانية في بيت ماكا كان حدثًا مهمًا، فإن بث الشك في نفوس الناس كان سهلاً عليه.
‘هل كنت مخطئًا حين ظننت أن وجود روحانية سيُغير كل شيء؟’
‘إن لم تكن ذات كفاءة، فما الفرق بين وجودها وعدمها؟’
‘لو كانت السلطة تُنتزع بروحانية واحدة، لامتلكها كل بارون ونائب.’
لم يُعبّر أحد عن ذلك بصوت عالٍ، لكن كثيرين بدأوا يتبنون هذا التفكير في سرّهم.
‘لا يبدو أن نهوض عائلة ماكا سيحدث.’
أدركت إيزابيلا أن فايتشي يحاول التأثير على العامة، وعضّت على شفتيها ضيقًا.
‘لا عجب… لطالما احترف التلاعب بالشائعات.’
فقد فعل الشيء نفسه مرارًا في حياتها السابقة.
كانت كذباته البسيطة تتحوّل شيئًا فشيئًا إلى قناعات يصعب دحضها.
وكان عليها أن توقف هذه الصورة من الترسّخ الآن.
“سيدي الشاب، لا بأس. كنت أرغب منذ مدة في اختبار مستواي الحقيقي.”
كان لا بد لها من كسر هذا التوجه.
“من يدري، ربما تكون مواجهة ممتعة.”
قالت ذلك وهي تبتسم بخفة وهي تنظر إلى فايتشي والكونت موتكان معًا.
وعندها، شعر موتكان بوخزة غريبة في أعماقه.
قشعريرة سرت في عموده الفقري.
لقد كان تحذيرًا بدائيًا من غرائزه.
لكن، بما أنها كانت أول مرة يشعر بشيء كهذا، ظن أن ما يشعر به هو مجرد حماس وترقّب للمبارزة… وتجاهله.
“بيلا، لا تفعلي.”
“إيزابيلا، ثيو محق. إن كان خوفك على عائلة ماكا هو السبب، فلا داعي لذلك…”
“آه، دعوني أُقاتل فحسب.”
حين همّ كل من ثيو وليكاردو بمنعها مجددًا، قطعت صوت امرأة كلامهما فجأة.
كانت كاساندرا قد تابعت كل ما جرى من بعيد، ثم تقدّمت نحوهم.
بينما تأنّقت بنات النبلاء بفساتين زاهية تواكب الموضة، ظهرت كاساندرا بسروال ضيّق وقميص واسع، يعلوه عباءة تحمل شعار نقابة باتوكا.
رغم اختلافها الصارخ عن الأخريات، فإن فخامة الأقمشة التي ترتديها جعلت مظهرها لا يقل عنهن مرتبه.
وقفت بإحدى يديها على خصرها، بوقفة واثقة تميل قليلاً، مما زاد من التباين بينها وبين دايفيد الواقف خلفها بانضباط كامل.
نظرت إليهما إيزابيلا بدهشة لوهلة، ثم تذكّرت:
‘أوه، صحيح… شان ودايفيد من عائلة الكونت باتوكا.’
على عكس جوشوا وإيدوارد، فإن كاساندرا ودايفيد من النبلاء، لذا لم يكن غريبًا حضورهما الحفل، لكنها كانت قد نسيت ذلك.
قالت كاساندرا، وقد اقتربت ونظرت إلى إيزابيلا بتعبير ملول:
“تريد أن تُقاتل، فدعوها تفعل.”
ثم أشارت بذقنها قائلة:
“هيا، اذهبي وخوضي المعركة.”
صرخ ليكاردو متفاجئًا:
“كاساندرا! ما الذي تهذين به؟!”
أمسك بمعصمها، لكنها أجابت ببرود:
“أعرف تمامًا ما أقول. لكن كلما استمعت إليهم أكثر، زاد غيظي.”
وأضافت بصراحتها المعتادة:
“أنظري إليهم، يريدون التقليل من قيمة روحانية وكأنها لا شيء.”
ثم رمقت النبلاء المحيطين بنظرة حادة.
ومن كُشف أمره منهم، تظاهر بالسعال وأدار وجهه في إحراج.
فزفرت كاساندرا ضيقًا، غير قادرة على إخفاء اشمئزازها.
وكانت شهرتها بطباعها النارية كافية لجعل الآخرين يكتمون امتعاضهم منها.
قال فايتشي ضاحكًا:
“ما أغربها من مفاجأة، أن أجد نفسي أتفق مع رئيسة نقابة باتوكا.”
كان يظن أن بإمكانه استغلال حدة طبعها لتأجيج الموقف أكثر.
لكنها، على غير المتوقع كانت شديدة الاتزان في تلك اللحظة.
قالت:
“لكن ما رأيك في هذا؟ إن فازت إيزابيلا، فلتتنازل لها عن مقعدك في لجنة جمعية مستحضرين الأرواح.”
“ماذا؟!”
للمرة الأولى منذ بداية الحفل، بان الامتعاض على وجه فايتشي.
أجابت كاساندرا بنبرة ساخرة:
“أليس هذا أكثر إنصافًا؟”
وأضافت بثقة:
“الجميع يعرف قوة الكونت موتكان. قبول إيزابيلا بالتحدي في حد ذاته يُعد قرارًا جسورًا.”
فهي تُجازف كثيرًا.
“ثم ما فائدة هذه المباراة أساسًا؟ لو أردنا تقييم مستواها، فهناك طرق رسمية عبر الجمعية. أما الآن وقد أعلن بطل الحرب نفسه رغبته في تدريبها، فلمَ نحتاج إلى اختبار؟”
باختصار، لا توجد حجة حقيقية لإجبار إيزابيلا على المواجهة.
قالت وهي تتأمل فايتشي بحدة:
“لكن بما أن سموّك تصرّ على هذه المعركة، فعليك تقديم مقابل يوازي حجم المخاطرة.”
‘مخاطرة عالية… عائد مرتفع. أليس هذا من أبجديات التجارة؟’
كانت كاساندرا التاجرة المحنّكة، تحسب الأرباح والخسائر بدقة.
إن كانت المعركة حتمية، فالأجدر بها انتزاع أقصى فائدة منها.
قال فايتشي وهو يضغط على أسنانه:
“لا عجب أنني لا أحتملكِ.”
لقد أفسدت عليه المشهد الذي جهّزه بعناية.
لكن حين نظر إلى ثيو وليكاردو وهما في قلق دائم على إيزابيلا، ظن في نفسه:
‘يبدو أنهما ينتظران مني أن أكون أول من يتراجع.’
لكن فايتشي لم يكن ليفرّ من مشهد كهذا.
فالمقعد في لجنة مستحضرين الأرواح يمنح صاحبه حق حضور اجتماعات عليا للنبلاء.
والانسحاب منه يعني فقدان الكثير من النفوذ، وهذا ما عانت منه عائلة ماكا طوال السنوات الماضية.
لكن هذه المباراة؟ من وجهة نظره، هي معركة محسومة.
ولذا ظن أن كاساندرا تحاول الضغط عليه ليكون هو من يتراجع، حتى تنقذ نفسها من الإحراج.
فقال مبتسمًا بثقة:
“حسنًا.”
ثم أعلن بصوت عالٍ:
“إن فزتم، المقعد لكم.”
وتبع ذلك صوت شهقات مكتومة من الحاضرين.
وانكمش حاجبا كاساندرا قليلاً.
‘كما توقعت…’
لكن فايتشي ظن أن ردة فعلها تلك تعني أنها ندمت على اقتراحها.
‘كم أنتِ حمقاء، لقد بالغتِ بطلبك.’
أخفى سخريته بابتسامة واثقة وقال:
“لكن هناك شرط واحد… لا انسحاب في منتصف القتال. ما رأيكم؟”
تجمد وجه ثيو من شدة الصدمة.
“لا…!”
“أوافق.”
“تمّت.”
قالتها إيزابيلا وكاساندرا في الوقت ذاته، وقاطعتا ثيو قبل أن يُتمّ رفضه.
“بيلا!”
“كاساندرا، هل جننتِ؟!”
صرخ الرجلان، لكن تبادل النظرات بين إيزابيلا وكاساندرا أكد أن القرار قد اتُّخذ… ولا رجعة فيه.
——
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 29"