لن أخدع مرتين [ 28 ]
“ تحياتي يا سمو الأمير.”
انحنت إيزابيلا وليكاردو في الوقت نفسه، وأدّيا التحية.
“ أظن أن التهنئة أولى الآن. أخيرًا صار لعائلة الماركيز روحاني، أليس كذلك؟“
قال فايتشي ذلك وهو يتأمل إيزابيلا بنظرة ناعمة مصطنعة.
لم يستطع ليكاردو منع نفسه، فوضعها تلقائيًا خلفه، كأنه يصدّ عنه تلك النظرة اللزجة.
“ لا تتصور كم من الليالي أمضيتها قلقًا على عائلة الماركيز.”
كلمات مليئة بالنفاق.
فهو يخفي توتره من إعادة بناء بيت الماركيز، خلف ادعاء القلق عليه.
ومن الذي تسبّب في ما حصل للروحاني السابق؟ وقاحة ما بعدها وقاحة.
كانت الفكرة نفسها تتردد في ذهن كل من ليكاردو وإيزابيلا، لكن لم ينطق بها أحدهما.
“ أرهقت نفسك بما لا داعي له.”
نعم، ليس من شأنك، فكفّ عن التدخل.
ردّ ليكاردو بابتسامة مجاملة تماثل ابتسامة فايتشي الزائفة.
“ لكن لا يمكن إنكار انكم عانيتم فعلًا. ما من أحد لا يعرف كم كان الأمر صعبًا دون روحاني في بيتكم.”
نسيتم كيف كنتم تتوسّلون وجود روحاني؟
ورغم أن المعنى الحقيقي وراء كلماتهم كان لاذعًا، إلا أن نظراتهم لبعضهم بدت وديعة ودافئة، تخفي نواياها تمامًا.
“ ومَن تكون الآن هذه الروحانية الجديدة يا ترى~ ؟“
حوّل فايتشي نظره المتفحّص نحو إيزابيلا، وعندما التقت أعينهما، انحنى بطرف عينيه مبتسمًا.
“ نلتقي مجددًا، أليس كذلك؟“
“ هل كنت بخير في الفترة الماضية؟“
ما إن أظهرا معرفتهما ببعض، حتى رمق ليكاردو الاثنين بنظرة سريعة.
كان قد سمع أن الأمير زار دار أيتام كوم، لكنه لم يكن يظن أن العلاقة بينهما بلغت هذا القرب.
“ أعتذر على المغادرة المفاجئة في ذلك اليوم.”
“ لا بأس. لم يكن خطأك يا آنسة، أليس كذلك؟“
كان يظن أن رئيسة نقابة باتوكا هي من أخذتها قسرًا، لا بإرادتها.
في نظر فايتشي، كانت إيزابيلا لا تزال فتاة ريفية بريئة.
ورغم أنه شعر بنوع من الانزعاج منها، إلا أنه لم يلحظ أي مؤشر خطر بعد.
“ لم أتخيل مطلقًا أنكِ ستنضمين إلى بيت الماركيز.”
تحدث بنبرة هادئة، كأنه لا يزال يقيّم الأمر.
“ أنا ممتنة للماركيز لأنه رأى إمكاناتي وقرر احتضاني.”
من كلماتها، فهم ليكاردو أنها تتعمد إخفاء التفاصيل عن فايتشي، وأنها تتوخى الحذر.
رغم أن فايتشي يعلم تمامًا أنها ذهبت بنفسها إلى بيت الماركيز، إلا أنها نسبت انضمامها إليه إلى قرار أندريا.
لتفهم فايتشي أن الأمر ليس بيدها، بل إنه بحاجة إلى موافقة بيت الماركيز في حال فكر باستمالتها.
“ حقًا؟ في الواقع، عرفت أنكِ روحانية منذ لقائنا في كوم.”
قالها وكأنه نادم على ضياع الفرصة.
“ من طريقتك في التفاعل مع الأرواح، عرفت على الفور.”
من الطبيعي أن يدرك روحانيٌ وجود روحاني آخر عبر الأرواح الشفافة، خاصّة إذا كان يملك خبرة جيدة.
لكن إيزابيلا تظاهرت بالجهل.
“ أيمكن معرفة ذلك من خلال التفاعل مع الأرواح؟“
“ عادة، لا يرى الأرواح الشفافة إلا روحاني مثلهم.”
في الحقيقة، لا تُرى تلك الأرواح إلا لمن يفوقهم رتبة.
وكان فايتشي يعلم ذلك تمامًا، لكنه حرّف المعلومة عمدًا.
وإيزابيلا أدركت مغزى هذا التحريف.
فهو كان يختبر مدى معرفتها بعلم الأرواح.
“ آه… هكذا إذن.”
فتظاهرت بالسذاجة، أكثر.
“ لم أكن أعلم أن هذا ممكن…”
وبدا على فايتشي الرضا من ملامحها، فابتسم قائلًا:
“ إذاً، لا بد أنكِ لا تزالين مبتدئة.”
“ آه… نعم، في الواقع…”
رأت على وجهه ابتسامة ممتلئة بالزهو، فحكت خدها بخجل مصطنع.
“ أظن… شهر ونصف تقريبًا؟“
رغم أن خبرتها الفعلية تجاوزت عشر سنوات بحساب حياتها السابقة إلا أنها اختارت تاريخ استدعائها الأول في هذه الحياة كمرجع لتخدعه.
“ ما ألطفك.”
همس فايتشي مبتسمًا، وهو لا يدرك الحقيقة.
لكن بالنسبة لإيزابيلا، كان مديحه مزعجًا.
“ فما رأيك أن أعلّمك بعض الأمور؟“
“ عفواً؟“
“ في بيت الماركيز لا يوجد من يدرّبك، أليس كذلك؟ دعيني إذًا أُساعدك، فنحن روحانيان بعد كل شيء.”
كان يعرض ذلك ببساطة متناهية.
إذًا، هذا هو هدفه الحقيقي.
منذ البداية وهو يتحدث عن الأرواح بشكل مبالغ فيه، والآن اتضح السبب.
هو من يحتاج لمن يعلّمه، لا أنا.
فإيزابيلا روحانية عليا، بينما فايتشي لا يتجاوز مرتبة المتوسطة.
بل إنها بمعرفتها من المستقبل، تفوقه بأشواط في علم الأرواح.
لكنها لم تستطع قول كل هذا بصراحة، فاكتفت بنظرة حائرة تتنقل بينه وبين ليكاردو.
وكان ليكاردو قد فَقَدَ صبره بدوره، وقال مستنكرًا:
“ سموك… أنا أيضًا روحاني.”
“ آه… هذا صحيح، نسيت.”
تظاهر فايتشي بالهدوء.
“ لكن… تدريبها سيكون متعبًا عليك، أليس كذلك؟ أنت مشغول كثيرًا باستدعائك.”
كلامه بدا كأنه قلق، لكنه في الحقيقة لم يكن سوى سخرية مبطنة.
أنت لا تستطيع حتى الاستدعاء، روحاني فاشل.
رغم أن ليكاردو انزعج، فإنه لم يستطع الردّ لأن كلامه كان فيه شيء من الحقيقة.
لاحظت إيزابيلا تردده، فتقدّمت خطوة للأمام.
“ أشكرك على العرض سموك، لكنني أفضل أن أبحث عن معلّم يناسبني بنفسي.”
“ لا داعي لأن تُحمّلي نفسك فوق طاقتها.”
“ بل العكس، لا يليق أن أضيّع وقت شخص مهم مثلك، أليس كذلك؟“
“ لكنني لا أمانع… ردّك يجعلني أشعر بالحرج فقط…”
وكأن رفضها له كان إهانة له.
حاول أن يُظهر نفسه بمظهر المتسامح، وجعلها تبدو كأنها أخطأت في حقه.
لكنها كانت تعرف جيدًا أساليبه.
فأجابته بابتسامة هادئة:
“ ومع ذلك، لا بد من التوافق في المستوى، أليس كذلك؟“
قالت عبارتها وكأنها شيء لا مفرّ منه.
عندها تجمّد تعبير فايتشي للحظة.
“ يجب أن يكون المستوى مناسبًا…”
كانت عبارة قد تُعد وقحة للغاية.
تردد للحظة:
هل ينبهها إلى إساءتها ويحرجها؟ أم يرهبها قليلًا؟
لكن تفكيره لم يدم طويلًا.
فما إن فتح فمه ليقول شيئًا، حتى استبقت إيزابيلا الكلام وأردفت:
“ المعلم الحقيقي، لا بد أن أكون بحاجة إلى التعلم منه، أليس كذلك؟ ولكي أتعلم، فلا بد أن تكون خبرته تفوق خبرتي.”
قالت ذلك بوجه بريء، وكأنها تطرح سؤالًا بريئًا.
“ لكن في الواقع، لا أظنني أُحسن تقدير مستواي ولا مستواك يا سمو الأمير، لذا يصعب عليّ اتخاذ قرار متسرع.”
رغم تعابيرها الساذجة، فإن مضمون كلماتها كان واضحًا تمامًا “ أنت لا تجيد أكثر مني، لذا لا تصلح لتدريبي.”
اهتزت ملامح فايتشي قليلًا.
يا لها من فتاة مزعجة.
تبدو بريئة من الخارج، لكنها تتسلّق عليك بأسلوب متذاكٍ مستفز.
“ المستوى، إذًا…”
لكن، لن يدعها تواصل بهذا الشكل.
“ لمَ لا نختبر مستواك، إذًا؟“
قال ذلك وهو يعقد ذراعيه ويميل رأسه بخفة، يربت على ذقنه بطرف إصبعه ويبتسم ابتسامة خفيفة.
“ إن عرفتُ مستواك بدقة، سيكون من السهل أن أختار لك معلّمًا مناسبًا، أليس كذلك؟“
فهذا كان غرضه منذ البداية.
“ بما أننا تحدّثنا عن الأمر… ما رأيك بمبارزة بسيطة؟“
كلمة مبارزة كانت كافية لجذب أنظار جميع النبلاء المحيطين.
كانوا يراقبون حديث ابنة الماركيزة الجديدة والأمير باهتمام، لكنهم تظاهروا بعدم الإنصات.
أما الآن، فلم يحاول أحد إخفاء فضوله.
جميعهم التفتوا إلى الحديث بدهشة ظاهرة.
“ من خلال مبارزة روحية بسيطة، يمكننا تحديد المهارة بدقة، أليس كذلك؟“
قالها فايتشي بنبرة خفيفة، لكن الحقيقة أن مبارزات الأرواح لم تكن بالأمر البسيط.
فهي لا تنتهي إلا عندما يُهزم الطرف الآخر تمامًا، أو يتراجع، أو يُصاب بعجز.
وكانت شائعة فقط بين الروحانيين المبتدئين أو النبلاء من الرتب الدنيا.
أما من هم بمكانة مرموقة، فلم يكونوا يلجؤون إليها إلا نادرًا، لأن فيها مساسًا بالكرامة وشرف العائلة.
“ ولحسن الحظ، بجوار قاعة الحفل مكان مناسب تمامًا لإقامة مبارزة.”
كلام لو سمعه البستانيون لشعروا بالرعب، لكن من بوسعه الاعتراض على كلام الأمير؟
“ وبالمناسبة، الخصم لن أكون أنا، بل سيكون الكونت موتكان.”
وكأن هذا ما كان الجميع ينتظره، إذ خرج رجل قصير القامة من وسط الحشد بخطى واثقة.
“ لعلكم سمعتم أن كونت موتكان عقد مؤخرًا عقدًا مع روح عُليا، أليس كذلك؟“
كان أحد الموالين لفايتشي، وأصبح مؤخرًا من الروحانيين ذوي الرتبة العليا.
وفقط البارحة، كان قد تلقى أمرًا واضحًا من فايتشي:
“ اسحقها تمامًا. اجعلها تتكوّن عندها عقدة من استدعاء الأرواح. لو أصيبت بعجز دائم، أو حتى ماتت بمحض الخطأ، سأهتم بكل شيء.”
بالنسبة لموتكان المعروف بعنفه، كانت كلمات تحفزه بشدة.
تذكّر تلك الأوامر بينما كان فايتشي يقول:
“ هكذا سنتمكن من معرفة مستواك بدقة، أليس كذلك؟“
قالها وهو يبتسم بخبث حلو المذاق، يُغلف نواياه السيئة بابتسامة جذابة.
فإن لم يستطع امتلاكها، فليحطّمها إذًا.
لكنه كان واهمًا.
‘ كنت أعلم أنه سيفعل شيئًا كهذا.’
كادت ابتسامة إيزابيلا أن ترتسم على وجهها، فاضطرت لكبحها.
‘ منذ جاء السير كارتر، بدأت أشك في هذا تمامًا…’
والآن وقد تأكدت شكوكها، شعرت بلذة عميقة.
خصوصًا أنها ترى هذا الأحمق يحفر قبره بيده.
“ سموك، هذا…”
كانت على وشك أن تُكمل بملامح بريئة وكأنها تقبل التحدي بحماسة.
لكن قبل أن تنطق، أمسكت يدها يد قوية وسحبتها إلى الخلف.
“ لن يحدث ذلك.”
جاء الصوت عميقًا وثابتًا… من ثيو.
—-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 28"