لن أخدع مرتين [ 26 ]
لم يتبادل ريكاردو وإيزابيلا أي كلمة طوال الطريق إلى القصر الإمبراطوري.
“ من كان؟“
“ السير كارتر.”
“ ولِمَ أتى رسول فايتشي إليك؟“
“ لا… لا أعلم. قال أشياء لم أتمكن من فهمها.”
لم يستطع ليكاردو أن يستفسر أكثر، كما أن إيزابيلا لم تجد من المناسب أن تسرد عليه كل شيء.
مع اهتزازات طفيفة، توقفت العربة.
فتح السائق الباب، فنزل ليكاردو أولًا، ثم مد يده ليساعد إيزابيلا على النزول.
وبمجرد أن وضعت قدمها على الأرض، انصبت عليها الأنظار من كل اتجاه.
كل من ترجلوا من العربات أمامها وخلفها، وحتى أولئك الذين كانوا يصعدون السلالم نحو القاعة، التفتوا جميعًا نحوها بفضول.
ورغم أن الحفل كان في الأصل للاحتفال بالنصر، إلا أن توزيع الأبطال على مختلف القوى بات شبه محسوم، ولم يبقَ سوى الأخبار الجديدة لتستأثر بالاهتمام.
ولذلك، كانت روحانية بيت الماركيز ماكا الجديدة هي حديث الساعة.
“هاه …”.
تنهدت إيزابيلا بلا وعي، مدركة أن هذه اللحظة لم تكن إلا البداية.
لاحظ ليكاردو تنهّدها، وقبل أن يخطو نحو السلالم، توقف فجأة وقال:
“ إيزابيلا.”
“ نعم، سيدي النائب؟“
نظرت إليه بحيرة لعدم صعوده، فواصل كلامه:
“ لا داعي لأن تكوني متوترة إلى هذا الحد.”
“…؟ “
“ أعني… ثيو أخبرني من قبل، أن بين العامة تسود شائعة مفادها أن النبلاء كلهم أشرار بلا استثناء.”
“آه …”
صحيح، كان ثيو يؤمن بذلك.
رغم أنها كانت تتحكم بالأرواح منذ صغرها، إلا أن ثيو لطالما رفض أن تُعلن عن نفسها كروحانية.
وحين كانت تسأله لمَ لا يسعى لحماية أحد النبلاء رغم موهبته، كان يجيب ببساطة:
“ لأني لا أريد أن أُستغل.”
عبارة استبعدت كليًا إمكانية بناء علاقة جيدة مع أي راعٍ نبيل.
“ لكنني أقول لكِ، ليس كل النبلاء كذلك. نعم، يوجد المجانين ولا أنكر ذلك ولكن المجانين موجودون في كل مكان، أليس كذلك؟“
كلام بدا وكأنه دفاع عن طبقته، فأجابته إيزابيلا بابتسامة:
“ أعرف. لا شك أن هناك من هم غير جديرين بلقب النبلاء، لكن بالمقابل هناك من هم محترمون… كحضرتك مثلًا يا سيدي النائب.”
“كح كووغ …”
فاجأه إطراؤها المباشر، فاضطر إلى السعال وتحاشى النظر إليها.
لم يكن معتادًا على هذا النوع من المجاملة.
“ لا تقلق، لن أرتعب. ألم يعِدني ماركيز ماكا الصغير شخصيًا بأنه سيحميني؟“
رغم نبرتها المرحة، بدا أن ابتسامة ليكاردو لم تكن صادقة تمامًا.
فإيزابيلا لم تكن أول روحانية استثنائية تمر على عائلة ماكا.
تذكُّر الروحانية السابقة، التي لم يكن مصيرها سعيدًا، جعله غير قادر على تأكيد وعد الحماية بثقة.
“ ثم لا تقلق كثيرًا. لست ضعيفة كما يبدو عليّ، صدقني.”
ما بدأه ليكاردو لتشجيعها، انتهى بها وهي من يخفف عنه.
“ فلندخل؟“
قالت ذلك بابتسامة مشرقة بينما تغمرها أضواء القصر، ويبدو أن لا أثر للقلق على وجهها.
وبالفعل، كانت تشعر بشيء من الراحة.
فقد أتتها تحذيرات كارتر، وهذا منحها استعدادًا نفسيًا لمواجهة ما قد يحدث.
أما بالنسبة لـ ليكاردو، فبدا له أن براءتها هذه ما هي إلا جهل بخطر العالم من حولها.
لكن المثير في الأمر… أنه شعر بقوة غير مفهومة في تلك البراءة. بل وحتى بشيء من الحماسة.
أحس أن هذه الفتاة قد تكون حقًا على وشك صنع شيء عظيم.
‘ يبدو أن عدوى ثقة ثيو قد أصابتني أيضًا…’
ضحك لنفسه ساخرًا من تفكيره، ثم تبعها إلى الداخل.
***
“ هل يعني دخولها مع نائب الماركيز أن العائلة تفكر في تزويجها إليه؟“
بمجرد دخولها قاعة الحفل، بدأت الهمسات تتناثر كالنار في الهشيم.
“ لا يمكن! إنها مجرد فتاة من العامة، مهما علا شأنها.”
رغم محاولاتهم الهمس، إلا أن آذان إيزابيلا التقطت كل كلمة.
وفجأة، تداخلت في ذهنها أصوات من الماضي:
“ سموه كان يشفق عليها، لكنها ظنّت أنه يحبها!”
“ كانت تحلم بأن تصبح ولية العهد؟ كم هذا مثير للشفقة!”
نظرات الاحتقار وصناعة الشائعات الكاذبة لم تتغير أبدًا بين الأمس واليوم.
لكن إيزابيلا، التي تمرّست على احتمالها في حياتها السابقة، لم تعد تتأثر.
أما الشخص الذي انزعج فعلًا، فكان ليكاردو.
“ تجاهليهم. لا تعيريهم اهتمامًا.”
همس في أذنها.
“نعم .”
أجابته وهي تبتسم بخفة.
“ من يتكلم كثيرًا، يسقط في نهاية الأمر بكلامه هو.”
وفور انتهاء كلماتها، بدأت امرأة تتحدث:
“ يا إلهي، هذا التصميم… أليس من بوتيك أنفوا؟“
“ مستحيل! البوتيك ذاك لا يقبل حجوزات قبل ستة أشهر على الأقل!”
“ أيعني هذا أن عائلة الماركيز رتّبت معها قبل نصف عام؟“
“ لا بد أنهم ضغطوا وسحبوا الحجز من أحدهم، لا يوجد تفسير آخر.”
“ ما هذا الهراء؟ الكل يعلم أن أنفوا لا تتراجع حتى أمام دوقات الإمبراطورية.”
وكما توقّعت إيزابيلا، الكلمات تتشابك، ثم تنقلب واحدة تلو الأخرى على أصحابها.
فهم لم يكونوا حلفاء حقًا، بل مجرد نساء أرستقراطيات يتصيدن في الماء العكر.
وبما أن فريستهن الآن كانت إيزابيلا، فقد توحدن لبعض الوقت… قبل أن يبدأن بتمزيق بعضهن البعض.
عندها، همست إيزابيلا:
“ أرأيت؟“
ضحكت بخفة، وبدا عليها التسلية أكثر من الانزعاج، فشعر ليكاردو بالراحة أخيرًا.
في تلك اللحظة، انبعث صوت المذيع معلنًا بوقار:
“ ليهدأ الجميع، فإن سمو وليّ العهد، شمس الإمبراطورية الصغيرة، الأمير دويشيلان، يدخل الآن!”
سكتت القاعة على الفور، وانحنى الجميع نحو المنصة.
“ ارفعوا رؤوسكم جميعًا.”
رغم أنه لا يزال في ريعان شبابه، إلا أن صوته الصلب والحازم كان كفيلًا بأن يجعل الجميع ينهض احترامًا.
شعره الأحمر منح انطباعًا يتناسب تمامًا مع لقب “ روحاني النار“ ، أما عيناه، فكانتا بلون أخضر ربيعي صافٍ كبرعم جديد، تمنح شعورًا بالنقاء والهدوء.
كان يشبه الإمبراطور إلى حد التطابق، حتى إن غياب الإمبراطور لم يُشعر أحدًا بالفراغ.
بل بدا وكأن الإمبراطور في صغره قد عاد للظهور مجددًا.
قال بصوته القوي، مدعومًا بتعويذة تضخيم الصوت:
“ شكرًا لكم جميعًا على عنائكم للوصول بأمان إلى هذا الحفل.”
رفعت إيزابيلا رأسها ونظرت إليه، ومرّ في قلبها شعور غريب لا يمكن تسميته بسهولة.
“ كان إنسانًا طيبًا.’
حين كانت تمرّ بأيام صعبة، كان أحيانًا يجلس بجانبها ويتحدث معها.
صحيح أن تلك الأحاديث كانت على الأرجح جزءًا من محاولة ضمّها من قِبل فصيل فايتشي نظرًا لمكانتها كروحانية عليا…
‘ لكن، على الأقل، قلبه لم يكن كقلب قايتشي.’
كان آخر ما رأته منه في حياتها السابقة لحظة فقدانه حياته بعد أن فقدت الأرواح سيطرتها وانقلبت عليه.
كانت تلك الحادثة مروّعة إلى الحد الذي يجعل ذكراها تثير الاضطراب في قلبها حتى الآن.
‘ لو كان فايتشي ينوي قتله مجددًا في هذه الحياة…’
هل عليها أن تحميه؟
هل ستتمكن من القضاء على فايتشي قبل أن يصل به الحال إلى تلك النقطة؟
كانت أفكارها متزاحمة ومعقدة.
وبينما كانت تحاول طرد تلك الهواجس، كان ولي العهد يُنهي كلمات التكريم ويقدم الأوسمة لأبطال الحرب الخمسة.
“ وبناءً على مساهماتهم العظيمة في النصر الذي حققته إمبراطوريتنا، فقد قرر جلالة الإمبراطور ومعه أنا، منح هؤلاء الأبطال ألقاب نبلاء.”
سُمِع صوت شهقات مكتومة من بين الحاضرين.
صحيح أن الجميع قد سمعوا عن هذا القرار مسبقًا، لكن سماعه من فم ولي العهد منح الأمر هيبة خاصة.
فالأصل أن من يُمنح الألقاب هو الإمبراطور بنفسه، لكن حالته الصحية المتدهورة لم تسمح له بمغادرة فراشه، فضلًا عن حضور الحفل.
لهذا، تولّى ولي العهد القيام بالمهام الإمبراطورية، حتى بات يُنظر إليه باعتباره الحاكم الفعلي.
ورغم هذا، فإن فايتشي لم يُظهر أي توتر، والسبب في ذلك بسيط:
مرض الإمبراطور ليس طبيعيًا.
ماذا سيحدث إن كُشِف أن الإمبراطورة، التي تدّعي رعاية الإمبراطور بإخلاص، كانت تسقيه السم كل يوم؟
فايتشي ولي العهد الثاني، هو ابن الإمبراطورة الحالية، أما ولي العهد الحقيقي، فكان ابن الإمبراطورة الراحلة.
ومنذ وفاة زوجته السابقة، ظل الإمبراطور يُغدق العناية على ابنه الأكبر، كنوع من التعويض والشعور بالذنب.
لو كان الإمبراطور في كامل صحته، لأعطى كل شيء لولي العهد الأول.
لذا، سعت الإمبراطورة إلى إضعاف زوجها بكل وسيلة، حتى لا يتمكن من دعم ابنه المفضل.
وفيما كان ولي العهد يغرق في مهامه الثقيلة، أصبحت متابعته لشؤون فصيله صعبة، أما فايتشي فاستغل هذا الفراغ لبناء قاعدته بهدوء.
كانت الإمبراطورة تسعى إلى تقوية ابنها سرًا، حتى يتجاوز نفوذ ولي العهد.
ولا يمكن فضحها بسهولة، فالخالق وحده يعلم كم من رجال القصر خاضعين لها.
لإسقاط فايتشي، يجب الإمساك بالإمبراطورة ثم علاج الإمبراطور ثم حماية ولي العهد.
وفوق ذلك كله، كان على إيزابيلا، بصفتها روحانية، أن تساهم في رفعة بيت ماكا، وأن تتعقب الخونة.
وعلاقتها العاطفية مع ثيو؟ تلك أيضًا مهمة لا تقل أهمية.
مرة أخرى، أدركت كم من المهام تنتظرها.
وبينما كانت تغوص في أفكارها، كانت مراسم منح الألقاب تقترب من نهايتها.
ووصل ولي العهد أخيرًا إلى آخر المُكرّمين، وهو ثيو.
“ وأما تيو، نائب قائد وحدة ماكا، والذي حمى عددًا لا يُحصى من رفاقه كروحاني مائي رفيع، فنمنحه لقب الكونت.”
لم تستطع إيزابيلا أن تحوّل بصرها عنه.
شعرت بعاطفة جارفة تخنق صدرها.
في حياتها السابقة، حُرمت من حضور هذا الحفل بسبب دسائس فايتشي، ولذا كانت هذه أول مرة تراها يُكرّم فيها رسميًا.
امتلأ قلبها بمشاعر مختلطة من الفخر والسرور.
وأثناء انشغالها بالنظر إلى ثيو، أحسّت فجأة بعيونٍ تراقبها هي.
——
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 26"