لن أخدع مرتين [ 24 ]
كان الثلاثي لا يفترقون، يتنقلون معًا في كل زاوية، بينما انشغل ليكاردو بتبادل الحديث والذكريات مع كاساندرا بعد غياب طويل.
أما إيزابيلا، فكانت تجلس على طرف، شاردة في أفكارها.
‘ كان كارتر يحتفظ بالرسائل؟‘
لم تكن تعلم ذلك قط.
حتى في حياتها السابقة، لم يظهر عليه شيء من هذا القبيل.
كانت تتوقع أن فايتشي هو من كلّفه بالأمر، لكنها كانت تظن أنه تخلّص منها بتمزيق أو حرق أو رمي، لا أن يحتفظ بها.
‘ يحتفظ بها؟ لماذا؟ إن لم يكن الأمر مسألة ذوقٍ غريب، فما السبب؟‘
كان كارتر من أكثر الأشخاص الذين استعصَوا عليها فهمًا، بل كان أصعب حتى من فايتشي نفسه.
فـ فايتشي على الأقل، كانت له رغبات واضحة وأهداف محددة.
أما كارتر، فكان بلا رغبات ولا نوايا ظاهرة.
‘ عذرًا آنستي. هذا أمر من سموّه.’
كان مثلها، دمية يتحكّم فيها فايتشي، لكن الفارق أن إيزابيلا كانت مقيّدة بلعنة، أما هو فكان يطيع بإرادته.
ومع ذلك، ظل لسانه لا يفتر عن الاعتذار:
‘ لا تغفري لي آنستي. أنا آسف.’
كأنّه يريد أن يقول إنه لا يفعل ما يفعل عن طيب خاطر.
‘ الاحتفاظ بالرسائل لم يكن بأمرٍ من فايتشي.’
كما قالت كاساندرا، فايتشي ليس من النوع الذي يترك خلفه أدلة أو يقوم بأعمال غير ضرورية.
ولو كانت الرسائل ذات نفع له، لاستخدمها، لكنه لم يفعل، لا في تلك الحياة ولا في الأخرى.
وهذا يعني أن جمعها كان قرارًا شخصيًا من كارتر.
‘ ولا يمكنني أن أسأله مباشرة… يا له من موقف مربك.’
لم تكن تفكر في استعادة الرسائل، فقط أرادت معرفة السبب.
‘ آه… لا أفهمه أبدًا.’
كان كارتر بالنسبة لها، اللغز الأكبر.
ثم خطرت لها فكرة.
‘ هل يمكنني هزّه بهذا الأمر؟‘
ربما يمكنها استغلال حقيقة أنه جمع الرسائل لإرباكه.
وربما كان في هذا السبب ما يمكن أن يزعزعه.
وإذا نجحت في ذلك، فقد تتمكن من جعله يعصي أوامر فايتشي.
التخلص من كارتر سيكون ضربة قوية لفايتشي، فكما وصفت كاساندرا، هو الكلب الذي لا يفارقه، ويعلم كل صغيرة وكبيرة عنه.
كل ما يعجز فايتشي عن فعله بيده، كان كارتر يتكفل به.
رغم أنه لا يملك سلطة، إلا أنه كان العقل المدبّر والمنفّذ.
والتخلص منه سيكون كقطع أحد أطراف فايتشي.
‘ ربما يعرف من بين الثلاثي من هو الخائن أيضاً…’
على الأقل، قد تستطيع انتزاع هذه المعلومة منه.
لكنها تعرف جيدًا أن فم كارتر كان أثقل من أي خزنة.
ولهذا، كان فايتشي يحتفظ به قريبًا منه دائمًا.
‘ آه… لا، كلما بدا الشيء لامعًا، كان أكثر سمًّا.’
أفضل ألّا أطمع بما لا يُعرف إن كان دواءً أم سماً.
مهاجمة فايتشي تتطلب جرأة نعم، لكنها تحتاج إلى حذر أيضًا.
لا داعي لأن تقفز وسط حقل ألغام.
دفعت إيزابيلا أفكارها عن كارتر جانبًا، ثم التفتت.
كان الحفل قد بلغ ذروته.
الكؤوس تدور بين الأيدي، والضحكات تعلو، والكلٌّ يتسابق في سرد بطولاته في ساحة المعركة.
رغم الضجيج، كانت الأجواء مفعمة بالدفء.
ابتسمت إيزابيلا وهي ترى الجميع مستمتعين.
لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها حين لمحت غياب من كانت تبحث عنه.
‘ أين ذهب؟‘
لم يكن ثيو مع الثلاثي.
ولا بجانب بيكاردو.
‘ ربما ذهب لاحتساء الشراب مع الجنود؟ لا… لم يكن هناك أيضًا.’
‘ هل خرج إلى الخارج؟‘
خرجت تبحث عنه في ساحة الشواء، لكنها لم تجده هناك أيضًا.
‘ أين ذهب؟‘
بدأت تجول المكان بحثًا عنه.
‘ كان يبدو مضطربًا…’
حين أخبرته كاساندرا بشأن الرسائل، اسودّ وجهه.
وبينما كانت إيزابيلا هي الأخرى غارقة في أفكارها، لم تنتبه إلى متى اختفى عن ناظريها.
بحثت عنه طويلًا بين المدعوين، تفتش بعينيها، حتى وجدته أخيرًا.
كان واقفًا تحت عمود إنارة بجوار البوابة.
من الواضح أنه ابتعد عن الناس عمداً، يبحث عن العزلة.
“ثيو …”
رفع ثيو رأسه حين شعر بخطواتها، وقد كان قبلها شاردًا ينظر إلى الأرض.
“ لم أنت هنا؟ لمَ لا تعود إلى الداخل وتستمتع بالحفل؟“
مدّت يدها تمسك بيده محاولة جذبه، لكنه لم يتحرك. بل على العكس، هو من شدّ على يدها.
ورغم أنه لم يتكلم، شعرت إيزابيلا بما يدور في ذهنه.
“ هل ما قالته شان هو ما أزعجك؟“
“……”
لم يجب، لكن زفرته كانت كافية لتؤكد شكوكها.
“ ما الذي يقلقك؟ أن سمو الأمير زار كوم؟ أم أن أحد أتباعه أخذ رسائلنا؟“
لم يكن قد تدخّل بنفسه، لكنها تعلم أن ما حدث كان بتخطيطه، وهذا يكفي ليشعر ثيو بالقلق.
فمجرد دخولها دائرة انتباه فايتشي أمر مزعج بما فيه الكفاية.
لكن بدا أن قلق ثيو لم يكن من ذلك فقط.
“ لم يخطر ببالي أبدًا… أنكِ لم تتلقي رسائلي.”
“……؟ “
“ كنت منشغلًا تمامًا فقط بفكرة أن رسائلك لا تصلني.”
كان قلقًا عليها، ورغم أن الجميع شكّوا فيها، بقي هو وحده من تمسك بثقته بها، يصارع الظروف بصبر.
لكنه لم يفكر، ولو مرة، أنها هي أيضًا قد تمر بالأمر ذاته.
“ لماذا لم يخطر ببالي العكس؟“
أن يكون قد أغفل هذا الجانب، وأنه لم يفكر إلا من زاويته، جعله يشعر بسخافة نفسه.
راح ثيو يمرر أصابعه المليئة بالندوب بلطف على ظهر يدها الناعم، وكأن لمسته تنطق بما يعجز عنه لسانه.
استشعرت إيزابيلا مشاعره العميقة في تلك اللمسات، فقالت بهمسة:
“ أنا بخير.”
عندها أمال ثيو رأسه، وأسنده على كتفها الصغير وقال بصوت خافت:
“ حتى لو كنتِ قد تركتِ يدي، ما كان بوسعي أن ألومك.”
أمام تلك الحقيقة المؤلمة، صمتت إيزابيلا.
ففي حياتها السابقة… هذا ما حدث فعلًا.
وحين لم ترد، أضاف ثيو:
“ الأمر بالتأكيد لن يتوقف هنا.”
كان يعرف تمامًا كيف يفكر ذلك الشخص.
الهجوم والتدمير هوايته، من نظره تحطيم الآخرين جزءًا من حياتهم اليومية. وإن سقط أحدهم أو قُتل، لا يشعر بشيء اسمه الذنب.
وإن كان فايتشي قد اختار أن تكون إيزابيلا وثيو هدفه التالي، فلا شك أنه لن يتوقف حتى يراهما ينهاران.
“ لن يتوقف حتى يرانا نسقط. هكذا هو ببساطة.”
“……”
“ آه… لهذا السبب لم أكن أريدك أن تصبحي روحانية.”
أما هو، فقد صار موضع أنظار الجميع بصفته بطلاً من أبطال الحرب.
وحين كُشف أن إيزابيلا أيضًا استثنائية، جذبت الأنظار هي الأخرى.
وحلم الاختفاء في مكان بعيد والعيش بسلام… كان قد تلاشى منذ زمن.
بات ثيو قلقًا مما قد يحمله المستقبل، يخشى أن تفقده العاصفة القادمة إيزابيلا.
“ثيو .”
دفعت كتفه بلطف، فابتعد ببطء.
رفع عينيه إليها، وكانت نظراته توحي بأنه على وشك الانهيار.
تفهّمت مشاعره، فمدّت يدها تمسح شعره وقالت:
“ أنت على حق. سيكون هناك من يحاول إيذاءنا مثل فايتشي، بل ربما أسوأ.”
كانت تعرف ذلك جيدًا.
سبق وعاشت هذا المستقبل.
والخوف، بالنسبة لها، لم يكن أمرًا غريبًا.
لكن هناك شيء مختلف هذه المرة، شيء يمنحها القوة.
“ لكنني لن أترك يدك. أبدًا.”
ذلك الخطأ، يكفي أنها ارتكبته في حياتها الماضية.
“ أعلم أن الطريق سيكون صعبًا، ومليئًا بالظلم والمواقف التي تفجّر الغضب.”
مثل ما حصل الآن مع الرسائل… سيكون هناك الكثير من المحاولات للتفريق بينهما.
“ لكنني سأمر بكل ذلك… معك.”
ثم أمسكت وجهه بكلتا يديها، ونظرت إليه بابتسامة جميلة.
“ إن شعرت بالظلم، سنشكو معًا. إن غضبت، سنصرخ معًا، وأنا سأبقى ممسكة بيدك.”
“ المشكلة ليست فقط في الظلم أو الغضب، الخطر الحقيقي هو أننا سنكون محاطين بالمخاطر دائمًا… أنا فقط…”
“ إذًا، نهرب.”
قالتها بخفة، وكأنها تقترح نزهة.
رغم نبرة صوتها الهادئة، إلا أن نيتها كانت صادقة وقلبها كان جادًّا.
“نهرب …؟ “
نظر إليها قيو بذهول.
كلامها صحيح، لكنه لم يتوقع أن يكون هذا خيارها.
“ نعم. إذا لم نكن نملك القوة لمواجهته، فمن الطبيعي أن ننسحب.”
الاندفاع بلا قوة ليس شجاعة، بل حماقة.
الفرار، ثم العودة أقوى، هو الخيار الحكيم.
هذا درس علّمتها إياه حياتها السابقة.
“ وحتى إن قررنا الهرب، فسأظل ممسكة بيدك.”
ثم أمسكت بيديه بكلتي يديها، كأنها تثبت ما تقول.
“ ثيو، أعلم أنك تقلق عليّ كثيرًا.”
همست بنبرة حنونة، تريد أن تهدئه.
“ وأنا كذلك. أنا أيضًا أقلق عليك دومًا.”
تتمنى له السلامة، وتحلم بمستقبل يضمّهما معًا.
“ كما أنني ثمينة لديك، أنت أيضًا أغلى ما أملك.”
“……”
“ حتى إن كان الطريق أمامنا مليئًا بالأشواك، طالما أنني أسير بجانبك، فسأسلكه راضية. أما إن كنت غائبًا، فلن تعني لي أجمل الطرق شيئًا.”
حتى لو نجحت في انتقامها، وحتى لو تخلّصت من فايتشي، إن لم يكن ثيو معها في النهاية… فلن يكون لأيٍّ من ذلك معنى.
——-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 24"