قدّمت لهم صناديق صغيرة مربوطة بأشرطة ملوّنة، مشابهة تمامًا للصندوق الذي أعطته لـ ليكاردو من قبل.
“حاولت قدر الإمكان أن أراعي ذوق كلّ منكم، لكن لا أعلم إن كانت ستعجبكم.”
أخذ الثلاثة يحدّقون في الصناديق ويفحصونها، ثم وكأنهم اتفقوا، حلّوا الأشرطة في الوقت نفسه.
وما إن رأوا ما بداخلها حتى ارتفعت حواجبهم في حركة متطابقة.
“شارة؟“
“نعم، صنعتها جميعًا، لكن كل واحدة بتصميم مختلف.”
كانت شارة جوشوا مزينة برسمة باقة زهور، ترمز للودّ واللطف.
“جميلة فعلاً.”
أما شارة إيدوارد، فقد نُقشت عليها صورة لسيفيه التوأمين، شبيهة بسلاحه.
انشغلا بتأمل الشارات بإعجاب، لكن فجأة، عبس دايفيد.
“ما هذا؟“
سأل بصوت جاف،
“هل هذا ما تسمّينه بهدية؟ شيء بهذه البساطة؟“
ثم مدّ يده ولمس شارة جوشوا وإدوارد أيضًا، وقد بدا عليه الذهول أكثر فأكثر.
فقال جوشوا معاتبًا:
“دايفيد، حتى لو لم تعجبك، فليس من اللائق أن تكون قاسيًا إلى هذا الحد.”
ثم التفت إلى إيزابيلا معتذرًا:
“أنا آسف يا إيزابيلا. دايفيد لا يجيد التعبير عن مشاعره، كلماته دومًا خشنة. أما أنا، فقد أعجبتني كثيرًا. وسأحتفظ بها جيدًا.”
لكن دايفيد لم يسكت، بل التفت إليه:
“وهل تعرف حتى ما الذي قبلته بهذه السهولة؟“
“ماذا تقصد؟“
قالها جوشوا وهو يرمش بارتباك، في حين ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي إيزابيلا.
“كما توقعت… شخص يتحكم بالقوى الروحية سيشعر بها فورًا.”
كان دايفيد باتوكا روحاني متوسط المستوى، ولذلك استطاع أن يميّز الطاقة الروحية المخبأة في الشارات، بعكس جوشوا وإيدوارد اللذين لا يملكان موهبة فطرية في هذا المجال.
حتى ليكاردو، الذي أدرك الأمر بسرعة، رغم أنه لم يعد يستدعي الأرواح مؤخرًا، لكنه في الماضي كان مستخدمًا لها.
وهنا، تدخّل ليكاردو ليشرح للأصدقاء المستغربين:
“هذه شارات روحية.”
“هاه؟!”
“ماذا؟! حقًا؟!”
جاءت ردود أفعالهما مختلفة، لكن كليهما التفتا إلى إيزابيلا باندهاش.
ابتسمت إيزابيلا في حرج، وأومأت بخجل.
“أنا أيضًا صُدمت عندما تلقيت واحدة.”
قال ليكاردو ذلك وهو يُخرج صندوقه من جيبه الخلفي ويعرضه أمامهم.
“لكن الشارات الروحية أليست…”
قال جوشوا، وتوقّف في منتصف الجملة، مرتبكًا كما كان ليكاردو من قبل.
ولم تسمح إيزابيلا لهم بإكمال التفكير في القيمة المادية للشارات، بل تقدّمت نحو ثيو وأمسكت بذراعه قائلة:
“لأنكم رفاق ثيو، قدمتها لكم.”
تفاجأ ثيو قليلًا، فلم يكن يعلم أن إيزابيلا أعدت شيئًا كهذا.
لكنه لم يُظهر اعتراضًا، وتركها تعبّر عن مشاعرها على طريقتها.
“اعتمدتُ على رسائل ثيو في تخيّل ملامح كل واحد منكم، وصنعتُ التصميم بناءً على ذلك… لا أعلم إن كنتُ وفقت.”
ما إن نطقت بكلمة “رسائل“، حتى ارتبك الجميع، وتغيرت ملامحهم، بمن فيهم ثيو.
نظر جوشوا إلى ثيو نظرة خاطفة، ثم ابتسم لإيزابيلا وقال:
“لقد أحببتها كثيرًا، شكرًا لكِ.”
حتى دايفيد أومأ برأسه مؤيدًا.
أما إيدوارد، فقال ساخرًا:
“أحسنتِ إذ ذكّرتنا بالرسائل! أنتِ، نعم أنتِ!”
“إيدوارد…”
قاطع ليكاردو كلامه على الفور، واضعًا يده على فمه.
لقد نال كفايته من الإحراج بخصوص الرسائل، ولا يرغب أن تقع إيزابيلا ضحية لتعليقات إيدوارد اللاذعة.
لكن إيزابيلا لم تتجاوز الأمر.
بل تمسّكت به.
“نعم… الرسائل.”
رفعت نظرها نحو ثيو وسألته:
“قال لي سموّه إنك لم تتلقى أيًا من رسائلي في الأشهر الأخيرة، أليس كذلك؟“
“…نعم.”
كان موضوعًا يشغل الجميع، فتوجهت أنظار الثلاثي نحو الحديث بفضول بالغ.
“غريب… كنت أرسلها كل يوم، كعادتي.”
“……”
“في الواقع، أنا أيضًا لم تصلني رسائلك.”
“ماذا؟!”
بدأت ملامح الحزن تظهر على وجهها.
“لا أظن أنك امتنعت عن الكتابة، صحيح؟“
“كنت أكتب، يوميًّا.”
“كنت أتوقع ذلك… لكن عندما لم تصلني رسائلك، أقلقني الأمر بشدة. ظننت أن مكروهًا قد أصابك.”
“…وأنا أيضًا.”
توقف ثيو فجأة، والتفت إلى ليكاردو، ليبادله النظرة.
“يبدو أنني… بدأت أفهم.”
قالها ليكاردو بصوت تغمره الحسرة، مع ابتسامة باهتة من الندم.
“تفهم ماذا؟! عن ماذا تتحدثون؟!”
صرخ إيدوارد بنفاد صبر.
“أوه، لا تبدأون بسرّكم الخاص من جديد! أنا دائمًا المستثنى في هذه المجموعة!”
“لقد قلنا ذلك سابقًا، لكنك لم تنتبه.”
علّق جوشوا بلهجة توبيخ.
ضرب إيدوارد صدره بقوة، مستنكرًا:
“متى؟! لا أتذكر شيئًا!”
لكن الرد لم يأتِ من أحدهم… بل من شخصٍ آخر تمامًا.
“أحدهم كان يسرق الرسائل.”
التفت الجميع دفعة واحدة نحو مصدر الصوت.
كانت كاساندرا، ترتدي بنطالًا ضيقًا وتحمل كأس بيرة، تتقدم نحوهُم.
“أوه! جوشوا، تلك الفتاة تشبه دايفيد!”
قالها إيدوارد بدهشة.
“لا تُشبهني! هل فقدت بصرك؟! كيف أشبه صخرة تمشي على قدمين؟!”
انفجر دايفيد منزعجًا.
أثارت ملاحظة إيدوارد الصريحة غضب كاساندرا.
‘مع أني أراها فعلاً تشبهه…’
هكذا فكّرت إيزابيلا وهي تتنقّل بنظرها بين دايفيد وكاساندرا، لكنها امتنعت عن قولها.
فهي تعلم جيدًا أن كاساندرا تكره أن يُقال إنها تشبه شقيقها التوأم.
فحيّتها بلطف بدلًا من ذلك:
“شان! لم أتوقع قدومك أيضًا.”
“وأنتِ؟ هل تظنين أيضًا أني أشبه ذاك الشخص؟“
“أنتِ أجمل منه بكثير.”
“تبًّا، حتى نظركِ معطوب.”
قالت كاساندرا وهي تنقر لسانها وتشيح بوجهها.
“إذن أنت البطل الحربي الشهير الذي تتحدث عنه الألسن؟ تشرفت، أنا كاساندرا باتوكا، رئيسة نقابة باتوكا. يمكنك مناداتي بشان.”
“تشرفت بلقائك.”
“باتوكا؟ لحظة، هل أنتما من نفس العائلة؟!”
صاح إيدوارد بصخب، فما كان من جوشوا إلا أن يضغط على قدمه مجددًا.
“اخفض صوتك قليلاً.”
“آخ، هذا مؤلم! ألا يحق لي أن أطرح سؤالاً؟!”
“نعم، نحن توأمان.”
رغم أن الإجابة كانت متوقعة، إلا أن عيني إيدوارد اتسعتا وهو ينظر إليهما بتعجب.
ورغم تلاقي نظرات التوأمين، إلا أنهما أشاحا بوجهيهما في اللحظة نفسها، دون حتى تبادل تحية.
لم يلتقيا منذ عامين، لكن ملامح البرود بينهما كانت نموذجًا تقليديًا للأشقاء الذين يملكون علاقات متوترة.
قالت كاساندرا:
“جوشوا، مضى وقت طويل.”
“أجل، كذلك.”
وحين انتهت من تحيّة جوشوا، الذي عرفته منذ صغرها، عادت إلى الموضوع الأساسي.
“على أي حال، بخصوص الرسائل…”
لكن ليكاردو قاطعها فجأة:
“كاساندرا، أليستِ قاسية؟“
“……”
“ألستِ مسرورة لرؤيتي؟ ألا تسألين حتى إن كنت بخير؟ لقد عدت من ساحة الحرب كما تعلمين.”
“……”
“يا للروعة. قبل عامين كنتِ غاضبة جدًا لأنني ذاهب إلى الحرب، والآن تتجاهلينني تمامًا.”
“متى قلت ذلك؟!”
“أذكر جيدًا كيف انفجرتِ غضبًا، تقولين كيف يجرؤ الماركيز أن يرسل وريث عائلة الماركيز إلى الجبهة!”
“كان ذلك لأن موتك حينها كان سيضعنا نحن عائلة باتوكا في موقف حرج!”
صوتها ارتفع، واحمرّت رقبتها من الانفعال، وحتى أطراف أذنيها لم تسلم من ذلك الاحمرار، مما جعل إيزابيلا تهمس في نفسها تنهيدة خفية:
‘إذن كانت الشائعات صحيحة…’
لقد سمعت بهذا في نهاية حياتها السابقة، وها هي تؤكد الآن صحته.
السبب الذي جعل كاساندرا لا تتغاضى عن شؤون بيت الماركيز ببساطة، لم يكن فقط لأن عائلتها تتبع لها.
تلك كانت حجة تُقال للعامة فقط.
‘كانت تحبّه حقًا.’
كاساندرا كانت تكنّ مشاعر حقيقية لـ ليكاردو.
وبسبب القرب العائلي، كانا صديقين مقربين منذ الطفولة، هو وهي ودايفيد وجوشوا.
كانوا دومًا معًا، يتبادلون المزاح ولم يكن بينهم أي حواجز جسدية أو نفسية.
ولذلك، لم يشك أحد بمشاعرها.
لكن كاساندرا قطعت تلك اللحظة، ولو بجفاء مفتعل، ولوّحت بيدها وكأنها تُبعد عن نفسها المشاعر:
“كفى هذا، أتيت لأحدثكم عن الرسائل.”
عاد الموضوع الأساسي ليخيم على الجو، حتى ليكاردو الذي كان يمزح قبل قليل لاذ بالصمت.
“ظهورها المفاجئ كـ استثناء غير متوقعة أثار فضولي. كيف وصلت إلى نظر الماركيز؟“
لم تخفِ أنها قد حقّقت بشأن إيزابيلا، لكن إيزابيلا لم تتفاجأ؛ فقد توقّعت ذلك.
“بمجرد أن علمت أن موطنها هو كوم، عرفت أن لها حبيبًا هناك. لم يكن من الصعب معرفة ذلك.”
فقط سؤال أي شخص من البلدة سيؤكد أن لثيو علاقة بها.
“لكن الجميع كان يضيف شيئًا غريبًا… أن تلك الفتاة، على ما يبدو، قد تم التخلي عنها.”
اهتزّت كتفا إيزابيلا، واتسعت عينا ثيو بدهشة.
“قالوا إن رسائل حبيبها، الذي ذهب إلى الحرب، توقّفت فجأة منذ مدة.”
ساد الصمت بين الجميع.
كانوا هم يشكّون في نواياها في أرض المعركة، بينما كانت هي في قريتها تُثير الشفقة.
“ولم يكن من الصعب أن أكتشف أن هذا الحبيب كان أحد جنود فرقة ليكاردو.”
يكفي فقط تتبّع مصدر الرسائل لمعرفة ذلك.
“وعندما علمت بذلك، تساءلت… هل من المعقول أن يحتفظ ليكاردو بمثل هذا الشخص عديم الوفاء إلى جانبه؟“
لم تكن تؤمن حينها بطهارة نوايا ثيو أو بحبّ المرأة، بل كانت تثق فقط بحسّ ليكاردو في الحكم على الناس.
“ثم اكتشفت أن الأمير فايتشي زار كوم سرًّا.”
“……!”
اتسعت أعين الجميع، بما فيهم ليكاردو، وتلقائيًا، أمسك ثيو خصر إيزابيلا بشدّة.
“وعندما قارنت التوقيتات، وجدت أن توقف الرسائل حدث تمامًا عند تلك الزيارة.”
عندها بدأت كاساندرا بالتحقيق في تحركات فايتشي واختفاء الرسائل.
“إذًا… هل كان الأمير هو من أخذ الرسائل؟“
سألتها إيزابيلا.
“نصف صحيح ونصف خطأ.”
زمّت كاساندرا شفتيها كما لو أنها تحتقر حتى فكرة ذكره.
“هو من أمر بأخذها، لكن من جمعها لم يكن هو نفسه.”
فقد قامت برشوة ساعي البريد الذي كان يأخذ الرسائل خلسة لقاء المال، ثم استخرجت منه باقي المعلومات.
“قال الساعي إن الرجل الذي تسلّم الرسائل لم يتخلص منها، بل احتفظ بها.”
“من هذا الذي جمعها؟“
اتضح أن الرسائل لم تصل قط إلى يد الأمير.
“ذلك الحقير حتى لو وصلته لما قرأها أصلاً. ليس من النوع الذي يقرأ رسائل الحب ويحتفظ بها.”
غالبًا ما يكون قد أمر بإتلافها مباشرة.
“إذًا، من احتفظ بها؟“
“الكلب الذي يلازمه دائمًا.”
رغم أن تعبيرها كان فظًّا، فهم الجميع على الفور من تعني.
“السير كارتر…؟“
هل يُعقل أن ذاك الرجل هو من جمع رسائلها ورسائل ثيو واحتفظ بها؟
حتى إيزابيلا لم تكن تتوقع ذلك إطلاقًا.
——
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"