لن أخدع مرتين [ الفصل 22 ]
اهتزّ بريق عيني ليكاردو.
انحنت إيزابيلا مجددًا تحيةً له، ثم غادرت المكان بهدوء.
ومع بقائه وحده، ازدادت تجاعيد جبين ليكالدو عمقًا.
‘ تقول إنها لم تتوقف أبدًا عن إرسال الرسائل… ؟‘
عبث الارتباك بأفكاره.
‘ إذًا، هل يُعقل أن فايتشي فعلًا… ؟‘
حين تلقّى رسالة والده، كان يظن أنّ فايتشي من اختلس الرسائل.
لكن …
‘ بيلا.’
تغيّر تفكيره منذ أن رأى ردة فعل ثيو عند ظهورها في حفل النصر.
كانت سليمة تمامًا لدرجة لا تسمح بتصديق أنها وقعت ضحية مكيدة.
بل وأكثر من ذلك، كانت جالسة في المقعد المخصّص لعائلة الماركيز، حيث يجلس والده عادةً.
هل يُعقل أن تكون تلك المرأة هي المستدعية التي تحدّث عنها والده؟
وحين امتدّ تفكيره إلى هذا الحد، أدرك ليكاردو الحقيقة.
لو علم فايتشي أنها مستدعية أرواح، لما اكتفى بقطع الرسائل؛ بل لبادر بسحبها مباشرة إلى قصره.
كونها ما تزال بخير، بل وتعيش تحت حماية بيت ماكا، يعني شيئًا واحدًا:
أن فايتشي لم يتمكّن منها.
وبالتالي، لم يتبقَ إلا احتمال واحد:
أنها بالفعل تخلّت عن ثيو.
وحين استقرّ هذا الظن في رأسه، بدأت مخيلته تنسج ما تبقى من السيناريوهات.
طريقة ارتباكها حين رأته ونظراتها المترددة… أكّدت له أنها مذنبة.
لكن …
‘ أنا لم أتوقف أبدًا عن إرسال الرسائل.’
لقد أساء الفهم تمامًا.
“آه …”
احمرّ وجه ليكاردو حتى بلغ أذنيه.
“يا لي من أحمق …!”
عاد مجددًا لنسج الأوهام والتشكيك دون وجه حق، رغم وعده لنفسه أن لا يكرر ذلك.
حقًا، كما يقولون “ الطبع يغلب التطبع.”
بدأت كلماته المجحفة لإيزابيلا تعود إلى ذهنه واحدة تلو الأخرى.
كم بدا مضحكًا وهو يغضب، ويتوهّم، ويفرغ غضبه… وحده.
“تبًا …!”
لو وُجد جحر فأر الآن، لتمنى أن يدخل فيه.
في تلك اللحظة، نظر الخدم الواقفون في الردهة إلى سيدهم وهو يحك رأسه بوجه محمرّ، فبادلوا بعضهم النظرات مستغربين حاله.
***
كان العشاء على طراز البوفيه المفتوح، وذلك تجنبًا لأن يشعر الجنود بالحرج لو فُرض عليهم نمط رسمي.
دخلت إيزابيلا القاعة مرتديةً الفستان نفسه الذي ارتدته أثناء مراسم النصر.
‘ وصلوا مبكرًا.’
كان الجنود قد بدأوا بالفعل في تناول الطعام وتبادل الأحاديث والضحكات.
بعضهم حافظ على زيّه العسكري، وآخرون اختاروا ملابس مريحة.
بعكس أجواء الحفلات الرسمية، سادت هنا أجواء حرة وعفوية.
‘ حتى سعادة النائب وصل باكرًا.’
رأت إيزابيلا ليكاردو يرتدي قميصًا خفيفًا، فتقدّمت نحوه.
“ الطقس مناسب جدًا للعشاء. كنت أخشى أن يبرد الجو بعد الغروب، لكن يبدو أنه دافئ بما يكفي.”
“همم .”
رغم محاولتها اللطيفة لفتح الحديث، أدار ليكاردو وجهه بعدما سعل خفيفًا، محاولًا تجاهلها.
احمرّت أطراف أذنيه، لكنها لم تلاحظ ذلك، وظنّت أنه لا يطيق رؤيتها، ما أحزنها قليلًا.
لكنها كتمت خيبة أملها، وأكملت حديثها بابتسامة:
“ تفضّل، هذه هي الهدية التي وعدتُك بها.”
نظر ليكاردو بطرف عينه إلى العلبة الصغيرة التي ناولته إيّاها.
“ ستقبلها… أليس كذلك؟“
شعرت بالقلق، هل سيرفضها لمجرد أنه لا يحبها؟
ولحسن الحظ، أخذ فيكاردو العلبة.
“ كان عليكِ التركيز على تدريباتك، لا تضييع الوقت في إعداد هدايا.”
قالها على سبيل التغطية على خجله، وكأنه يلومها.
لكن إيزابيلا لم تعتبر كلماته توبيخًا، بل ردّت عليه بابتسامة دافئة:
“ كنت أتدرّب وأصنعها في الوقت ذاته. افتحها وسترى.”
“همم .”
كلما زادت ابتسامتها إشراقًا، شعر ليكاردو بثقل الذنب لما قاله لها في السابق.
حاول أن يبدو هادئًا وهو يفكّ شريط العلبة.
في داخلها، وُجد شارة بحجم عقلة إصبعين، بشكل درع نُقش عليه شعار عائلة الماركيز ماكا.
رغم أنها لم تكن دقيقة الصنع كقطعة من عمل الحرفيين، إلا أن العناية التي أُدخلت فيها كانت واضحة.
“ من أين حصلتِ على شيء كهذا… ؟“
وقبل أن يكمل سؤاله، أمسك بالشارة، فتوقّف الكلام في حلقه.
بمجرد أن لامسها، شعر بطاقة الأرواح تتسلل عبر يده بهدوء.
“هذا …”
“ صنعتُه بنفسي. قد لا يبدو متقنًا من الخارج، لكن القوة التي يحتويها متينة.”
التفت ليكاردو إليها بذهول.
كانت تبتسم ببراءة، وكأنها لا تدري مدى قيمة ما أعطته له.
“ هل تعلمين كم تُباع أدوات الأرواح؟“
“ هممم… سمعت أن زرًا صدئًا بيع بمزاد بمبلغ ستمئة شيلينغ مؤخرًا.”
ستمئة شيلينغ… كان ذلك يعادل راتب نصف عام لفارس عادي من القصر الإمبراطوري.
رغم أن تلك القطعة التي بالمزاد بالكاد احتفظت بأثر لطاقة الأرواح، وكانت في حالة يُرثى لها.
“ وأنت تعرفين هذا، ومع ذلك تهدينني أداة روحية مصنوعة حديثًا؟“
نظر إليها بدهشة لا تخلو من الاستنكار.
لكن إيزابيلا كانت هي الأخرى مندهشة من كلماته:
“ تُهدي؟! ما هذا الكلام؟“
ارتاح ليكاردو قليلًا من ردّها، وسأل بتردد:
“ إذًا… لا بد أنك تنتظرين شيئًا في المقابل، أليس كذلك؟“
“ سعادة النائب دفع ثمنها مسبقًا.”
“ لأنك مستدعية الأرواح التابعة لعائلتنا؟ حتى مع ذلك، لا يمكن صنع أدوات كهذه بسهولة، تعلمين هذا، صحيح؟“
ظنّ ليكاردو أن صنعها للهدية كان بدافع مسؤوليتها كخادمة روحانية للعائلة.
لكنها ابتسمت برقة، وشرحت:
“ لا، ليس لهذا السبب.”
“ ماذا؟“
“ لقد سبق وقدّمتَ لي ما هو أعظم من ذلك، على ساحة المعركة، حين ساعدتَ ثيو.”
توسّعت عيناه قليلًا، وقد بدا عليه التأثر.
“ والحقيقة أنني استخدمت مناسبة النصر كذريعة فقط… كنت أودّ شكرك فحسب. لذا أهديتك هذا.”
كانت كلماتها صادقة، نقية من أي مصلحة.
رأى ذلك جليًّا في عينيها، فانحنى برأسه، عاجزًا عن مواجهتها.
عضّ شفته السفلى، محاولًا كبح مشاعر الذنب التي اجتاحته.
“ أنا آسف.”
“ عفوًا؟ آسف لي أنا؟“
“ لقد ظننت بك ظنًّا سيئًا.”
“…”
“ كنت أعتقد أنك تخلّيتِ عن ثيو، ونسجتُ في رأسي أفكارًا بغيضة لا تُغتفر… لكنكِ…”
أحاطه الخجل من كل جانب.
“ حتى لو امتلكت عشرة أفواه، لما وجدت كلامًا يليق بالاعتذار.”
شعر بالعار لأنه تأخّر في قول هذا.
لم يستطع أن يرفع رأسه.
“ سعادة النائب…”
مالت إيزابيلا برأسها إلى الجانب ونظرت إليه مباشرةً.
ولمّا التقت أعينهما ورفع ليكاردو نظره قليلاً، ابتسمت له وقالت:
“ كنتُ سعيدة.”
“ ماذا؟“
“ لأنك غضبتَ لرؤيتي، ولأنك ظننت ما ظننته… كل ذلك فقط لأنك تضع ثيو في مكانة عزيزة لديك، أليس كذلك؟“
“……”
“ لأنك غضبت لأجله، أسعدني ذلك كثيرًا.”
“هاه …”
كلماتها تلك لم تُطفئ شعور ليكاردو بالذنب، بل زادته ثقلًا.
‘ كيف أمكنني أن أسيء الظن بفتاة مثلها؟‘
‘ حتى لو كان مجرد سوء فهم، أشعر وكأنني أحقر رجل في هذا العالم.’
‘ الآن فهمت لماذا كان ثيو يثق بها ثقة عمياء.’
لو كنت مكانه، لفعلتُ الشيء ذاته.
كيف لا يثق بها؟!
العيب لم يكن فيه، بل كان طبيعيًا تمامًا.
“ إذًا… ستقبل الهدية، صحيح؟“
“… سأستخدمها جيدًا.”
أجاب ليكاردو بابتسامة مترددة، لم تكن طبيعية.
لكن حتى تلك الابتسامة المتكلفة جعلت إيزابيلا تشعر بسعادة، فردّت عليه بابتسامة مشرقة.
كان مجرد رؤيتها لابتسامة لم ترها في حياتها السابقة، إنجازًا كبيرًا بالنسبة لها.
وفجأة…
“ بيلا.”
صوتٌ جميل، زاد لحظتها بهجةً.
التفتت نحو مصدر الصوت، فارتفعت خصلات شعرها الكثيف المتجعد مع حركتها ثم انسدلت.
“ثيو !”
كان يرتدي ملابس مريحة، مختلفة عن الزي العسكري الذي رآه الناس به في وقت سابق من النهار.
ركضت نحوه دون تردد، وألقت بنفسها بين ذراعيه المفتوحتين.
حين احتواها في حضنه القوي، شعرت وكأن العالم بأسره صار ملكها.
“ وصل الجميع؟“
بالنسبة لـ ليكاردو، الذي كان يشعر بعدم الارتياح لبقائه مع إيزابيلا على انفراد بعد ما بدر منه، كانت عودة الأصدقاء مُرحَّبًا بها.
“ ثيو، ألا ترى أن تصرفك فظّ؟ لم تُلقِ التحية عليّ حتى.”
قالها أحدهم بنبرة عتاب، لكن الابتسامة على وجهه لم تفارقه.
“ مولاي، سامحه. ألم يمضِ عامان كاملان دون أن يراها؟“
علق جوشوا مازحًا وهو يدخل مع ثيو.
“ لتذهب كل العلاقات إلى الجحيم!”
قالها إيدوارد من جانبه وهو يتظاهر بالبصق، مستاءً.
أما دايفيد، فنظر إليه وحرّك رأسه مستنكرًا طفوليته المعتادة.
إيزابيلا، التي ضحكت من تناغمهم وتفاهمهم، خرجت من حضن ثيو وحيّت الجميع:
“ سُررت برؤيتكم مجددًا.”
تنوعت ردود أفعال الثلاثة على تحيتها، كلٌّ على طريقته.
———
تفاجأ ثيو قليلًا عندما رآها تتحدث معهم وكأنها تعرفهم.
فأوضحت له أنها زارت مقر إقامتهم سابقًا للبحث عنه، وأخبرته بما حدث هناك.
“ لم أكن أعلم أنكِ التقيتِ بالجميع.”
“ في الواقع، لم أتمكن من تحيتهم بشكلٍ لائق، فقد كنت أبحث عنك.”
“ بمجرد ما أخبرناها أنك ربما في القصر الإمبراطوري، انطلقت تركض نحوه وكأنها سهم.”
قالها جوشوا مؤيدًا كلامها.
“ أعتذر إن كنتُ تصرفتُ بوقاحة… لم ألقِ التحية كما ينبغي…”
قالت ذلك وهي تنحني قليلاً، تستعيد المشهد في ذهنها.
“ لم تكوني وقحة إطلاقًا. لقد ألقيتِ التحية ورحلتِ كما ينبغي.”
طمأنها جوشوا بابتسامة.
“ أما أنا، فلم أتمكن من تحية أحد كما– آخ!”
تألّم إيدوارد فجأة، بعدما ضغط جوشوا على قدمه ليمنعه من إحراجه.
“ حقًا! كل مرة تضغط على قدمي بدلًا من الحديث! لن تبقى لي قدم سليمة بفضلك!”
“ متى ستنضج أخيرًا وتناديني بأخي؟“
“ أنت؟ شخص متذاكٍ مثلك؟ لا تستحق لقب الأخ. هاي!”
وكالعادة، لم يفوّت الاثنان فرصة للتشاجر، وكأنهما يسابقان الزمن لتحقيق حصة اليوم من الجدال.
“ يبدو أن علاقتكما طيبة.”
“ أنا وهو؟ أبدًا لا!”
قالها أحدهما.
“ ليست علاقة طيبة… لكنها ليست سيئة كذلك.”
ردّ الآخر.
حتى في الإجابة، اختلفا.
نظر أحدهما للآخر بدهشة واستنكار، بينما أطلقت إيزابيلا ضحكة، وأخرجت صندوقًا كانت قد أعدّته مسبقًا.
ورغم أن العشاء مقام في منزل الماركيز، كانت قد أحضرت حقيبة خصيصًا لهذا الغرض.
“ في الحقيقة، أعددت شيئًا بسيطًا لأجلكم… هل تسمحون لي بتقديمه؟“
——
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 22"